![]() |
![]() |
المناسبات |
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|||||||||
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#1 |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه فهذه حلقات نشرها الشيخ عبد الله بن محمد الشمراني وفقه الله ونشرها في كتاب أسماه ( مزالق في التحقيق ) وهو كتاب مفيد لطالب العلم لكي لاينخدع ببعض النشرات . الحلقة الأولى : تحظى كتب التراث الإسلامي في عصرنا هذا باهتمام بالغ على مستوى المؤسسات العامة والخاصة، وانتعشت حركة التحقيق في السنوات الأخيرة إلى درجة كبيرة، ولله الحمد. ومع ذلك نجد مزالق عدة في طرق التحقيق، وهي أمور ما كان ينبغي أن تظهر، ولا سيما ما يترتب عليها من مفاسد، سيأتي بيانها، لذا أحببت التنبيه على بعضها هنا على حلقات ستنشر تباعاً، إن شاء الله. فأقول وبالله التوفيق: من مزالق التحقيق الغش والتدليس الذي يمارسه بعض المحققين حيث يأتون إلى كتاب مطبوع، اجتهد أحد الباحثين في تحقيقه ونشره، فيقومون بنشر هذا الكتاب من جديد ويدّعون أنهم اعتمدوا في تحقيقه على نسخة خطية، ويؤكدون ذلك بنشر صورة منها في الكتاب. وفي الواقع نجدهم لم يعتمدوا عليها، وقد يكونوا لم يطلعوا عليها أصلاً، والله أعلم بحقيقة الحال. والذي يفضح هؤلاء أنك لا تجد مطابقة بين نماذج المخطوط الذي وضعوا صورته في الكتاب وبين طبعتهم من الكتاب. ومثال ذلك: كتاب: «الداء والدواء» لابن القيم، تحقيق أخينا الشيخ: علي بن حسن الحلبي وفقه الله؛ فقد قال في مقدمة تحقيقه ل «الداء والدواء» ﴿ ص ۳ ﴾. * وذلك عن نسخة مخطوطة قدمها إلي الأخ *وسمّاه*. وترى صورتها في آخر الكتاب). هكذا دون وصف هذه المخطوطة التي ذكرها، وما مصدرها الأصلي، وكم عدد ورقاتها، وما قيمتها العلمية .. ونحوها من الأمور المعروفة عند من يحققون الكتب عن نسخة خطية. وقد وضع هذا المحقق صورة الصفحة الأولى والأخيرة من هذا المخطوط في آخر تحقيقه ﴿ ص ۳۷٦ ۳۷۷ ﴾. وعند المقابلة بين الصفحتين وما يقابلهما من طبعته من الكتاب؛ نعلم أن المحقق لم يعتمدها في تحقيقه المزعوم. وهذا نص افتتاحية النسخة الخطية المعتمدة التي وضع صورتها: (بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن يا كريم. ما تقول السادة العلماء، أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في: رجل ابتلي ببلية، وعلم أنها استمرت به أفسدت دنياه وآخرته . ... ). وهذا نص افتتاحية نسخته المطبوعة: (بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين *. * استمرت به أفسدت *عليه* دنياه وآخرته .... ). وعند المقارنة بدون أدنى تأمل ستجد أنَّ ما وضعته لك بين معكوفين موجودٌ في نسخته المطبوعة، وهو غير موجودة في النسخة المخطوطة وجملة: (رب يسر وأعن يا كريم) موجودة في المخطوطة المعتمدة، وهي غير موجودة في نسخته المطبوعة. وعند المقارنة بين آخر النسخة المخطوطة، وآخر النسخة المطبوعة ستجد مثل ذلك، مما يجعلك تجزم بأنَّ المحقق غفر الله لنا وله لم يعتمد هذه المخطوطة، والله أعلم هل رآها كاملة، وهي في حوزته، أو لا؟ وهذا نص خاتمة النسخة الخطية المعتمدة التي وضع صورتها: (وصلى الله على سيدنا، ومولانا، وحبيبنا، وشفيعنا محمد، وآله الطيبين الطاهرين . .. وحسبي الله ونعم الوكيل ... وكان الفراغ من نسخ هذا الكتاب المبارك: سابع شهر ... وصلى الله على سيدنا محمد ... وإن تجد عيباً فسد الخللا وهذا نص خاتمة نسخته المطبوعة: (وتمت الفتوى الشريفة بحمد الله وعونه. هذه مقتطفات من خاتمة النسخة الخطيّة المعتمدة، ومن نسخته المطبوعة، وقد رأيت أخي القارىء عدم التوافق بينهما. وإليك بعض الكلمات الموجودة في المخطوطة المعتمدة، وذكر ما يقابلها في مطبوعته؛ علماً بأنه لم يُشر إلى هذه الفروق في هوامش نسخته، وذكرت أولاً ما في المخطوطة المعتمدة، ثم ذكرت بعدها ما جاء في مطبوعته: من أوّل الكتاب: (قال الشيخ الإمام العالم العلامة مفتي المسلمين شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب إمام المدرسة الأيوبية رحمه الله ورضي عنه فكتب الشيخ رضي الله عنه)، (الحمد لله ثبت في: «صحيح البخاري» = الحمد لله أما بعد: فقد ثبت في: «صحيح البخاري»، (رسول الله صلى الله عليه وسلم = النبي صلى الله عليه وسلم). من آخر الكتاب: وتحت قوله تعالى: (رب العرش العظيم الكريم = رب العرش الكريم). هذه عدة فروق وردت في أوّل وآخر صفحة من المخطوطة، مع ما يقابلها من المطبوعة، فكيف بباقي الكتاب؟ ولقد تمكنت مؤخراً من الحصول على صورة كاملة للنسخة الخطية التي وضع المحقق صورتها في آخر الكتاب، وتمت مقابلة عشرات الأوراق منها بما يقابلها من المطبوع، فازداد يقيني بأن المحقق غفر الله لنا وله لم يعتمدها أصلاً، بل ولم يعول عليها. وقد يقول قائل: لعله اعتمد هذه النسخة الخطية مع نسخة أخرى، وهذا بعيد؛ إذ لو اعتمد نسخة خطية غيرها لذكرها، مع وضع نماذج لها في الكتاب، ذاكراً الفروق بين النسختين، كما يفعل المحققون في الأعمال العلمية الموثوقة. ومما يؤكد بُعد ذلك؛ قوله عن المخطوطة التي وضع صورتها: (صورة الصفحة الأولى من النسخة المعتمدة). و (صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المعتمدة). وتأمل قوله: (النسخة المعتمدة). فالصورة الموجودة في آخر الكتاب هي للمخطوطة المعتمدة في التحقيق كما صرح بذلك المحقق في موضعين. وبالتالي نعلم يقينا أن المحقق عفا الله عنا وعنه لم يعتمد هذه النسخة، بل رجع إلى نسخة مطبوعة، وأعاد صفها من جديد، ناسبا الفضل لنفسه، والله المستعان. : (فجزاه الله تعالى خير الجزاء). فقد وضع حاشية على ذلك قال فيها: (هذا من كلام ناسخ الأصل). قلت: أي (أصل) يعني؟ فهذا الكلام لم يرد في المخطوطة المعتمدة عنده. أخي القارىء: لم أقصد في مقالي هذا المحقق بعينه، بل ذكرته نموذجاً، وإلا وقع لي غيره ممن فعل ذلك. وقد ذكر شيخنا المحدث أبو الأشبال أحمد شاغف حفظه الله في كتابه: «التعليقات المفيدة» ﴿ ص ۱۱ ۳٤ ﴾ أنَّ الدكتور بشار عواد وفقه الله سرق جهد العلامة عبدالصمد شرف الدين رحمه الله في تحقيقه لكتاب المزي: «تحفة الأشراف». وقد ذكر الدكتور بشار في مقدمة تحقيقه أنه رجع إلى نسخ خطية، ووضع صوراً لها في مقدمة تحقيقه. وبين المحدث أبو الأشبال أن بشاراً اتكأ على طبعة الشيخ عبد الصمد، وأعاد صفها من جديد، بل ولم يصحح الكثير من أخطائها، التي جاءت على الصواب في النسخ الخطية التي ذكر أنه رجع إليها، والله المستعان. وأخيرا: هذا العلم دين، وعلينا أن نتقي الله فيه. وأستودعكم الله، إلى لقاء آخر، في الحلقات القادمة، عن مزالق في التحقيق. اثبت وجودك
..
|
![]() من مواضيعي في الملتقى
|
|
|
|
|
|
|
#2 |
|
|
مزالق في التحقيق (الحلقة الثانية) قراءة في كتاب: «الداء والدواء» بتحقيق الشيخ: علي الحلبي عبدالله بن محمد الشمراني تكلمت في الحلقة الأولى عن المزلق الأول من مزالق التحقيق وهو ادعاء بعض المحققين الاعتماد في اخراج الكتاب على مخطوط، وفي الواقع نجد ان طبعتهم مسروقة من طبعة أخرى، أو ملفقة من عدة طبعات، ولم يقابلوا الكتاب على المخطوط الذي تحدثوا عنه، ونشروا نماذج منه في الكتاب، وبينت كيفية كشف هؤلاء. فاليوم في هذه الحلقة الثانية سأتحدث عن المزلق الثاني والثالث من مزالق التحقيق. فأقول وبالله التوفيق: المزلق الثاني: الإحالة إلى غير مليء، أو الإحالة إلى الفرع دون الأصل. وأعني بهذا ان يعمد المحقق إلى توثيق النصوص الواردة في الكتاب من كتبه هو، ويترك الكتب الأصول التي أخرجت هذا النص. فبعض المحققين يحقق كتاباً فيأتي إلى بعض نصوصه ويخرجها بكلام مختصر جداً، ويحيل على كتب له، بحجة عدم الإطالة، علماً بأنه يطيل في مواضع أخرى من الكتاب نفسه. والأصل ان يتكلم عن هذا النص في موضعه من هذا الكتاب، فقد لايتيسر الوقوف على كتابه الآخر، هذا إن كان ما أحال إليه كتاب مطبوع، أو موجود فعلياً، لا ذهنياً، (راجع المزلق الثالث: الإحالة إلى معدوم). ومثال ذلك: قول محقق: «الداء والدواء» - وفقه الله- (ص134): (حديث حسن؛ انظر تخريجه وشرحه في الوجه التاسع والأربعين من وجوه تفضيل العلم في: «مفتاح دار السعادة» رقم: (1-170) للإمام ابن القيم - بتحقيقي) أ.هـ. وقال (ص181) من الكتاب نفسه: (أثر صحيح؛ انظر تخريجه في رسالة: «اتباع الرسول بصحيح المنقول وصريح المعقول» (ص35) لابن تيمية، وموار الأمان (ص40) لابن القيم) أ.هـ. وقال (ص 361) من الكتاب نفسه: (حديث صحيح؛ ينظر تخريجه في تعليقي على: «جزء اتباع السنن» رقم: (51) للضياء المقدسي) أ.هـ. وهكذا غيره كثير، يتركون التخريج العلمي، ولو مختصراً، ويحيلون إلى كتبهم، ولو مخطوطة، بل بعضهم يحيل على كتاب له، ويصرح بأنه لم يكتمل بعد. والسؤال العلمي الذي يطرح نفسه: هل يسمى هذا الكلام تخريجا علميا للأحاديث، وتوثيقا منهجيا للنصوص والمسائل؟ وماذا يستفيد القارئ من هذا الكلام؟ فإذا كان القارئ حريصا على معرفة من أخرج هذا الحديث، فهو بين خيارين: الخيار الأول: ان يبحث بنفسه في كتب الحديث لمعرفة من أخرج هذه الأحاديث. والخيار الثاني: ان يشتري كتب هذا المحقق التي أحاله إليها، لمعرفة من أخرج هذا الحديث. وفي كلا الحالين لم يستفد القارئ من هذا الكتاب بهذا التخريج. وانظر: «الداء والدواء» بتحقيق أخينا الشيخ الحلبي؛ الصفحات: (6 ، 74 ، 93 ، 126 ، 132 ، 168 ، 186 ، 200 ، 202، 203، 220، 255، 276، 277، 281، 296). فالمحقق - وفقه الله - يكتفي في تخريجه للأحاديث بالإحالة إلى كتبه، وأحياناً إلى كتب الإمام الألباني برد الله مضجعه. وما يدخل تحت هذا المزلق (الإحالة إلى غير مليء، أو الإحالة إلى الفرع دون الأصل): ان بعض المحققين كلما جاء موضع لأمر قد تكلموا عليه في كتبهم أشاروا إلى ذلك، فيقولون: (انظر إلى كتابي كذا) أو يقول: (انظر إلى كتاب كذا بتحقيقي) بل بعضهم يحرج القارئ بقوله: (انظر -لزاماً -إلى كتابي كذا) وتأمل قوله: (لزاماً). ولهذه المسألة أمثلة عدة في تحقيق الشيخ الحلبي، كما تراها في بعض الأرقام التي ذكرتها قبل قليل. وهي عادة جرى عليها الحلبي في أكثر كتبه. وما أدري لماذا يترك هؤلاء المصادر الأساسية التي أخذوا هم منها، ويجعلون كتبهم مصدراً للعلم، مع توفر الكتب الأصلية، وبأكثر من طبعة. وقد ذكر أخونا الحلبي الإمام السيوطي في كتاب: «التعليقات الرضية» (1-25) وذكره جاء عرضاً، ومع ذلك؛ ومع شهرة الإمام السيوطي، قال الحلبي (وهو محقق الكتاب) في الهامش: (انظر ترجمته في مقدمة تحقيقي ل: «المصابيح في صلاة التراويح»، وهي مطبوعة..). وما أدري لماذا ترك المصادر الأساسية التي أخذ منها، وجعل كتابه مصدرا لترجمة السيوطي، ويحيل إليه؟ وإذا كان الأمر للمعاصرة؛ فهناك الكثير من الدراسات الحديثة ترجمت للسيوطي ولامقارنة بين أسلوبها العلمي، وأسلوب أخينا الحلبي، والسيوطي ترجم لنفسه في كتابه: «حسن المحاضرة»، وهي أوثق من ترجمةالحلبي، وغيره، فلِمَ لايحيل إليها؟ علماً بأن هناك من هو أولى بالترجمة، أو الإحالة إلى ترجمته من السيوطي، وهو الإمام الشوكاني صاحب الكتاب الأصل «الدراري المضية شرح الدرر البهية»، وقد ورد اسمه، فهو أولى بالترجمة ممن جاء اسمه عرضا، وليس له دخل في الكتاب. وقد ورد اسم غيره؛ ك: النووي، واللكنوي، والكتاني، وأحمد شاكر، وغيرهم، فلم يحل إلى تراجمهم؟ أخي القارئ: لم ينفرد الشيخ الحلبي - وفقه الله - بهذا المزلق، بل شاركه بعض المعتنين بالتحقيق، ولولا خوف الإطالة لضربت بعض الأمثلة على ذلك. ومن مفاسد هذا المزلق (الثاني): اتعاب القارئ في تتبع الكتب؛ لمعرفة أمر كان بالإمكان ان يكون بين يديه. ومن مفاسده أيضاً: صرف الناس عن الكتب الأصول، إلى كتب معاصرة لاتقارن بها. ومن المفاسد أيضاً: إساءة الظن بالمحقق، حيث يعتقد الناس أنه يقصد بهذا الأسلوب الدعاية لكتبه، وجذب الناس إليها بالقوة، وقد لايريد هو هذا، ولكن هكذا يظن الناس. المزلق الثالث: الإحالة إلى معدوم: وأعني بهذا ان يعمد المحقق إلى بعض مسائل الكتاب فيحيل إلى كتب له لم تطبع بل قد يصرح بأنها لم تتم، أو قيد الإعداد، ومثال ذلك: قول محقق: «الداء والدواء» - وفقه الله- (ص247) عندما عزا ابن القيم الحديث للترمذي: (برقم: (2317) وفي إسناده ضعف؛ لكنه يتقوى بشواهده، وطرقه، التي جمعتها في جزء مفرد بعنوان: «إتحاف النبيه...» يسر الله إتمامه، ونشره)أ.هـ. وقال ص(239) من الكتاب نفسه:(ولي في بيان أهمية الوقت رسالة مستقلة حافلة؛ عنوانها: «المؤتمن في حفظ الوقت...» يسر الله إتمامها، ونشرها)أ.هـ. وأنا لم أقصد بهذا الكلام الحط من أخينا الشيخ الحلبي وفقه الله، بل أتحدث عن صفة عمَّت بعض طلاب العلم - والأخ الحلبي منهم - فهم يحيلون بكثرة على كتب لهم، ويقولون: (يسر الله إتمامه)، وتمر السنون، ولم نر هذا الكتاب، فلِمَ لايحيل الكاتب إلى كتاب مطبوع، ولو لغيره؛ ليستفد منه طالب العلم؟ أليس هذا أولى من الإحالة إلى معدوم؟ بل بعض هذه الكتب المحال إليها لم تكتب بعد، وماهي إلا مجرد فكرة مستقرة في الذهن، وسيأتي في المزلق الرابع - إن شاء الله - مزيد إيضاح للمزلق الثالث، فهو متعلق به. وأستودعكم الله، إلى لقاء آخر، في الحلقات القادمة، عن مزالق في التحقيق. |
|
من مواضيعي في الملتقى
|
|
|
|
|
|
|
#3 |
|
|
الحلقة الثالثة تكلمت في الحلقتين الماضيتين عن ثلاثة مزالق من مزالق التحقيق وهي: المزلق الأول: ادعاء بعض المحققين الاعتماد في اخراج الكتاب على مخطوط، وفي الواقع نجد أن طبعتهم مسروقة من طبعة أخرى، أو ملفقة من عدة طبعات، ولم يقابلوا الكتاب على المخطوط الذي تحدثوا عنه. المزلق الثاني: الاحالة إلى غير مليء، أو الاحالة إلى الفرع دون الأصل. المزلق الثالث: الاحالة إلى معدوم. واليوم في هذه الحلقة الثالثة سأتحدث عن المزلق الرابع والخامس من مزالق التحقيق. فأقول وبالله التوفيق: المزلق الرابع: ظاهرة حجز الكتب: وأعني بهذا: أن يشيع أحد المحققين أنه يعمل على تحقيق أحد الكتب، ويسميه، أو أنه انتهى من العمل فيه، وسيطبعه قريباً، وهو يكذب فيما قاله، بل لم يعمل فيه أصلاً، ولكن غرضه من ذلك حجز الكتاب «أو العنوان، أو الفكرة» والاعلان عنه، وأنه حققه أو شرع في تحقيقه. فبعض المحققين يحيلُ في تعليقاته بقوله: «انظر كتاب «كذا» بتحقيقي»، أو «قيدَ التحقيق»، أو «قيد الإعداد» وهو لم يبدأ فيه أصلاً، أو بدأ فيه، وما زال يعمل فيه ببطء، لكثرة شواغله. وأنا أعرفُ - وللأسف الشديد - الكثير باسمائهم يفعلون ذلك - وقصدهم - كما حدثني بعضهم بذلك - حجز الكتاب حتى لا يعمل فيه غيره. وأحدهم فعل ذلك فكان يحيلُ إلى كتابٍ للسّخاوي بتحقيقه، والكتاب غير مطبوع، فترك العمل فيه جمع من طلاب العلم، لأن فلاناً قد حققه وسيطبعه قريباً، وهو يحيل إليه في كتبه، وبعد سنوات قام أحدهم بتحقيق الكتاب، وطباعته، ثم تبين - برواية الثقات - أن الذي كان يحيل إليه، ويحيل على تحقيقه، لم ينسخه أصلاً، فضلاً عن تحقيقه وتخريج أحاديثه، وتوثيق نقوله، والتعليق عليه، كما يزعم. مظاهر حجز الكتب: لهذا المزلق علامات يعرف أصحابه بها، مثل: ۱ - الاعلان عن هذا الكتاب في الورقة الأخيرة من كتبهم، مثل قولهم: «قريباً - إن شاء الله - «كتاب كذا» بتحقيق فلان .. » أو: «تحت الطبع «كتاب كذا» بتحقيق فلان .. » أو عبارة نحو ذلك. وأحياناً يكون هذا الإعلان من قِبل الناشر المستقبلي للكتاب المُعْلن فيه ﴿ ۱ ﴾. وتمر سنوات، ولم نر هذا الكتاب الذي عُبِّر عنه بقولهم: «قريباً». ۲ - وبعضهم يحيل في مراجع الكتب التي في آخر كتبه التي بتحقيقه إلى بعض الكتب، ويقول في توثيق المرجع «بتحقيقي» فإذا اطلع القراء على هذه القائمة، فإنهم سيقفون على هذا الكلام، فيعرفون أن الكتاب محقق، فيصرفون النظر عنه. وخذ على سبيل المثال محقق كتاب: «المجالسة وجواهر العلم» وفقه الله، ففي آخر الكتاب ذكر قائمة مرقمة بالمصادر والمراجع التي اعتمدها في تحقيقه، وتأمل ما قاله في الكتب التي تحت الأرقام الآتية: «۱۳٦، و۱٦٦، و۲٥٤، و۳۲۹، و۳۳۸، و۳٦۹، و٤۰۳، و٤۷۰، و٥۱۷، و٥۱۹، و٥٤۱، و٦۱۰، و٦۸٤، و۸۳۸، و۹٦۳، و۱۰۱۰، و۱۱٤٥». فهذه أرقام كتب له سواء ما كان من تأليفه، أو تحقيقه، ويقول تحت هذه الكتب: «قيد الطبع»، أو «قيد التنضيد»، أو «قيد التحقيق»، أو «قيد الإعداد». ولك أن تسأل أخي القارئ: كيف أحال في تحقيقه في كتاب «المجالسة» إلى هذه الكتب، وهي قيد التحقيق، والتنضيد، والإعداد؟ وكيف يُحيل على صفحات لم تُرقم، ولم تُصف، ولم تُطبع بعد؟ وما فائدة احالة القارئ إلى كتاب معدوم؟ «راجع المزلق الثالث: الاحالة إلى معدوم». وكيف نصدق أن تكون هذه الكتب وعددها «۱۷» كتاباً، تحت العمل، ونحن نعلم بأن المحقق الفاضل لا يملك سوى يَدَيْن، وفؤاد واحد، ولا سيما أن بعضها كتب عظيمة، والعمل فيها يستغرق سنوات؟ «راجع المزلق الخامس: ظاهرة معامل التحقيق». ثم تمر السنوات، ولم نر منها إلا القليل. وأنا - يعلم الله - لا أقصد هذا المحقق بعينه، وهو باحث فاضل نفع الله به، بل ذكرته كنموذج لما أتحدث عنه. ۳ - اخراج مجلد أو مجلدين من الكتاب ثم يتوقف المحقق سنوات طويلة، والغرض من ذلك معروف، وقد حدثني أحد الأفاضل - وكان قد أخرج المجلد الأول مما يقوم على تحقيقه - قائلاً: «فعلت ذلك، ليعلم الباحثون أن الكتاب قيد التحقيق، فينصرفون عنه». ثم أخرج الكتاب كاملاً بعد سنوات عدة من اخراج المجلد الأول وتخلل هذه السنوات خروج عدة كتب له. وقد خرجت لنا كتب كثيرة بهذا الشكل، وأحسبها من هذا الباب والله أعلم، منها: ثلاثة مجلدات من: «الخلافيات» للبيهقي، ثم خرج للمحقق الفاضل - وفقه الله - عدة كتب «بل عدة موسوعات» ولم نَر تتمة هذا العمل، فليت شعري كيف حال ناشره. وبهذه الطريقة استطاع هذا الباحث حجز هذه المعلمة الحديثية الفقهية، ووقفها على نفسها. وقد خرج المجلد الأول من الكتب الآتية: «شرح مشكل الآثار» للطحاوي و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين، و «السن الصغرى» للبيهقي. وبعد مضي عدة سنوات خرج كامل الكتاب. وخرج المجلد الأول من: «مصنف ابن أبي شيبة» بتحقيق فاضلين، ولم نر بقية الكتاب، وبلغني أنهما انتهيا منه. وخرج مجلدان من: «صحيح ابن حيان» وبعد سنوات خرجت المجموعة الأولى من «۱» إلى «۷»، وأعقبتها المجموعة الثانية من الكتاب. وخرج مجلدان من: «تفسير ابن كثير» بتحقيق الشيخ الحويني، ولم نرَ الباقي وبلغنا أن البقية ستتجاوز العشرين مجلداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وخرج مجلدان من: «مجمع الزوائد» بتحقيق الشيخ الدراني، ثم خرج للمحقق الفاضل أكثر من كتاب، ولم نرَ تتمة «مجمع الزوائد». أخي القارئ: إن كان المقصد من اخراج المجلد الأول المبادرة بطبع كل ما ينتهي منه المحقق أولاً بأول فلماذا لا يخرج الثاني، ثم الثالث، وهكذا حتى ينتهي الكتاب؟ إن هذا لا يحدث، بل يكون ذلك مقتصراً على الأول «غالباً» وبعد سنوات يخرج الكتاب كاملاً، يتخلل ذلك خروج بعض الكتب للمحقق نفسه، مما يؤكد توقفه عن العمل في هذا الكتاب الكبير. وغالباً يُلزم طالب العلم بشراء الكتاب كاملاً عند خروجه،، ولا يعتدون بما اشتراه من المجلد الأول منذ سنوات، وقد حصل هذا في أكثر من كتاب. ٤ - أن يعلن عن أكثر من كتاب في وقت واحد، وهي طريقة مشهورة، وانظر ما ذكرته تحت رقم «۲». ٥ - الاعلان عن ذلك في المجالس العامة، والمنتديات العلمية، فيشيع الخبر عند المهتمين بالموضوع، فيصرف النظر عن هذا الكتاب كل من عزم على العمل عليه، حتى لا يتكرر الجهد. وأعرف أحد الباحثين أعلن منذ سنوات أنه يحقق كتاباً صغيراً في العقيدة، ولم نرَ شيئاً حتى الآن، ثم عزم بعض الأفاضل على تحقيق هذا الكتاب، ولكن تركوه احتراماً لمن أعلن عنه، وبعداً عن تكرار الجهود، ثم تجرأ أحدهم وقام بتحقيقه، فلما علم صاحب الإعلان أن فلاناً حقق الكتاب، ودفعه للطبع، وقع في نفسه، وغضب فتعجبت! وقلت في نفسي: غريب أمر هذا المحقق، فلا هو أخرج الكتاب، ولا يريد أحداً أن يخرجه، فتذكرت حينها المرأة التي دخلت . . في هرة لها ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها ترمرم من خشاش الأرض. فهل يرضى هذا المحقق أن يظل الكتاب حبيساً في مكتبه، حتى يتكرّم وقته فيسمح له بإكمال تحقيقه. حكم هذا المزلق: إن مبنى هذا المزلق على: الكذب، والتدليس، والخداع، والاحتكار، وهذا المزلق يفضي إلى حرمان الباحثين من الاسهام في خدمة هذا الدين. وما في هذه الأمور من مفاسد يغني عن اطالة الكلام. في جعبتي الكثير من المعلمات الدينية الكبرى سواء الحديثية، أو الفقهية وهي بحاجة إلى تحقيق، إما لأنها طبعت طبعة قديمة وهي بحاجة إلى إعادة تحقيق، وإما أنها لا تزال مخطوطة ولم تطبع بعد. ولكن تواتر عند الناس أن هذه الكتب تحت العمل عند فلان من الباحثين، وهكذا يظل طلاب العلم بين مرارة الاعتماد على النسخة الرديئة، وبين مرارة الانتظار الممل لما تم الاعلان عنه. كلمة إنصاف: لا أعني بكلامي هذا كل من أعلن عن كتاب، بل أخص بعضهم، وما تحدثت إلا عن واقع عايشته، وعرفته وأعلم بعض أصحاب هذه الاعلانات وهم أصحاب حق، وعلم، ومبدأ، وهم يعملون بكل جد في تحقيق ما أعلنوا عنه، فأسأل الله لي ولهم التوفيق والسداد. المزلق الخامس: ظاهرة معامل التحقيق: وأعني بذلك: أن يقوم أحد الباحثين بتأسيس مكتبة كبيرة يوظف فيها جماعة من الباحثين بتخصصات مختلفة، وتحتوي هذه المكتبة على عدة أقسام: قسم للنسخ والمقابلة، وقسم للتعليق العلمي «العقدي، والحديثي، والفقهي، والتاريخي والأدبي» وقسم للفهرسة، وقسم للصف والطبع، وقسم للمراجعة والتصحيح اللغوي. فإذا اكتملت المكتبة بهذا الوصف سُميت: «معمل تحقيق» ﴿ ۲ ﴾ وإذا خرج الكتاب - أي كتاب - محققاً عن أحد هذه المعامل، كان العمل في تحقيقه عملاً جماعياً. والعمل الجماعي في تحقيق المعلمات العلمية لا حرج فيه، ولكن الحرج «الشرعي» خروج هذا العمل باسم رجل واحد فقط، لوجاهته في بلده، أو لشهرته العلمية، أو لكثرة ماله، أو لأنه هو المالك لهذا المعمل العلمي، وهو الكفيل القانوني لكل الأُجَراء في المعمل. وهكذا تُقتل جهود جماعة من طلاب العلم والباحثين الذين يمضون سنوات طويلة في نسخ المخطوطات، ومراجعتها، وضبطها، والتعليق عليها، وتوثيق نقولها، وتخريج أحاديثها. وبإمكانه أن يكتب على غلاف الكتاب: «تحقيق جماعة من طلاب العلم «أو الباحثين» باشراف «الدكتور: فلان». أو: «تحقيق مكتب التحقيق بمؤسسة «كذا»، أو دار «كذا». أو عبارة نحوها. فبهذا تبرأ الذمة، ويُنسب الفضل لأهله، ولا يتشبع الانسان بما لم يعط. ثم إن الأمر أصبح واضحاً للعيان، فالكتب المنشورة كثيرة جداً، وكبيرة، والناس لم تعد تجهل هذا الحال، فهم يتابعون ما يخرج للشخص الواحد، ويلحظون تتابع الكتب، وفي علوم مختلفة «ونحن في زمن التخصص»، وكل كتاب على عدة نسخ خطية، وتخريج موسع لكل الأحاديث والآثار، وتوثيق لجميع النقول، وترجمة جميع الأعلام، سوى ما تناثر من التعليقات الأخرى، وأخيراً مجلدات كبيرة خاصة بالفهارس الفنية المتنوعة. كل هذا لشخص واحد وبين كل معلمة وأخرى شهور معدودة. فو الله الذي لا إله غيره: لو كان هؤلاء المحققون لا يُصلّون، ولا يصومون، ولا يحجون، ولا يعتمرون، ولا يصِلون الأرحام، بل ولا ينامون، وأنهم ليل نهار عاكفون على العمل، لما استطاعوا اخراج ما أخرجوه بمفردهم. وانظروا إلى فحول المحققين الذين أمضوا حياتهم في التحقيق، مثل: عبد السلام هارون، وأحمد شاكر، ومحمود شاكر، ومحمود الطناحي رحمهم الله. كم عدد الكتب التي أخرجها هؤلاء؟. وقارنوها بما أخرجه أولئك بالرغم من التزاماتهم الدينية، والعائلية، والاجتماعية، والإدارية. والغريب أن عمل هؤلاء الفحول - على تواضع امكاناتهم - في نسخ المخطوطات، ومقابلتها، وضبط النص أدق بكثير من أصحاب هذه المعامل التي تغص بالمتخصصين والهواة. والمقارنة في الكم لا تقتصر على من ذكرت، بل انظروا - أيضاً - إلى المحققين الناشرين السابقين، مثل: محمد رشيد رضا، ومحمد حامد فقي، ومحب الدين الخطيب رحمهم الله. وتأملوا ما أخرجه الأستاذ: محمد محيي الدين عبدالحميد رحمه الله. كل هؤلاء أفنوا أعمارهم في تحقيق ونشر التراث العلمي للمسلمين. فلو وضعنا كل ما أخرجه هؤلاء المحققون في كفة، وما أخرجه واحد من أصحاب المعامل في كفة أخرى، لرجحت كفة صاحب المعمل، ولطاشت كفة فحول المحققين. ولكن: إذا أصرَّ صاحب هذا المبدأ، وارتضى هذا الخُلُق، فعليه أن يكون مشرفاً علمياً وعملياً، وواقعياً لما يخرج باسمه، لكيلا يقع ما لا يرضيه. وعليه أن يراجع العمل كاملاً ﴿ ۳ ﴾، فإذا عمل مجموعة على كتاب موسوعي فيجب أن يكون ذلك ضمن منهج موحد، وأن يراجع المشرف هذا العمل، ليتم توحيد المنهج، ولا يكون هناك اضطراب وتناقض بين تعليق الأول والثاني. وقد وجد تناقض في بعض أجزاء الكتاب الواحد في بعض هذه الكتب. فقد يكون أحد الموظفين على منهج المتأخرين فيضعف أحاديث أبي اسحاق السبيعي، ويأتي موظف آخر على منهج المتقدمين فيصححها، فيكون منهج المجلد الأول غير منهج المجلد الثاني، فيحتار القارئ ولا يتصور خروج هذا من محقق واحد، كتب اسمه على الغلاف، فيعلم حينها بأن الأمر لا يخلو من أمور ثلاثة لا يرضاها من كتب اسمه على الغلاف. فإما أن يكون المحقق هو الذي عمل في الجزأين، ولكنه متذبب في العلم. أو أنه لم يعمل على الكتاب، والذي عمل فيه جاهل بالعلم جهلاً مركباً. أو أن الذي عمل في هذا المجلد غير الذي عمل في ذلك. ولو كتب اسم كل موظف على الجزء الذي قام بالعمل فيه، لكان أحسن، وآمن. وقد يكون أحد الموظفين في المعمل غير أمين، وهو مكلف بمقابلة الكتاب على احدى النسخ، فلا يقابله بدقة، وقد يكون في النسخة سقط يشمل كتاباً بأكمله، أو باباً، أو عدة أحاديث، ولا ينبه عليه، ثم تكون الكارثة، كما حصل في أكثر من كتاب. هذا ما أقوله لأصحاب معامل التحقيق، أما ما أقوله لاخواني طلاب العلم: فلا تنزعجوا كثيراً من هذا الأمر، فهو رزقٌ ساقه الله إليكم، فها هي الكتب العلمية الكبيرة تخرج لكم محققة، ومخرجة، ومخدومة خدمة علمية جيدة، ومذيلة بفهارس فنية، فلكم غنمها في الدنيا، ولهم غرمها في الدنيا والآخرة والله المستعان وقبل الوداع: أذكركم بمن ليس لديه معمل للتحقيق، ولكنه يُلْحق بأصحاب المعامل حكماً، وهو الذي يسافر إلى بعض البلدان المجاورة، ويتعاقد مع أصحاب المعامل، لتحقيق بعض الكتب، وبالمنهج الذي يريده، ويُكْتَب كل ما يُتَّفق عليه في عقدٍ بين الطرفين، وينص العقد على أربع مواد: المادة الأولى: يقوم الطرف الثاني «صاحب المعمل» بتحقيق الكتاب المذكور وفق الخطة المحددة في المادة الخامسة. المادة الثانية: يقوم الطرف الأول «المحقق» بدفع « ... » دولار لمكتب التحقيق على دفعات «تحدد في العقد». المادة الثالثة: يصف الطرف الثاني الكتاب على برنامج .. «يحدد اسم البرنامج»، ولا يذكر اسمه من بعيد ولا من قريب، ولا في المقدمة، ويكتب اسم الطرف الأول على الغلاف بخط بارز. المادة الرابعة: يكتب الطرف الثاني مقدمة علمية للكتاب يبدؤها بذكر الأسباب والدوافع لاختيار هذا الموضوع، ثم يذكر خطة البحث، ومنهجه فيه، ويختم المقدمة بذكر الصعوبات التي واجهت المحقق في البحث، مثل: تتبع نسخ الكتاب الخطيَّة وعدم تعاون المكتبات في تصوير النسخ، ورداءة المخطوطة التي اعتمدها، وعدم وجود نسخة أخرى .. ويختم المقدمة بشكر كل من ساعده على اتمام البحث بجملة لا تزيد على نصف سطر .. ثم يترجم للمؤلف ويذكر كتبه وأماكن وجودها .. المادة الخامسة .. «يُذكر فيها منهج التحقيق الذي يشترطه الطرف الأول». وتكتمل الجريمة إذا كان هذا الكتاب المحقق رسالة علمية، لنيل درجة علمية، ينبني عليها تعيين في وظيفة، أو زيادة في الراتب. وكلُّ جسم نبت على السحت، فالنار أولى به وأستودعكم الله تعالى، إلى لقاء آخر، في الحلقات القادمة إن شاء الله، عن مزالق في التحقيق. |
|
من مواضيعي في الملتقى
|
|
|
|
|
|
|
#4 |
|
|
الحلقة الرابعة المَزلَقُ السادس: «ظاهرة نَفْخِ الكُتبِ»: وأعني بهذا المزلق: أن يعمد المحقق إلى كتاب مخطوط فيحققه، ويبالغ في التعليق عليه مبالغة تزيد من حجم الكتاب أضعاف أصله، وغالباً ما يكون هذا في الكتب الحديثية. وخدمة النص بالتعليق عليه بعد ضبط نصه، أمر لازم من لوازم التحقيق، ولكن الذي ننكره هنا هو حشد أكبر قدر ممكن من التعليق تحت كل نص من نصوص الكتاب المُحَقَّق، وإذا ما جئنا إلى هذه التعاليق فإننا نجد أن غالبها ما هو إلا استعراض للفتوة العلمية التي يتمتع بها المحقق، والتي لم يعد لها أهمية بعد خروج برامج الحاسب الآلي، التي تبحث عن النص في مئات المجلدات في ثوانٍ معدودة. «مثال ذلك»: ﴿ ۱ ﴾ تخريج الحديث من مصادر كثيرة جداً، والأشد من ذلك أنهم يسردون إسنادَ كل من أخرجه، والكلام على كل رجلٍ بإسهابٍ، ولو اكتفوا بذكرِ بعض من أخرج الحديث لكان حسناً. وسردُ الإسنادِ لا حاجة له - ما لم يكن في طُرِقه علة يريد الباحث الكلام عليها - فإن الباحث سيرجع إلى هذه المصادر ليرى الطرق. وسردُ الإسناد مريح للقارئ بدلاً من الرجوع للمصدر ليرى السند، ولكن في ذلك تطويلاً للكتاب يتبعه ارتفاع في سعره، ودرءُ المفاسدِ مقدمٌ على جلبِ المصالح. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، وأكبر دليل على ذلك الكتب الحديثية التي تدخل تحت العمل الأكاديمي، وأنا لا أعيب هذا في الرَّسائل الجامعية، ففي هذا المنهج دُرْبَةٌ للباحث، ويعطيه ملكة في فن التعامل مع كتب الأسانيد والرجال (¬۱). ولكن أعيبُ خروجَ الكتابِ مطبوعاً بهذا الترف العلمي، وكان على الباحث حذف ما كان من لوازم العمل الأكاديمي، ويكتفي بما يحصل به ضبط النص، وبما تكمل به فائدة الكتاب (¬۲)، وإلا فهل تقر العين، وينشرح الصدر بخروج أحد الكتب في ثمانية مجلدات مع المقدمة والفهارس، ومخطوطته الأصلية الكاملة والمعتمدة في التحقيق في «۷۳» ورقة؟ ¬__________ (¬۱) يقول الأستاذ الدكتور: أكرم ضياء العُمَرِي - وفقه الله - في تقديمه ل: «طبقات المحدثين بأصبهان» (۱/ ۸): «خدمة الدكتور: عبدالغفور البلوشي لكتاب أبي الشيخ من حيث: التعريف برجال الإسناد، وتخريج الأحاديث، والحكم عليها، وهو جهد لازمٌ لنيل مرتبة «الماجستير» في تخصص «السنة النبوية»، وإن كان ليس بلازمٍ لتحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً في نظر عامة المحققين الذين يرون في ذلك إثقالاً للحواشي، ولا مفرَّ من قيام طلبة الدراسات العليا من تحويل رسائلهم من تحقيق الكتب إلى دراسة أحاديث كتاب مخصوص، دفعاً للاعتراض المذكور» أ. هـ. (¬۲) يقول الدكتور: محمد بن عبدالمحسن التركي - وفقه الله - في مقدمة تحقيقه لـ «مسند الطيالسي» (۱/ ۱۳»: «حققتُ الكتابَ من أولهِ إلى نهاية مسند سعيد بن زيد، ثم تتابع على التسجيل في تحقيقه زملاء فضلاء، فأتوا على جل الكتاب . . لكن المنهج الذي سرتُ عليه مع إخواني المشاركين معي في تحقيقه، كان على حالٍ من التوسع، والبسط، والتفصيل، الذي يحسن في الرسائل الجامعية، ولا يناسب الاخراج العام، لما فيه من اطالة للكتاب، وإثقال على المستفيدين غير المختصين، لذا عمدت إلى تحقيقه، وإخراجه إخراجاً يحقق الغاية من خدمته، ويتحاشى الإطالة المؤثرة على انتشاره، وتداوله» أ. هـ. ولك أن تعجب أن هذا الكتاب المحقق من الكتب المختصرة، حيث اختصره مؤلفه ابن الملقن - رحمه الله - ت «۸۰٤هـ» من مختصر للذهبي ت «۷٤۸هـ»، فالكتاب - كما رأيت - مختصر المختصر، وكذا أراد مصنفه، وقد علَّقه - كما قال في آخره «۷/ ۳٥۸٤» - في أيام يسيرة، وهو إمام في الحديث، وكان قادراً على أن يأتي بما لا يسع المحقق الإتيان به من النصوص، ومن كُتُبٍ لا يوجد منها اليوم إلا العنوان، ولكنه أراده مختصراً، فهل سيفرح عندما يرى مختصره في ثمانية مجلدات؟ ويعلم الله كم أنا محبٌ لمن حقق هذا الكتاب، وغيره من الذين أوقفوا حياتهم لخدمة أحاديثِ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استفدت من تعليقاته الكثيرة، ولكن هذا شيء وما أقصده هنا شيئاً آخر. ﴿ ۲ ﴾ حشدُ كل ما يقف عليه المحقق من مصادر العَلَم الذي يرد في الكتاب المحقق، ومن أقوى الأمثلة على ذلك كتاب «الطبقات» للإمام مسلم، بتحقيق الشيخ الفاضل: مشهور آل سلمان وفقه الله، و «تاريخ الإسلام» للإمام الذهبي بتحقيق الأستاذ الدكتور: عبدالسلام تدمري وفقه الله، فهما يأتيان إلى الترجمة فيذكران الكثير من مصادرِ هذه الترجمة، ولو أن المترجم من أئمة الإسلام، ومن مشاهيرِ الأعلام، وأحسبُ أنهما ذكرا كل ما وقفا عليه من المصادر. «أخي القارئ»: هذان الرجلان - مشهور، والتدمري - قدما خدمات طيبة في تحقيق النصوص، وخدمة الكتب العلمية، ولكن كما قلت نحن على ما نُكِنّه من الحب لكل من خدم التراث العلمي للمسلمين، إلا أننا نعتب عليهما هذا الصنيع. وهذا الفعلُ فيه ارهاق للموظفين الذين يعملون معهما في المعمل «انظر: المزلق الخامس: ظاهرة معامل التحقيق»، واهدار لطاقات يمكن أن توجه لعملٍ آخر، وأنفع للأمة. ثم إن في هذا الترف تكراراً سقيماً لمعلوماتٍ واردة عند غيرهما، والمصادر متيسرة عند مقتني الكتاب. ﴿ ۳ ﴾ توثيق النقول، والمسائل الواردة في الكتاب من مصادر عديدة، حيث يحشد المُحقق كلَّ ما وقف عليه من المصادر التي تعرضت لهذه المسألة، فيذكرها في حواشي الكتاب. وسأضرب بعض الأمثلة على هذا المزلق عموماً، فأقول: أ - الأصل الخطي لكتاب: «الأمراض والكفارات والطب والرُّقيات»، يقع في «۱۰» ورقات، فخرج بعد تحقيقه من قبل الشيخ الفاضل: أبو إسحاق الحويني - وفقه الله - في: «۲٥۰» صفحة فحسبنا الله ونعم الوكيل. ب - وحقق الشيخ المذكور «تفسير ابن كثير» فأكثر من التعليق والتخريج حتى خرج الجزء الثاني وما زال في البقرة عند الآية رقم: «۷۸». فقلت في نفسي متى سيكمل هذا التخريج؟ وفي كم مجلدٍ سيخرج «التفسير» الذي تسابقت الدور في اخراجه في مجلدٍ واحدٍ لتيسير حمله، والاستفادة منه؟ وهل سيخرج بالصورة التي يرضاها ابن كثير؟ إن هذه الطبعة محشوة بتعليقات طويلة، وقد كان في وسع ابن كثير أن يكتبها وأحسن منها، ولكن آثر التوسط لنفع الناس، فالتوسع في التعليق والتخريج قد يخرج الكتاب عن مراد مصنفه. ثم إن المحقق - وفقه الله - باستطاعته أن يقابل «التفسير» بين نسخه الخطية، ويخرج لنا طبعة كاملة موثوقة، ويفوز بالأجر، ورضا طلاب العلم، ثم يُخرج كل ما يود أن يقوله تعليقاً أو تخريجاً في كتابٍ له مستقل، ليأخذه من أراد، دون إلزام الناس به. وأنا لا أود الحطَّ من قدر هذه الطبعة، ولكن فقط أردت التنبيه على عادة جرت عند بعض المحققين المعاصرين الذين يخرجون الوريقات في «مجلد» والمجلد في «مجلدات». وقد بلغني إن طبعة الحويني ستصل إلى «عشرين» مجلداً، فإن صح هذا، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وأخشى أن يكون حال «تفسير ابن كثير» كحال «بذل الاحسان» للمحقق نفسه، فقد توقف عنه منذ سنوات ولم يكمل - لطوله - حتى الآن، والله أعلم. ج - الأصل الخطي لكتاب: «تنبيه النائم الغَمْر» لابن الجوزي رحمه الله يقع في «٦» ورقات، وخرَج بعد تحقيقه من قبل الشيخ: عرفة حلمي - وفقه الله في: «۱٥۹» صفحة. علماً بأن الكتاب طُبِعَ قبل هذا الطبعة، فخرج في «۹» صفحات، فكان ذلك أقرب إلى عدد صفحات الأصل. د- الأصل الخطي ل: «كتاب الطبقات» للإمام مسلم يقع في «۲۳» لوحة، فخرج مطبوعاً بتحقيق الشيخ: مشهور بن حسن آل سلمان - وفقه الله - فبلغت صفحاته بما فيها الدراسة والفهارس والمستدرك «۱٤۲۰» صفحة، أي: أكثر من الأصل بثلاثين مرة، والله المستعان. هـ - و - ز - تحقيقات الدكتور: عبدالمعطي أمين قلعجي سامحه الله، وغفر له، ومنها: «السنن» للشافعي، و «معرفة السنن والآثار» للبيهقي، و «الاستذكار» لابن عبدالبر. أضف إلى ذلك ما سبق ذكره ك «مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم» لابن الملقن، و «تاريخ الإسلام» للذهبي .. «تكميل»: قال العلامة الدكتور: بكر بن عبدالله أبو زيد - حفظه الله - في مقدمة تحقيقه لـ «الجد الحديث» للغزي «ص ٦ - ۷»: «خدمة اخراج المخطوطات المنتشرة اليوم على مسالك: الأول: طريقة أهل العلم من إعمال عدة التوثيق لاثبات نص الكتاب سليماً - حسب الإمكان - من التحريف، والتصحيف، دون إلحاق أي تعليقٍ، إلا في مواطن الاضطرار، كالتنبيه على خطأ عقدي، أو وهمٍ، أو ذِكْرِ إفادٍة مناسبة. الثاني: كسابقه، مع إلحاق تحقيقات، وتعليقات في مواطنِ الحاجة، وبقدرها. ومن هذا الطراز: العلامة المعلمي رحمه الله. ومنه: اشتغاله الماتع على كتاب: «الفوائد المجموعة» للشوكاني رحمه الله تعالى. الثالث: «نفخ الكتاب»، فترى أصل الكتاب في ورقاتٍ معدوداتٍ، فيُنفخُ بتكثيرِ المراجع، وجلبِ النقولاتِ، وربما صاحب ذلك الانصراف عن توثيق النص سليماً من التحريف، والتصحيفِ. وَسُوقُ هذا «الاشتغال» هي الرائجة اليوم. وقد بيَّنْتُ ما لهذا من سوالب في كتاب: «التعالم وأثره على الفكر والكتاب» أ. هـ. المَزْلَقُ السابع: «المبالغةُ في نقدِ الطبعاتِ السابقة» وأعني بهذا المزلق: أن يتكلم المحقق في مقدمة التحقيق على الطبعات السابقة لطبعته، ويذكر ما فيها من محاسن ومساوئ، ويبالغ جداً في ذكر المساوئ وقد لا يذكر شيئاً من المحاسن، وأحياناً يركز على طبعة بعينها، ويكون اهتمامه بشدة النقد لأمرين. الأمر الأول: فحش الطبعة المنتقدة، وكثرة عيوبها، مقارنة بغيرها. الأمر الثاني: حصول بعض الأمور بين محقق الطبعة المنتقدة والطبعة الجديدة، فيكون النقد من باب تصفية الحساب بين الطرفين، ويحرصُ المنتقد على التشهير بالمنتقد، تحت غطاء الرد العلمي، والنصيحة للأمة، علماً بأن سياق النقد يدل على أن في الأمر سراً لا يعرفه إلا من عرف المحققين، وعلمَ ما بينهما من أمور، والتي قد تكون: حول اختلاف المنهج العلمي أو الدعوي، أو حول حسابات مالية، أو نزاعات حول حقوق أحد الكتب . . وأنا لا أتحدث عن هذا المزلق من محور الأمرين السابقين، بل أتحدث عن الظاهرة نفسها، وهي المبالغة في النقد، أما المسبب لها، فلا يعنيني هنا. والاهتمام بنقد الطبعات السابقة عمل جيد، وللمحقق أن يشير إلى الطبعات السابقة لطبعته، ولا حرج في الكلام عليها بمدحٍ أو ذمٍ، حسب ما يراه المحقق، ولكن دون إسرافٍ في النقد، والموفق من المحققين من يستطيع اجمال النقد في فقرات معدودة. «مثال ذلك»: (۱) «كتاب الصمت وآداب اللسان» لابن أبي الدنيا، فقد حققه الشيخ: أبو اسحاق الحويني وفقه الله، وتعرض في مقدمة تحقيقه إلى نقد طبعة الدكتور: نجم خلف وفقه الله، وكان ذكره لهذه الطبعة من أول مقدمة التحقيق إلى آخرها، من صفحة «٥» إلى صفحة «۲۰» وقد انتقده في «٥٦» موضعاً، باستثناء ما ذكره كسقوط أحاديث كثيرة، ومثلَّ لها بعشرة أمثلة. وجاء هذا النقد الطويل على حساب ترجمة المصنف، وذكر منهج التحقيق، والتعليق وكان يكفيه من هذه ثلاثة أمثلة، أو أربعة، مع ذكر نقد عام على هذه الطبعة في أسطر محدودة. وطلاب العلم لهم القدرة على معرفة الطبعة الجيدة، من خلال مراجعتهم لكلتا الطبعتين. (۲): كتاب: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم، فقد عقد محققه الشيخ: علي الحلبي - وفقه الله - مبحثاً بعنوان: «الطبعات السابقة ل: «مفتاح دار السعادة» عرضاً ونقداً»، وهو مبحث طويل جداً استهلك الصفحات من «۱/ ٤٥» إلى «۱/ ۹۹»، وقد تناول طبعات الكتاب بصفة مجملة في نصف صفحة، أما باقي الصفحات فقد خصصها لطبعة واحدة، والتي بتحقيق: الأستاذين: حسان عبدالمنان الطيي، وعصام فارس الحرستاني، فراح يتكلم عليها بالتفصيل الممل، حتى جاوز النقد «٥۰» صفحة، مقسماً الأغلاط العلمية «حسب تعبيره» الموجودة في التحقيق المنتقد إلى أربعة أقسام، وفي نقده هذا تحامل ظاهر، فقد بالغ جداً في تتبع ونقد هذه الطبعة، وأكثر من ذكر الأمثلة على كل ما يقوله، بل قال في أحد المواضع بعد سرده عدة أمثلة: «وعنده أحاديث أخر من هذه البابة، أعرضت عنها هنا!» «۱/ ۷۲». وقال في موضعٍ أخر: «وله من مثل هذا مواضع عدة» «۱/ ۸۳». وقال في موضعٍ آخر: «وما تركته أكثر» «۱/ ۹۸». والغريب أنه قال عن هذا النقد المبني على تحليله للكتاب تحليلاً تكلف فيه: إنها «دونما تقصٍّ، ومن غير تدقيق في المقابلة والموازنة!!» «۱/ ٤٦». وهذا غير صحيح، بل ما خرجت هذه المواضع إلا بالتدقيق، والمقابلة، والموازنة مراتٍ، يعرف ذلك من تأمل هذه الملحوظات التي تجاوزت «۲۰۰» موضع، غير ما أشار إليها ضمناً، وهي كثيرة جداً، ومن تتبع المواضع التي ذكرها، يجدها شملت المجلدين، كما شملت أول كل مجلد، ووسطه، وآخره، وبين ذلك. والكل يعرف ما بين الحلبي وعبدالمنان، وكل يطعن في الآخر، لذلك تأهب كل نفرٍ منهما إلى تتبع زلاتِ الآخر، بكل دقة، ومقابلة، وموازنة، لفضحه بأسلوب لا يليق بطلاب العلم. وتكون ثمرة هذا المزلق على حساب، الورق، وإلزام الناس بشراء، ما لو أُفرِد لما اشتروه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد رأيت - كغيري - الكثير من المحققين - وفقهم الله - يسودون عشرات الأوراق في مقدمة تحقيقهم في الحط من قيمة الطبعات السابقة لطبعتهم. وأنا لا أنكر وجود طبعات سقيمة همّ المحقق منها - أو الناشر - التجارة. ولا أنكر عبث أهل الأهواء والبدع بكتب السلف. ولا أنكر تطاول المتعالمين على فن التحقيق والتأليف. ولكن أقصد بكلامي أن الاشارة إلى سوء الطبعة، أو جودتها يمكن أن يصاغ في فقرة لا تتجاوز الأسطر القليلة، ولا حرج لو كانت في صفحة أو صفحتين، ولكن بأمثلة تدل بوضوح على ما قيل في الطبعة المنتقدة، ولا حاجة إلى اشغال فكر القارئ للطبعة بكلامٍ خارجٍ عن الموضوع الذي أُلف الكتابُ «المحقَّق» من أجله. ثم إن هذا المزلق يجعل القارئ يظن أن المراد من هذا الحطِّ ترويج الطبعة الجديدة على غيرها، وأعوذ بالله من أن أتهم أحداً بذلك، ولكني سمعت أحد الأفاضل قال ذلك عندما قرأ مقدمة أحد المحققين لأحد الكتب. وإن كان لهذا الاتهام وجه عند من يقول به، لكثرة ما نلاحظه، بل ما قرأت في مقدمة محقِّقٍ لكتابٍ، قد طبع من قبل، إلا وجدته يحط من قيمة الطبعة السابقة، وقلَّ من سلم من ذلك. وقد حقق فضيلة الشيخ الدكتور: محمد الصباغ - حفظه الله - كتاب: «الآلئ المنثورة» للزركشي، وتعرض في آخر مقدمة تحقيقه لطبعة سابقة، ونقدها بشكل علمي في صفحات يسيرة، مع أنه ذكر أنه كتب عليها نقداً مفصلاً في «٦٥» صفحة، ولكن ذكرها لا يناسب المقدمة اليسيرة، فاكتفى بما يؤدي المقصود. وأعجبني صنيع الشيخ: محمود الأرنؤوط - حفظه الله - في مقدمة تحقيقه ل: «المنهج الأحمد» للعليمي، فقد تعرض لنقد طبعة سابقة بكلام مجمل قصير، قدم لنا تصوراً كاملاً لهذا الطبعة، وكان نقده في «٦» أسطر تعليقاً في حاشية الكتاب، ومما قاله «۱/ ۲۳»: «ولو رحنا نُبَيّن ذلك «أي: تفصيل الملحوظات»، لطال بنا المقام، ولكن لا نرتضي لأنفسنا ما يفعله البعض في هذا الاتجاه، من الإساءة للعاملين في خدمة العلم، لمجرد الوقوع على بعض الأخطاء في أعمالهم العلمية» أ. هـ. وقد حقق العالم الجليل: محمد حامد فقي رحمه الله، «كتاب الشريعة» والكل يعلم ما في طبعته من التصحيف والتحريف، اضافة للسقط الكبير الحاصل في طبعته، وعدم العناية بتخريج أحاديث الكتاب، وقد خدم الكتاب حسب إمكانياته المتواضعة في ذلك الوقت، فرحمه الله رحمة واسعة. وأيضاً ما فعله فضيلة الشيخ الدكتور: عبدالله بن عمر الدميجي «حفظه الله»، حيث حقق «كتاب الشريعة» للآجري - رحمه الله - من جديد، وقد أعجبني صنيعه عندما تعرض لطبعة الفقي بالنقد العلمي، ثم ختم نقده بقوله «۱/ ۲٥٤ - ۲٥٥»: «كلمة إنصاف»: هذا ومن باب الإنصاف بعد ذكرنا لهذه الملحوظات على عمل الشيخ - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - خاصة وقد حَطَّ رحاله عند ربه - تعالى - نُحِبُّ أن نشير إلى ما بذله من جهودٍ مشكورة في هذا الكتاب، وفي غيره من كتب التراث السلفي العريق. فقد بذل - رحمه الله تعالى - جهداً مشكوراً في هذا الكتاب بعينه، ولكن لم تسعفه النسخ كما سبق. وأما إِقدامه على نشر هذا الكتاب بهذه الصورة التي لم يرضَ عنها هو - كما أوضح في المقدمة - إلا لحرصه الشديد على نشر كتب السلف رحمة الله تعالى عليهم. وقد نشر كثيراً جداً من هذا التراث الضخم في فترة قَلَّ من يلتفت إلى مثل هذه الكتب، وإلى الاعتناء بها. وقد صرح هو بذلك، حيث قال في المقدمة: «واني لم آخذه، وأحرص على شرائه، إلا رغبة في نشر آثار السلف، لأني بذلك كلف، وأود لو أطال الله عمري، ووفقني ربي، لنشرها جميعاً، لأن المتأخرين لم تعج بهم الطريق، إلا لجهلهم بآثار سلفهم، فحُرِمُوا القدوة الحسنة، وذهبوا يتخذون من نصارى الفرنجة، ويهودهم، وملحديهم، وزنادقتهم، وفساقهم قدوة لهم. خابوا، وخسروا». وقد نشر تراثاً عظيماً من هذا النوع، سيجد جزاءه عند ربه - إن شاء الله تعالى - أضعافاً مضاعفة. كما أنه - رحمه الله تعالى - له تعليقات نفيسة على بعض قضايا الكتاب .. «ثم ذكر «سبعة وعشرين» مثالاً على تعليقاته النفيسة». ثم قال: لذلك، فإني لم أذكر هذه الملحوظات - عَلِمَ الله - إلا من باب النصيحة، والخدمة لهذا الكتاب النفيس، ومصنفه، وبغية الوصول إلى الحق، والدلالة عليه، وهذا هدف الجميع، والله الموفق للصواب» أ. هـ. هذا كلامه بطوله، ذكرته لجودته، وهي طريقة حسنة ليت المحققين يجمعون عليها، دون غمز للمحقق السابق، أو الاستخفاف بعلمه، وعمله، وجهده، ولا سيما من عرف عنهم الديانة، وحب الحق، والاجتهاد في طلبه، والله الموفق. وأستودعكم الله - تعالى - إلى لقاءٍ آخر في الحلقات القادمة - إن شاء الله - عن مزالق التحقيق .. |
|
من مواضيعي في الملتقى
|
|
|
|
|
|
|
#5 |
|
|
الحلقة الخامسة المزلق الثامن: «المشاغبة في التعليق، والتعقيب»: وأعني بذلك المزلق: ان يأتي الباحث فيعلق على كلام احد العلماء، او يتعقبه فيأتي بجملة اعتراضية خارجة عن ادب الحوار العلمي، وليس فيها فائدة، وهذا ما اسميه «المشاغبة». ف: «المشاغبة»: إدراج مالا مناسبة له، ولا فائدة فيه، او ما من شأنه الاثارة. فالكتب العلمية، وكذلك التحقيق العلمي، ينبغي ان تتسم بالجدية، والبعد عن الاساليب الصحفية، والمهاترات الكلامية، فهي لا تصلح لكتاب جاد يعتمد على الصياغة العلمية الحرة. فيجب على المؤلف، او المحقق ان يصب جهده في الموضوع الذي يتولاه، ويحاول قدر استطاعته تقليل التساؤلات وعلامات التعجب، والكلام غير العلمي، الذي لا يخدم البحث، دون التعرض لشخص المصنف. فلو أردت تحقيق مخطوط ووجدت وهماً او خطأً من المؤلف فلا تسيء الادب في الحاشية، ولا تطيل بما لا يخدم البحث، بل التزم بيان الحق بأقصر عبارة، فأنت هنا محقق لا مؤلف، فتسود الصفحات. فلو قال المصنف: «اخرجه الشيخان». وهو عند أحدهما، قل في حاشيتك: «بعد البحث، وجدت ان الحديث عند مسلم فقط». ثم اذكر الجزء والصفحة، ولا تكتب اكثر من ذلك، والقارئ سيعرف تبعاً ان المؤلف قد وهم. ولو صحح المؤلف ضعيفاً عندك، فلك ان تبرز رأيك بقولك: «والحديث ضعيف، لوجود «فلان»، ومدلس وقد عنعن». ثم وثق كلامك، ولا تكتب أكثر من هذا. وأقصد بقولي: «لا تكتب اكثر من هذا». اي: مما يضرك، وينقص من تحقيقك امام النقاد. «مثال ذلك»: «۱» قال ابن القيم - رحمه الله - في: «مفتاح دار السعادة» «۳/ ۲۲۸» عن اسناد حديث عند ابن ماجة: «وهؤلاء كلهم: رجال ثقات، حُفَّاظٌ». فقال المحقق - وهو: الشيخ الحلبي وفقه الله - في ح «۱»: «نعم، ولكن ماذا تفعل - ايها الامام - بالانقطاع بين ابي قلابة والنعمان، وقد اعله به البيهقي؟!» أ. هـ والاولى أن يقول: «نعم رجاله ثقات، ولكن فيه انقطاع بين ابي قلابة والنعمان، وقد اعلّه به البيهقي». فيحذف التساؤل، وعلامتي: الاستفهام، والتعجب. وقد يؤخذ من التساؤل بهذه الصيغة ازدراء امامة ابن القيم، الامر الذي قد يأباه المحقق. بل ذكر المحقق منهجا سليماً في هذا الكتاب، حيث علق على عبارة المصنف «۳/ ۳۰۸»: «وذكر ابن وهب قال: اخبرنا اسامة .. ». فقال المحقق في ح «۱»: «لم أره فيما عندي من «جامعه» وقد رواه - البيهقي في «الدعوات الكبير» «٥۰۱» بسند فيه جهالة» أ. هـ وهذه عبارة ادت الى المقصود من التحقيق. «۲» ومثال التأليف، كتاب: «نهي الصحبة عن النزول بالركبة»، للشيخ الفاضل: ابي اسحاق الحويني فقد قال المصَنِّف وفقه الله «ص۱۱»: «قال شيخ الاسلام رضي الله عنه: «وحديث أبي هريرة لعل متنه انقلب .. الخ». قلت: أصاب شيخ الاسلام اجراً واحداً. فما قاله أقرب الى الرجم بالغيب! منه الى التحقيق العلمي .. » أ. هـ فما فائدة هذا الكلام؟ ويغني عنه ما نقله عن العلامة علي القاري - رحمه الله - بعد ذلك. مما يرد به على قول ابن القيم، دون المشاغبة بهذه العبارة، التي لا دخل لها في البحث العلمي. ومثله ما ذكره «ص ۲۲»، متعقباً لما أورده ابن الجوزي في المسألة، فقال: «وهذا جواب هزيل! بل أوهى من بيت العنكبوت! وقد تعجبت أن يجيب حافظ كابن الجوزي بمثل هذا» أ. هـ تأمل أخي، مع انه تعقب ابن الجوزي بكلام قوي لابن عبدالهادي، ولو اكتفى به لكان حسناً. اخي الباحث محققاً كنت او مؤلفاً: اكتب بحوثك وتحقيقاتك لوجه الله تعالى، و لكي يستفيد الناس، واستفادتهم مما تخط يدك على وجهين: الوجه الاول: الاستفادة العلمية من المسائل المطروحة في البحث تحقيقاً كان المكتوب، او تأليفاً. الوجه الثاني: التربية العلمية والادبية لطلاب العلم ولاسيما الناشئة منهم. ونحن بحاجة الى تربية هؤلاء الناشئة من طلاب العلم على الجادة، ومثل هذه العبارات لا تخدم التربية الصحيحة العلمية، كما انها تعطي القارئ صورة سيئة عن الكاتب، وضعف اسلوبه في تحرير المسائل. وقد اطلعت على احد كتب الردود، فرأيت منها ما يهول العقل، من السب، والشتم، والطعن، والتنابز بالألقاب، والسخرية بالمردود عليه، واحتقاره، وازدراء علمه. وفي المقابل وجدت ان كتب المردود عليه لا تحتوي على هذه النقائص. فكسب صاحب الرد فضل بيان الخطأ، والتنبيه عليه، ولكنه خسر جمهوراً غفيراً من القراء، وما استطاع ان يصل اليهم بقلمه، لشدته على مخالفه، وهو ذو شعبية كبيرة. وبسبب قسوته في الرد، وبعده عن ادب الحوار العلمي، انحصرت فوائد كتابه على جماعة قليلة من محبيه، ومن عشاق هذا اللون من الردود الغليظة. وهذه - للأسف الشديدة - ظاهرة لها شعبية لا بأس بها في البلاد الاسلامية، لذا نجد ان كتب الردود تحظى برواج كبير، لم تحظ به الكتب العلمية. أسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد. «مثال لطريقة السلف في التعقيب»: قال ابن مفلح في: «الفروع» «٤/ ٤٦۸» على احد الاقوال في احدى مسائل الرجعة: «قطع به: الخرقي، وابو الفرج ابن الجوزي». وتعقبه المرداوي في «الانصاف» «۲۳/ ۱۱٥» بقوله: «قال في «الفروع»: «جزم به ابن الجوزي». الذي رأيته في «المذهب»، و «مسبوك الذهب»، ما ذكرته اولاً، فلعلَّه اطلع على غير ذلك» أ. هـ «ومن مساوئ هذا المزلق»: انتقاص الائمة، وإساءة الظن بالباحث، وانا لا أتحدث عن مقصد الباحث، هل يريد انتقاص العالم، او لا، ولكن يهمني هنا التنبيه علي هذا المزلق، وما فيه. «تذييل»: ومما يمكن ادراجه تحت هذا المزلق، ما يصنعه بعض الافاضل - فقههم الله - من احتقار غيرهم في الردود، والاستخفاف بعلمهم، ورميهم بالجهل، والتعصب لمذهبهم او لرأيهم، والتقليد الاعمى لغيرهم، والانتصار لقولهم، يرمونهم بذلك بأسلوب حاد، وإلصاق علامات التعجب في نهاية كل فقرة. واشد من ذلك رميهم بفساد النيات، كقول احدهم: «انه ذكر هذا الطريق وترك الآخر لمقصد خبيث يعلمه هو!!». بل منهم من يلزم الناس بقوله، فإن حكم بضعف حديث، علق بعد حكمه بقوله: «وقد صححه بعض الجهلة»، او «وقد صححه من لا علم له بهذا الفن». يقول هذا وهو يعلم بأن المحدثين وان اتفقوا على علوم الحديث النظرية، الا انهم اختلفوا في التطبيق، فصار حكم المحدثين على الحديث صحة وضعفاً من باب الاجتهاد، واحتمال الصواب والخطأ فيها وارد، والكل مأجور. فمن ملك الاهلية في علم الحديث بصفة عامة، والتصحيح والتضعيف بصفة خاصة، فله الحكم على الحديث، ولمن خالفه ان يرد عليه ويناقشه، ولكن بأدب ودون ان يلزمه بقوله. المزلق التاسع: «جحود فضل الرسالة العلمية »(1) واعني بهذا المزلق: ما يفعله بعض الافاضل عندما يقومون بتحقيق مخطوط، ويتقدمون به لنيل درجة علمية، وبعد الحصول على الدرجة، لايهتمون بهذا الكتاب الذي بذلوا فيه من اوقاتهم سنوات، وبذلوا فيه الكثير من الجهد، والمال. نعم، لا يهتمون بهذا الكتاب الذي كان سبباً - بعد الله - في النعمة التي هم فيها من المنصب، والجاه، والمال، وتبقى هذه الكتب المحققة مخزونة في مكتبات الجامعات لسنوات طويلة، لا يطبعونه، ولا يفكرون في طبعه، ولا تطولها ايدي طلاب العلم، والباحثين بسهولة. ولا شك ان في طبع هذه الرسائل فوائد، منها: «۱» نفع الامة بالعلم الموجود فيها. «۲» استفادة طلاب العلم والباحثين من القسم الدراسي الذي يحتوي -احياناً - على بعض الفوائد العزيزة، القائمة على استقراء فكر المصنف، ومنهجه في كتابه، وترجمة حافلة للمصنف مع ذكر مصنفاته، واماكن وجود نسخها الخطية، ولا نرى لهذه الدراسة - بهذا التوسع - عناية عند من يقومون بتحقيق الكتب تجارياً. «۳» في طبع هذه الرسائل تفويت الفرصة على مرتزقة الكتب، الذين يتاجرون بالتحقيق. وهذا المزلق لا يحتاج الى مثال، لتواتره، لكني اذكر بعض الامثلة، تمشياً مع المنهج الذي سرت عليه في التمثيل على كل مزلق. «۱» «الاسماء المبهمة في الانباء المحكمة» للخطيب البغدادي رحمه الله. «۲» «المسند» لأبي يعلى الموصلي رحمه الله. هذان الكتابان حققا في رسائل علمية، منذ اكثر من «خمس عشرة» سنة، ولم نر هذا التحقيق الى اليوم، ثم طبعا بتحقيق آخر، ولا شك ان في طبع هذين الكتابين من حين الانتهاء من تحقيقهما فائدة، حرمنا منها سنوات. المزلق العاشر: «عدم مراجعة الرسائل العلمية القديمة عند طبعها»: واعني بهذا المزلق: قيام بعض الباحثين بطبع هذه الرسائل بعد سنوات طويلة من نسخها، وتحقيقها، والتعليق عليها، علماً بأن بعضهم اعتمد - حين اعدادها - على كتب مخطوطة، وعلى مصادر قديمة مليئة بالسقط، والتصحيف - والتحريف، وفاته الاستفادة من بعض الكتب - ولاسيما كتب المصنف الذي يحقق كتابه - لانها لم تكن في متناول يده حين إعداد الرسالة، اما لانها مخطوطة وبعيدة عنه، او انها في عداد المفقود، فعثر عليها. وبعد هذه السنوات يبادر بطبع الكتاب محققا كما هو، دون مراجعته، ودون الاستفادة مما طبع حديثاً. ويحدث في هذه الطبعة ما يأتي: «أ» الاحالة الى كتب مخطوطة، ويحيل الى رقم اللوحات، وهذه الكتب قد طبعت، و اصبحت في متناول ايدي طلبة العلم، والباحثين، بخلاف المخطوطات، التي يصعب الرجوع اليها عند كل أحد. فتجد مثلاً في بعض هذه الكتب احالات الى كتب مخطوطة، ك: «الإبانة» لابن بطة، و «معرفة الصحابة» لأبي نعيم، و «المطالب العالية» «النسخة المسندة» للحافظ، «تهذيب الكمال» للمزي، و «الواضح في اصول الفقه» لابن عقيل، و «التحبير شرح التحبير» للمرداوي .. وهذه الكتب قد طبعت حديثاً، وخدمت خدمة طيبة، فتبديل الإحالة الى صفحات المطبوع، اولى وأجود من ابقاء الاحالة الى المخطوط، وهي ليست في متناول الايدي. «ب» الاحالة الى كتب بطبعات قديمة، فيها من التصحيف، والتحريف، والسقط، ما كان يشتكي منه اثناء إعداد الرسالة، والتعليق عليها، وكان يذكر هذه الاشكالات، ويعالجها في الحاشية، وتجده احياناً يخرج الحديث في الحاشية بقوله: «لم اجده في المطبوع». او «اخرجه فلان في كتابه، ولكن بدون اسناد». ويكون في المطبوع سقط، عرف بعد جمع نسخه الخطية، ومقابلتها، وطبعه محققاً من جديد. ومن امثلة الكتب التي طبعت طبعة جديدة نسخت الطبعات السابقة: «الشريعة» للآجري، بتحقيق الدكتور الدميجي، نسخت طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله. و «العلو للعلي العظيم» للذهبي، بتحقيق البراك، نسخت الطبعات السابقة: الهندية، والمصريتين، والمدنية، وكلها مأخوذة عن الطبعة الهندية. و «الجواب الصحيح» لشيخ الاسلام، بتحقيق الدكتور علي بن ناصر ورفاقه، نسخت طبعتي النيل، والمدني. و «مسند الطيالسي» بتحقيق الدكتور محمد التركي، نسخت الطبعة الهندية. وهذا من باب التمثيل والا غيرها كثير جداً بفضل الله، وبعد صدور هذه الطبعات المحققة، اصبح الرجوع اليها لازماً، وكذا الاحالة اليها، واصبح الرجوع الى الطبعات القديمة، والاحالة اليها لا فائدة منه. «ج» نقص بعض المعلومات عن المصنف ك: تاريخ مولده، او تاريخ وفاته، او بعض شيوخه، او معرفة بعض مصادره التي ذكرها في كتابه، ولم تظهر له بوضوح، وهذه المعلومات قد يعثر عليها في كتبه الاخرى، التي عثر عليها وطبعت، وقد تذكر بعض هذه المعلومات فيها، ولو في بعض السماعات الموجودة على نسخها. اي: بعد «سبع عشرة» سنة من الانتهاء من تحقيقه، وقد احال فيه الى الكثير من الكتب المخطوطة، التي طبعت بعد انتهائه من العمل على فترات، وأصبحت في متناول ايدي طلاب العلم، والباحثين، قبل ان يطبع رسالته، مثل: «أصول الفقه» لابن مفلح المقدسي، و «التحرير في اصول الفقه» للمرداوي، و «التمهيد في اصول الفقه» لابي الخطاب الكلوذاني، و «تهذيب الاجوبة» لابي عبدالله بن حامد، والروايتين والوجهين «للقاضي ابي يعلى، و «شرح»: «مختصر الروضة» لنجم الدين الطوفي، والواضح في اصول الفقه» لابي الوفاء بن عقيل. فهذه قائمة ب «سبعة» كتب في اصول الفقه الحنبلي، طبعت قبل طبع رسالته، ومع ذلك نجده يحيل في تحقيقه الى نسخها الخطية، وقد وقفت على ضعف هذا العدد، ولكني اكتفيت بذكر كتب اصول الفقه الحنبلي، فقط، وهي الكتب التي يهمه امرها. سوى بعض الطبعات التي احال إليها، وفيها سقط كبير جداً، وتحريف كثير، كـ: «شرح الكوكب المنير» لابن النجار، طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وقد طبع كاملاً، ومحققاً ولله الحمد. نعم، ترك الاحالات القديمة للنسخ الخطية، او المطبوعة طبعة سيئة، وتعديل الاحالة الى المطبوعة الجيدة، يتطلب جهداً آخر، ولكن لا بأس به، اذا كان في ذلك مصلحة للكتاب وللقارئ. وفي «۱/ ۲۳ - ۳۲»، عقد المحقق فصلاً تكلم فيه عن مصادر الكتاب، وذكر الكثير منها، وقال عن كثير منها: إنها مخطوطة، ووصف هذه النسخ، وذكر اماكن وجودها . . يفعل هذا، وهذه الكتب اصبحت الآن مطبوعة، وفي متناول ايدي طلاب العلم، والباحثين، واصبح كلامه في هذا الفصل بحاجة الى مراجعة وتغيير. ويعلم الله، بأني لم ارد الحط من هذه الطبعة، وفيها جهد علمي مميز، ولكني ذكرتها كنموذج للرسائل التي تترك سنوات طويلة، ثم تطبع كما هي، دون ادنى مراجعة. المزلق الحادي عشر: «إهمال جهود المحققين السابقين»: واعني بهذا المزلق: قيام احد الباحثين بتحقيق كتاب قد طبع قديماً، ولا يشير الى ذلك، او يشير اليها وينتقدها بشدة، مهدراً جهداً علمياً - ولو متواضعاً - للسابقين، الذين لم تخدمهم وسائل البحث العلمي الحديثة. «مثال ذلك»: قام احد الباحثين بتحقيق كتاب مسند في العقيدة، وكان هذا الكتاب قد طبع من قبل اكثر من طبعتين، وتداول الناس الطبعات القديمة، واستفادوا منها، ولكن هذا الباحث -وفقه الله - اشار الى طبعتين، وترك الثالثة، ولم يشر اليها، ولا اعلم هل اطلع عليها، او لا؟ وحسن الظن يقتضي القول الثاني. وقد أطلعني احد الناشرين على تحقيق جديد للكتاب نفسه، ولم يشر محققه - عفا الله عنه - الى تحقيق الاخير، وقال: لأنه ترك طبعة فلان، وتجاهلها، فأنا أترك طبعته، وأتجاهلها. أخي طالب العلم: أسألك بالله: هل هذا كلام علمي، يصدر من طالب علم؟ انا لا اطالب المحقق بذكر الطبعات السابقة للثناء عليها، او لتجريحها، بل يذكرها من باب احاطة القارئ بها، ولا سيما ان بعض الطبعات يكون لها شهرة علمية كبيرة، ويكون اعتماد طلاب العلم والباحثين عليها لسنوات، يصعب معها تجاهلها، وان فعل ظن الناس به الظنون. المزلقُ الثاني عشر: «تحقيق كتب اهل البدع والاهواء» وأعني بهذا المزلق: قيام بعض المحققين بإيعاز من بعض المؤسسات او من عند انفسهم بتحقيق كتب الزنادقة، واهل البدع، والاهواء، ونشرها بين المسلمين، بعذر نشر التراث العلمي للعرب والمسلمين. ومن ذلك تحقيق كتب المعتزلة، والحلولية، والزنادقة، وغلاة الصوفية، ك: «شرح الاصول الخمسة» للقاضي عبدالجبار بن احمد المعتزلي ت «٤۱٥هـ». وازالة الشبهات عن الآيات والاحاديث المتشابهات لابن اللبان الدمشقي الهالك بالطاعون سنة: «۷٤۹هـ». و «فصوص الحكم»، و «الفتوحات المكية» كلاهما للزنديق ابن عربي ت «٦۳۸هـ». وغيرها كثير .. ولا شك ان في نشر هذه الكتب ترويجاً للباطل، ودعوة الى مذاهب: الاعتزال، والتصوف، والحلول، والاتحاد. والاصل في كتب هؤلاء ان تحرق ولا كرامة، ومن يقوم بتحقيقها، ونشرها بين المسلمين يساهم في الدعوة إلى ما دعت اليه هذه الكتب، وان لم يقصد ذلك. أما من أرادها من اهل الحق للاطلاع عليها والتوثق من نقولها، او الرد على بعض شبهها، فيمكنه الرجوع الى نسخها الخطية، وهي متوفرة - وللاسف الشديد - في المكتبات الخطية. ونشر هذه الكتب مع الرد عليها، ليس عذراً مقبولا لاستحضار هذه المصيبة من عالم المخطوطات، الى عالم المطبوعات، لتباع بعد ذلك في المكتبات، وتشترى من قبل بعض الطلبة، ولا يدرون ما فيها، وان عرفوا، فهم لا يميزون ما فيها من حق وباطل، وان ميزوا الحق عن غيره، فقد تنطلي عليهم احدى الشبه، ويكون رد المحقق عليها هزيلاً، فترسخ الشبهة، ويميع الرد، والله المستعان. «مثال ذلك»: حقق الدكتور: فريد مصطفى - غفر الله له - كتاب «ازالة الشبهات عن الآيات والاحاديث المتشابهات» لابن اللبان الدمشقي ت «۷٤۹هـ»، وقال في مقدمة تحقيقه «ص ۱ - ۲»: «موضوع هذا الكتاب هو آيات الصفات وفق طريقة المؤوّلة، والمعطلة. بل فيه إشارات الى غايات ابعد من ذلك، وفق طريقة المتصوفة، ومنهجهم . وهذا الكتاب من الكتب النوادر، التي تحتل مكانة متميزة في موضوعها، اشار اليه اكثر من امام من الائمة الاعلام، كابن حجر العسقلاني، وابن السبكي، وابن العماد الحنبلي، وغيرهم . ويتميز الكتاب بدقة ألفاظه، وجمال اسلوبه، وقوة حجته، فكان من الواجب اظهار هذا الكتاب مع الرد عليه، وبيان وجه الحق في هذه القضايا الاساسية، المتصلة بعقيدة الامة. ومواجهة الخصم من خلال اقواله، ونصوصه، مع الرد عليها، اقوى، واعظم فائدة، من تجاهلها، وغض الطرف عنها . » أ. هـ. اقول: إن كان الباحث - اي باحث - يريد خدمة الامة بالرد على اهل البدع والاهواء، ليسلك طريق الائمة، في الرد عليهم، وهو نقض اصولهم من خلال ما يكتبونه من الكتب والرسائل، الصغيرة والكبيرة، التي يبينون فيها مذهب اهل السنة والجماعة، ثم يذكرون مذهب اهل البدع والاهواء، والرد عليه من الكتاب والسنة. هذا هو منهج الائمة والاعلام. أما القيام بخدمة كتبهم، ونسخها، وطبعها محققة، ونشرها بين عامة المسلمين، بحجة تعريف الناس بمذاهب هؤلاء، ومن ثم الرد عليهم، فمزلق خطير، لا تسلم لمن قال به، او دعا اليه. ويكفي في طرح هذا الكتاب - «ازالة الشبهات» - قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في: «الدرر الكامنة» «۳/ ٤۲۱»: «كتاب على لسان الصوفية، وفيه من اشارات اهل الوحدة، وهو في غاية الحلاوة لفظاً، وفي المعنى سم ناقع» أ. هـ. وقد ذكر السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» «۹/ ۹٤»، وابن العماد في: «شذرات الذهب» «۸/ ۲۷۹». هذا هو منهج الائمة والاعلام. أما القيام بخدمة كتبهم، ونسخها، وطبعها محققة، ونشرها بين عامة المسلمين، بحجة تعريف الناس بمذاهب هؤلاء، ومن ثم الرد عليهم، فمزلق خطير، لا تسلم لمن قال به، او دعا اليه. ويكفي في طرح هذا الكتاب - «ازالة الشبهات» - قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في: «الدرر الكامنة» «۳/ ٤۲۱»: «كتاب على لسان الصوفية، وفيه من اشارات اهل الوحدة، وهو في غاية الحلاوة لفظاً، وفي المعنى سم ناقع» أ. هـ. وقد ذكر السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» «۹/ ۹٤»، وابن العماد في: «شذرات الذهب» «۸/ ۲۷۹». ¬__________ (¬۱) نعم أشاروا إليه عند ترجمتهم للمؤلف، ولكن ما أشادوا به كما يظن من كلام المحقق وفقه الله. أما حسن العبارة وحلاوة اللفظ، فنعم أثنوا عليه في هذا الباب، أما من حيث المعنى وهو الأساس فينظر كلام الحافظ الآتي. انه بنى كتابه هذا على طريقة الصوفية. وأستودعكم الله - تعالى - الى لقاء آخر في الحلقات القادمة - ان شاء الله - عن مزالق التحقيق .. __________ (¬۱) نعم أشاروا إليه عند ترجمتهم للمؤلف، ولكن ما أشادوا به كما يظن من كلام المحقق وفقه الله. |
|
من مواضيعي في الملتقى
|
|
|
|
|
|
|
#6 |
|
|
الحلقة السادسة الْمَزْلَقُ الثالث عشر: الْمُبَاَلغَةُ في تَطْبِيقِ قواعدِ التَّحْقِيقِ وأعني بهذا المزلق: تطبيق القواعد المنهجية لتحقيق النصوص، بصورة تخرج فيها عن الحد المعقول. فكلنا يعلم بأن القواعد والضوابط في تحقيق النصوص ما هي إلا من باب الاجتهاد، في سبيل توحيد العمل في التحقيق، ولا أدل على ذلك من وجود أكثر من منهج، وبعض القواعد في هذه المناهج متعارضة، فكل مشرف يدعو إلى منهجٍ يتبناه، ويلزم الطلاب به. والذي يعنيني في هذا المزلق أن المحقِّق إذا اختار منهجاً ليعمل على تحقيق النصوص من خلاله، فلا يتصور ان قواعد هذا المنهج محل تسليم، ولا تقبل النقاش. وإذا طالعت بعض الكتب المحقَّقة وجدت نماذج للمبالغة في تطبيق هذه القواعد، إلى درجة يضحك منها القارئ. أمثلة هذا المزلق: ﴿ ۱ ﴾ المبالغة في ترجمة الأعلام الواردين في الكتاب، عند أول موضع يردون فيه؛ ومنهم: العشرة المبشرون بالجنة، ومشاهير الصحابة، والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن يعرفهم العوام قبل طلاب العلم، والباحثين. بل وجدت من عرَّف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند أول موضع مر فيه. ويحتجون ب: أن المزْلَقُ الثالث عشر: الْمُبَاَلغَةُ في تَطْبِيقِ قواعدِ التَّحْقِيقِ وأعني بهذا المزلق: تطبيق القواعد المنهجية لتحقيق النصوص، بصورة تخرج فيها عن الحد المعقول. فكلنا يعلم بأن القواعد والضوابط في تحقيق النصوص ما هي إلا من باب الاجتهاد، في سبيل توحيد العمل في التحقيق، ولا أدل على ذلك من وجود أكثر من منهج، وبعض القواعد في هذه المناهج متعارضة، فكل مشرف يدعو إلى منهجٍ يتبناه، ويلزم الطلاب به. والذي يعنيني في هذا المزلق أن المحقِّق إذا اختار منهجاً ليعمل على تحقيق النصوص من خلاله، فلا يتصور ان قواعد هذا المنهج محل تسليم، ولا تقبل النقاش. وإذا طالعت بعض الكتب المحقَّقة وجدت نماذج للمبالغة في تطبيق هذه القواعد، إلى درجة يضحك منها القارئ. أمثلة هذا المزلق: ﴿ ۱ ﴾ المبالغة في ترجمة الأعلام الواردين في الكتاب، عند أول موضع يردون فيه؛ ومنهم: العشرة المبشرون بالجنة، ومشاهير الصحابة، والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن يعرفهم العوام قبل طلاب العلم، والباحثين. بل وجدت من عرَّف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند أول موضع مر فيه. ويحتجون ب: أن المنهج الصحيح يقتضي ترجمة جميع الأعلام، عند أول موضع يردون فيه. ثم ماذا عساه أن يقول عن هؤلاء في سطرين، أو ثلاثة؟ مثال ذلك: ومن أغرب ما وقفت عليه محقِّق «الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» للحافظ السِّلَفي. فقد عرَّف بالمصنِّف في مقدمة التحقيق، مثله مثل كل من يحقق مخطوطا، فإنه يعرف بالمؤلف في المقدمة. وعندما بدأ في الكتاب المحقَّق وجد في أول المخطوط: ﴿ قال الإمام الحافظ .. السِّلَفي .. ﴾ فوضع عند السلفيّ حاشية قال فيها: (انظر ترجمته في مقدمة التحقيق). وهذا التعليق حشو لا فائدة منه، والقارئ يعرف ان هذا السِّلفي هو المصنف الذي عرَّفْتَ به في أوّل الكتاب. وذكره في أول الكتاب من قِبل النُّساخ، كما هي عادتهم في نسخ الكتب. وفعل المحقِّق هذا، لأن منهج التحقيق يقتضي التعريف بالأعلام الواردين في الكتاب في أول موضع يردون فيه. ومثله ما فعله محقق «المشُوف المعلم» لأبي البقاء العُكبَري حيث عرَّف بالمؤلف، وتكلم عن نسبته «العُكْبَرَي» في مقدمة التحقيق، وأعاد التعريف بهذه النسبة في أول الكتاب، لأن هذا أول موضع تمر فيه هذه الكلمة. ومن جهة أخرى فهناك بعض الألقاب العلمية مشتركة، ولكن ورودها في بعض الأماكن يُخصصها بشخصية علمية معينة؛ ومن ذلك ورود لقب «شيخ الإسلام» في كتب هؤلاء الأئمة: «ابن القيم» و «ابن كثير»، و «الذهبي»، و «ابن رجب» رحمهم الله. إنه ينصرف بدون أدنى تأمل أو شك إلى: أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله. ومع ذلك وجدت بعض المحققين لكتب هؤلاء الأئمة، إذا ورد لفظ «شيخ الإسلام»، يعرفونه في الهامش، وأنه «ابن تيمية»، وفي أكثر من ب الواحد. وهذا حشو لا فائدة منه، وتكلفٌ في تتبع الأعلام، والتعريف بهم. ﴿ ۲ ﴾ المبالغة في التعريف بالمدن، ومنها مشاهير المدن الإسلامية، ك: الكوفة والقاهرة، والقيروان. ﴿ ۳ ﴾ المبالغة في التعريف بالمصطلحات المشهورة والمتداولة، وشرح كل ما يراه المحقق غريباً. مثال ذلك: (أ) في إحدى طبعات: «معارج القبول» وجدت ان المحققيْن وفقهما الله وضعا حواشي للتعريف بما لا يخفى على طالب العلم. فوضعا حاشية على قوله: «وأشهد أن لا إله إلا الله»، ليعرفا بالشهادة. ووضعا حاشية على قوله: «وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً»، ليعرفا ب «محمد»، وانه مشتق من اسمه تعالى «المحمود». ووضعا حاشية على قوله: «وعلى آله وصحبه»، ليعرفا معنى «آله»، وعلى من تُطلق. ووضعا حاشية على قوله: ﴿ أما بعد .. ﴾؛ ليعرفا معناها، ومتى تأتي، ولماذا؟ وترجما في الكتاب لبعض الأعلام، ومنهم: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم. (ب) وحصل مثل هذا في: «تيسير الوصول إلى منهاج الوصول»؛ لابن إمام الكاملية، حيث إن المحقق غفر الله له وضع حواشي للتعريف بما لا يخفى على طالب العلم وخاصة ان كتابه في تخصص دقيق. فوجدته وضع حاشية على قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ ليعلل الابتداء بها، مع ذكر الأدلة. ووضع حاشية على قوله: «الحمد لله»؛ ليعلل الابتداء بها، ثم ذكر ان لحد «الحمد» عند العلماء عبارتان، وذكرهما. وضع حاشية على كلمة: «وبعد»، وما أصلها، علماً بأن المصنف تكلم على هذه الأمور بالتفصيل مع الأدلة في مقدمة شرحه، فكان عمل المحقق تكراراً لا فائدة منه، وسبقٌ لقلم الشارح، وهو أولى من يقوم بهذا. ووضع حاشية للتعريف بالمصطلحات الآتية: «الشريعة»، «الغراء»، «المحجة»، «الزهراء»، و «الزكاة» وعرَّفها لغة وشرعا. وعند قول المصنف «وفي البخاري»، علَّق على ذلك بقوله: (قول المؤلف: «وفي البخاري»: يعني: في: «صحيح البخاري). وعرَّف بكنية «أبي القاسم صلى الله عليه وسلم». وترجم في الكتاب لمشاهير الصحابة، ومنهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وفاطمة الزهراء، وترجم لمشاهير الأئمة ومنهم: مالك بن انس والشافعي والبخاري ومسلم وأبو داود. ولا ننكر جهده في تحقيق الكتاب والتعليق عليه، مع دراسة مسائله، ولكن الأمر كما ذكرت المبالغة في تطبيق القواعد المنهجية في التحقيق. (ج) قال ابن القيم في: «مفتاح دار السعادة» «۲/ ۲٥۹»: «حكى بعض العارفين ان قال: طفت في ليلة مطيرة شديدة الظلمة، وقد خلا الطواف، وطابت نفسي، فوقفت عند الملتزم، ودعوت الله». علَّق محقق الكتاب: الشيخ: علي الحلبي وفقه الله على قوله: «طفت» بقوله: «أي: حول الكعبة»، وهل تحتمل العبارة غير ذلك؟ ﴿ ٤ ﴾ قياس المسافات بالمصطلحات القديمة، والتي لم يعد لها استخدام اليوم، ك: الفرسخ، البُرد، سيراً على الأقدام، يوم وليلة، . . الخ فماذا استفيد من قول المحقق عن إحدى المدن مُعرِّفاً بها: «تبعد عن «دمشق» مسافة خمسة أيام سيراً على الأقدام». أو «مسافة يومين وليلة» أو «خمسة بُرد»، أو «خمسة فراسخ». والمصطلح الموجود اليوم هو «الكيلومتر»، و «الميل» وقد ضُبطت المسافة بين غالب المدن والدول بدقة، ودونت هذه المعلومات في كتب جغرافيّة معروفة ومتوفرة فالرجوع إليها في ضبط المسافات أولى من تقديرها بالرجوع إلى «معجم البلدان» على أهميته. المزلق الرابع عشر: التفاوت في معالجة النصوص: وأعني بهذا المزلق: عدم اتفاق المحققين على ضوابط معينة في التعامل مع النصوص أثناء نسخها، فإننا نجدهم في هذا الباب طرفين ووسط. الطرف الأول طرف متشدد يرى عدم التعرض للمخطوط، بتعديل أو إضافة، بل يُخرج الكتاب للناس كما هو مكتوب في الأصل الذي بين يديه، ولو وجد خطأ ولو كان متيقناً منه فلا يغيره، بل يبقيه كما هو، ويشير إلى الصواب في الهامش، ويرون أن هذا دقة في نسخ المخطوط وإخراج الكتاب مطبوعاً كما هو. والطرف الثاني توسّع في معالجة المخطوط، فهو يتصرف في كل عبارة لا تستقيم معه، ولو كان لها وجه في اللغة العربية، ولها اعراب محتمل. والطرف الثالث «الوسط» يحذف ما تيقن خطأ ولا وجه له، وابقاء الصواب، وإن كان له وجه في اللغة، ولو كان هذا الوجه ضعيفاً، أو شاذاً، المهم أن له وجه في اللغة. والتدخل في معالجة النص المخطوط أمر صعب، وحرج والضابط في هذا الباب هو الطرف الوسط، ولكن تطبيقه يحتاج إلى نظرٍ، وتأملٍ، ومراجعة، والله الموفق. مثال الطرف الأول: *. وهذه الآية كُتبت في: «تاريخ الجبرتي» خطأ، حيث جاء فيها «مُهلك» بدلاً من ﴿ لٌيٍهًلٌكّ ﴾، فأبقى المحقق سامحه الله الآية الكريمة محرَّفة، كما وردت عند الجبرتي؛ دقة منه زعم في النقل والتوثيق، ثم قال في الهامش (۲): (الآية القرآنية فيها تحريف، وصحتها .. ) ثم ذكر الصواب. إن الخطأ في «الآيات القرآنية» احتمال وارد في المخطوطات والمطبوعات رغم حرص الجميع على «كتاب الله» وسلامة نصوصه، ويجب وجوباً شرعياً على المحقق إذا وجد تحريفاً ل: «كتاب الله» ان يقوم بإصلاحه، ولا يُشير إلى مثل هذا، ولكن إذا كثر التحريف في الآيات في النسخة التي يعمل عليها، يُشير إلى هذا في المقدمة، عند الكلام على النسخة المعتمدة، والمآخذ عليها. ويلحقُ بهذا على جلالة «كتاب الله» الأخطاء النحوية، والتي ليس لها وجه محتمل في اللغة، ولا يلزم الإشارة إلى ذلك في الحاشية عند التبديل، ولكن إذا كثرت هذه الأخطاء، وفحشت، فيكتفي بالإشارة إلى ذلك في مقدمة التحقيق. وللعلم؛ فغالب تحقيقات المستشرقين في التحقيق هو إخراج النسخة الخطية مطبوعة كما كُتبت، بعجزها وبجرها لأن المقصود عندهم اخراج النسخة كما هي، وأما ما فيها من علم، فمسألة لا تعنيهم. مثال الطرف الثاني: أمثلة الطرف الثاني كثيرة، وتخصص فيه أناس، فتصرفوا هدانا الله وإياهم في نصوص النسخ كثيراً، ومنهم: الدكتور عبدالمعطي أمين قلعجي، وكمال يوسف الحوت. ولعلّي أذكر مثالاً واحداً لمحقق فاضلٍ لبيان وجود هذه الصفة «التوسع في معالجة المخطوط» عند غير من اشتهر عنهم العبث بالتراث. قال الإمام ابن القيم في: «مفتاح دار السعادة» (۲/ ٤٥٥): (والمشاحنة في الاصطلاحات لا تنفع طالب الحق). وهو كلام واضح، ولكن محقق الكتاب الشيخ الحلبي وفقه الله حذف كلمة «مشاحنة»، ووضع مكانها كلمة: «المشاحّة»، وعلّق على ذلك في الحاشية رقم (۱)، بقوله: (في الأصل: والمشاحنة!، ولعل الصواب ما أثبتُّ، فهذه الكلمة من مشاهير الكلمات المترددة في التواليف، والمصنفات .. ولكلمة «المشاحنة» وجْهٌ هنا، فلا أُنكرها». فتعجبت، وقلت: لما كان لها وجه، ولم ينكرها، فلماذا حذفها، وغيّر نص المصنِّف؟ وكان الأولى كتابتها كما هي، مادام انها محتملة، ولم ينكرها، ثم يعلق في الهامش بما يراه. والغريب ان المحقق نفسه عمل عكس ذلك في الكتاب نفسه، فقد ترك الخطأ الوارد في الأصل كما هو، وهو خطأ يقيناً، حيث قال ابن القيم «مفتاح دار السعادة» (۱/ ۳٦۸): «على ثلاث مسالك». فعلق على «ثلاث» في الحاشية رقم «۳» بقوله: «كذا الأصل، والصواب: ثلاثة». وكان الأولى تعديل هذا الخطأ في النص، ولا يُشار إلى مثل هذا، لسهولته، ولاحتمال ان يكون من عجلة الناسخ، وإن أشار فلا حرج، وهذا منهج له قيمته، ولكن أن يُبقي الخطأ كما هو مع اقراره بأنه خطأ، وفي الموضع الآخر يغير النص مع اقراره بأن ما حذفه له وجه؛ فهذا مزلق خطير، يسقط ثقة القارئ في المحقق ويطرح هذا النص بهذا التحقيق. (تنبيه): بعض المحققين إذا وجد جميع النسخ اتفقت على كلمة واحدة فإنه يثبتها، ولو كانت خطأ، ليقينه بأن هذا هو ما كتبه المصنف، وهذا هو رأيه، وترك هذه الكلمة كما هي من الأمانة العلمية في التحقيق، ليقف القارئ على علم المصنف، ورأيه، ثم يذكر المحقق ما يراه في الهامش. وهذا توجّه احترمه، ولا سيما خروجه من بعض كبار المحققين نفعنا الله بهم. ولكن من حقي وأنا أكتب في هذا الباب أن أدلي برأي، فأقول وبالله التوفيق: لعل الأقرب إثبات الصواب في المتن ولو أطبقت كل النسخ على خلافه والإشارة في الهامش على ما في النسخ، ثم ذكر الأدلة الكافية على التصحيح، فغالب القراء لا يصرفون للهامش أدنى تأمل، ولا سيما الهوامش لخاصة بفروق النسخ، وذكر ما اتفقت عليه النسخ في الهامش يحقق المصلحة التي ترى تعريف القارئ بعلم المصنف، ورأيه في المسألة. وعلى كل حال لا أظن ان المُشَاحَّة في مثل هذا الاصطلاح المنهجي تجدي، ولا سيما أنَّ هذه الطريقة معروفة منذ القدم لدى العلماء، والنُّساخ، فقد جاء في حاشية مخطوط «منال الطالب» لابن الأثير هذه العبارة «قوله: (والياء في «يانع» للتسبيب)، وهم، وصوابه والله أعلم: «والباء» منقوطة بواحدة، لأنها لفظ الحديث: «وأبْعَثْ رَاعيِهَا في الدَّثْرِ بِيَانِعِ الثَّمَرِ» وهو تفسير قوله عليه السلام: «بِيَانِع»، ولم يقل أحد: الياء للتسبيب قط، ولم أر ان أصلحه، لأنه مقروء في هذه النسخة على مصنفه، وخطُّه عليها، وكان ينبغي ان تكون العبارة: «في بيانع الثمر». والله أعلم» أ. هـ * «منال الطالب»، لابن الأثير ص «۱۹»، حاشية (۱) فانظر إلى هذا الفاضل غفر الله له يعلم ان ما هو مكتوب خطأ محض، وهو كذلك، ولما كانت هذه النسخة مقروءة على المصنف، وعليها خطه تهيب من تغيير الخطأ رغم قناعته بذلك وآثر كتابة حاشية على هذه العبارة في موضعها للتصحيح. علماً بأن محقق الكتاب، وهو المحقق الكبير الطناحي رحمه الله غيَّر العبارة عند نسخه للكتاب إلى الصواب، وكتبها هكذا: (والباء في «بيانع» للتسبيب)، وعلَّق على ذلك بقوله: (في الأصل: (والياء في: «يانع»، وأصلحته كما ترى) أ. هــ مثال ذلك: (۱) حقق العلامة الدكتور عبدالرحمن العثيمين حفظه الله كتاب «طبقات الحنابلة»، وجاء في «۱/ ۲٥٥»: «إبراهيم بن الحجاج الشامي» فعلق في الحاشية بقوله: «باتفاق النسخ هكذا «الشامي» بالشين المعجمة، وكذلك هو في: «المنهج الأحمد»، وفي: «مختصر النابلسي «مصححان عنه. وفي مصدر المؤلف «تاريخ بغداد» «السامي»، بالسين المهملة، وهوالصحيح وإنما أبقيته لاتفاق النسخ المعتمدة عليه، فيظهر انه خطأ من المؤلف نفسه عفا الله عنه» أ. ه هذان مثالان من عدة أمثلة وقفتُ عليها، أرى فيها المحقق يُبقي الخطأ ويثبته كما هو دون تغيير، إذ ثبت لديه أنه من المصنف نفسه، لا النساخ، ويجعل رأيه وهو الصواب يقينا في الهامش تعليقاً. كل ذلك احتراماً للمصنف، وأداء لعلمه كما هو، وهي طريقة لا أنكرها، ولا سيما خروجها ممن عُرِفوا بدقة التحقيق، وممن تخرج على أيديهم الكثير من طلاب العلم الكبار، ولكني أتحفظ على هذه الطريقة. والغريب انك تجد ان هؤلاء المحققين يتحفظون على تغيير بعض ما تيقنوا من خطئه، وفي مقابل ذلك تجد جرأة عجيبة عند غيرهم في التلاعب بنصوص النُّسخ، وتغيير كل ما أشكل عليهم، ولو لم يكن مشكلا عند غيرهم، ولو كان المصنف، ويضيفون على النص الخطي، دون الإشارة، وأحياناً يحذفون الصواب، ليثبتوا الخطأ محله، دفعاً للتصحيف الذي ظنوه. كل ذلك يصير دون ضابط علمي، وكل محقق يجتهد حسب رأيه. ومثال ذلك ما فعله الدكتور: عبدالمعطي قلعجي سامحه الله في تحقيقه ل «تاريخ الثقات» للعجلي، وقد نبه إلى ذلك الدكتور: عبدالعليم البستوي وفقه الله في مقدمة تحقيقه للكتاب نفسه. بل وصل الأمر إلى ادراج ما يعرف المحقق بأنه ليس من كلام المصنف. فقد حقق: الأستاذ: كمال يوسف الحوت سامحه الله كتاب: «ذيل التقييد»، وزاد في النص زيادات غريبة، وعلق في آخر احداها بقوله: (زيادة بخط الزبيدي شارح: «القاموس»). فكما ترى:: الأمر جلي بالنسبة إليه، فهو يعلم بأن هذا النص ليس للمؤلف «الفاسي»، ومع ذلك تجرأ على وضعه ضمن النص. ومما عمله في هذه الطبعة دمج زيادات سبط ابن حجر ناسخ المخطوط إلى نص الكتاب، ضمن كلام المصنف الفاسي، ولم ينبه إلى ذلك. أخي القارئ: كلنا يعرف المخطوطات، ويعرف ما يأتي فيها من حواش، وتعليقات للنساخ، والقراء، والمُلاك. فهل تضاف هذه الحواشي والتعليقات إلى نص الكتاب؟ إن المحقق العاقل والعارف بعلم التحقيق، ينظر إلى هذه الحواشي والتعليقات، ويراجعها، ويستفيد منها، ولا شك في هذا. أما النقل منها، فإنه يتخير أنفسها، وأدقها، ويضعها في حواشي الكتاب، كما كانت هي في حواشي المخطوط، وينقل منها ما يتعلق بالتنبيه على التصحيف، أو الوهم، أو الحاق فائدة يتم بها الكلام، ولا يكثر من ذلك، والله أعلم. أمثلة لمحققين لا يبالون في تغيير ما تيقنوا من خطئه: وهم كثير والضابط عند هؤلاء هو تغيير النص الذي يكون خطأ محضاً، ولا وجه له في العربية، أما الخطأ المحتمل أو ما له وجه في اللغة، ولو كان نادراً، أو شاذاً، أو ضعيفاً، فإنهم يبقونه في النص كما هو، مع الإشارة في الهامش إلى الأصح، والأفضل. (۱) قال محقق: «الوجيز في شرح قراءات القَرَأَةِ الثَّمانية» وفقه الله «ص٥۸»: «وقعت في نص المخطوطة بعض الأخطاء اللغوية، أو حصل بعض السهو في بعض آيات نص التنزيل، فأصلحت ذلك في المتن، وأشرتُ إليه في الهامش لإيماني ان ذلك لا يجوز في مثل هذا الكتاب، ولاحتمال كونها من أخطاء النساخ» أ. هـ. (۲) قالت محققة: «معجم شيوخ ابن عساكر» وفقها الله «۱/ ۸۸»: «لم أغير في النص إلا ما لا وجه له مقبولاً في نحو العربية، وإعرابها، كأن تكون الكلمة نكرة منصوبة، وقد كُتبت بلا ألف في آخرها، فأثبت الصواب في المتن، وأنبه على ما ورد في الأصل في التعليقات، ولا أصلح كلمة من الأصل ولها وجه مقبول في العربية، ولو كان ضعيفاً بل اثبتها كما هي، وأشير إلى ما هو أولى في التعليقات» أ. هـ ويبقى المنهاجان «إبقاء خطأ المصنف كما هو، وتغيير الخطأ المحض» منهجين معروفين في الساحة العلمية ولهما رواج ملموس. ولكن يبقى ل: «القرآن الكريم» قداسة خاصة، فيجب وجوباً شرعياً تغيير النص إلى الصواب إذا جاء محرفاً، ويمكن ان يدرج الشعر العربي «الجاهلي» في هذا الباب، فلا يترك اللحن كما هو. تنبيه: حول معالجة اللهجات المحلية في النسخة: بعض الكتب ولا سيما التاريخية تحتوي على عبارات بلهجات محلية «عامية» ويكون في بعض أساليبها شيء من الركاكة. فهل يحق لمحقق هذه الكتب التصرف في نسخة الكتاب، فيحول الكلام إلى العربية الفُصحى، ويعيد صياغة الفقرات الركيكة، إلى أسلوب عربي جيد. الذي يظهر لي ان ذلك لا ينبغي مطلقاً، لأن هذه الكتب بهذا الشكل تعطينا صورة دقيقة عن ثقافة العصر الذي كُتبت فيه، وتعطينا صورة فكرية عن المؤلف ومنهجه في التأليف. وتغيير النص، يحرمنا من الاطلاع على هذه الصورة. كما ان التدخل في النص مسألة غير مأمونة، وليس لها ضابط، فيختلف الذوق العربي من محقق لغيره. ثم إن لهذا النص الذي كتبه مؤلفه لذة عند القُرَّاء، وخاصة عند قراءة هذه العبارات التي جاءت «عفوية» ومن دون تكلف، لأن المؤرخين لا يهتمون أحياناً بالجانب الأدبي أو البلاغي عند صياغة الكتاب. وقد اطلعت على مجموعة من الكتب التاريخية كتبها أصحابها بدون تكلف في اللفظ، ولا سبك للعبارات، بل صاغوا الكتاب بأسلوب بسيط، وساقوا الأحداث كيفما جاءت وبأسلوبهم الخاص الذي يتمشى مع الثقافة السائدة في عصرهم. ومن الكتب التي قرأتها، وهي متوافقة مع ما ذكرت. «تاريخ الجبرتي»، و «تاريخ الفاخري»، و «عنوان المجد»، لابن بشر. وبعض «الفتاوى»، و «المسائل الشرعية» لبعض العلماء لا تخلو من هذا، لأن المفتي لا يتكلف في الإجابة، وقد يفتي السائل بما يناسب المقام، فتنقل عنه الفتوى، وتدون بالصيغة التي خرجت منه في ذلك الموقف. ولو تأملت في معلمة: «الدرر السنية» لتأكد لك ذلك. فهل سيأتي محقق ليحقق رسائل أئمة الدعوة والأعلام، فيغير في النص بحجة ربطه باللغة العربية الفصحى. إن المفتي أعلم من المحقق باللغة العربية، وقد كانت دروس النحو والصرف إجبارية لهم، ولكنه هكذا أفتى وأداء الفتوى كما هي من الأمانة. ولذلك يحترز من يحقق مجاميع الرسائل والفتاوى التي أصلها الجمع والتدوين من التصرف في الصياغة، فيفسد الفتوى، وهو لا يشعر. وبإمكان المحقق التعريف بالألفاظ الدارجة، والتي يظن انها مجهولة عند الناس فيعرفها في الحاشية. أمثلة ذلك: (۱) حقق العلامة: عبدالرحمن آل الشيخ: «عنوان المجد»، وقال في مقدمة تحقيقه «۱/ ۱٦»: «ملاحظة: لا يخفى على القارئ الكريم اني لم أتعرض لإصلاح ما جاء في كتاب «عنوان المجد» من الأخطاء النحوية، واللغوية، والإملائية، مع كثرتها في الكتاب، وذلك محافظة مني على النص، والأصل» أ. هـ (۲) حقق الدكتور: عبدالله الشبل: «تاريخ الفاخري» وقال في مقدمة تحقيق الطبعة الأولى: «التزمت في هذا المنهج منهج التحقيق الآتي: المحافظة على ما ورد بالنسخة المنقولة بخط عبدالرحمن بن محمد بن ناصر، ولو انه مخالف للقواعد اللغوية، والنحوية، والإملائية الصحيحة، تحقيقاً للأمانة العلمية» أ. ه وقد عجبت عندما خالف المحقق «الشبل» هذا المنهج، حيث قال في مقدمة الطبعة الثانية «ص۷»: «وتمتاز هذه الطبعة عن سابقتها بأمور، أذكر منها: كتابة هذه الطبعة باللغة العربية الفصحى بخلاف السابقة التي نُشرت حسب ما كتبه الناسخ مع ما فيها من أخطاء نحوية، ولغوية، وإملائية، مع المحافظة على أسلوب المؤلف» أ. هـ وكأنه أراد بالجملة الأخيرة «مع المحافظة على أسلوب المؤلف» انها ضابط منهجي لمن أراد تبديل نص النسخة الخطية. وقبل الختام أحب ان أنقل للقارئ كلاماً نفيساً للمحقق الطناحي رحمه الله، يتعلق بهذا المزلق، حيث قال في مقدمة تحقيقه ل: «منال الطالب» «ص٤٦ ٤۸»: «في أثناء عملي في تحقيق الكتاب، وقعتُ على طائفة يسيرة من الأخطاء والأوهام، كنت أحبُّ ان أردها إلى غفلة الناسخ وحده، فإن الهجوم على تخطئه الأوائل، «نمط صعب ونمط مخيف»، ثم هو من التقحم المزري بصاحبه، ولكن ماذا نصنع والنسخة قد قرئت وصححت من أولها إلى آخرها على مصنفها رحمه الله، ومهما يكن من أمر: فابن ابن الاثير بشر، يجوز عليه ما يجوز على جميع البشر، من السهو والنسيان، وسبحان من تفرد بالعصمة، وتنزه عن النقصان. «ثم ذكر أمثلة لهذه الأوهام، مع ذكر الصواب فيها .. وقال بعد ذلك»: وقد كدت ان أكمل الكلام بما ترى، ولكني آثرت ان أتركه على ما هو عليه، وأعلق في الحاشية، اقتداء بهذا العالم الذي كتب في حاشية الكتاب معلقاً على وهم في الحديث الأول فقال: (ولم أر أن أصلحه، لأنه مقروء في هذه النسخة على مصنفه، وخطُّه عليها). (وقد وقفت على أوهام أخرى، نبهت عليها، تراها حين تأتي قراءتك على الكتاب إن شاء الله) أ. هـ المزلق الخامس عشر: التَّسَاهُلُ في إعادة الصِّيَاغَةِ العِلمِيَّةِ: وأعني بهذا المزلق: ان بعض المحققين يدون عبارة أو جملة في كتابه، ثم يستجد له جديد، فيضيف الجديد مع بقاء القديم، والذي لم يعد لوجوده داعٍ، والغريب ان الكتاب لم يطبع بعد، فإذا طُبع خرج بهاتين الجملتين «الناسخ والمنسوخ»، ولا أعلم السبب في ذلك. أمثلة ذلك: (۱) ما جاء في مقدمة الدكتور: باسم الجوابرة وفقه الله ل: «كتاب السنة» لابن أبي عاصم «۱/ ۲٦»: أروي هذا الكتاب إجازة عن شيخي الشيخ المحدث: حماد بن محمد الأنصاري شافاه الله وعافاه .. » أ. ه ثم قال في الحاشية: «توفي شيخنا رحمة الله عليه بالمدينة النبوية، يوم الأربعاء ۲۱/ ٦/۱٤۱۸ه». وعليه، فقد كتب المحقق وفقه الله المقدمة في مرض شيخه، ولكنه عندما قدم الكتاب للطبع كان الشيخ قد توفي، فكان عليه ان يختصر قائلاً: «أروي هذا الكتاب إجازة عن شيخي الشيخ المحدث حماد بن محمد الأنصار رحمه الله ت «۱٤۱۸هــ» وله ان يذكر في الحاشية تاريخ موته تفصيلا، وشيئاً من حياته ان اراد وهذا من بر التلميذ بشيخه، بل أقل ما يمكن ان يكون رد لجميله. ﴿ ۲ ﴾ وأعجبُ من هذا ان بعضهم يخرج الحديث، ويخلص بعد كلام طويل بأن الحديث ضعيف .. ثم يعقب بعد ذلك بقوله: (هذا ما قلته من زمن، ثم وقفت على شاهد قوي عند الخطيب في «تاريخه»، فالحديث حسن إن شاء الله». كل ذلك في مسودات الكتاب، ولا حرج فيه إن شاء الله، ولكن العيب ان يخرج الكتاب مطبوعاً بهذا التعقيب. وكان بإمكانه عند تبييض الكتاب وطبعه تعديل العبارة، وحذف ما عدل عنه، فيختصر الطريق على الطابع والقارئ. ورأيت في أحد الكتب هذه العبارة: (وعون ابن الخطاب هذا، لم يذكر فيه البخاري جرحاً ولا تعديلاً، وكذا صنع ابن أبي حاتم «۳/ ۱/۳۸٦»، ولعله في «ثقات ابن حبان»، فإن يدي لا تطوله الآن» أ. ه ثم كتب حاشية على قوله: «ولعله في «ثقات ابن حبان»، فإن يدي لا تطوله الآن، قال فيها: «ثم رأيته فيه «۷/ ۲۷۹». وكان بإمكانه ان يصيغ هذه الفقرة بعد اطلاع على «ثقات ابن حبان» من جديد، فيقول: «وعون هذا، لم يذكر فيه البخاري جرحاً ولا تعديلاً، وكذا صنع ابن أبي حاتم «۳/ ۱/۳۸٦»، (وهو «في «ثقات ابن حبان») «۷/ ۲۷۹» أ. هــ والأمثلة على هذا كثيرة. واستودعكم الله تعالى إلى لقاءٍ آخر في الحلقات القادمة إن شاء الله عن مزالق التحقيق .. |
|
من مواضيعي في الملتقى
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
||||
|
|
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| حدر سريع و ترتيل طبيعي 2 مصحف صالح الشمراني 114 سورة بجودة 128 ك ب | الحج الحج | ملتقى القرآن الكريم وعلومه | 1 | 11-26-2022 03:23 PM |
| كله ف مقطع واحد حدر سريع و ترتيل طبيعي 2 مصحف صالح الشمراني بجودة 96 ك ب | الحج الحج | ملتقى القرآن الكريم وعلومه | 1 | 11-26-2022 03:19 PM |
| عبد الحكيم عبد اللطيف عبد الله مصحف رواية شعبة 114 سورة من اسلام ويب تلاوات برابط 1 و | الحج الحج | ملتقى القرآن الكريم وعلومه | 1 | 09-10-2017 05:18 PM |
| صالح الشمراني مصحف 1 سورة من اسلام ويب تلاوات برابط واحد و المزيد | الحج الحج | ملتقى القرآن الكريم وعلومه | 1 | 08-10-2017 12:38 PM |
| يامسلمين لماذا خلقنا الله الشيخ : عبد الله بن عبد العزيز | ابدأ بنفسك | ملتقى الصوتيات والمرئيات والفلاشات الدعوية | 3 | 03-09-2013 10:16 PM |
|
|