![]() |
![]() |
المناسبات |
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|||||||||
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#1 | |
|
مشرفه ملتقى فيض القلم
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() الأخطاء الحديث عن الأخطاء ليس حديثاً غريباً، سواءً أكان الحديث من خلال منهج منضبط أم غير ذلك، ومن يتحدث عن الأخطاء لابد أن يجد أمامه رصيداً ضخماً؛ لأن البشر أياً كان إيمانهم وتقواهم وعلمهم لابد أن يقعوا في الخطأ والذنب والتقصير، فضلاً عن الخطأ الآخر الذي هو ليس إثماً ولا ذنباً، إنما هو خطأ من قبيل الاجتهاد الذي يؤجر عليه صاحبه أجراً واحداً؛ لأن المجتهد إذا أخطأ فله أجر. إذاً فما دام الخطأ صفةً ملازمةً للبشر باعتبار كونهم بشراً ابتداءً، فإننا بحاجة إلى الحديث عن منهج علاج الأخطاء، خاصة ونحن نرى الأخطاء أمام ناظرينا، ونحتاج أن نضبط هذا المنهج الذي نعالج به الأخطاء حتى لا نشتط ونقع في الخطأ ونحن نعالج الخطأ، إننا بحاجة إلى أن نحذر من الوقوع في الأخطاء حين نعالج أخطاءنا، إن من يسعى إلى تصحيح الخطأ قد يتصور أن حسن مقصده، وسلامة نيته كاف في انضباط منهجه فيرى أنه مادام يريد الإصلاح و النصح والعلاج فهذا وحده كاف في أن يرفع عنه اللوم والمحاسبة ويؤهله أن يقول ما يشاء وأن يفعل ما يريد وأن يرتكب ما يحلو له باسم تصحيح الخطأ، لأنه ناصح ويريد الإصلاح ويريد الخير، ولئن كانت النية الحسنة وحدها ليست كافية في سلامة أي عمل وأي قول فهي أيضاً كذلك في تصحيح الخطأ . والنصيحة ليست مناط السلامة ولا النية وحدها ومن ثمّ كنا بحاجة إلى الحديث عن منهج تصحيح الأخطاء والوقوف عند بعض أخطائنا التي نقع فيها ونحن نعالج الأخطاء وربما كانت أكثر خطأً وأشد نتاجاً من الخطأ نفسه الذي حاولنا علاجه وإزالته. ومن هذه الأخطاء التي نرتكبها في التعامل مع الأخطاء : الخطأ الأول: إهمال علاج الخطأ والتهرب من التصحيح. وهو أسلوب قد يسلكه المرء مع نفسه، فيمارس حيلاً لا شعورية يتهرب فيها من المسؤولية ومن تحميل النفس بالخطأ، ويرفض أن يواجه بخطئه أو أن يقال له أخطأت، فهو يرفض النقد جملةً وتفصيلاً تصريحاً وتلميحاً، إشارةً أو عبارةً . لابد من المصارحة والوضوح والاعتراف بالخطأ. ورفض الحديث عن الأخطاء أوالنقد إنما هو استسلام للخطأ وإصرار عليه، إنه لا يليق بالمرء أن يرفض المصارحة مع نفسه ومناقشة أخطائه ونقدها، أو يتّهم النقد الموجه له من الآخرين، وكذلك لا يسوغ لنا داخل مؤسساتنا التربوية أن نرفض المراجعة والتصحيح. والتهرب من النقد ومن المراجعة، واتـهام من ينتقد إنما يعني الإصرار على الخطأ واعتقاد العصمة للنفس . فلابد أن نتربى ونربي غيرنا، وأن تتربى مجتمعاتنا على أن تكون لغة النقد البناء لغة سائدةً بين الجميع، وعلى أن يكون الحديث عن الأخطاء حديثاً لا تقف دونه الحواجز ولا العوائق، مادام ذلك داخل إطار النصيحة وداخل إطار النقد البناء. الخطأ الثاني : ردة الفعل وعلاج الخطأ بخطأ آخر: وهذا غالباً ما ينشأ عند زيادة الحماس لمواجهة هذا الخطأ ولنضرب على ذلك أمثلة في الواقع الشخصي: أولاً: في واقع الإنسان نفسه فقد يكتشف الإنسان خطأً في نفسه وحينئذٍ يدعوه الحماس إلى تصحيح هذا الخطأ؛ فيتعامل مع نفسه بردة فعل، ويتعامل مع هذا الخطأ بخطأ آخر ربما كلف نفسه مالا يطيق، وربما وقع في خطأ آخر مقابل لهذا الخطأ فعلى سبيل المثال : حين يكتشف المرء مثلاً أنه مقصر في طلب العلم الشرعي ويرى أن أقرانه قد فاقوه وسبقوه، فيسعى إلى تصحيح هذا الخطأ، ويرسم لنفسه برنامجاً طموحاً برنامجاً لا يطيق أن يصبر على بعضه فضلاً عن أن يطيقه كله، وحين يبدأ التنفيذ ويخوض الميدان يصطدم بالواقع، ويرى أن ثمة مسافة هائلة بين المثال والواقع، بين تلك الصورة التي رسمها لنفسه والتي كان يتطلع إليها، وبين ما كان يمكن أن يصل إليه من قدر من التصحيح، وحين يصل إلى هذه الحال فإنه في الأغلب لا يعود إلى التوازن مرة أخرى حتى وهو يصحح هذا الخطأ . إذاً فيجب أن نحذر الحذر الشديد حين نحاول تصحيح أخطاء أنفسنا من الوقوع في ردة الفعل التي قد توقعنا في الغلو والمبالغة، أو قد توقعنا في خطأ آخر في الطرف المقابل كإهمال واجبات وحقوق أخرى،. ويدل لذلك حديث الأعرابي المعروف الذي بال في المسجد فهو هنا قد وقع في خطأ، فأراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يعالجوا هذا الخطأ لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يعالجوا الخطأ بخطأ آخر . الخطأ الثالث :رفض التصحيح العلني للأخطاء جملةً: هناك أخطاء ينبغي أن تصحح من خلال قنوات خاصة وطرق شخصية وسرية، لكن ثمة أخطاء ومنكرات وقضايا لابد أن يُتحدث عنها وتعالج تحت ضوء الشمس وبوضوح. ومناط الأمر في ذلك كله إنما يعود أولاً وأخيراً إلى المصلحة الشرعية، فحيث تقتضي المصلحة الشرعية علاج هذا الخطأ سراً وبطريقة شخصية فإنه ينبغي أن يعالج كذلك. وحيث تقتضي المصلحة الشرعية علاج هذا الخطأ بصوره علنية واضحة فحينئذٍ الطريقة المثلى هي هذه الطريقة، والأمر يدور مع المصلحة الشرعية خذ مثالاً رائعاً من تاريخنا عندما قام أحد الرعية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب الناس على المنبرـ وقد كان خليفة ـ فيواجهه في الحديث عن الخطأ علانية، و عمر رضي الله عنه يناقشه حتى يقتنع الجميع وتحصل الحادثة نفسها مع معاوية رضي الله عنه ـ وهو خليفة ـ ونرى تلك الاختيارات الفقهية التي اختارها ـ مثلا ـً عمر رضي الله عنه أو اختارها عثمان، أو علي، أو غيرهم حول جمع المصاحف أو حول متعة الحج، أو حول الإتمام في الحج، أن كل هذه الاختيارات واجهت انتقاداً وواجهت حديثاً علنياً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يرون أنهم لا يزالون إخوة، والجميع - المنتقِد والمنتقَد، المتحدث عن ما يرى أنه خطأ، والآخر الذي يقع فيما يرى أنه خطأ - يرون أنهم لم يتجاوزوا سياج الأخوة . ونرى مثلاً أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ينكر على مروان ؛ حين كان والياً على المدينة وقد قدّم خطبة العيد على الصلاة فيقول له ـ في محضر من الناس ـ : ( خالفت السنة يا مروان ). ونرى من ينكر على بشر بن مروان، حين حرك يديه في الخطبة، ويخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يزيد على أن يشير بالسبابة ). التراث الذي يتحدث عن انتقاد المبتدعة، وأسمائهم، وأخطائهم، وانتقاد مناهجهم، وهذا يدعو إلى أن نصادر كل حدث، أو رواية أو موقف قام فيه أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو قام به سلف الأمة، أو من تلاهم بعد ذلك من الناصحين، أن نصادر هذه الروايات، وأن نغض طرفاً عنها، وأن لا نخرجها للناس؛ لأن هذه تربي الناس على الحديث العلني عن الخطأ ؛ بل لعل هذا المنهج أن يدعونا إلى التعسف في تأويل نصوص صحت عنه صلى الله عليه وسلم واضحةً وضوح الشمس، فقد بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه على السمع، والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أن يقولوا بالحق حيث كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم أن يقول بالحق حيث رآه، أو علمه، وأن ينكر المنكر حيث رآه، ونهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تمنع هيبة الناس آمراً أن يقول بحق رآه، أو علمه. الخطأ الرابع:المثالية. وذلك أن نكون مثاليين؛ فنطلب من أنفسنا، أومن أبنائنا، أو بناتنا أو حتى من مجتمعاتنا أو من جيل الصحوة صورة مثالية. مثل ذلك في الدعاة إلى الله عز وجل وطلبة العلم والشباب الأخيار، فالمجتمع ينظر إليهم ويطلب منهم صورة مثالية، بل إننا كثيراً ما نطلب منهم أن يكونوا معصومين، فنطلب منهم التجرد عن ذواتهم، والارتفاع عن كل ما يقع فيه بشر، وحين نرسم في أذهاننا صورة للعامي وأخرى لطالب العلم، وأنه ينبغي أن يكون على هذه المواصفات، وصورة ثالثة للشاب المسلم وهي صورة مثالية، صورة نظرية أخذناها بعيداً عن الواقع الذي نعيشه، وبعيداً عن الواقع البشري، حين نرسم هذه الصور فإننا سنحاسبهم عليه، ويترتب على هذا أن نعتبر من الأخطاء ما ليس كذلك، وأن نرى أن الأخطاء التي هي طبيعية أصلاً، أو نرى أن التصرفات الطبيعية التي لابد أن تصدر من البشر نراها أخطاءً والنسيان والهوى، عندئذٍ سيضع الأخطاء في إطارها الطبيعي وحجمها المعقول . الخطأ الخامس : التعذر بالبشرية: وهذا أمر صحيح، فإن البشر لابد أن يقعوا في الخطأ لكن ليس هذا عذراً نضرب به في وجه كل من يطالب بالتصحيح، وحين نقول هذا العذر فإننا ينبغي أن نقوله ونحن أولاً :نحمل العزيمة والإرادة الجادة والاستعداد للتصحيح ، ثم ثانياً : نحن على استعداد لأن نتحمل تبعة هذا الخطأ . المقصود أننا يجب أن نتوازن فلا نطلب من الناس المثالية، ولا ندافع عن أخطائهم ونسوغ أخطاءهم بحجة أنهم بشر، الخطـأ السـادس : الإسقاط والتبرير وغيرها: قد نعترف بالخطأ؛ لكننا لا نحمل أنفسنا مسؤولية الخطأ فنحاول مثلاً أن نحمل غيرنا الخطأ أو نحاول أن نبحث عن أسباب وعوامل وهمية نعلق عليها مسؤولية الخطأ وقد تحدثنا عن هذه القضية في درس بعنوان ( دعوة للمصارحة) فلا نريد أن نطيل فيها. الخطأ السابع : الخطأ في مقاييس تحديد الخطأ عندما نقول إن هذا الأمر خطأ فعلى أي أساس اعتبرنا أن هذا الأمر خطأ ؟ فمثلاً قد نعتبر الخروج عن المألوف خطأ، فمن يأتي بشيء جديد مخطئ لا لشيء إلا لأنه جاء بأمر جديد لم نألفه وأظن أن هذا المنطق منطق مرفوض من الجميع، وهذا منطق عقلية الذين يرفضون التجديد، والمنطق نفسه هو الذي قاد قوماً من الناس إلى أن قالوا (إنا وجدنا آباءنا على أمة). أيضاً أن يكون المقياس مثلاً قول فلان من الناس ؛ فنعتبر أن من خالف قول فلان من الناس أياً كان شأنه ومكانته فهذا خطأ، ونعتبر أن فلاناً هذا هو الحاكم على أقوال الناس، وعلى أعمال الناس، فإذا قال أحد قولاً يخالف قوله فهذا يعني أنه خطأ، وحين يقول قولاً فمن أقرّ به صوبناه، ومن خالفه خطأناه بل وحاسبناه على ذلك، وهذا منهج مرفوض تحدث عنه أئمة الإسلام، وممن تحدث عن ذلك شيخ الإسلام في مواضع كثيرة ومما قاله في ذلك : " وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد أنت أعلم أم الإمام الفلاني ؟ كانت هذه معارضةً فاسدةً؛ لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، ولست أعلم من هذا ولا من هذا ولكن نسبة هؤلاء إلى الأئمة كنسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأُبي ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة وغيرهم..." إلى آخر كلامه.. وقال أيضاً : " قال الله تعالى: ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)، وقال: ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول) فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم، ولا أمير، ولا شيخ، ولا ملك، فالحكم فيها للكتاب والسنة" . وهذا منطق المقلد ومنطق الإرهاب الفكري، حين نحتج على الناس بأن هذا القول يخالف قول فلان أو يخالف ما قرره فلان ؛ فليس من أحد كائناً من كان حجةٌ على هذه الأمة ؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يجادل ويحاج ويخطِّئ الناس ينبغي أن يجادل ويحاج بالمنطق والدليل والبرهان الشرعي. الخطأ الثامن : الخطأ في التعامل مع مسائل الاجتهاد وذلك أن هناك مسائل هي مسائل اجتهاد، الأمر فيها سائغ وقد اختلفت الأمة فيها ولا يزال الخلاف فيها إلى أن تقوم الساعة، وحين نعمد إلى تخطئة الناس في هذه المسائل، وربما التشنيع و الإغلاظ عليهم فإن هذا منهج مرفوض وقد تحدث الأئمة عن ذلك في باب الإنكار. قال ابن قدامة : "لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العملَ بغير مذهبه فإنه لا إنكار في المجتهدات ". وقال الإمام النووي :" ثم العلماء لا ينكرون إلا ما اجتمعت عليه الأمة، وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه " . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " بل المجتهد المخطئ لا يجوز ذمه بإجماع المسلمين " فما بالكم بما هو أعلى من الذم كالاتهام بالضلال والانحراف والخلل في المنهج إلى غير ذلك بحجة أنه خالف في مسألة من مسائل الاجتهاد ـ وقال أيضاً : " مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه " . والأقوال عند الأئمة في ذلك محفوظة مشهورة مدونة . إن مسائل الاجتهاد -وهي التي ليس فيها دليل صريح من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم -لا يسوغ أن ينكر على الناس فيها ونخطئهم ونؤثمهم، خاصةً إذا انطلقوا من خلال اجتهادهم أياً كان هذا الاجتهاد، بل إننا نرى مثلاً أن هناك من يحول بعض مسائل الاجتهاد إلى أصول وإلى منهج، فيقيم الناس من خلاله ويضللهم ويخطئهم ويؤثمهم عليه.. من حقك أن تقضي ساعات طويلة لتقرير قولك؛ بل تؤلف وتناظر عليه، لكن ينبغي أن تحترم اجتهادات الآخرين، وينبغي أن ترى أنه مع ذلك لا تزال هذه المسألة مسألة اجتهاد. مثلاً ـ بعض الناس إلى تحقيق كتاب لأحد الأئمة ويرجح مثلاً هذا الإمام ـ كابن القيم ـ قولاً في مسألة اجتهادية تخالف ما يراه الأخ المحقق فيضع حاشية صفحات طويلة يسرد فيها الأدلة ويقرر فيها أن المؤلف وهم رحمه الله باختيار هذا القول، وأنه خالف الصواب، والقضية قضية اجتهاد. وليس من حق المحقق أبداً الاعتراض على هذا الإمام في ترجيحه، والقارئ إنما اشترى هذا الكتاب لأنه من تأليف ابن القيم لا أنه من تأليف فلان من الناس، واقرؤوا الكتب المحققة لتروا مثلاً الكثير ممن يحقق يملأ لك صفحات هائلة في الحواشي في مناقشة المؤلف والإمام في مسألة اجتهادية ربما كان الحق فيها مع المؤلف. الخطأ التاسع : افتراض التلازم بين الخطأ والإثم والضلال وذلك أننا قد نتصور أن الخطأ يعني في الضرورة الإثم، وأننا حينما نقول أخطأ فلان فذلك يعني أنه آثم، وحينما نقول أخطأ فلان فهذا يعني أنه غير مؤهل.. إلى غير ذلك. يقول شيخ الإسلام رحمه الله : "فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة ـ يعني في القضايا التي يعلم أنها ذنب حقاً ـ وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يصيبون وتارة يخطئون، فإذا ما اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا فأخطؤوا فلهم أجرٌ على اجتهادهم وخطؤهم مغفورٌ لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارة يغلون فيهم ويقولون إنهم معصومون، وتارة يجحفون فيهم ويقولون إنهم باغون في الخطأ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون، ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلالة ". وقال أيضاً : " وإذا ثبت في الكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان فهذا عام عموماً محفوظاً، وليس في الأدلة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئاً على خطئه ". وهذا الخطأ ينشأ عنه خطآن : الخطأ الأول : رفض التصحيح ورفض النقد لأنه بالضرورة يعني التأثيم والضلال. وينشأ عنه أيضاً : الطعن في الشخص الذي يقع في الخطأ واعتقاد زيغه . الخطأ العاشر: إهمال البعد الزمني في تصحيح الخطأ. حين نكتشف الخطأ فإننا ينبغي أن نكون واقعيين، وأن نرى أن هذا الخطأ كان نتيجة تراكم عوامل عدة، وحين نسعى إلى تصحيحه فإن هذا يعني بالضرورة أن نعطيه المدى الزمني الكافي في تصحيحه حتى يمكن أن نصححه، فلو أن إنساناً اكتشف بنفسه أنه حادّ وسريع الغضب وأراد أن يصحح هذا الجانب في نفسه، فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يمكن أن يتحول من إنسان سريع الغضب سريع الانفعال إلى إنسان حليم بين يوم وليلة، بل لابد أن يتدرج في ذلك و عندما تكتشف عند ابنك أو عند من تربيه خطأ أياً كان ذلك الخطأ فمن الظلم أن تطالبه بتصحيح الخطأ في وقت يسير. الخطأ الحادي عشر :إحراج الواقع في الخطأ : حين نريد أن نصحح الخطأ عند إنسان يقع في الخطأ فلا يسوغ أ ن نحرجه، ومن ذلك مثلاً أن لا نعطيه فرصة للتفكير، حتى يفكر في خطئه ويراجع نفسه؛ فمن طبيعة النفس أنه يصعب عليها الاعتراف بالخطأ، فحين تحاصر صاحبك في زاوية ضيقة وترى أنه لابد أن يعترف لك ويقول إنني أخطأت، فهذا منطق غير معقول، لكن لو أعطيته فرصة للتراجع، وبحثت له عن المسوغات والمبررات التي أوقعته في هذا الخطأ، كأن تقول له إنني أعرف أنك قد وقعت في هذا الخطأ بسبب كذا وكذا، وأن هناك عوامل أدت بك إلى الوقوع فيه، ولسنا نريد اتهامك ولكن نريد أن تصحح هذا الخطأ، فعندما تسلك معه هذا المنهج فإنك يمكن أن تعينه على الاعتراف فعلاً بالخطأ. كذلك فان اختيار الوقت والمكان المناسبين لعلاج الخطأ أمر مهم، عندما يأتي الأب أو الأم مثلاً فيلوم الطفل أمام إخوته فهذا بلا شك إحراج له، ومدعاة لرفضه ما يقال له. وعندما تأتي لإنسان وذهنه مشغول أو في طور الحماس لرأيه والحديث عنه وتبريره، فهو في موقف غير مناسب أن تفاجئه بالحديث عن الخطأ، لكن عندما تنتظر إلى أن يهدأ حماسه وتناقشه في الخطأ فإنك حينئذٍ تعطيه فرصة مناسبة ولا تحرجه. الخطأ الثاني عشر : أن نفترض المخطئ خصماً : وهذا كثير ما ينشأ في الردود، فتفترض أنه خصم وتكشف عن عواره وتظهر خطأه وتحسسه بمخالفة قوله أو فعله للإجماع والقياس والاستحسان و … . هذا الأسلوب قطعاً سيولد لديه ردة فعل فيبدأ في البحث عن مسوغات وقد يتعصب لرأيه ويبحث عمّا يبرره . الخطـــأ الثالث عشر :المبالغة في تصوير الخطأ: قد يقع الإنسان في خطأ عن اجتهاد أو هوى فنضخم الخطأ، ونعطيه أكبر من حجمه، ومنطق الحق والاعتدال أن نضع الخطأ في إطاره الطبيعي وحجمه المعقول، وقل مثل ذلك مثلاً في أسلوب الإنسان مع نفسه حين يضخم الأخطاء التي يقع فيها ويعطيها أكبر من حجمها فيتولد عنده شعور بأنه فاشل، وأنه غير مؤهل للنجاح، فيجب أن نضع الخطأ في إطاره الطبيعي ولا نضخمه . الخطأ الرابع عشر :الحديث عن طرف واحد من المخطئين: قد يأتي أحد المسلمين الغيورين ويسلك أسلوباً في إنكار منكرٍ من المنكرات التي ابتليت بها مجتمعات المسلمين، أسلوباً نرى أنه خاطئٌ، وحينئذٍ يعامل بعنجهية وقسوة وظلم، فلماذا لا نكون واقعيين ومنطقيين ونضع كل خطأ في حجمه الطبيعي . نعم من الممكن أن نتحدث عن الخطأ الحاصل لكن الآخر الظالم المجرم لماذا لا نتحدث عن خطئه ؟ ! الخطــأ الخامس عشر :البحث عن الخطأ والفرح به: حينما يقرأ الإنسان ويسمع ويفتش عن الخطأ وإذا وقع على خطأ فرح به وكأنه حصل على كنز ثمين، وصار يخبر الناس ويدلهم على هذا الخطأ فهذا خطأ فادح في معالجة الخطأ، وإذا عرفت هذا في نفسك أو عرفته في غيرك فاعلم أن هذا غير جادٍ في النصيحة وأن هذا غير جاد في تصحيح الخطأ وأنه رجل إنما يفتش عن الأخطاء. الخطأ السادس عشر : التمحل في إثبات الخطأ : وهذا قد يكون من خلال القول باللازم فيقول يلزم من كلامك كذا وكذا، ولعلك تقصد كذا، أوتريد كذا، ويبدأ الحديث عن النوايا . إنك حينما قلت كذا تريد فلاناً وحينما قلت كذا تريد كذا، وإلى غير ذلك وهذا كله ناشئ عن التمحّل والسعي إلى إثبات الخطأ، ولو كنا نجري الناس على ظاهرهم لسلمنا من كثير من مثل هذه المواقف، وغالباً ما يظهر هذا في الردود . ولنضرب على ذلك مثلاً : فهذا أحد علماء أهل السنة المعاصرين الذين يشهدٌ لهم بالخير والتجديد قال كلمة حول القرآن بغض النظر أهي صحيحة أو غير صحيحة فماذا قال الذي يرد عليه؟ قال عنه: هذا دليل على أنه يرى خلق القرآن، وهو يعرف أن الشيخ لا يقول بخلق القرآن، لكن تمحل وحرَّف، ومثال آخر ما قيل عن بعض الدعاة من أنه يرى وحدة الوجود، مع أن ذلك الداعية صرح في مواطن من كتبه بالرد الصريح على دعاة وحدة الوجود وأولئك يعرفون هذا القول فلماذا ننسبه إلى هذه العقيدة الكفرية لأجل عبارة موهمة ؟ قد نقول إن هذه العبارة غير منضبطة ينبغي إبدالها ؛ لكن أن نتهمه بأنه يقول بوحدة الوجود هذا منطق خالٍ من العدل والإنصاف والمصلحة. لخطــأ السابع عشر:إهمال محاسن الرجل: نحن حين نتحدث عن خطأ إنسان فينبغي أن لا نهمل محاسنه وأن ننظر باعتدال. قال سعيد بن المسيب ( رحمه الله ) :" ليس بشريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبهم فمن كان فضله أكثر من نقصه ؛ وهب نقصه لفضله". وقال محمد بن سيرين :"ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره". وقال شيخ الإسلام :"ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة و التابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة، وأهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه وتجعل ذلك قدحاً في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه بل حتى تخرجه من الإيمان وكلا هذين الطرفين فاسد والخوارج والروافض وغيرهم من أهل الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من آخَر، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم". وقال ابن القيم رحمه الله :"فلو أن كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملة وأُهدِرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها". وهذا لا يعني بالضرورة عدم الحديث عن الأخطاء، لكن حين نتحدث عن الأخطاء فينبغي أن لا نهمل المحاسن، وينبغي أن نتحدث بتوازن . الخطأ الثامن عشر : الحديث عن الخطأ ومظاهره دون الحديث عن الأسباب والعلاج: قد نتحدث عن خطأ من الأخطاء أومشكلة من المشكلات ونفصل فيها، ثم لا نتحدث عن الأسباب والعلاج ، وكثيراً ما يقع هذا من خطباء الجمعة، إلا إذا كان في حالة ظاهرة ومقصد المتحدث هو التنبيه عليها فحينئذٍ قد نكتفي بمثل هذا العرض، لكن ينبغي حينما نتحدث عن الأخطاء بصفة عامه نحاول أن نتلمس الأسباب ومكمن الداء وأن نبحث عن بعض الخطوات التي يمكن أن نوصي بها لعلاج مثل هذا الخطأ. ![]() اثبت وجودك
..
|
|
![]() من مواضيعي في الملتقى
|
||
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
|
|
|
||||
|
|
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| من الأخطاء الشائعة | طالب العلم | ملتقى اللغة العربية | 5 | 08-30-2016 05:30 PM |
| كتاب إلكتروني يضمّ عدد من الأخطاء الشائعة في تلاوتنا للقرآن الكريم | خالد(عاشق القرآن) | ملتقى الكتب الإسلامية | 14 | 03-05-2015 02:39 PM |
| تحميل برنامج Uniblue Registry Booster الأكثر أمانا لتنظيف سجل النظام من الأخطاء | MOSA3ID | ملتقى برامج الكمبيوتر والإنترنت | 0 | 08-12-2012 08:13 PM |
| أسس وقواعد تحليل الشبكات وكيفية أكتشاف الأخطاء فيها | علاء الدين | ملتقى برامج الكمبيوتر والإنترنت | 5 | 03-30-2011 12:11 AM |
|
|