استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى عقيدة أهل السنة و الجماعة > قسم الفرق والنحل
قسم الفرق والنحل القضايا الفكرية والعقائدية في الاسلام والرد على الشبهات.
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 03-04-2025, 02:59 PM   #1

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي فرقة الرفاعية الصوفية ... عقائد وأبرز الشخصيات

      

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

فالحمد لله على نعمة السنة ونسأل الله الهداية لجميع المسلمين وخاصة من اغتر بهذه الفرق ولم يعرف حقيقتها .

ترجَمةُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ في بَعضِ كُتُبِ المُؤَرِّخينَ :

ال الذَّهَبيُّ في تَرجَمةِ الرِّفاعيِّ: (الإمامُ القُدوةُ العابدُ الزَّاهِدُ شَيخُ العارِفينَ: أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ أبي الحَسَنِ عَلي بنِ أحمَدَ بنِ يَحيى بنِ حازِمِ بنِ عَليِّ بنِ رِفاعةَ الرِّفاعيُّ المَغرِبيُّ ثمَّ البطائحيُّ، وكان قدِمَ أبَوه من بلادِ المَغرِب وسَكَنَ البَطائِحَ في قَريةِ أمِّ عُبَيدةَ، وهي قَريةٌ من قُرى واسِطٍ بالعِراقِ. ثمَّ توفِّيَ وأمُّ أحمَدَ حَملٌ به) .
ونَشَأ في كَنَفِ خاله الشَّيخِ مَنصورٍ الزَّاهدِ الذي اعتَنى به، وكان شافِعيًّا تَفقَّه قليلًا على مَذهَبِ الشَّافِعيِّ .


قال ابنُ كَثيرٍ في البدايةِ والنِّهايةِ: (ويُقالُ: إنَّه حَفِظَ التَّنبيهَ في الفِقهِ على مَذهَبِ الشَّافِعيِّ) .


وقال الذَّهَبيُّ: (كان كَثيرَ الاستِغفارِ عاليَ المِقدارِ، رَقيقَ القَلبِ، غَزيرَ الإخلاصِ، وكان مُتَواضِعًا يَجمَعُ الحَطَبَ ويَجيءُ به إلى بُيوتِ الأرامِلِ.

وكان يَقولُ: أقرَبُ الطَّريقِ الانكِسارُ والذُّلُّ والافتِقارُ، تُعظِّمُ أمرَ اللهِ، وتُشفِقُ على خَلقِ اللهِ وتَقتَدي بسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وكان لا يَجمَعُ بَينَ لُبسِ قَميصَينِ، ولا يَأكُلُ إلَّا بَعدَ يَومَينِ أو ثَلاثةٍ أكلًا، وإذا غَسَل ثَوبَه يَنزِلُ في الشَّطِّ كَما هو قائِمٌ يَفرُكُه، ثمَّ يَقِفُ في الشَّمسِ حتَّى يَنشفَ، وإذا ورَدَ ضَيفٌ يَدورُ على بَيتِ أصحابِه يَجمَعُ الطَّعامَ في مِئزَرٍ.


وقيل: أُحضِرَ بَينَ يَدَيه طَبَقُ تَمرٍ، فبَقيَ يُنَقِّي لنَفسِه الحَشَفَ يَأكُلُه، ويَقولُ: أنا أحَقُّ بالدُّونِ؛ فإنِّي مِثلُه دونٌ!


وكان لا يَقومُ للرُّؤَساءِ، ويَقولُ: النَّظَرُ إلى وُجوهِهم يُقسِّي القَلبَ. توفِّي سنةَ ثَمانٍ وسَبعينَ وخَمسِمِائةٍ في جُمادى الأولى، رَحِمَه اللهُ)


ثمَّ إنَّ الذَّهَبيَّ قال أيضًا: (كان إليه المُنتَهى في التَّواضُعِ والقَناعةِ ولِينِ الكَلِمةِ والذُّلِّ والانكِسارِ والإزراءِ على نَفسِه وسَلامةِ الباطِنِ،


ولكِنَّ أصحابَه فيهمُ الجَيِّدُ والرَّديءُ، وقد كَثُرَ الزَّغلُ فيهم، وتَجَدَّدَت لهم أحوالٌ شَيطانيَّةٌ مُنذُ أخَذَتِ التَّتارُ العِراقَ؛

من دُخول النِّيرانِ ورُكوبِ السِّباعِ واللَّعِبِ بالحَيَّاتِ،

وهذا ما عَرفه الشَّيخُ ولا صُلَحاءُ أصحابِه، فنعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ)


مؤَلَّفاتُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ ( مانسب إليه )

نُسِبَت إلى الرِّفاعيِّ كُتُبٌ ورَسائِلُ عَديدةٌ، منها كِتابُ (البُرهانُ المُؤَيِّدُ) وكِتابُ (حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مَعَ اللهِ)، وهذان الكِتابانِ يُعتَبَرانِ عِندَ الرِّفاعيَّةِ من أوثَقِ ما نُسِبَ إلى الشَّيخِ؛ فإنَّهم يَقولونَ عن (البُرهان المُؤَيِّد): (هذا الكِتابُ الذي عَزَّ شَأنُ سَبكِه عنِ المَثيلِ، الذي جَمَعَه من مَجالِسِ وَعظِه شَرَفُ الدِّينِ بنُ عَبدِ السَّميعِ الهاشِميُّ الواسِطيُّ، وقال شَيخُنا القوصيُّ: ما قُرِئَ هذا الكِتابُ على أهلِ مَجلِسٍ إلَّا وظَهَرَت لهم نَفحاتُ العِرفانِ والإخلاصِ والتَّمَكُّنِ) .

أمَّا كِتابُ (حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مَعَ اللهِ) فإنَّه ليس له مُستَنَدٌ يُصَحِّحُ نِسبَتَه إلى أحمَدَ الرِّفاعيِّ، وإنَّما أكَّدَ أتباعُه صِحَّةَ نِسبَتِه إليه، كَما قال المزيديُّ: (وهو أربَعونَ حديثًا بالإسنادِ المُتَّصِلِ ألقاها السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ في أربَعينَ مجلِسًا، جَمَعَها الفقيهُ الشَّافِعيُّ أبو شُجاعٍ الشَّافِعيُّ) .

وهذا الكِتابُ عِبارةٌ عن تَعليقاتٍ على الأحاديثِ التي يَأتي لها بأسانيدَ خاصَّةٍ بأهلِ البَيتِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لم تُذكَرْ في كُتُبِ الحَديثِ، كالبُخاريِّ ومُسلمٍ.
ويَظهَرُ منه عَدَمُ التَّضَلُّعِ في عِلمِ الحَديثِ؛ ففيه ذِكرُ كَثيرٍ منَ الأحاديثِ التي لم تَصِحَّ، مِثلُ حَديثِ ((مَن وُلِد له وَلَدٌ فسَمَّاه مُحَمَّدًا، كان هو ومَولودُه في الجَنَّةِ)) ، وحَديثُ: ((نَظَرُ الولدِ إلى والدَيه عِبادةٌ)) ، بل ويَكثُرُ فيه قَولُ: (قال اللهُ في بَعضِ كُتُبِه) ، ثمَّ يُعَوِّلُ على غَرائِبِ الإسرائيليَّاتِ.

وفي هَذَين الكِتابَينِ مَيلٌ إلى نَقلِ حِكَمِ الصُّوفيَّةِ وأقوالِهم، ومنها أمورٌ لا يَليقُ بالمُسلمِ اعتِقادُها، مِثلُ دَعوةِ المُحِبِّينَ إلى الرِّضا بالنَّارِ، وحَمدِ اللهِ على الدُّخولِ فيها يَومَ القيامةِ؛ لأنَّها من قَضاءِ اللَّهِ! مِثلُ قَولِه: (إنَّ اللهَ أمر جِبريلَ أن يُخبرَ أحَدَ العابدينَ أنَّه من أهلِ النَّارِ، فلمَّا أخبَرَه خَرَّ ساجدًا يَشكُرُ اللَّهَ ويَقولُ: لك الحَمدُ يا مَولايَ على قَضائِك وقدَرِك حَمدًا يَعلو حَمدَ الحامِدينَ) .


وكَذلك يَنقُلُ عنهمُ الاستِهانةَ بها، مِثلُ قَولِ أحَدِهم: (إلهي لا تُدخِلْني في النَّارِ؛ فإنَّها تَصيرُ عَليَّ بَردًا من حُبِّي لك) !


غَيرَ أنَّه ليس ثَمَّةَ ما يُؤَكِّدُ صِحَّةَ نِسبةِ الكِتابَينِ السَّابقَينِ إلى الرِّفاعيِّ، واللهُ تعالى أعلَمُ.


وهناكَ كُتُبٌ أخرى جَمَعَها المُنتَسِبونَ إليه من بَعدِه، ككتابِ (المَجالسُ الرِّفاعيَّةُ)، وكِتاب (رَحيقُ الكَوثَرِ) وكِتابُ (حِكَمُ الرِّفاعيِّ).


وذَكَرَ الزِّرِكليُّ بَعضًا من أبياتِ الشِّعرِ التي نُسِبَت إليه، وقال: إنَّ الصَّحيحَ أنَّها ليست له .


ومَهما يَكُنْ من أمرٍ فإنَّ هذه الكُتُبَ إن ثَبَتَت صِحَّتُها فإنَّ فيها ما يُضادُّ كَثيرًا منِ اعتِقاداتِ مَنِ انتَسَبوا إليه من بَعدِه مِمَّن يَستَغيثونَ بغَيرِ اللهِ،

فإنَّنا نَجِدُ في كِتابِه (حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مَعَ اللهِ) النَّهيَ عنِ الاستِغاثةِ بغَيرِ اللهِ مَرَّاتٍ عَديدةً، فيَذكُرُ فيه مَثَلًا أنَّ اللهَ غَضِبَ من أحَدِ الزُّهَّادِ لمَّا أرادَ أن يَستَغيثَ بغَيرِه، وقال له: (أتَستَغيثُ بغَيري وأنا غِياثُ المُستَغيثينَ؟) .


وكذلك كان مَوقِفُه منَ البدَعِ أشَدَّ بكَثيرٍ ممَّا هو حالُ المُنتَسِبينَ إليه اليَومَ، وكان يَقولُ:

(مَن لم يَزِنْ أقوالَه وأفعالَه وأحوالَه في كُلِّ وقتٍ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ولم يَتَّهِمْ خَواطِرَه لم يَثبُتْ في ديوانِ الرِّجالِ) .


فهل يَتَّفِقُ حالُه هذا مَعَ ما عليه المُنتَسِبونَ إليه من بَعدِه؟!


نَسَبُ الرِّفاعيِّ إلى آلِ البَيتِ

نَسَبَ بَعضُهمُ الرِّفاعيَّ إلى آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وألَّف الرِّفاعيُّون العَديدَ منَ الرَّسائِلِ والكُتُبِ لإثباتِ نِسبَتِه إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد تَزَعَّمَ هذه الحَملةَ مُحَمَّد أبو الهدى الصَّيَّاديُّ الذي أخَذَ يَذكُرُ هذه النِّسبةَ في رَسائِله التي كَتَبَها عنِ الرِّفاعيِّ، وخَصَّصَ لهذا المَوضوعِ مُؤَلَّفاتٍ منها:
1- كِتابُ (التَّاريخُ الأوحَدُ للغَوثِ الرِّفاعيِّ الأمجَدِ).
2- كِتابُ (سَلاسِلُ القَومِ).

وكان يَقولُ: (الشَّيخُ الإمامُ أحمَدُ بنُ عَليِّ بنِ يَحيَى بنِ ثابتِ بنِ حازِمِ بنِ أحمَدَ بنِ عَليِّ بنِ الحَسَنِ، المُلقَّبُ برِفاعةَ بنِ المَهديِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ أحمَدَ بنِ موسى بنِ إبراهيمَ المُرتَضى بنِ موسى الكاظِمِ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ الباقِرِ بنِ عَليٍّ زَينِ العابدينَ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه) .


ومَعَ القَناعةِ التَّامَّةِ بأنَّ النَّسَبَ لا يُقدِّمُ ولا يُؤَخِّرُ في صَلاحِ المَرءِ أو فسادِه، فلا يُجعَلُ الرَّفيُع وضيعًا ولا الوضيعُ رَفيعًا، فإنَّ مَدارَ النَّجاةِ على الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ، غَيرَ أنَّه منَ الضَّروريِّ مُتابَعةُ هذه النِّسبةِ للقَناعةِ التَّامَّةِ بأنَّ الصُّوفيَّةَ دَأَبوا على رَبطِ مَن يُعَظِّمونَ من مَشايِخِهم بآلِ البَيتِ، وعلى وضعِ أنسابٍ مَكذوبةٍ عليهم مِثلَما فعَلوا في عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ؛ حَيثُ نَسَبوه إلى أهلِ البَيتِ مَعَ أنَّه من قَبيلةِ (جنكي دوست) الفارِسيَّةِ ! وهذا الاسمُ كَما تَرى أعجَميٌّ؛ فعَبدُ القادِرِ فارِسيُّ الأصلِ (بُشْتَبْريُّ) النَّسَبِ ، وقِسْ على ذلك!


وقد أنكَرَ المُحَقِّقونَ نِسبةَ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ؛ منهم بَعضُ أهلِ الطَّريقةِ القادِريَّةِ الذين كَتَبوا مُصَنَّفاتٍ ورَسائِلَ تُبطِلُ ما يَدَّعيه الرِّفاعيَّةُ من وُجودِ أيِّ صِلةِ نَسَبٍ بَينَه وبَينَهم.


ومن ذلك كِتابُ (الفَتحُ المُبينُ فيما يَتَعَلَّقُ بتِرياقِ المُحِبِّينَ) لظَهيرِ الدِّينِ القادِريِّ الذي نَقَل فيه عن شَمسِ الدِّينِ ناصِرٍ الدِّمَشقيِّ أنَّه قال: (لم أعلَمْ للرِّفاعيِّ نسبًا صحيحًا إلى عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولا إلى أحَدٍ من ذُرِّيَّتِه الأطايِبِ، وإنَّما الذي وصَل إلينا وساقَه الحُفَّاظُ وصَحَّ لدَينا أنَّه: أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُالشَّيخِ أبي الحَسَنِ عَليِّ بنِ يَحيى بنِ حازِمِبنِ عَليِّ بنِ رِفاعةَ، المَغرِبيُّ الأصلِ البطائحيُّ الرِّفاعيُّ، نَسَبُه إلى جَدِّه الأعلى رِفاعةَ، قدِمَ والدُه أبو الحَسَنِ رَحمةُ اللهِ عليه من بلادِ المَغرِبِ فسَكَنَ البَطائِحَ) .


وكذلك نَفى عالمُ الأنسابِ (ابن طباطَبا) هو وتِلميذُه ابنُ معيةَ أن تَكونَ للرِّفاعيِّ أيَّةُ صِلةٍ بأهلِ البَيتِ مُنكِرًا أن يَكونَ هنالكَ أبو القاسِمِ مُحَمَّدُ بنُالحَسَنِ بنِ الحُسَينِ بنِ أحمَدَ بنِ موسى. ونَقَل أبو الهدى الصَّيَّاديُّ عنهما قَولَهما: (وما رَأينا مِمَّن يُملي النَّسَبَ للحُسَينِ ذَكَرَ ولدًا اسمُه مُحَمَّدٌ أبو القاسِمِ). ثمَّ قالا: (ولم يَذكُرْ أحَدٌ من عُلماءِ النَّسَبِ للحُسَينِ بنِ أحمَدَ ولدًا اسمُه مُحَمَّدٌ، ولم يَدَّعِ السَّيِّدُ الرِّفاعيُّ هذا النَّسَبَ، وإنَّما ادَّعاه أولادُ أولادِه) .


وكذلك تَعقَّب مَحمود شُكري الألوسيُّ دَعوى النَّسَبِ التي نافحَ عنها الصَّيَّاديُّ، مُؤَكِّدًا أنَّ دَعوى الانتِساب إلى إبراهيمَ المُرتَضى من موسى الكاظِمِ لا أصلَ لها. قال: (فقد نُقِل عن صاحِبِ «مُختَصَر عُمدةِ الطَّالِبِ» أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ لم يَدَّعِ هذا النَّسَبَ، وإنَّما ادَّعاه البَطنُ الثَّالِثُ من ولدِه، ويَقولونَ: أحمَدُ بنُعَليِّ بنِ الحُسَينِ المَهديِّ بنِ أبي القاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أحمَدَ بنِ موسى بنِ إبراهيمَ المَذكورُ. قال أبو نَصرٍ البُخاريُّ: لا يَصحُّ لإبراهيمَ المُرتَضى عَقِبٌ إلَّا من موسى وجَعفَرٍ، ومَنِ انتَسَبَ إلى غَيرِهما فهو كاذِبٌ) .


وحتَّى عَبدُ الوهَّابِ الشَّعرانيُّ الصُّوفيُّ الذي كان يَذكُرُ الرِّفاعيَّ ومَناقِبَه وأحوالَه، لم يَذكُرْ هذا النَّسَبَ، وإنَّما أورَدَ عِبارةً توحي بالشَّكِّ في صِحَّةِ النِّسبةِ إلى أهلِ البَيتِ؛ فإنَّه قال: (أحمَدُ بنُأبي الحُسَينِ الرِّفاعيُّ مَنسوبٌ إلى رِفاعةَ: قَبيلةٍ منَ العَرَبِ) .


ولم تُرضِ هذه العِبارةُ الرِّفاعيَّةَ، فأبدى الصَّيَّاديُّ تَأسُّفَه على كَلمةِ: (مَنسوبٌ) التي ورَدَت في كَلامِ الشَّعرانيِّ، حتَّى قال: (وقد عاتَبَه بذلك الشَّيخُ أحمَدُ القَليوبيُّ في تُحفةِ الرَّاغِبِ على ذلك، فقال: فما أدري من أينَ أتى الشَّيخُ رَحِمَه اللهُ بهذه النِّسبةِ؟) .


ثمَّ إنَّ عامَّةَ المُؤَرِّخينَ أصحابِ الطَّبَقاتِ تَرجَموا للرِّفاعيِّ ولم يَتَطَرَّقْ واحِدٌ منهم إلى ذِكرِ نِسبَتِه إلى أهلِ البَيتِ.


فالسُّبكيُّ تَرجَمَ للرِّفاعيِّ في طَبَقاتِه ولم يَذكُرْ هذه النِّسبةَ. فإنَّه قال: (الشَّيخُ الزَّاهدُ الكَبيرُ أحَدُ أولياءِ اللهِ العارِفينَ، والسَّاداتِ المُشَمِّرينَ، أهلِ الكَراماتِ الباهرةِ: أبو العَبَّاسِ بنُأبي الحَسَنِ الرِّفاعيُّ المَغرِبيُّ، قدِمَ أبوه إلى العِراقِ...) .


وكذلك الأمرُ بالنِّسبةِ لعامَّةِ المُؤَرِّخينَ كالذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ وابنِ العِمادِ وابنِ الأثيرِ وابنِ خَلِّكان، فإنَّهم تَرجَموا للرِّفاعيِّ ولم يَذكُروا له نِسبةً إلى أهلِ البَيتِ.


مَعَ أنَّ من عادَتِهم أنَّهم إذا تَرجَموا لرَجُلٍ من أهلِ البَيتِ ولم يُفصِّلوا ذِكرَ نَسَبِه، أن يُضيفوا على الأقَلِّ ما يَدُلُّ على نِسبَتِه إليهم، مِثلُ أن يَستَعمِلوا عِبارةَ: (الحُسَينيّ) أو (الحَسَنيِّ) أو (العَلَويِّ) مَعَ اسمِه.


وقد عَلَّل أبو الهدى الصَّيَّاديُّ غَفلةَ المُؤَرِّخينَ عن ذِكرِ نِسبةِ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ بأنَّ عامَّتَهم يُعنَونَ بالوقائِعِ التَّاريخيَّةِ لا على أنسابِ الرِّجالِ وفضائِلِهم .
وما قاله غَيرُ صَحيحٍ؛ فإنَّ عامَّةَ المُؤَرِّخينَ ذَكَروا نَسَبَ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ كابنِ الأثيرِ وابنِ خَلِّكانَ وابنِ الوَرديِّ والذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ والصَّفديِّ وابنِ العِمادِ .
وليس الاختِلافُ حَولَ نِسبةِ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ فحَسبُ، وإنَّما الاختِلافُ أيضًا حَولَ حُصولِ العَقِبِ منه!


قال شَمسُ الدِّينِ ناصِرٌ الدِّمَشقيُّ: (إنَّ الرِّفاعيَّ لم يَبلُغْنا أنَّه أعقَبَ كَما جَزَمَ غَيرُ واحِدٍ منَ الأئِمَّةِ المَرضيَّةِ) .


وعامَّةُ المُؤَرِّخينَ قد ذَكَروا بأنَّ الرِّفاعيَّ لم يُعقِبْ، وإنَّما العَقِبُ من أخيه .


غَيرُ أنَّ صاحِبَ كِتابِ (النُّجومُ الزَّواهِرُ) يَذكُرُ أنَّ الرِّفاعيَّ تَزَوَّجَ أختَ زَوجَتِه الأولى، وأعقَبَها السَّيِّدَ قُطبَ الدِّينِ، وأنَّ هذا الأخيرَ تَزَوَّجَ في حَياةِ أبيه وأنجَبَ ولدًا سَمَّاه (منصورًا) .


وعلى العَكسِ من ذلك فأبو الهدى الصَّيَّاديُّ ذَكَرَ أنَّ قُطبَ الدِّينِ توُفِّيَ في حَياةِ أبيه ولم يَكُنْ قد تَزَوَّجَ حينَئِذٍ، ودُفِنَ في قُبَّةِ جِدِّه يَحيى النَّجَّارِ، وأنَّ مَن تَؤولُ نِسبَتُهم إلى الرِّفاعيِّ إنَّما هم من بنتَيه زَينَبَ وفاطِمةَ .


وبما أنَّ الدَّليلَ الذي قدَّمَه الصَّيَّاديُّ وغَيرُه لإثباتِ نِسبةِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ إلى آلِ البَيتِ لم يَكُنْ كافيًا، راحوا يَستَعيضونَ عن ذلك بالرُّؤى والحِكاياتِ المناميَّةِ وغَيرِها!
أمَّا الدَّليلُ الأوَّلُ: فقد ذَكَرَ الصَّيَّاديُّ في كِتابِه (المَعارِفُ المُحَمَّديَّةُ) أنَّ الشَّيخَ أبا الفَضلِ الواسِطيَّ كان يُنكِرُ نِسبةَ الرِّفاعيِّ إلى السُّلالةِ النَّبَويَّةِ، وأنَّه رَجَعَ عن ذلك بسَبَبِ رُؤيا مناميَّةٍ لا تَميلُ النَّفسُ إلى تَصديقِها، وفيها أنَّه رَأى أنَّ القيامةَ قد قامَت، واللِّواءُ على رَأسِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفاطِمةُ بَينَ يَدَيه، والرِّفاعيُّ عن يَمينِها!
قال الواسِطيُّ: (وأنا على خَوفٍ عَظيمٍ، فدَنَوتُ منَ السَّيِّدةِ فاطِمةَ واستَنجَدتُها فأعرَضَت عنِّي وقالت للشَّيخِ الرِّفاعيِّ: يا ولدي أحمَدُ، ما أعجَبَ حالَ هذا الرَّجُلِ، يُنكِرُ نَسَبَك إليَّ ويَستَنجِدُني؟! واللهِ لا نَجدةَ له عِندي إلَّا بواسِطَتِك. فقال لي الرِّفاعيُّ: أمِّي هذه أدرى بأولادِها منك. فقالتِ السَّيِّدةُ فاطِمةُ: الأدَبَ الأدَبَ مَعَ السَّيِّدِ أحمَدَ؛ فإنَّه قِطعةٌ مِن كَبدي!) .


الدَّليلُ الثَّاني عندهم على ثُبوتِ النَّسَبِ: أنَّ الرِّفاعيَّ والجِيلانيَّ قالا ذلك، والتَّأدُّبُ مَعَهما يوجِبُ تَصديقَهما من غَيرِ تَرَدُّدٍ ولا تَثبُّتٍ؛ فإنَّ عَدَمَ تَصديقِ ما قالوه من أنَّهم يَنتَسِبونَ إلى أهلِ البَيتِ قِلَّةُ أدَبٍ في حَقِّهم. والصَّحيحُ أنَّهما لم يُثبْتْ عنهما قَولُ ذلك.


قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (وقال رَجُلٌ مَوصِليٌّ لشَيخِنا الشَّيخِ عَبدِ الرَّحمَنِ جَمالِ الدِّين الحَدَّاديِّ: يا سَيِّدي، إنِّي رَأيتُ بعضًا من كُتُبِ التَّاريخِ سَكَتَ عن نِسبةِ الشَّيخِ عَبد القادِرِ الجيلانيِّ، وسَكَتَ عن نِسبةِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ مَعَ أنَّه عَرَبيُّ الأصلِ وأشهَرُ منه بالسِّيادةِ! وقد قال بَعضُ عُلماءِ فارِسَ:إنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ «بُشْتَبْريُّ» النَّسَبِ، وهَكَذا يَقولُ بَعضُ أهلِ بَيتِه. فقال شَيخُنا قدَّسَ اللهُ سِرَّه: اكفُفْ يا ولدي عنِ الخَوضِ، واعلَمْ أنَّ من كتَبَ التَّاريخَ سَكت عن نِسبةِ الاثنَينِ، إلَّا أنَّ بَعضَ الصُّوفيَّةِ ذَكَرَ نِسبةَ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ حِرصًا عليه لكَيلا يَطعنَ في نَسَبِه مَن لا عِلمَ له؛ لِما اشتَهرَ أنَّه منَ العَجَمِ، ولِما قيل فيه من أنَّه «بُشْتَبْريُّ» النَّسَبِ، والأصلُ الصَّحيحُ أنَّما هو رَجُلٌ فاطِميٌّ لا رَيبَ في نِسبَتِه إلى الجَدِّ الأعظَمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سَكَنَ أجدادُه فارِسَ إلى زَمانِه. وهذا ما يَجِبُ عَلينا اعتِقادُه؛ فإنَّ الأولياءَ أعلمُ منَّا بالأدَبِ الدِّينيِّ والواجِبِ الشَّرعيِّ، ولو لم تَكُنْ نِسبَتُه ثابتةَ الوُصولِ إلى الرَّسولِ لَما ادَّعاها قَطُّ. وأمَّا ما ذَكَرتَه من شُهرةِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ بالسِّيادةِ وكَونِه عَرَبيَّ الأصلِ والمَنشَأِ، فهو السَّبَبُ الذي اعتَمَدَ عليه الصُّوفيَّةُ وسَكَتَ عن ذِكرِ سِلسِلةِ نَسَبِه) .



وممَّا يَستَدِلُّ به الرِّفاعيَّةُ على صِحَّةِ نَسَبِ الرِّفاعيِّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِصَّةُ مَدِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه إلى الرِّفاعيِّ!
وتفصيلُها: أنَّ اللهَ ناداه: قُمْ يا أحمَدُ وزُرْ بَيتَ اللهِ الحَرامِ وزُرِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال الرِّفاعيُّ لرَبِّه: سَمعًا وطاعةً. فسافرَ ومَعَه جَمٌّ غَفيرٌ إلى مَكَّةَ ثمَّ المَدينةِ، ووقَف عِندَ القَبرِ وقال: السَّلامُ عَليك يا جَدِّي، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليك السَّلامُ يا ولدي. فتَواجَدَ الرِّفاعيُّ وقال:
في حالةِ البُعدِ رُوحي كُنتُ أُرسِلُها
تُقَبِّلُ الأرضَ عنِّي وهي نائِبَتي
وهذه دَولةُ الأشباحِ قد حَضَرَت
فامدُدْ يَمينَك كَي تَحظى بها شَفَتي
فانشَقَّ التَّابوتُ، ومَدَّ النَّبيُّ يَدَه إلى الرِّفاعيِّ ليُقَبِّلَها أمامَ جَمعٍ كَبيرٍ منَ النَّاسِ يَزيدونَ على التِّسعينَ ألفًا، وكان من بَينِهم عَبدُ القادِرِ الجيلانيُّ، وعَديُّ بنُمُسافِرٍ، وحَيوةُ بنُقَيسٍ الحَرَّانيُّ !
واعتَبَروها حادِثةً مُتَواتِرةً يُضَلَّلُ مُنكِرُها كما صَرَّحَ الصَّيَّاديُّ بذلك قائِلًا: (فخُروجُ يَدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لسَيِّدي أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ مُمكِنٌ، ولا يَشُكُّ فيه إلَّا ذو زَيغٍ وضَلالةٍ، أو مُنافِقٌ طَبَعَ اللهُ على قَلبِه، وإنكارُها يُؤَدِّي إلى سوءِ الخاتِمةِ) .


تعقيبٌ على هذه القِصَّةِ:


إنَّ مُجَرَّدَ تَهديدِ مُنكِرِ هذه القِصَّةِ بسوءِ خاتِمَتِه إنَّما كان بسَبَبِ ضَعفِ الدَّليلِ الذي يُمكِنُ أن يُقدِّمَه الرِّفاعيَّةُ لإثباتِها، وإلَّا فالقِصَّةُ من أساسِها لا تَثبُتُ، والأدِلَّةُ على عَدَمِ ثُبوتِها كالآتي:
أوَّلًا: أنَّ أصحابَ كُتُبِ وتَراجِم الصُّوفيَّةِ الأوائِلِ كالسُّبكيِّ والشَّعرانيِّ وابنِ المُلقِّنِ والمُناويِّ لم يَتَعَرَّضوا لذِكرِ هذه الحادِثةِ، مَعَ أنَّهم كانوا أقرَبَ إلى عَصرِ الرِّفاعيِّ منَ المُتَأخِّرينَ، كالصَّيَّاديِّ، وليس منَ المَعقولِ أن يَحرِصوا على جَمعِ كَلِّ ما رويَ عنه، فيَرووا قِصَّةَ الجَرادةِ والبَعوضةِ، ويُهمِلوا هذه الحادِثةَ التي اهتَزَّت لها بقاعُ الأرضِ، على حَدِّ تَعبيرِ الصَّيَّاديِّ!



ثانيًا: أنَّ المُؤَرِّخينَ من غَيرِ المُتَصَوِّفةِ كالذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ وابنِ خَلِّكانَ لم يَتَعَرَّضوا لذِكرِ هذه الحادِثةِ إطلاقًا، ولو أنَّها وقَعَت حَقيقةً لتَسابقوا إلى كِتابَتِها. وقد ذَكَروا ما اشتَهرَ به الرِّفاعيُّونَ من دُخولِ النِّيرانِ واللَّعِبِ بالحَيَّاتِ ورُكوبِ السِّباعِ غَيرَ أنَّهم لم يَتَطَرَّقوا إلى ذِكرِ هذه الحادِثةِ، الأمرُ الذي يَبعَثُ على الجَزمِ بأنَّ حَبكَها كان مُتَأخِّرًا عنهم.



ثالثًا: أنَّ رواةَ هذه الحادِثةِ همُ الصُّوفيَّةُ الذينَ شَهدَ الرِّفاعيُّ نَفسُه بأنَّهم يَكذِبونَ على مَشايِخِهم وأئِمَّتِهم؛ حَيثُ قال: (واحذَرِ الفِرقةَ التي دَأبُها التَّفكُّهُ بحِكاياتِ الأكابرِ وما يُنسَبُ إليهم؛ فإنَّ أكثَرَ ذلك مَكذوبٌ عليهم، وقال: يا بُنَيَّ إذا نَظَرتَ في القَومِ الذينَ ادَّعَوا التَّصَوُّفَ وجَدتَ أنَّ أكثَرَهم منَ الزَّنادِقةِ الحَروريَّةِ والمُبتَدِعةِ) .
وقد ورَدَ عنِ الصُّوفيَّةِ في بَعضِ كُتُبِهم ما يُؤَيِّدُ كَلامَ الرِّفاعيِّ السَّابِقَ، ومن ذلك:


1- ذَكَروا أنَّ إبراهيمَ الأعزَبَ أنشَدَ شِعرًا عِندَ قَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (بارَك اللَّهُ بك، أنتَ مَنظورٌ بعَينِ الرِّضا) .
2- أنَّ الشَّيخَ بَهاءَ الدِّينِ الرَّوَّاسَ الرِّفاعيَّ وقَف عِندَ أحَدِ القُبورِ، فخَرَجَ له إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ القَبرِ وأعطاه ورَقةً مَكتوبٌ عليها هكذا (محمد1111).
ويَتَضَمَّنُ هذا الرَّمزُ-بزَعمِهم- مِئاتِ الأسرارِ من كِتابِ (الجَفْرِ) .


3- أنَّ الشَّيخَ عليًّا أبا الحَسَنِ الشَّاذِليَّ استَأذَنَ في الدُّخولِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَمِعَ النِّداءَ من داخِلِ الرَّوضةِ الشَّريفةِ يَقولُ له: (يا عَليُّ، ادخُلْ) !
4- أنَّ عَبدَ القادِرِ الجَزائِريَّ وقَف تُجاهَ القَبرِ وقال: (يا رَسولَ اللهِ: عَبدُك ببابِك، كَلبُك بأعتابِك، نَظرةٌ منك تُغنيني يا رَسولَ اللهِ، عَطفةٌ منك تَكفيني، فقال له الرَّسولُ: أنت ولدي، ومَقبولٌ عِندي بهذه السَّجعةِ المُبارَكةِ) .


5- أنَّ الشَّعَرانيَّ قال: (وممَّا مَنَّ اللهُ عَليَّ: شِدَّةُ قُربي من رَسولِ اللهِ، وهي المَسافةُ بَيني وبَينَ قَبرِه الشَّريفِ في أكثَرِ الأوقاتِ، حتَّى رُبَّما أضَعُ يَدَي على مَقصورَتِه وأنا جالسٌ بمِصرَ، وأكَلِّمُه كما يُكَلِّمُ الإنسانُ جَليسَه) !


وبهذا الزَّعمِ يَصيرُ الأمرُ مُشاهَدةً عِيانيَّةً لا مَناميَّةً! وأيُّ قيمةٍ بَعدَ ذلك لكُتُبِ السُّنَّةِ والحَديثِ ما دامَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَيٌّ حاضِرٌ مَعَ هؤلاء، وهل يَصيرُ اجتِهادُ المُجتَهدينَ في استِخراجِ الأحكامِ إلَّا هَدرًا للوقتِ؟ هلَّا طَلبوا منَ الصُّوفيَّةِ استِفتاءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها تَوفيرًا للوقتِ؟ وكَيف يَتَّفِقُ أن يَشتَهرَ الصُّوفيَّةُ بعَدَمِ الإلمامِ بالشَّريعةِ وبالحَديثِ، ويَخلِطونَ بَينَ الصَّحيحِ والمَوضوعِ منَ الحَديثِ، وبَينَهم رَسولُ اللهِ يَحضُرُهم كُلَّما شاؤوا؟!

6- أنَّ الصَّيَّاديَّ ذَكَرَ أنَّ إبراهيمَ المَتبوليَّ كان يَرى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَتَلقَّى أوامِرَه المُحَمَّديَّةَ، وأنَّ أبا العَبَّاس المُرسي كان يَراه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَرى الانحِجابَ عن رُؤيَتِه نَقصًا في مَقامِ وِلايَتِه، وأنَّ الشَّاذِليَّ لم يَكُنْ طيلةَ حَياتِه يُفارِقُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ يُقسِمُ على ذلك قائِلًا: (واللَّهِ لو غابَ عنِّي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرفةَ عَينٍ ما عَدَدتُ نَفسي منَ المُسلِمينَ) !

7- أنَّ الصَّيَّاديَّ ذَكَرَ أنَّ أحَدَ أعيانِ الصُّوفيَّةِ -واسمُه الشَّيخُ جَلالُ الدِّين- كان يَجتَمِعُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقَظةً لا في المَنامِ، فقيل له: كَم مَرَّةً رَأيتَه يَقَظةً؟ قال: (بضعًا وسَبعينَ مَرَّةً)!
فأيُّهما أعظَمُ: مَن يَستَلمُ يَدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً واحِدةً أم مَن يَجلسُ بجانِبِه يَقَظةً ويُحادِثُه أكثَرَ من سَبعينَ مَرَّةً؟! .


رابعًا: أنَّهم زَعَموا أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُئِيَ في المَنامِ أنَّه شَدَّ الرِّحالَ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ والكَعبةُ تَسيرُ مَعَه، وقد قال: (ها أنا والكَعبةُ زائِرونَ، وجَلسَ يُنادي أهلَ القُرى في طَريقِه أن يَزوروا مَعَه الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ) .


ثمَّ تَبَيَّنَ للرَّاوي أنَّ الرُّؤيا حَقيقيَّةٌ، فقامَ وذَهَبَ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ مُشارِكًا مَوكِبَ النَّبيَّعليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والكَعبةُ.


خامسًا: أنَّهم رَووا عنِ الرِّفاعيِّ أيضًا أنَّه في العامِ الثَّاني زارَ القَبرَ مَرَّةً أخرى. قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (ولمَّا حَجَّ الرِّفاعيُّ عامَ وفاتِه وزارَ قَبرَ النَّبيِّ الذي هو أفضَلُ منَ الجَنَّةِ، بل منَ العَرشِ والكُرسيِّ، أنشَدَ قائِلًا:


إن قيل زُرتُم بما رَجَعتُم
يا أشرَفَ الرُّسُلِ ما نَقولُ
فخَرَجَ صَوتٌ منَ القَبرِ سَمِعَه كُلُّ من حَضَر وهو يَقولُ:
قولوا رَجَعْنا بكُلِّ خَيرٍ
واجتَمَعَ الفرعُ والأصولُ) .


فالرِّفاعيُّ في كُلِّ مَرَّةٍ من هذه القِصَصِ لا يُخاطِبُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بالشِّعرِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُجيبُه إلَّا بالشِّعرِ! لماذا لا يُخاطِبُه بلُغةِ القُرآنِ من غَيرِ شِعرٍ ولا نَثرٍ ولا سَجعٍ؟ وهل نَسيَ القَومُ قَولَ اللهِ تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ [يس: 69] ، ألم يَعلموا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُبغِضُ الشِّعرَ؟ فقد جاءَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ الشِّعرَ كان أبغَضَ الحَديثِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .


سادِسًا: أنَّه يَلزَمُ من تَكليمِ الرِّفاعيِّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإمساكِ يَدِه عيانًا أن يَصيرَ صَحابيًّا، فيَنالَ شَرَف الصُّحبةِ. ولو قالوا بأنَّها كانت رُؤيا لما لزِمَ ذلك، لكِنَّهم يُصِرُّونَ على أنَّ الحادِثةَ كانت يَقَظةً لا مَنامًا.


سابعًا: ادَّعى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ الجيلانيَّ كان مَوجودًا وقتَ الحادِثةِ. وقد أرادَ الصَّيَّاديُّ من ذِكرِ الجيلانيِّ أن يَجعَل منه شاهدًا على ما حَدَثَ، ولكِن أينَ شَهادةُ الجيلانيِّ نَفسِه بذلك، وهو لم يَذكُرْ في مُصَنَّفاتِه كـ(المُغني) و(الفتحِ الرَّبَّانيِّ) شيئًا من ذلك، ولا رَوى عنه أصحابُه ولا مُتَرجِموه أنَّه شَهدَ على ذلك؟ بل لم يُعرَفْ عنه أبَدًا أنَّه رافقَ الرِّفاعيَّ إلى الحَجِّ؛ فالصَّيَّاديُّ يَأتي لنا بشُهودٍ لم يَشهَدوا؛ إذ لن يَستَطيعَ الجيلانيُّ بَعدَ مَوتِه أن يُكذِّبَ هذه الدَّعوى المَنسوبةَ إليه.


ثامنًا: أنَّ هذين البَيتَينِ اللَّذَينِ أنشَدَهما الرِّفاعيُّ عِندَ القَبرِ مَنسوبانِ إلى غَيرِه.


قال الألوسيُّ: (إنَّ كثيرًا من أهلِ العِلمِ والأدَبِ نسَبَ البَيتَينِ إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ؛ قال الشَّيخُ صَلاحُ الدِّينِ الصَّفويُّ في تَذكِرَتِه: حُكيَ أنَّ ابنَ الفارِضِ لمَّا اجتَمَعَ بالشِّهابِ السَّهرَورديِّ في مَكَّةَ أنشَدَه:
في حالةِ البُعدِ رُوحي كُنتُ أُرسِلُها
تُقَبِّلُ الأرضَ عنِّي وهي نائِبَتي
وهذه دَولةُ الأشباحِ قد حَضَرَت
فامدُدْ يَمينَك كَي تَحظى بها شَفَتي
.... ومِمَّن نَقلَ ذلك الشِّهابُ الخَفاجيُّ في كِتابه «طِرازُ المَجالِسِ») . وأورَدَها كذلك شِهابُ الدِّينِ العُمَريُّ ، وكبريت في (رِحلةِ الشِّتاءِ والصَّيفِ) .


وقد تَرَتَّبَ على نِسبةِ الرِّفاعيِّ لآلِ البَيتِ غُلوٌّ آخَرُ لدى الرِّفاعيَّةِ؛ فذَكَرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال: (وحَقِّ العَزيزِ سُبحانَه وتعالى: قَبَضَ العَزيزُ جَلَّ جَلالُه من نورِ وجهِه قَبضةً فخَلقَ منها سَيِّدَنا المُصطَفى مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَشَحَت فخَلقَني منها) !


وجاءَ في كِتابِ (الرَّوضِ النَّضيرِ) أنَّ اللهَ أمَر كُلَّ نَبيٍّ أن يُعطيَ شيئًا من روحِه إلى الشَّيخِ الرِّفاعيِّ، فأجابَ الأنبياءُ رَبَّهم إلى ذلك، وأعطى كُلٌّ منهم شيئًا من روحِه إلى الشَّيخِ الرِّفاعيِّ، فتَكَوَّنَت روحُه من أرواحِهم ومن رُوحِ جَدِّه المُصطَفى .


عَقيدَتُهم في صِفاتِ اللهِ تعالى

تَبَنَّتِ الطَّريقةُ الرِّفاعيَّةُ مَذهَبَ التَّفويضِ في الأسماءِ والصِّفاتِ زاعِمةً أنَّه مَذهَبُ السَّلفِ، فجاءَ في كِتابِ (البُرهانُ المُؤَيِّدُ) المَنسوبِ للشَّيخِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ: (فسَبيلُ المُتَّقينَ منَ السَّلفِ تَنزيهُ اللهِ تعالى عَمَّا دَلَّ عليه ظاهِرُه يعني ظاهِرَ القُرآنِ الكَريمِ وتَفويضُ مَعناه المُرادِ منه إلى الحَقِّ تعالى وتَقدَّسَ، وبهذا سَلامةُ الدِّينِ. نَزِّهوا اللهَ عن سِماتِ المُحدَثينَ وصِفاتِ المَخلوقينَ، وطَهِّروا عَقائِدَكم من تَفسيرِ مَعنى الاستِواءِ في حَقِّه تعالى بالاستِقرارِ، كاستِواءِ الأجسامِ على الأجسامِ، المُستَلزِمِ للحُلولِ، تعالى اللهُ عن ذلك، وإيَّاكم والقَولَ بالفوقيَّةِ والسُّفليَّةِ والمَكانِ واليَدِ والعَينِ بالجارِحةِ، والنُّزولِ بالإتيانِ والانتِقال؛ فإنَّ كُلَّ ما جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ ممَّا يَدُلُّ ظاهرُه على ما ذُكرَ فقد جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِثُله ممَّا يُؤَيِّدُ المَقصودَ، فما بَقيَ إلَّا ما قاله صُلَحاءُ السَّلَفِ، وهو الإيمانُ بظاهِرِ كُلِّ ذلك ورَدُّ عِلمِ المُرادِ إلى اللهِ ورَسولِه مَعَ تَنزيهِ الباري تعالى عنِ الكَيفِ وسِماتِ الحُدوثِ، وعلى ذلك دَرَجَ الأئِمَّةُ) .


ولا شَكَّ أنَّ هذا الكَلامَ باطِلٌ، سَواءٌ ثَبَتَت نِسبةُ الكِتابِ إلى الرِّفاعيِّ أم لم تُثبُتْ؛ فكُلُّ أحَدٍ يُؤخَذُ من قَولِه ويُترَكُ، فما وافقَ الحَقَّ قُبِل وما لا فلا. والسَّلفُ بَريئونَ من منهَجِ التَّفويضِ الذي نُسِبَ إليهم، فليست تلك طَريقَتُهم أبَدًا في إثباتِ الأسماءِ والصِّفاتِ الإلهيَّةِ .


وقال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (قد سُئِل الإمامُ الأكبَرُ مَولانا السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ الحُسَينيُّ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ التَّوحيدِ، فقال: «وِجدانُ تَعظيمٍ في القَلبِ يَمنَعُ عنِ التَّعطيلِ والتَّشبيهِ. ومن هذا المَقامِ تَقديسُ صِفاتِه سُبحانَه عنِ التَّرتيبِ؛ فإنَّ ذلك يَقتَضي التَّعاقُبَ. وفي ذلك مَزلَقةُ القَولِ ببدايةٍ للصِّفاتِ. وما طَرَأ عليه البدايةُ لا بُدَّ وأن تَطرَأ عليه النِّهايةُ. وكُلُّ ذلك من سِماتِ الحُدوثِ، واللهُ سُبحانَه مُنَزَّهٌ عن كُلِّ ذلك في ذاتِه وصِفاتِه، بل هو القديمُ الأزَليُّ الأبَديُّ السَّرمَديُّ. قامَت به صِفاتُه، فلا هي عَينُه ولا هي غَيرُه، وكُلُّ بارِزٍ عن سُلطانِ صِفةٍ من صِفاتِه فهو حادِثٌ، والتَّرتيبُ يَجري عليه. والصِّفةُ المُقدَّسةُ في مَرتَبةِ القِدَمِ ومنَصَّةِ التَّقديسِ») .


عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم

استغاثـتُـهم بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغُلوُّهم فيه بلا حَدٍّ:

قال الواسِطيُّ:
وأنتَ أرحَمُ مَن لاذَ المُسيءُ به
وخَيرُ مَن يُرتَجى إن جَلَّتِ الكُرَبُ .


فالواسطيُّ جَعَل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرحَمَ مَن يَلوذُ به المُسيءُ وخَيرَ مُرتَجًى عِندَ حُصولِ الكَربِ والشِّدَّةِ، مُتَناسيًا بذلك أرحَمَ الرَّاحِمينَ سُبحانَه، مَعرِضًا عن قَولِ النَّبيِّ نَفسِه ((تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْك في الشِّدَّةِ)) .


وعن قَولِ اللهِ تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 67] ، وقولِه: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 64] .


جاعِلينَ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نِدًّا له؛ ولذلك يَجعَلونَ اللَّهَ تعالى في أحَدِ أبياتهمُ الشِّعريَّةِ ثالِثَ ثَلاثةٍ، فيَقولونَ:
حَسبُنا اللهُ والنَّبيُّ وهذا الـ
غَوثُ حِصنًا عنِ الجِبالِ الرَّواسي
نادِه لن تُراعَ وأبشِرْ إذا ما
قُلتَ غَوثاه يا أبا العَبَّاسِ .


الاعتِقادُ بحَياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَبرِه

قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (وأمَّا بشَأنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنَّه حَيٌّ في قَبرِه، مُنعِمٌ مُتَصَرِّفٌ كتَصَرُّفِه حالَ حَياتِه، مُتَصَرِّفٌ وهو فيه بالعالمِ العُلويِّ والسُّفليِّ) .
وقال أيضًا: (وهو حَيٌّ سَميعٌ يَأكُلُ ويَشرَبُ ويَتَنَعَّمُ. وأنَّ أهلَ الكَشفِ من خَواصِّ هذه الأمَّةِ انكَشَف لهم ذلك في العالمِ الرُّوحانيِّ لا الجُسمانيِّ) .


وأكَّدَ على أنَّ كُلَّ الأولياءِ منَ المُتَصَوِّفةِ: (يَرَونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسمَعونَ خِطابَه الكَريمَ، وأنَّ الفرقَ بَينَ الوليِّ وبَينَ غَيرِه هو سَماعُ خِطابِه المُبارَكِ وعَدَمُه) .
وبَنى على هذا أنَّ الاستِمدادَ منَ الأمواتِ أَولى وأحرى بالإجابةِ منَ الاستِمدادِ بالأحياءِ، وذلك لتَصَرُّفِهم في قُبورِهم.


قال: (وعلى هذا فالاستِمدادُ منَ الأمواتِ أسرَعُ عِندي لقَضاءِ الحاجةِ) .


والصَّيَّاديُّ في أشعارِه يَطلُبُ الرَّحمةَ والعَونَ والغَوثَ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نافيًا أن يَجِدَ العَونَ والنُّصرةَ من غَيرِه، قائلًا:


رَسولَ الرِّضا أدرِكْ عُبَيدَك بالبُشرى
تَكرَّمْ تَحنَّنْ جُدْ تَعطَّفْ أبا الزَّهرَا
عَلِمتُك يا مَولايَ ذُخري وناصِري
وعَوني في الدُّنيا وذُخري في الاخْرى
وأنتَ عياذي والنَّصيرُ ومَوئِلي
كَفى بك يا سَيفَ القَضا ذُخْرَا
غَوثاه يا سَيِّدَ السَّاداتِ خُذْ بيَدي
فلن أرى لي أعوانًا وأنصارَا .
وقال:
غَوثاه يا مُصطَفاه انظُرْ بمَرحَمةٍ
عِصابةً قد أضَرَّتْها خَطاياها
ويا أبا القاسِمِ الغَوثَ الغياثَ فقد
ضاقَت بنا الأرضُ أقصاها وأدناها .
ويُلِحُّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسألُه مَزيدًا منَ الرَّحمةِ والعَونِ والحِمايةِ والنُّصرةِ، فيَقولُ:
يا غَوثَ كُلِّ العالَمينَ وهَيكَلَ الـ
ـمدَدِ المَتينِ إذا ألمَّ مُهيلُ
ها أنتَ نُصرةُ عاجِزٍ مِثلي أتاك
له ببُكاءٍ تَلهُّفٌ وعَويلُ
وارحَمْ عُبيدًا حينَ يُحشَرُ في غَدٍ
من غَيرِ حُبِّك ما لدَيه فَتيلُ
وحِماك الغياثُ؛ فإنَّني
ما لي وحَقِّك عن حِماك عُدولُ
فأغِثْ بفَضلِك واكفِني همَّ الزَّمانِ
ففيك فيه على بَنيه أصولُ
وارحَمْ إذا داعي الحِسابِ دَعا فأنتَ
المُرتَجى والسَّيِّدُ المَأمولُ
واشمَلْ بعَطفِك والدي وإخوتي
وبَنيَّ إذ بك للمُرادِ حُصولُ
واعطِفْ على أهلي وكُلِّ عَشيرَتي
عَطفًا به عِندَ الرَّجاءِ قَبولُ
ها أنتَ كالئًا إذا الباغي بَغى
ولحِفظِنا يَومَ الكُروبِ كَفيلُ .
وقال:
أدعوك دَعوةَ مُستَجيرٍ لائِذٍ
بعَريضِ جاهِك مِن جَفًا وصُدودِ
فلأنتَ غَوثُ العاجِزينَ وذُخرُهم
ومُجيرُهم مِن وَهدةِ التَّنفيذِ
يا خَيرَ مَن قَصَدَ العُفاةُ رِحابَه
وأتاه صاحِبُ مَقصِدٍ بقَصيدِ
ضاقَت عَليَّ مَذاهبي فامنُنْ عَليَّ
ضَعفي بإحسانٍ يَغيظُ حُسودي
وانظُرْ بعَينِ الرِّفقِ كَسري واكفِني
همَّ الزَّمانِ ووَصمةَ التَّنكيدِ .


الاستِغاثةُ بالرِّفاعيِّ ومَوقِفُ الرِّفاعيِّه من ذلك


قالوا عنِ الرِّفاعيِّ: إنَّه: (كَعبةُ القاصِدينَ وقِبلةُ أهلِ الحالِ) . وإنَّه: (كما أنَّ الكَعبةَ قِبلةُ المُصَلِّينَ، وكما أنَّ العَرشَ قِبلةُ أصحابِ الهمَمِ، فكذلك الشَّيخُ قِبلةُ المُريدينَ ، فالعَرشُ قِبلةُ الهمَمِ، والكَعبةُ قِبلةُ الجِباهِ، وأحمَدُ قِبلةُ القُلوبِ) .


وقالوا عنه: إنَّه (غَوثُ الثَّقَلينِ)، أي: الذي تَستَغيثُ به الجِنُّ والإنسُ ، بل إنَّ النَّعجةَ تَستَغيثُ به إذا هاجَمَها الذِّئبُ، وتَقولُ بلسانٍ فصيحٍ: (أدرِكْني يا سَيِّدي أحمَدُ) . وأنَّ اللهَ صَرَّفه في الكَونِ .


وأنَّه مجيبُ الدَّواعي ، وأمانُ الخائِفينَ، والمُتَحَكِّمُ في ذَرَّاتِ الكَونِ .


وأنَّه مَلجَأُنا ومَلاذُنا ومَفزَعُنا ووليُّ نِعمَتِنا ، وأنَّه كَشَّافُ المُدلَهِمَّاتِ والكُروبِ ، وأنَّ التَّمَسُّكَ بأذيالِه من أسبابِ النَّجاةِ .


وأنَّ اللهَ جَعَله ظِلًّا ظَليلًا وأمانًا لأهلِ الأرضِ، وأنَّ مَقامَه وخِلافتَه تَشهَدُ بها السَّمَواتُ والأرضُ، وأنَّ كُلَّ النَّاسِ أجابوا وِلايَتَه، حتَّى الذَّرُّ الذينَ لم يَزالوا في أصلابِ الآباءِ قد شَهِدوا بوِلايَتِه . فبه يَدفعُ اللهُ البلاءَ، وبه يُمطِرُ السَّماءَ، وبه يُرحَمُ الخَلْقُ، وبه تَخضَرُّ الأرضُ، وبه يَدِرُّ الضَّرعُ، وبه تَنزِلُ البَرَكاتُ، وبه تُرفَعُ الدَّرَجاتُ .


وقالوا بأنَّه لو قُدِّرَ أن يَكونَ الرِّفاعيُّ حَيًّا في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنَزَلت فيه آياتٌ تُتلى! نَقلَ ذلك أبو الهدى الصَّيَّاديُّ عن صَدرِ الدِّينِ السُّبكيِّ الذي رَثى الرِّفاعيَّ ببَيتَينِ منَ الشِّعرِ، قال فيهما:
يا ابنَ الرِّفاعيِّ يا مَن شَمسُ دَولتِه
لها بكُلِّ فِجاجِ الكـونِ عُنوانُ
لو كُنتَ في زَمَنِ المُختارِ شافِعِنا
لجاءَ في خَلْقِك المَمدوحِ قُرآنُ .


إنَّ الرِّفاعيَّةَ قد جَعَلوا لشَيخِهم رُتبةَ (الغَوثيَّةِ) حتَّى إنَّ النَّعجةَ تَستَغيثُ به إذا انقَضَّ عليها الذِّئبُ وتُناديه بلُغَتِها: (يا سَيِّدي أحمَدُ) . وذَكَروا أنَّ الرِّفاعيَّ ما زال يَرتَقي من مَقامٍ إلى آخَرَ حتَّى ارتَفعَت رُتبَتُه عن مَقامِ (الغَوثيَّةِ) حتَّى صارَ هذا المَقامُ ناقِصًا وقاصِرًا عنِ المَقاماتِ الأخرى التي تَلته . بمَعنى أنَّه صارَ مُنَزَّهًا عن رُتبةِ (غَوثِ الثَّقَلينِ) تلك الرُّتبةِ التي اعتادوا أن يَصِفوه بها من قَبلُ، حتَّى قالوا بأنَّه ارتَفعَ عنها إلى مَرتَبةِ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ، وأنَّ مَرتَبةَ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ أرفَعُ وأجَلُّ من مَرتَبةِ الغَوثيَّةِ . قالوا: (ولهذا لما قال له أحَدُ تَلامِذَته: أنتَ القُطبُ، قال له الرِّفاعيُّ: نَزِّهْ شَيخَك عنِ القُطبيَّةِ. فقال له حينَئِذٍ: أنتَ الغَوثُ. قال له الرِّفاعيِّ: نَزِّهْ شَيخَك عنِ الغَوثيَّةِ) .
فهذا التَّنزيه عِندَهم إنَّما أرادَ به الرِّفاعيُّ تَرفُّعَه عن هَذَينِ المَقامَينِ القاصِرَينِ النَّاقِصينِ إلى ما هو أعلى منهما .


وهذا التَّأويلُ لا يُفيدُه كَلامُ الرِّفاعيِّ من قَريبٍ ولا من بَعيدٍ، وإنَّما يُقالُ بأنَّ سَبَبَ إنكارِه على تِلميذِه لعَلَّه كائِنٌ في أنَّه يَعتَقِدُ أنَّ ذلك من خَصائِصِ الألوهيَّةِ وأنَّ وَصفَ المَخلوقِ بمِثلِ هذه الصِّفةِ شِركٌ. ويُؤَكِّدُ ذلك قَولُ الرِّفاعيِّ: (إذا استَعنتُم بعِبادِ اللهِ وأوليائِه فلا تَشهَدوا المَعونةَ والإغاثةَ منهم؛ فإنَّ ذلك شِركٌ) .


فهذا النَّصُّ يُفيدُ بوُضوحٍ أنَّ الاستِغاثةَ بالأولياءِ يُعِدُّها الرِّفاعيُّ منَ الشِّركِ المُنافي للتَّوحيدِ؛ ولذلك اعتَرَضَ على تِلميذِه حينَ وصَفه بها.


وزيادةً على ذلك فقد كان الرِّفاعيُّ يَرى العُكوفَ على قُبورِ المَشايِخِ والتَّبَرُّكَ بها منَ الوثَنيَّةِ، وسَمَّى القَبرَ في مِثلِ هذه الحالةِ (صَنَمًا) فقال: (يا سادةُ: لا تَجعَلوا رُواقي حَرَمًا، ولا قَبري بَعدَ مَوتي صَنَمًا، عَليكم به سُبحانَه، لا يَضُرُّ ويَنفعُ ويَصِلُ ويَقطَعُ ويُفرِّقُ ويَجمَعُ ويُعطي ويَمنَعُ إلَّا هو) .


وهذا الكَلامُ مَوجودٌ في الكُتُبِ التي يُشَدِّدُ الرِّفاعيَّةُ على صِحَّةِ نِسبَتِها إلى شَيخِهم، والتي يَذكُرُ فيها أنَّ اللهَ تعالى يَقولُ: (ما من عَبدٍ نَزَلت به بليَّةٌ فاعتَصَمَ بمَخلوقٍ دوني إلَّا قَطَعتُ أسبابَ السَّماءِ من يَدَيه، ووكَلْتُه إلى نَفسِه، وما من عَبدٍ نَزَلت به بليَّةٌ فاعتَصَمَ بي دونَ خَلقي إلَّا أعطَيتُه قَبل أن يَسألَني) .
وأنَّ عيسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (طوبى لعَبدٍ سَأل اللهَ ولم يَسألْ إلَّا اللهَ) .


ورَوى أنَّ بَعضَ الصَّالحينَ وقَعَ في بئرٍ ومَرَّت بجانِبِ البئرِ قافِلةٌ، فأرادَ أن يَستَغيثَ فهَتَف به هاتِفٌ: (أتَستَغيثُ بغَيري وأنا غِياثُ المُستَغيثينَ؟!) .
ورَوى أنَّ اللهَ تعالى قال لعَبدٍ من عِبادِه: (لا تَسألْ غَيري فأمقُتَك) .


هذا مَوقِفُ الرِّفاعيِّ منَ الاستِغاثةِ بالمَشايِخِ ومُلازَمةِ قُبورِهم، وهذا هو مَوقِفُ كِبارِ أئِمَّةِ الصُّوفيَّةِ وعُقَلائِها أمثالِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ الذي كان يُشَنِّعُ على المُستَغيثينَ المُستَعينينَ بغَيرِ اللهِ، فقال في كِتابِه (الفَتحُ الرَّبَّانيُّ): (يا مَن يَشكو الخَلْقَ مَصائِبَه، أيشٍ يَنفعُك شَكواك إلى الخَلْقِ؟ لا يَنفعونَك ولا يَضُرُّونَك، وإذا اعتَمَدتَ عليهم وأشرَكتَ في بابِ الحَقِّ عَزَّ وجَلَّ يُبعِدونَك، وفي سَخَطِه يوقِعونَك... أنتَ يا جاهلُ تَدَّعي العَلمَ، تَطلُبُ الخَلاصَ منَ الشَّدائِدِ بشَكواك الخَلقَ... ويلَك! أما تَستَحيي أن تَطلُبَ من غَيرِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وهو أقربُ إليك من غَيرِه؟!) .


وقال لولدِه عِند مَرَضِ مَوتَه: (لا تَخَفْ أحَدًا ولا تَرجُه، وأوكِلِ الحَوائِجَ كُلَّها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ واطلُبْها منه، ولا تَثِقْ بأحَدٍ سِوى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ولا تَعتَمِدْ إلَّا عليه سُبحانَه، التَّوحيدَ التَّوحيدَ، وجِماعُ الكُلِّ التَّوحيدُ) .


فمَذهَبُ الرِّفاعيِّ منَ الاستِغاثةِ بغَيرِ اللهِ تعالى أنَّها شِركٌ باللهِ تعالى، وأمَّا أتباعُه فعَدَدٌ منهم قد ضَلَّ في هذا البابِ ضَلالًا مُبينًا، ومنهم مُحَمَّد أبو الهدى الصَّيَّاديُّ الذي كتَبَ في الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ ما يَزيدُ على الخَمسينَ مُصَنَّفًا.
وقدِ ادَّعى عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال:
مَن لاذَ فينا اكتَفى عن غَيرِنا أبَدًا
وجاءَ في رَكبنا بالأمنِ من نَدَمِ
فالجَأْ بأعتابِ عِزَّتي والتَمِسْ مَدَدي
وطُفْ ببابي وقِفْ مُستَمطِرًا نِعَمي
ولازِمِ الذُّلَّ في شَطحاءِ مَنزِلِنا
تَنجو بهمَّتِنا من حالةِ العَدَمِ .


وليس يُعقَلُ أن يَقولَ الرِّفاعيُّ مِثلَ هذا القَولِ، ولا يَتَّفِقُ هذا مَعَ ما حَكَوه عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه كان كُلَّما طَلبَ أحَدُهمُ الدُّعاءَ منه يَقولُ له: (مَن أنا حتَّى أدعو لك؟! ما مِثلي إلَّا كمِثلِ ناموسةٍ على الحائِطِ لا قدرَ لها، وكَيف تَدعوه نَفسُه إلى ذلك من هو لا شَيءَ) .


قال الآلوسيُّ: (وقد تَكَلَّمتُ يَومًا مَعَ أحَدِ غُلاةِ الرِّفاعيَّةِ إذِ استَغاثَ بالرِّفاعيِّ، فقُلتُ له: هل يَسمَعُ الآنَ الرِّفاعيُّ نِداءَك وهو في قَبرِه في قَريةِ «أم عُبَيدةَ» ويَمُدُّك بالمَدَدِ؟
فقال: نَعَم.
قُلتُ: فإذا اتَّفقَ مِثلَك في بلادٍ كَثيرةٍ ومَواضِعَ مُتَعَدِّدةٍ ألوفٌ مُؤَلَّفةٌ في أقطارٍ شاسِعةٍ، هل يَسمَعُهم أحمَدُ الرِّفاعيُّ ويَمُدُّهم ويُغيثُهم؟
قال: نَعَم.


قُلتُ له: أرَأيتَ إن كان كَثيرونَ مِثلُك في بلادٍ أخرى مُتَعَدِّدةٍ يَستَغيثونَه في نَفسِ الوقتِ الذي تَستَغيثُ أنتَ فيه، هل يَسمَعُ نِداءَهم جَميعِهم في آنٍ واحِدٍ ويُغيثُهم؟
قال: نَعَم) !


فانظُرْ كَيف صارَ اعتِقادُهم في الرِّفاعيِّ: أنَّه لا يَشغَلُه سَمعٌ عن سَمعٍ، ولا يَغفُلُ عن أدعيةِ الدَّاعينَ واستِغاثةِ المُستَغيثينَ ولو تعَدَّدوا واختَلفَت أمكِنَتُهم في الوقتِ الواحِدِ، فهذا بلا رَيبٍ من بابِ إضافةِ صِفاتِ الخالقِ إلى المَخلوقينَ! تعالى اللهُ عن ذلك عُلوًّا كَبيرًا.


وهذه مَجموعةٌ من أبياتِ الشِّعرِ التي قالها الصَّيَّاديُّ ، وهي تَحوي في ثَناياها أصنافًا منَ الشِّركِ والاستِغاثةِ بالرِّفاعيِّ، وارتِجائِه وطَلَبِ المَدَدِ منه.
ومنها قَولُه:
يا رِفاعيُّ وقَعتُ في أعِتابِك
فتَدارَكْ عَبدًا يَلوذُ ببابِك
يا رِفاعيُّ يا غَوثَ كُلِّ البَرايا
لا تُضَيِّعْ طِفلًا جَميلَ الرَّجا بك
أنتَ غَوثُ الوُجودِ مِفتاحُ كَنزِ الـ
ـوجودِ والخَيرُ سَحٌّ من ميزابِك
أنتَ حِصنُ المَلهوفِ والباذِلُ الـ
ـمعروفِ والعاجِزونَ من أحزابِك
أنتَ بابُ الرَّسولِ من غَيرِ شَكٍّ
وأتَينا نَرجو العَطا من بابِك
وأنا عَبدُك الذي باعتِقادٍ
عَلقَت راحَتاه في أثوابِك
فتَحَرَّكْ بهمَّةٍ وأغِثْني
وتَذكَّرْ تَشَرُّفي بانتِسابِك
رَضِيَ اللهُ عنك أدرِكْ فإنِّي
يا رِفاعيُّ وقَعتُ في أعِتابِك .
وقال أيضًا:
لك يا غَوثاه تَصريفُ الزَّمانِ
حَيثُ أنتَ المُرتَجى في كُلِّ آنِ
أنتَ في بابِك مِحرابُ الأمانِ
فتَدارَكْني وأصلِحْ سَبَبي
وأغِثْ إنَّني في تَعَبِ .
وقال:
يا ابنَ الرِّفاعيِّ تَدارَكْ
لمَن أتى واستَجارَك
شَيخَ العُريجا أغِثْني
أصبَحتُ في الحَيِّ جارَك
لا تَلْوِ طَرْفَك عنِّي
إنِّي أرومُ انتِصارَك
يا أحمَدَ الأصفياءِ
يا وارِثَ الأنبياءِ
يا شَيخَ كُلِّ الوُجودِ
يا بَحرَ فَضلِ وُجودِ
يا ابنَ الرَّسولِ أغِثْني
فقد تَعاظَمَ حُزني
فإن تَغاضَيتَ عنِّي
يُصبحُ عاريَ عارَك .
وقال أيضًا:
لُذْ ببابِ الجليلِ الرِّفاعي
لُذْ ببابِ الجَليلِ الرِّفاعي
ولك الأمنُ من مُلِمِّ الدَّواعي
وتَمَلمَلْ برَحبِه فحِماه
حَرَمُ الوَصلِ قاطِعُ الانقِطاعِ
فهو في العارِفينَ كَعبةُ بَيتِ الـ
وصلِ مِحرابُ جامِعِ الانتِفاعِ
ومَلاذي ومَلجَئي ونَصيري
ومُغيثي ومُنقِذي من ضَياعِ
فعليه الرِّضا منَ اللهِ ما صَلَّى مُصَلٍّ
وطافَ بالبَيتِ ساعي .
وقال:
به أحتَمي إن سامَني غَدرُ غادِرٍ
ودَومًا إليه في الصِّعابِ التِجائِيَهْ
ومِن كُلِّ كَربٍ أستَغيثُ باسمِه
فذا مَأمَني من كُلِّ عادٍ وعادِيهْ
وما لي سِواه في الأنامِ وسيلةً
ولا مُنجِدًا أيَّامَ تَسطو أعادِيَه
وما لي له إذا جِئتُ خائِفًا
وقُمتُ أؤَدِّي في القيامِ حِسابَيْه .
وقال:
غَوثاه بالمُصطَفى وبالمُرسَلينَ وفي
كُلِّ الصَّحابةِ أهلِالمجدِ والهمَمِ
أسرِعْ وقُمْ واكفِني شَرَّ الزَّمانِ وجُدْ
عَطفًا بنَظرةِ لُطفٍ تُحْيِ لي عَدَمي
وانهَضْ بهمَّتِك العُليا وقُلْ حَصَل الـ
ـمقصودُ صِدقًا وأسعِفْ وارعَ لي همَمي
غَوثاه يا ابنَ رَسولِ اللهِ خُذْ بيَدي
يا سَيِّدَ الأوليا يا ثابِتَ القدَمِ
ما لي لبابِ رَسولِ اللهِ واسِطةٌ إلَّاك
فاسمَحْ وقُلْ لا تَخشَ من نَدَمِ .
ونَقَل عن مُحَمَّد نور أفنديقَولَه:
يا ابنَ الرِّفاعيِّ الرَّفيعَ مَقامُه
يا سَيِّدَ الأقطابِ والسَّاداتِ
شَرُفَت قيعانُ العِراقِ جَميعُها
فغَدَت بقَبرِك مَهبِطُ البَرَكاتِ
كَم نَظرةٍوجَّهتَها لـمُضَيَّعٍ
فجَمَعتَ الأمرَ منه بَعدَ شَتاتِ
ولكَم صَرَفتَ القَلبَ نَحوَ عُوَيجزٍ
فرَفعتَ رُتبَتَه إلى الغاياتِ
يا مَن يُؤَمِّلُ يَومَ كُلِّ مُلمَّةٍ
يا مَن يَؤُمُّ حِماه للفَضحاتِ
يا صاحِبَ العَلمَينِ يا بَحرَ النَّدى
يا عُمدَتي أبَدًا وحِصنَ نَجاتي
أدعوك غَوثًا يا ابنَ بنتِ مُحَمَّدٍ
يا سَيِّدي يا عاليَ الدَّرَجاتِ
لا تَقطَعَنْ رَحِمي لذَنبٍ مَسَّني
وأقِلْ دائِمًا بفَضلِك عَثَراتي .


الرِّفاعيُّ وعَقيدةُ خَتمِ الوِلايةِ

إنَّ عَقيدةَ خَتمِ الوِلايةِ فِكرةٌ صوفيَّةٌ أوَّلُ مَن تَكَلَّمَ بها الحَكيمُ التِّرمِذيُّ، وابنُ عَرَبيٍّ وغَيرُهما، فأخَذَها المُتَصَوِّفةُ عنهم ونَسَبَها كُلٌّ منهم لشَيخِه، فنُسِبَت بَعدَ ذلك لعَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ والتِّيجانيِّ وغَيرِهما.


وقد ذَكَرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ في عَدَدٍ من كُتُبِه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ظَهَرَ على مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الرِّفاعيِّ- وبَشَّرَه أنَّ اللهَ سيَرزُقُ أختَه بولدٍ يَأتي من بَعدِه اسمُه أحمَدُ الرِّفاعيُّ، يَكونُ رَأسًا في الأولياءِ، كما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسٌ في الأنبياءِ .


وقالوا: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ عَليًّا الواسِطيَّ أن يَعتَنيَ بالرِّفاعيِّ، وأكَّدَ له بأنَّه كما هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسٌ في الأنبياءِ فكذلك يَكونُ الرِّفاعيُّ رَأسًا في الأولياءِ، وحَذَّرَه من مَغَبَّةِ إهمالِ وصيَّتِه في الرِّفاعيِّ؛ لأنَّ شَأنَه عِندَ اللهِ عَزيزٌ .


وقد ضرَبَ الصَّيَّاديُّ مَثَلًا لتَفضيلِ الرِّفاعيِّ على الأولياءِ، فقال: إذا ذُكِرَ الأنبياءُ فحَدِّثوا عنهم، وإذا ذُكِرَ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاسكُتوا، وإذا ذُكِرَ الأولياءُ فحَدِّثوا عنهم، وإذا ذُكِرَ السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ فاسكُتوا .


ثمَّ بلغَ بهمُ الغُلوُّ في إطراءِ الرِّفاعيِّ أن جَعَلوه خاتَمَ الأولياءِ كما أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمٌ في الأنبياءِ، وذلك جريًا على المُشابَهةِ التي جَعَلوها بَينَهما، فذَكَرَ القُرَشيُّ أنَّ اللهَ قد خَتَمَ بالرِّفاعيِّ الوِلايةَ كما خَتَمَ بمُحَمَّدٍ النُّبوَّةَ .


ومن خِلالِ استِعراضِ سيرةِ الرِّفاعيِّ يَتَبَدَّى للنَّاظِرِ من خِلالِ ما كَتَبَه عنه الرِّفاعيُّونَ أنَّهم يُحاكونَه بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وببَعضِ ما جَرى له، مِثلُ حادِثةِ شَقِّ المَلائِكةِ لصَدرِ الرِّفاعيِّ، ومِثلُ التَّلميحِ من وقتٍ لآخَرَ بعِصمَتِه، بل إنَّهم يَدفعونَ أولياءَهم دَفعًا إلى مَرتَبةِ النُّبوَّةِ، حتَّى إنَّهم ليَعتَقِدونَ فيهم أنَّهمُ الأولياءُ الكُمَّلُ الذين هم في غالِبِ أمورِهم لا يَعمَلونَ عَمَلًا إلَّا عن إذنٍ سَماويٍّ . ولا يَختَلفُ الإذنُ السَّماويُّ عنِ الوحيِ السَّماويِّ إلَّا في العِبارةِ.


ذَكَر الرِّفاعيُّونَ عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال لإبراهيمَ الأعزَبِ: (اعلَمْ أنِّي لمَّا دُعيتُ إلى هذا الأمرِ حُمِلتُ إلى قِبلةِ هذا البَلدِ، وشَقَّ صَدري مَلَكٌ منَ المَلائِكةِ المُقَرَّبينَ، فأخرَجَ منه شيئًا مُظلِمًا وغَسَله بماءِ الحَيَوانِ منَ الرِّياءِ وسوءِ الخُلُقِ وكُلِّ ما للشَّيطانِ فيه نصيبٌ، كُلُّ ذلك وأنا أنظُرُ بعَيني كما فُعِل برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .


وثَمَّةَ عِبارةٌ أخرى بَينَ كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ قد تُحَدِّدُ ما هو هذا الأمرُ الذي دُعيَ إليه الرِّفاعيُّ؛ فقد جاءَ في كِتابِ (سَوادُ العَينَينِ) أنَّ اللهَ قد رَفعَ الرِّفاعيَّ إلى مَقامِ القُطبيَّةِ والغَوثيَّةِ، وإنَّه من أجلِ ذلك ذَهَبَ إلى قَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَمَلمَلَ على عَتَبَتِه وصارَ يَقولُ: (العَفوَ العَفوَ) إلى أن أحاطَ به النِّداءُ من كُلِّ جانِبٍ (فاستَقِمْ كما أُمِرتَ) .


ولقد أثنى الصَّيَّاديُّ على الشَّيخِ الرِّفاعيِّ بأبياتٍ قال فيها:
برْقَعَتْك العِنايةُ الإلهيَّة
يا رِفاعيُّ بالبُرودِ السَّنيَّة
لم نَقُلْ أنتَ في مَقامِك مَعصو
مٌ ولكِنْ حِفظًا هَجَرتَ الخَطيَّة
أنتَ زيتـونةٌ كَريمةُ أصلٍ
لا شَرقيَّةٌ ولا غَربيَّة
أنتَ فردُ الأغواثِ يا نَبَويَّ الـ
خَلْقِ والخَلْقُ يُثبتُ الفَرديَّة .
ثمَّ زَعَمَ أنَّ الرِّفاعيَّ مُنَزَّهٌ عن مرتبة الغوثية؛ لأنَّه نال ما هو أعلى وأجَلُّ منها، وهي رُتبةُ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ .







اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع


أكتب تعليق على الموضوع مستخدماً حساب الفيس بوك

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* الداعية الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟
* القومية العربية ...نشأتها وحقيقتها
* الإباضية ...
* صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم ... للشيخ العلامة ابن باز
* حكم مصافحة النساء ...

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2025, 03:06 PM   #2

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

الكَراماتُ المَنسوبةُ إلى الرِّفاعيِّ وإلى غَيرِه من مَشايِخِ الرِّفاعيَّةِ

من أبرَزِ الأمورِ التي نُسِبَت إلى الرِّفاعيِّ وغَيرِه ممَّا هو مَوجودٌ في كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ:


1- التَّصَرُّفُ في الأكوانِ:


الوليُّ المُتَمَكِّنُ عِندَ الصُّوفيَّةِ يُسَمَّى (مُتَصَرِّفًا في الأكوانِ).


والتَّصَرُّفُ ليس له حَدٌّ يَنتَهي إليه، لا سيَّما الصُّوفيُّ المُتَمَكِّنُ؛ فإنَّه يَستَطيعُ أن يَحوزَ على كَلِمةِ (كُنْ) التي يَخلُقُ اللهُ بها الأشياءَ! فقد نَسَبوا إلى أحمَدَ الرِّفاعيِّ أنَّه قال: (جاءَ في بَعضِ الكُتُبِ الإلهيَّةِ: إنَّ اللهَ تعالى قال: «يا بَني آدَمَ أطيعوني أُطِعْكم، وراقِبوني أراقِبْكم، وأجعَلْكم تَقولونَ للشَّيءِ: كُنْ فيَكونُ») .
ونُقِل عنِ الرِّفاعيِّ قَولُه: (وإذا صَرَّف اللهُ تعالى الوليَّ في الكَونِ المُطلَقِ صارَ أمرُه بأمرِ اللَّهِ تعالى؛ إذا قال للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ) .
ونُقِل عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال: (الوليُّ إذا أصلحَ سِرَّه مَعَ اللهِ تعالى كَلَّفه ما بَينَ السَّماءِ والأرضِ، ثمَّ لا يَزالُ يَرتَقي من سَماءٍ إلى سَماءٍ حتَّى يَصِلَ إلى مَحَلِّ الغَوثِ، ثمَّ تَرتَفِعُ صِفتُه إلى أن يَصيرَ صِفةً من صِفاتِ الحَقِّ تعالى، فيُطلِعَه على غَيبِه، حتَّى لا تَنبُتَ شَجَرةٌ ولا تَخضَرَّ ورَقةٌ إلَّا بنَظَرِه) .
وزيادةً على ذلك؛ فإنَّه يَكونُ له حِمايةٌ خَمسينَ فرسَخًا، ومِائةَ فرسَخٍ، وألفَ فَرسَخٍ.. ومنهم مَن يَكونُ له حِمايةٌ كَذا وكَذا سَنةً .
وقد ذَكَرَ الرِّفاعيُّون أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ كان قُطبَ الأقطابِ في الأرضِ، ثمَّ انتَقَل إلى قُطبيَّةِ السَّماواتِ، ثمَّ صارَتِ السَّماواتُ السَّبعُ في رِجلِه كالخَلخالِ .
ويَحكونَ أنَّ الرِّفاعيَّ أصدَرَ أمرًا إلى شَجَرةٍ بالمَجيءِ إليه، بَينَها وبَينَه نَهرُ الفُراتِ، وأقسَمَ عليها بذلك قائِلًا: (أقسِمُ عَليك بالعَزيزِ سُبحانَه إلَّا ما أجَبتِ دَعوتي وأتيتِيني طائِعةً، فانشَقَّتِ الأرضُ، وانفلقَ البَحرُ، وأتَتِ الشَّجَرةُ طائِعةً ناطِقةً بلسانٍ عَرَبيٍّ فصيحٍ تَقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وأشهَدُ أنَّك شَيخُ الشُّيوخِ على الإطلاقِ، وشَيخُ أهلِ الأرضِ والسَّماءِ بالوِفاقِ) .
ومنَ التَّصَرُّفاتِ في الطَّبيعةِ الكَونيَّةِ ما يُروى عنه أنَّه:
- كان يُصَلِّي الصُّبحَ في مَكَّةَ.
- والظُّهرَ في المَدينةِ.
- والعَصرَ في بَيتِ المَقدِسِ.
- والمَغرِبَ في بَعلبَكَّ.
- والعِشاءَ في جَبَلِ (قاف) .
وذَكَروا أنَّ الشَّيخَ إبراهيمَ الأعزَبَ كان له خَمسونَ ألفَ تِلميذٍ، فقال أحَدُ تَلاميذِه في نَفسِه: كَيف يَقدِرُ هذا على تَربيةِ هؤلاء ومَعرِفتِهم؟ فاطَّلعَ الشَّيخُ على ما أسَرَّه في نَفسِه، وقال له: إنَّ اللهَ تعالى جَعل قُلوبَ الكُلِّ بيَدي! ثمَّ جَمَعَ أصابعَه في الهَواءِ وإذا بتَلاميذِه يُهَروِلونَ من كُلِّ مَكانٍ حتَّى امتَلأ المَكانُ، ثمَّ بَسَطَ أصابعَه فرَجَعَ كُلُّ واحِدٍ منهم مِن حَيثُ جاءَ! قال الصَّيَّاديُّ: (فانظُرْ يا أخي إلى هذا التَّصريفِ العَظيمِ) .


وقد ذَكرَ الصَّيَّاديُّ أنَّ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال لإبراهيمَ: ناداني العَزيزُ سُبحانَه وقال: إنِّي أريدُ أن أخسِفَ الأرضَ وأرميَ السَّماءَ على الأرضِ، قال: فلمَّا سَمِعتُ هذا النِّداءَ تَعَجَّبتُ وقُلتُ: إلهي مَن ذا الذي يُعارِضُك في مُلكِك وإرادَتِك؟ قال: سَيِّدي إبراهيمُ. فأخَذَته الرِّعدةُ ووقَعَ على الأرضِ، وبَقيَ على هذا الحالِ زمنًا طويلًا !
وقد رَووا عن إبراهيمَ هذا أنَّه كان يَقولُ: (أعطاني رَبِّي عَزَّ وجَلَّ التَّصريفَ في كُلِّ مَن حَضَرَني، فلا يَقومُ أحَدٌ ولا يَقعُدُ ولا يَضحَكُ في حَضرَتي إلَّا وأنا مُتَصَرِّفٌ فيه، فقال رَجُلٌ منَ الحاضِرينَ في نَفسِه: فها أنا أقومُ وأقعُدُ إذا شِئتُ! فقَطَعَ الشَّيخُ إبراهيمُ كَلامَه والتَفتَ إليه وقال: انهَضْ. فلم يَستَطِعْ. ثمَّ قال: يا بُنيَّ ألم تَعلَمْ أنَّ قُلوبَ الخَلقِ بَينَ أيدينا كالمَصابيحِ من وراءِ السِّتارةِ نَشهَدُها رَأيَ العَينِ؟) .


وذَكَروا أيضًا أنَّ الشَّيخَ مَنصورًا البطائِحيَّ -خالَ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ- كان على قَدرٍ عَظيمٍ منَ التَّصريفِ؛ فقد وصَفوه بأنَّ اللهَ (أظهَرَه للوُجودِ، ووهَبَه المَراتِبَ المَنيعةَ، وصَرَّفه في الأكوانِ، وحَكَّمَه في الذَّرَّاتِ، وألانَ له الصِّعابَ، وأذَلَّ له الأسودَ، وجَمَعَ عليه القُلوبَ، ونَصَبَه قِبلةً للعارِفينَ وكَعبةً للسَّالكينَ) .
والعَجيبُ أنَّه يوجَدُ في كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ ما يُفيدُ إدانةَ الرِّفاعيِّ نَفسِه لهذا التَّصريفِ الذي يَدَّعيه الرِّفاعيُّون لمَشايِخِهم؛ فقد جاءَ في كِتابِ (الكُلِّيَّاتِ الأحمَديَّةِ) أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال: (قال بَعضُ صوفيَّةِ خُراسانَ: إنَّ روحانيَّةَابنِ شَهرَيارَ تَتَصَرَّفُ في تَرتيبِ جُموعِ الصُّوفيَّةِ! ذلك لم يَكُنْ إلَّا للَّهِ الوهَّابِ الفعَّالِ، إنَّ تَصَرُّفَ الرُّوحِ لا يَصِحُّ لمَخلوقٍ) .


2- الإحياءُ والإماتةُ:


إحياءُ المَوتى عِندَ الصُّوفيَّةِ من عَلاماتِ التَّمَكُّنِ في الوِلايةِ؛ فإنَّه ممَّا ذَكَروه عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال: (الوليُّ المُتَمَكِّنُ يُحيي المَوتى بإذنِ اللهِ) .
ومنَ القِصَصِ المَنسوبةِ إلى الرِّفاعيِّ ما ذَكَرَه الواسِطيُّ وتَناقَله الصُّوفيَّةُ في العَديدِ من كُتُبِهم، وفيها: (إنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ خَرَجَ مَرَّةً مَعَ تَلاميذِه إلى شاطِئِ الفُراتِ، فقامَ الشَّيخُ شَمسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُعُثمانَ وسَأله: يا سَيِّدي: مَتى يَصِلُ المُريدُ إلى مُرادِه، ويَصيرُ مُرادًا ويَتَصَرَّفُ في الأكوانِ؟
فقال الشَّيخُ: حتَّى يَخرُجَ عن نَفسِه ومَألوفاتِ حِسِّه، ويَترُكَ جَميعَ الشَّهَواتِ المُباحاتِ وغَيرَها، ويُصَرِّفُه اللهُ تعالى في كَونِ وجودِه وعَوالِمِه... وإذا صَرَّفه في الكَونِ المُطلَقِ صارَ أمرُه بأمرِ اللَّهِ تعالى: إذا قال للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ!


وإذا التَفتَ إلى هذا النَّهرِ الجاري وقال لأسماكِه: أجيبوا طائِعينَ مَطبوخينَ مَشويِّينَ، يَطلُعوا بإذنِ اللهِ ويُطيعوه ولا يُخالفونَ أمرَه.
وكان في المَجلسِ رَجُلٌ كَبيرُ الشَّأنِ يُقالُ له عُمَرُ الفاروثيُّ فقال له: يا سَيِّدي، هذا الرَّجُلُ الذي ذَكَرتُموه لم يَكُنْ مَخلوقًا، بل رَبًّا ثانيًا!
فغَضِبَ الشَّيخُ أحمَدُ غَضَبًا شَديدًا وقال: تَأدَّبْ يا عُمَرُ. لا أفلحَ مَن كَفَر! حاشا وكَلَّا أن يَصِلَ المَخلوقُ إلى مَرتَبةِ الرُّبوبيَّةِ! بل للَّهِ أسماءٌ وصِفاتٌ، فإذا تَخَلَّقَ العَبدُ بأسماءِ رَبِّه وصِفاتِه وتَحَقَّق بهما فيَنظُرُ إليه الحَقُّ بعَينِ قُربِه، فيَصيرُ فِعلُه من فِعلِ رَبِّه.


والتَفتَ الشَّيخُ إلى النَّهرِ وقال: يا خَلقُ ائتوني طائِعينَ، واحضُروا إليَّ مَشويِّينَ لتَأكُلَ منكُمُ الإخوانُ والحاضِرونَ.
فما استَتَمَّ قَولَه حتَّى تَراكَمَت عليه الأسماكُ منَ البَحرِ ونَطَقَت بلسانٍ عَرَبيٍّ فصيحٍ: السَّلامُ عَليك يا خُلاصةَخَلْقِه، كُلْ من لحمِنا لنَسعَدَ بك يَومَ القيامةِ.
فأخَذَ الشَّيخُ منَ الأسماكِ وهي مَشويَّةٌ ووضَعَها بَينَ أيديهم، وأتى لهم من عالمِ غَيبِ اللَّهِ تعالى بخُبزٍ طَريٍّ ساخِنٍ رائِحَتُه تَفوقُ المِسكَ والعنبَرَ، فأكل الشَّيخُ وأكل القَومُ أجمَعونَ وما بَقيَ منَ الأسماكِ إلَّا العِظامُ النَّخِرةُ.
فقال السَّيِّدُ عُمَرُ الفاروثيُّ: يا سَيِّدي: ما عَلامةُ الرَّجُلِ المُتَمَكِّنِ المُتَصَرِّفِ في كَونِ وجودِه؟
فقال الرِّفاعيُّ: هو أن يَقولَ لهذه العِظامِ: كوني سَمَكًا كما كُنتِ أوَّلًا بإذنِ اللهِ تعالى.
فما استَتَمَّ كَلامَه حتَّى قامَت وتَناثَرَت سَمَكًا حَيًّا شاهدةً للَّهِ بالوحدانيَّةِ وللنَّبيِّ بالرِّسالةِ وبالسَّيِّدِ الرِّفاعيِّ بالوِلايةِ العُظمى!
ولقد بلغَ من حُبِّ الأسماكِ له أنَّه كان كُلَّما مَشى على الشَّاطِئِ تَخرُجُ الأسماكُ من بَطنِ البَحرِ لالتِماسِ بَرَكاتِه وتَزدَحِمُ على أقدامِه الشَّريفةِ، وتَسألُه بحَقِّ اللهِ أن يَأكُلَ منها) .
ورَووا عنه أنَّه خَرَجَ مَرَّةً مَعَ جَماعَتِه إلى البرِّ فجاعوا فرَأى الشَّيخُ سِربًا طائِرًا منَ الإوزِّ فأمَرَهم بالنُّزول حالًا، فنَزَلت إحداهنَّ بَينَ يَدَيه مَشويَّةً جاهزةً، فأكَلها رَجُلٌ من رِجالِ الغَيبِ كان مَعَه وما بَقيَ إلَّا عِظامُها، فأخَذَ العِظامَ ومَرَّرَ عليها يَدَه وقال: أيَّتُها العِظامُ المُتَفرِّقةُ الأوصالِ المُنقَطِعةُ، اذهَبي بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ. فذَهَبَت إوزَّةً سَويَّةً وطارَت في الجَوِّ ثانيةً !
وحُكيَ أنَّ أميرَ مِصرَ صَنَعَ لأحَدِ الرِّفاعيِّين ضيافةً عَظيمةً وجَعل أمامَه طَبقًا فيه دَجاجةً فنَظَرَ إلى الطَّبَقِ وقال: (سَمِعتُ سَيِّدي الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ يَقولُ: الوليُّ المُتَمَكِّنُ يُحيي المَوتى بإذنِ اللهِ. ثمَّ نَظَرَ إلى الدَّجاجةِ وقال لها: قومي بإذنِ اللهِ. فقامَتِ الدَّجاجةُ وشَقَّتِ المَجلِسَ وخَرَجَت) !
وكذلك حُكيَ أنَّ الشَّيخَ مُحَمَّد سِراج الدِّينِ الرِّفاعيَّ المَخزوميَّ قد مَرَّ بغُلامٍ يَذبَحُ شاةً، فلمَّا رَآه والشَّاةُ تَختَبطُ مَذبوحةً وقد قَرُبَ خُروجُ روحِها، قال للذَّابحِ:
يا واضِعَ السِّكِّينِ بَعدَ ذَبيحِه
في فيه يَسقيه رَحيقَ لَهاتِه
ضَعْها بجُرحِ الذَّبحِ ثاني مَرَّةٍ
وأنا الضَّمينُ لـه برَدِّ حَياتِه
فأعادَ الذَّابِحُ السِّكِّينَ إلى الجُرحِ، فانتَفضَتِ الشَّاةُ سَليمةً لا جُرحَ فيها ولا ذَبحَ !
وذَكَروا أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى الشَّيخِ عُثمانَ بنِ ورَوزةَ البطائحيِّ ومَعَه ثَورٌ ليَدعو له بالبَرَكةِ، فأمر الشَّيخُ السِّباعَ واحِدًا تِلو الآخَرِ أن يَأكُلوا من ثَورِه حتَّى لم يَبقَ منَ الثَّورِ قِطعةُ لحمٍ، ثمَّ أعادَه الشَّيخُ له سَمينًا أكثَرَ ممَّا كان ولم يَتَأثَّرْ بأكلِهم إيَّاه .
وممَّا حَكَوه أنَّ الشَّيخَ أبا مُحَمَّدٍ الشَّبنكيَّ كان جالسًا على السَّطحِ وحدَه فاجتازَ به أكثَرُ من مِائةِ طَيرٍ واختَلطَت أصواتُها، فقال: يا رَبِّ، قد شَوَّشَ عَليَّ هؤلاء، فنَظَرَ فإذا الكُلُّ مَوتى! فقال: يا رَبِّ ما أرَدتُ مَوتَهم! فقاموا يَنتَفِضونَ وطاروا !
وذَكَروا أنَّ عَبدَ اللَّهِ الكَيَّالَ الرِّفاعيَّ الحَلبيَّ كان يَشكو من رَجُلٍ غَيرِ مُسلمٍ يُكثِرُ منَ الإنكارِ عليه، فنَظَرَ إليه نَظرةً وهَزَّ رَأسَه، فصارَ ذلك الرَّجُلُ يهزُّ رَأسَه أيضًا، وتَركه الكَيَّالُ وذَهَب، فبَقيَ على حالِه أيَّامًا يهزُّ رَأسَه، ثمَّ ما لَبِثَ أن ماتَ .


3- تكليمُ الأسَدِ:


ذَكَروا أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ رَأى أسدًا يَفتَرِسُ شابًّا وقد (خَلعَ) كَتِفَه من يَدِه ومَكَثَ يَأكُلُه. فزَجَرَه الشَّيخُ الرِّفاعيُّ زجرًا شديدًا وقال له: يا خَلقَ اللهِ، أما نَهَيتُكم عن أذيَّةِ الخَلْقِ الذينَ يَمُرُّونَ ببلادِنا؟ فنَطَقَ السَّبُعُ وأتى إلى حَضرةِ الشَّيخِ مُسَلِّمًا عليه بلسانٍ عَرَبيٍّ فصيحٍ قائِلًا له:
(يا سَيِّدَ السَّاداتِ وصاحِبَ الجودِ والكَراماتِ: لي سَبعةُ أيَّامٍ ما أكَلتُ شيئًا، وهذا الشَّابُّ أرسَله اللهُ لي رِزقًا مَقسومًا.
فالتَفتَ إليه الشَّيخُ الرِّفاعيُّ بنَظَرِ الغَضَبِ والجَلالِ، فوقَعَ السَّبعُ مَيِّتًا في الحالِ، فأخذ الشَّيخُ ذِراعَ الشَّابِّ ووضَعَها في مَكانِها، وقال: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ. ومَسَحَ عليه بيَدِه المُبارَكةِ، فعادَ كما كان أوَّلًا بل أشَدَّ وأقوى) !
وهذه القِصَّةُ مَنسوبةٌ إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ أيضًا، وهو الشَّيخُ عزازُ بنُ مُستَودَعِ البطائحيُّ، وقد ذَكَرَها النَّبهانيُّ في جامِعِه .


3- الشِّفاءُ منَ الأمراضِ وإمكانيَّةُ نَقلِها من شَخصٍ إلى آخَرَ:


بإمكانِ الوليِّ عِندَ الرِّفاعيَّةِ دَفعُ المَرَضِ من شَخصٍ وإصابةُ بَريءٍ به.
فقد رُويَ عن إبراهيمَ الأعزَبِ أنَّه زارَ مَريضًا عليه جَربٌ كَثيرٌ، فشَكى إليه المَريضُ كَثرةَ التَّألُّمِ بهذا المَرَضِ، فالتَفتَ الشَّيخُ إبراهيمُ إلى خادِمِه وقال له: أتَحمِلُ هذا الجَرَبَ عن هذا الفقيرِ؟ فقال: نَعَم يا سَيِّدي. فقال الشَّيخُ: قد حَمَلتُه عنك وحَمَّلتُه هذا، فانتَقَل جَميعُ ما كان على الرَّجُلِ منَ الجَرَبِ إلى خادِمِ الشَّيخِ، وبَقيَ جَسَدُ المَريضِ الأوَّلِ كالفِضَّةِ البَيضاءِ.
ثمَّ خَرَجَ الشَّيخُ، وخادِمُه يَشكو منَ الألمِ، فلمَّا كانوا ببَعضِ الطَّريقِ رَأى الشَّيخُ خِنزيرًا فقال لخادِمِه: قد حَمَلتُ عنك هذا الجَرَبَ وحَمَّلتُه هذا الخِنزيرَ. فانتَقَل الجَرَبُ إلى الخِنزيرِ وعوفيَ الخادِمُ !


كذلك نَقَلوا عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه لمَسَ بيَدِه عَينَ رَجُلٍ مَفقودًا منها ماءُ البَصَرِ فتَنَوَّرَت وصارَت أحسَنَ منَ السَّليمةِ وأقوى، مَعَ العِلمِ بأنَّ الرِّفاعيَّ نَفسَه كان لا يَرى إلَّا بعَينٍ واحِدةٍ، كما ذَكَرَ الشَّعرانيُّ، وأنَّ أعداءَه كانوا يُلقِّبونَه بـ(الدَّجَّالِ الأعوَرِ) !


كذلك مَسَحَ على رَأسِ امرَأةٍ قد تَساقَطَ شَعرُها فعادَ كما كان، ومَسَح بيَدِه على امرَأةٍ مُحدَودِبةِ الظَّهرِ فاستَقامَ ظَهرُها كما كان .


4- دَفعُ البلاءِ النَّازِلِ من السَّماءِ:


ذَكَروا أنَّ أحَدَ تَلاميذِ الشَّيخِ مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ- رَأى البلاءَ وهو نازِلٌ منَ السَّماءِ على العِراقِ، فاستَأذَنَ شَيخَه في أن يَدفعَ هذا البلاءَ، فأذِنَ له الشَّيخُ، فما كان منه إلَّا أن أخَذَ قَضيبًا وأشارَ إلى السَّماءِ، فتَفرَّقَ البلاءُ واستَطاعَ عَبرَ تَحريكِ العَصا أن يَرُدَّ قَضاءَ اللَّهِ النَّازِلَ منَ السَّماءِ !
وكذلك قالوا عنِ الشَّيخِ أبي مُحَمَّدٍ الشَّبنكيِّ الرِّفاعيِّ: إذا مَرَّ البلاءُ منَ السَّماءِ من فوقِ بلدَتِه: (الحدَّاديَّةِ)؛ فإنَّه يَتَمَزَّقُ ويَرتَفِعُ بفَضلِه !


5- الرِّفاعيَّةُ يَعرُجونَ إلى السَّماءِ ويَمحونَ ما في اللَّوحِ الـمحفوظِ:


يَكثُرُ كَلامُ الصُّوفيَّةِ عن عُروجِ مَشايِخهم إلى السَّماءِ، وحُضورِ ديوانِ الرُّبوبيَّةِ، ومُخاطَبةِ الرَّحمَنِ، والاطِّلاعِ على ما في اللَّوحِ المَحفوظِ، بل بلغَ الأمرُ بالرِّفاعيَّةِ أن زَعَموا أنَّ من مَشايِخِهم مَن يَعرُجُ إلى السَّماءِ ويَمحو منَ اللَّوحِ المَحفوظِ ما يَشاءُ!


فقد ذُكِرَ أنَّ الرِّفاعيَّ قال: (أيُّها الفُقَراءُ: الشَّيخُ عُثمانُ السَّالمُ أبادي -قدَّسَ اللهُ سِرَّه- يَصعَدُ كُلَّ يَومٍ عِندَ غُروبِ الشَّمسِ إلى ديوانِ الرُّبوبيَّةِ، ويَنظُرُ ديوانَ ذُرِّيَّتِه: فما يَجِدُ من سَيِّئةٍ يَمحوها ويَكتُبُ «عِوَضَها» بلا مُعارَضةٍ. ثمَّ التَفتَ إلى إبراهيمَ الأعزَبِ وقال له: يا إبراهيمُ، لا يَكونُ الرَّجُلُ مُمكَّنًا في سائِرِ أحوالِه حتَّى يُعرَضَ عليه عِندَ غُروبِ الشَّمسِ جَميعُ أعمالِ أصحابِه وأتباعِه وتَلامِذَتِه فيَمحو منها ما يَشاءُ ويُثبِتُ فيها ما يَشاءُ) !
قال: (وأمَّا سَيِّدي حَمزةُ -قدَّسَ اللهُ سِرَّه- فرَجُلٌ عَظيمُ المنقبةِ، عَليُّ المرتبةِ، مَن كان له حاجةٌ فليَقصِدْه يَومَ الأربعاءِ؛ فإنَّه يَحضُرُ ديوانَ الرُّبوبيَّةِ ويَقضي الحَوائِجَ. وأمَّا سَيِّدي الشَّيخُ مَنصورٌ-قدَّسَ اللهُ سِرَّه- فإنَّه لم يَزَلْ في السَّماءِ مِثلَ الدَّلوِ في حَوضِ البئرِ، له صُعودٌ ونُزولٌ، يَقضي حَوائِجَ النَّاسِ وحَوائِجَ ذُرِّيَّتِه وأصحابِه إلى يَومِ القيامةِ) !


6- تحويلُ الشَّقيِّ إلى سعيدٍ:


وزيادةً على ما يَعتَقِدُه الرِّفاعيَّةُ في مَشايِخِهم منَ الإحياءِ والإماتةِ والمَنعِ والإعطاءِ، يَعتَقِدونَ فيهم أيضًا أنَّ في مَقدورِهم تَغييرَ الشَّقيِّ إلى سَعيدٍ، وبالعَكسِ.
وقد رَوَوا عن أحمَدَ الرِّفاعيِّ أنَّه كان يَقولُ: (كُلُّ شَيخٍ لا يُغَيِّرُ صِفاتِ تِلميذِه ويَكتُبُ الشَّقيَّ سَعيدًا فما هو عِندَنا برجُلٍ) !
وقالوا (إنَّ رجُلًا دَخَل على مَشايِخِ البَطائِحِ، فلمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قال ذلك الشَّيخُ لمَن حَضَرَه: قَرَأتُ على جَبهةِ هذا الرَّجُلِ سَطرَ الشَّقاوةِ، فأتى ذلك الرَّجُلُ إلى الشَّيخِ أحمَدَ ولَبِسَ منه خِرقةً، ثمَّ أتى إلى زيارةِ ذلك الشَّيخِ، فقال الشَّيخُ لأصحابِه: قد مُحيَ من جَبهَتِه سَطرُ الشَّقاوةِ، وبُدِّل بسَطرِ السَّعادةِ ببَرَكةِ الشَّيخِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ) .


7- الطَّبيعةُ تتبدَّلُ من أجلِهم:


قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (ثَبَتَ بَينَ السَّادةِ الرِّفاعيَّةِ أن وقَفتِ الشَّمسُ في قُرصِها للسَّيِّدِ قُطبِ الدِّينِ أحمَدَ كَي لا تَفوتَه صَلاتُه. فلمَّا وصَل إلى قَريةِ «أمِّ عُبَيدةَ» تَوضَّأ وصَلَّى لوقتِه، فسَقَطَتِ الشَّمسُ غائِبةً لوقتِها) .
ولا تَتَوقَّفُ الشَّمسُ أيضًا عنِ الحَرَكةِ من أجلِ أحَدِ مَشايِخِ الرِّفاعيَّةِ، بل إنَّها تَنكَسِفُ لمَوتِ أحَدِهم أيضًا، كما صَرَّحَ بذلك الصَّيَّاديُّ والنَّبهانيُّ وغَيرُهما؛ حَيثُ ذَكَروا أنَّ الشَّمسَ كَسَفت لمَوتِ إبراهيمَ الأعزَبِ .
وهذه مُخالفةٌ صَريحةٌ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ آيَتانِ من آياتِ اللهِ لا يَنكَسِفانِ لمَوتِ أحَدٍ ولا لحَياتِه)) .
وكذلك يَزعُمونَ تَزَحزُحَ الجِبالِ بمُجَرَّدِ إشارةٍ من أحَدِهم، وهو الشَّيخُ عَقيلٌ المنبجيُّ المُلقَّبُ بـ (الطَّيَّارِ)؛ لكَثرةِ ما كان يَطيرُ في الهَواءِ ، وتَتَفجَّرُ الصَّخرةُ عُيونًا منَ الماءِ بوكزةٍ منه.
ويَسألُ عَقيلٌ هذا عن عَلامةِ الرَّجُلِ المُتَمَكِّنِ، فيَقولُ بأنَّ عَلامَتَه: أنَّه لو قال لهذا الجَبَلِ تَحَرَّكْ لتَحَرَّكَ. قال: فتَحَرَّكَ الجَبَلُ .
وهذه مواصَفاتٌ وقُدُراتٌ خارِقةٌ عَديدةٌ ذَكَروا أنَّها اجتَمَعَت في أحَدِ مَشايِخِ الطَّريقةِ، وهو الشَّيخُ عبدُ اللهِ بنُنَجمِ الدِّينِ مُبارَك الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ الذي كان يُثني على نَفسِه قائِلًا: (مُنذُ عامَينِ وأنا أتلو سُطورَ القُربى، وأتَقَلَّبُ على بساطِ الصِّدِّيقيَّةِ الكامِلةِ، وتحُفُّ حَضرَتي أقطابُ الشَّرقِ والغَربِ ويَجيئُني الخَضِرُ، وأرى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِيانًا، وأتَلقَّى عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الأوامِرَ الخاصَّةَ، وتَخدُمُني الهَوامُّ، وأفهَمُ لُغاتِ الطُّيورِ والوُحوشِ، وأسمَعُ تَسبيحَ الجَماداتِ، وتَمُرُّ بي حَوادِثُ الأكوانِ، ويَرهَبُ مَكانتي الزَّمانُ، وتُساعِدُني الأقدارُ بكُلِّ ما أرومُ، ويُبَشِّرُني الوارِدُ المُحَمَّديُّ بالتَّرقياتِ والقَبولِ، وتُسَلِّمُ عَليَّ الأبدالُ، وتَتَضَرَّعُ بي الأنجابُ، وتَنكَشِفُ لي عَوالمُ البَراريِّ والبحارِ) !
وممَّا يُحكى عنه منَ الكَراماتِ أنَّ أبا بكرٍ الدِّينَوَريَّ سَمع الصُّوفيَّةَ يَروونَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَديثَ: ((من أكَل مَعَ مَغفورٍ له غَفرَ اللهُ له)) ، فلم يُصَدِّقْ به، فسَأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ عن دَرَجةِ هذا الحَديثِ، فقال له: أنا قُلتُ هذا الحَديثَ، وغدًا تَأكُلُ مَعَ مَغفورٍ له ويَغفِرُ اللهُ لك! وفي اليَومِ التَّالي أخَذَ نَجمُ الدِّينِ لُقمةً وقال له: (كُلْ يا أخي أبا بكرٍ، صَدَقَ سَيِّدي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: من أكَل مَعَ مَغفورٍ له غَفرَ اللهُ له، وأنتَ مَغفورٌ لك) .


8- ادِّعاءُ عِلمِ الغَيبِ مُطلَقًا:


عِلمُ اللهِ الغَيبَ لا يُشارِكُه فيه أحَدٌ، كما قال تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل : 65] . وكما أمَرَ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَقولَ: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50] .
وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنِّي لم أؤمَرْ أن أنَقِّبَ عن قُلوبِ النَّاسِ ولا أشُقَّ بُطونَهم)) .
وقال لجِبريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ سَأله عنِ السَّاعةِ: ((ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ منَ السَّائِلِ)) .
فادِّعاءُ الكَشفِ عن عِلمِ الغُيوبِ من أعظَمِ الكَذِبِ على اللهِ تعالى، غَيرَ أنَّه يُعتَبَرُ عِندَ المُتَصَوِّفةِ منقَبةً منَ المَناقِبِ وكَرامةً منَ الكَراماتِ.
وممَّا يُنسَبُ إلى الرِّفاعيِّ في هذا الشَّأنِ أنَّ اللهَ تعالى إذا أرادَ أن يَتَّخِذَ وليًّا أنعَمَ عليه بأربَعٍ:
1- الكِفايةُ.
2- الحِمايةُ.
3- الرِّعايةُ.
4- الهدايةُ.
فإذا تَحَقَّقَت هذه الأربَعُ أكرَمه بأربَعٍ أيضًا:
1- يَقرَأُ ما على الجِباهِ.
2- ويُصافِحُ المَلائِكةَ ويُصافِحونَه.
3- ويُكَلِّمُ المَوتى ويُكَلِّمونَه.
4- ويَدخُلُ القُبورَ فيَعرِفُ المُنعَّمَ منَ المُعَذَّبِ .
ولمَّا ذَكَرَ الرِّفاعيُّ أنَّه صَحِبَ ثَلاثَمائةِ ألفِ أمَّةٍ، وأنَّه كان يَعرِفُ كَلامَهم وصِفاتِهم وأسماءَهم وأرزاقَهم وآجالَهم، تَعَجَّب خادِمُه يَعقوبُ، فقال له الشَّيخُ: (وأزيدُك أيضًا أنَّه لا تَستَقِرُّ نُطفةٌ في فرجِ أنثى إلَّا يَنظُرُ الوليُّ إليها ويَعلمُ بها. فقال يَعقوبُ: يا سَيِّدي، هذه صِفاتُ الرَّبِّ جَلَّ وعَلا! فقال الشَّيخُ: يا يَعقوبُ، استَغفِرِ اللهَ تعالى ؛ فإنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عَبدًا صَرَّفه في جَميعِ مَملكَتِه، وأطلعَه على ما شاءَ من عُلومِ الغَيبِ. وإذا كان الحَقُّ تعالى مَعَ عَبدِه كما يُريدُ صارَ كأنَّه صِفةٌ من صِفاتِه) .
وذَكرَ الشَّعرانيُّ ذلك الحِوارَ بَينَ الرِّفاعيِّ وخادِمِه يَعقوبَ، وزاد عليه بأن نَقَل عن شَيخِه (عَليٍّ الخَواصِّ) شروطًا يَجِبُ تَوافُرها في الوليِّ الصُّوفيِّ، وهي:
1- أن يَكونَ عِندَه عِلمٌ يَكشِفُ به الحَقائِقَ والدَّقائِقَ.
2- أن يَعلمَ ما جازَ وما وجَبَ وما استَحال.
3- أن يَكونَ له سَرَيانٌ في العَوالمِ العُلويَّاتِ والسُّفليَّاتِ.
4- أن يَكونَ له قوَّةٌ على التَّلبُّسِ في الصُّورِ، والتَّطَوُّرِ في الرُّتَبِ.
5- أن يَنظُرَ أحوالَ مُريدِه منَ اللَّوحِ المَحفوظِ.
6- أن يُراقِبَ مُريدَه من حينِ كان في عالمِ الذَّرِّ قَبلَ وُرودِه وهبوطِه إلى أصلابِ الآباءِ وبُطونِ الأمَّهاتِ .
وإذا كان للأولياءِ هذا المَبلَغُ منَ الكَشفِ والعِلمِ الغَيبيِّ على النَّحوِ الذي يَشتَرِطُه شَيخُ الشَّعرانيِّ، فلا يُعجَبُ حينَئِذٍ أن يُقرَأ في كُتُبِ الشَّعرانيِّ أنَّ شَيخَه المَذكورَ كان يَنظُرُ في الميضَأةِ فيَرى الذُّنوبَ التي تَتَساقَطُ عليها من أثَرِ الوُضوءِ، وأنَّه نَظَرَ مَرَّةً إلى المَغطَسِ، فقال: (لا جَزى اللهُ خَيرًا منِ اغتَسَل في هذا المَغطَسِ؛ فإنَّه قَذَّرَه وأنتَنَه. فسَألوا عَمَّنِ اغتَسَل فيه فوجَدوه رَجُلًا كان قد فعَل الفاحِشةَ في عَبدِه) .
وقد ذَكرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ من كَراماتِ بَهاءِ الدِّينِ الرَّوَّاسِ الرِّفاعيِّ: (أنَّه كان يَتَكَلَّمُ على خَواطِرِ أصحابِه ومُريديه كما في صُدورِهم) .
واعتَرَضَ أحَدُ المُريدينَ على إبراهيمَ الأعزَبِ، فعَرَك إبراهيمُ أذُنَه وزَجرَه، وقال له: (ألم تَعلَمْ أنَّ قُلوبَ الخَلقِ بَينَ أيدينا كالمَصابيحِ من وراءِ السِّتارةِ نَشهَدُها رَأيَ العَينِ؟!) .
وكذلك رَووا أنَّ أحَدَ مُريدي عُثمانَ بنِ مروزةَ البطائحيِّ أسَرَّ في نَفسِه الاعتِراضَ على شَيخِه في قَلبِه، فقال له الشَّيخُ عُثمانُ: (ألم تَعلَمْ أنِّي أعلمُ ما في قَلبِك؟!) .
وذَكَروا أنَّ عَليًّا أبا الفَضلِ الواسِطيَّكان يعرفُ لُغاتِ الطُّيورِ والحَيَواناتِ، وأنَّه كان يَتَكَلَّمُ على الخَواطِرِ ويَكشِفُ الأسرارَ، ونَظرَتُه تُصلِحُ القُلوبَ .
ووصَف الصياديُّ الرَّوَّاسَ في أبياتٍ منَ الشِّعرِ، فقال:
بمَكنونِ الغَيبِ حَوى اطِّلاعًا
تَراه بكُلِّ آتيه خَبيرًا .
أمَّا أحمَدُ الرِّفاعيُّ نَفسُه فقد ذَكَروا أنَّ مُغنِّيًا كان يُغنِّي للصُّوفيَّةِ، فتواجَدوا وطَرِبوا، وكان بَينَهم أحمَدُ الرِّفاعيُّ صَغيرًا، فخَسَف أحمَدُ الدُّفَّ، فأنكَروا عليه فقال لهم: (اسألوه عَمَّا خَطَرَ ببالِه. فاعتَرَف المُغَنِّي أنَّه لمَّا رَآهم على هذه الحالةِ منَ التَّمايُلِ تَذَكَّر أنَّه كان البارِحةَ مَعَ قَومٍ فشَرِبوا الخَمرَ حتَّى تَمايَلوا كَتَمايُلِ المَشايِخِ الصُّوفيَّةِ، فخَطَرَ في بالِه أنَّ هؤلاء كأولئك) .
ورَوَوا أنَّ أبا زَكَريَّا العَسقَلانيَّ مَرِضَ مرضًا شديدًا حتَّى ظَنَّ أنَّه مَيِّتٌ لا مَحالةَ، فقال له إبراهيمُ الأعزَبُ: (أنتَ لن تَموتَ في هذه المُدَّةِ، قد بَقيَ من عُمُرِك زَمانٌ طَويلٌ. وعاشَ الرَّجُلُ بَعدَها خَمسينَ سَنةً) .
أمَّا رَجَبٌ الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ فكان يَتَنَبَّأُ بمَن يَأتيه منَ الزُّوَّارِ فيَقولُ: (الآنَ بَعدَ ساعَتَينِ أو قُبَيلَ المَغرِبِ يَجيءُ إلينا ضَيفٌ شَكلُه كَذا وثيابُه كَذا وفرَسُه كَذا، وهو منَ القَبيلةِ الفُلانيَّةِ، ومَعَه لنا هَديَّةُ كَذا. فيَكونُ كما يَقولُ بلا اختِلافِ حَرفٍ واحِدٍ) .
ومنَ الحِكاياتِ العَجيبةِ التي رَوَوها لبَيانِ قُدُراتِهمُ الكَشفيَّةِ أنَّ إبراهيمَ الأعزَبَ سُئِل عن حالِ الخَليلِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَر مَجموعَ صِفاته وكَيفيَّةَ أعضائِه. فقال رَجُلٌ من أهلِ العِلمِ: ما قاله السَّيِّدُ إبراهيمُ في شَأنِ الخَليلِ ما وجَدناه في كِتابٍ وما نُقِل عن أحَدٍ! فسَمِعَ إبراهيمُ الأعزَبُ قَولَه، فتَبَسَّمَ وأشارَ بيَدِه إلى نَحوِه، فنَظَر الفقيهُ إلى ذلك المَكانِ فصَرَخَ صَرخةً ووقَعَ مَغشيًّا عليه! فلمَّا أفاقَ قال: رَأيتُ الخَليلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد تَعَرَّى ليَرى أعضاءَه السَّيِّدُ إبراهيمُ !


9- الرِّفاعيُّ يخاطِبُ أمَّه وهو في بَطنِها:


جاءَ أنَّ الرِّفاعيَّ كان يُخاطِبُ أمَّه وهو في بَطنِها فيَقولُ: يا أمَّاه السَّلامُ عَليك. فتَقولُ: وعَليك السَّلامُ يا ولدي. ما اسمُك؟
فيَقولُ: اسمي أحمَدُ.
ولقد سَألها مَرَّةً -وهو حَملٌ في بَطنِها-: ما تَطلُبينَ منَ اللهِ؟
فقالت: الرَّحمةُ.
فقال: لها أسبابٌ سَبعةٌ:
1- النِّيَّةُ الصَّالحةُ.
2- الصَّلَواتُ الخَمسُ.
3- الإحسانُ إلى الفُقَراءِ.
4- صَفاءُ الضَّميرِ.
5- حِفظُ اللِّسانِ منَ الغِيبةِ... .
وكانت أمُّه تَدخُلُ على الشَّيخِ أبي مُحَمَّدٍ الشَّنبكيِّ وهي حامِلٌ به فيَقومُ لها إجلالًا. فلمَّا تَكَرَّرَ ذلك منه سُئِل عنه فقال: أنا أقومُ إجلالًا للجَنينِ الذي في بَطنِها؛ فإنَّه أحَدُ المُقَرَّبينَ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وهو من أصحابِ المَقاماتِ !
وقال صاحِبُ كِتابِ (الرَّوضُ النَّضيرُ): (لما ولَدَته أمُّه خَرَجَ منها ويَدُه اليُمنى على صَدرِه كما يَفعَلُ المُصَلِّي. ويَدُه اليسرى يُغَطِّي بها عَورَتَه، وكُلَّما رَفعوا يَدَه عن عَورَتِه أعادَها ليُغَطِّيَ عَورَتَه.
وما أن خَرَجَ من بَطنِ أمِّه حتَّى صارَ يُحَرِّكُ شَفتَيه، فأمر الشَّيخُ مَنصورٌ البطائحيُّ بَعضَ الحاضِرينَ أن يَقتَرِبوا من شَفتَيِ الشَّيخِ أحمَد، فسَمِعوه يَقولُ: سُبحانَ الذي صَوَّرَكم فأحسَن صُوَرَكم) .
وقيل لمَّا ولدَته أمُّه أبى أن يرضَعَ، وما زال على ذلك حتَّى أتَوا له بمُرضِعةٍ تَقيَّةٍ طاهرةٍ، فكانت تُجَدِّدُ وُضوءَها حالةَ إرضاعِه.
ولما جاءَ رَمَضانُ أمسَكَ عنِ الرَّضاعِ، وامتَنَعَ عن شُربِ الحَليبِ نَهارًا إلَّا بَعدَ الإفطارِ، وبَقيَ كذلك إلى بَعدِ العيدِ .


10- صَكٌّ بتَحريمِ النَّارِ على الرِّفاعيِّ وعلى كُلِّ ما تَمَسُّه يَدُه:


يَدَّعي الرِّفاعيَّةُ أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ كان بيَدِه ورَقةٌ بَيضاءُ فنادى أحَدَ أتباعِه، وقال له: يا فُلانُ تَعالَ، واقرَأْ هذه الورَقةَ، قال: فقَرَأتُها وهي مَكتوبةٌ بالنُّورِ.
قال الرِّفاعيُّ: (رَأيتُ في المَنامِ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعطاني هذه الورَقةَ وقال: يا أحمَدُ، هذه بَراءَتُك منَ النَّارِ. قال: فأخَذتُ الكِتابَ فقَرَأتُه وإذا فيه مَكتوبٌ: بَراءةُ ابنِ أبي الحَسَنِ منَ النَّارِ، ثمَّ انتَبَهتُ وإذا الكِتابُ بيَدي) .
ولم يَقتَصِرِ الأمرُ عِندَ ذلك الحَدِّ، بل ازدادَ ليَجعَلَ كُلَّ من مَسَّتْه يَدُ الرِّفاعيِّ مُحَرَّمًا على النَّارِ؛ فقد ذَكَروا أنَّ اللهَ وعَد الرِّفاعيَّ أنَّ كُلَّ من دَخل قَريَتَه أو مَسَّ كَفَّه لا تَأكُلُه النَّارُ ولا تَضُرُّه. وحَكَوا عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه أمسَكَ مَرَّةً سَمَكةً وأعطاها إلى أحَدِ مُريديه ليَشويَها له، فلم تَنشَوِ ولم تَنضَجْ وبَقيَت نِيئةً على حالِها، فتَعجَّب المُريدُ من ذلك فأخبَرَه الرِّفاعيُّ أنَّ السَّبَبَ في ذلك أنَّ اللهَ تعالى وعَده أن لا تَضُرَّ النَّارُ شيئًا مَسَّته يَدُه !


11- الرِّفاعيُّ يبيعُ قَصرًا في الجنَّةِ:


هذه قِصَّةٌ مَنسوبةٌ إلى الرِّفاعيِّ مُفادُها أنَّ الرِّفاعيَّ قد باعَ رَجُلًا قَصرًا في الجَنَّةِ مُحَدَّدَ المِساحةِ لقاءَ شِراءِ بُستانٍ في الدُّنيا!
قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (نُقِل أنَّ الشَّيخَ جَمالَ الدِّينِ الخَطيبَ كان من أكابرِ أصحابِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ، وكان يُريدُ أن يَشتَريَ بُستانًا لضَرورةٍ، فامتَنَعَ صاحِبُ البُستانِ عن بَيعِه إيَّاه، فتشَفَّع
الشَّيخُ جَمالُ الدِّينِ إلى الرِّفاعيِّ، فأتى رَدُّ الشَّفاعةِ من صاحِبِ البُستانِ «إسماعيلَ بنِ عَبدِ المُنعِم» الذي قال للرِّفاعيِّ: يا سَيِّدي، إنِ اشتَرَيتَه منِّي بما أريدُ بِعتُك إيَّاه.
فقال الشَّيخُ: يا إسماعيلُ، قُلْ لي: كَم تُريدُ ثَمنَه حتَّى أعطيَك؟
فقال: يا سَيِّدي، تَشتَريه منِّي بقَصرٍ في الجَنَّةِ؟
فقال الرِّفاعيُّ: مَن أنا حتَّى تَطلُبَ منِّي هذا يا ولدي؟ اطلُبْ منَ الدُّنيا.
فقال: يا سَيِّدي، شيئًا منَ الدُّنيا ما أريدُ، فإن أرَدتَ البُستانَ فاشريها بما أطلُبُ.
فنَكَّسَ السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ رَأسَه ساعةً، واصفرَّ لونُه وتَغَيَّرَ، ثمَّ رُفعَ وقد تَبَدَّلتِ الصُّفرةُ احمِرارًا وقال: يا إسماعيلُ، قدِ اشتَرَيتُ منك البُستانَ بما طَلبتَ!
فقال: يا سَيِّدي، اكتُبْ لي خَطَّ يَدِك. فكَتَبَ له السَّيِّدُأحمَدُ الرِّفاعيُّ ورَقةً فيها:
بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، هذا ما اشتَرى إسماعيلُ بنُعَبدِ المُنعِمِ منَ العَبدِ الفقيرِ الحَقيرِ أحمَدَ بنِ أبي الحَسَنِ الرِّفاعيِّ، ضامنًا على كَرَمِ اللهِ تعالى قَصرًا في الجَنَّةِ تَجمَعُه حُدودٌ أربَعةٌ:
الأولى: إلى جَنَّةِ عَدنٍ.
الثَّانيةُ: إلى جَنَّةِ المَأوى.
الثَّالثةُ: إلى جَنَّةِ الخُلدِ.
الرَّابعةُ: إلى جَنَّةِ الفِردَوسِ.
وذلك بجَميعِ حُورِه ووِلدانِه وفَرشِه وسَترِه وأنهارِه وأشجارِه، عِوَضَ بُستانُه في الدُّنيا. وله اللهُ شاهدٌ وكَفيلٌ.
ثمَّ طَوى الكِتابَ وسَلَّمَه إليه، وأوصى صاحِبُ البُستانِ المَذكورِ أن يوضَعَ الصَّكُّ مَعَه في كَفنِه إذا ماتَ، ففعَل أبناؤُه ذلك، ولمَّا دَفنوه وجَدوا صَبيحةَ اليَومِ التَّالي وقد كُتِبَ على قَبرِه «وقد وجَدْنا ما وعَدَنا رَبُّنا حَقًّا» !
وتَغَنَّى الصَّيَّاديُّ بهذه القِصَّةِ بأبياتٍ منَ الشِّعرِ فقال مُخاطِبًا الرِّفاعيَّ:
وبُستانُ إسماعيلَ لـمَّا اشتَرَيتَه
بقَصرٍ وقد أرهَنتَه الخَطَّ والخِتْما
وذاكَ بدارِ الخُلدِ في ساحةِ الرِّضا
فصَدَّقَك الـمَولى ووعدُك قد تَـمَّا
على أنَّ الرِّفاعيَّ أيضًا قد ضَمِنَ الجَنَّةَ لآخَرَ مُقابِلَ عُصفورٍ يَشتَريه منه؛ فقد جاءَ في كِتابِ «قِلادةُ الجَواهِرِ» أنَّ واحدًا من أصحابِ الرِّفاعيِّ اصطادَ عُصفورًا وشَدَّ برِجلِه خَيطًا وعَلَّقَه، والعُصفورُ يَصيحُ من شِدَّةِ الألمِ، فالتَمَسَ منه أحمَدُ الرِّفاعيُّ خَلاصَ هذا العُصفورِ فأبى، وقال للرِّفاعيِّ: تَشتَريه منِّي؟ فقال الرِّفاعيُّ: نَعَم، بكم هو؟ قال: بأن أكونَ بصُحبَتِك في دارِ السَّلامِ، وأجوزَ مَعَك بالسَّلامِ على الصِّراطِ. قال الرِّفاعيُّ: نَعَمْ. فقال صاحِبُه: واللهُ على ما نَقولُ وكيلٌ؟ قال: نَعَم. قال: اعهَدْ مَعي. فعَهِدَ مَعَه، وخَلَّصَ العُصفورَ) .
لقدِ اعتادَ المُتَصَوِّفةُ ذِكرَ مِثلِ هذه الحِكاياتِ التي يَعِدونَ فيها من شاؤوا بدُخولِ الجَنَّةِ. ومِثلُ ذلك أيضًا ما يَزعُمُه مُتَصَوِّفةٌ آخَرونَ عن مَشايِخِهم، كالتِّيجانيِّ القائِلِ: (وعَدَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كُلَّ مَن رَآني يَدخُلُ الجَنَّةَ وإن كان كافِرًا) .
وكذلك قَولُ أحَدِ أتباعِه: (رَأيتُ شَيخَنا التِّيجانيَّ بيَدِه حُلَّةٌ، وقال لي: مَن رَأى هذه الحُلَّةَ دَخَل الجَنَّةَ) .
ولا شَكَّ أنَّ الإسلامَ يَأبى مِثلَ هذه الأقاصيصِ التي تُعَلِّقُ النَّاسَ بغَيرِ اللهِ، وتَجعَلُ رَجاءَهم فيما عِندَ المُحتاجينَ الذينَ لا يَملِكونَ لأنفُسِهم نَفعًا ولا ضَرًّا، وتَقطَعُ الرَّجاءَ فيما عِندَ الغَنيِّ الذي بيَدِه الضُّرُّ والنَّفعُ، والثَّوابُ والعِقابُ، لا بيَدِ أحَدٍ سِواه.
ونَستَطيعُ القَولَ بأنَّ صُكوكَ ومَواثيقَ دُخولِ الجَنَّةِ التي يَذكُرُها المُتَصَوِّفةُ عن مَشايِخِهم قد سَبَقَهم إليها النَّصارى؛ فقدِ اشتَهرَ عنِ الكَنيسةِ مِثلُ هذه الصُّكوكِ المُسَمَّاةِ (صُكوكَ الغُفرانِ) والتي كانت تُشبِهُ في نَصِّها هذا النَّصَّ المَنسوبَ إلى الرِّفاعيِّ. وما زال النَّصارى إلى اليَومِ يَسخَرونَ من مَهزَلةِ هذه الصُّكوكِ ويَهزَؤون بسَبَبِها منَ الكَنيسةِ؛فليس للنَّصارى ولا للمُتَصَوِّفةِ أن يَتَألَّوا على اللهِ فيَضمَنوا الجَنَّةَ لأحَدٍ من عِبادِه أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف: 32] ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ص: 9] .


12- الرِّفاعيُّ يَمرَضُ ويَجوعُ فداءً للآخَرينَ:


إنَّ فِكرةَ تَعذيبِ شَخصٍ فِداءً عنِ الآخَرينَ قديمةٌ تَبَنَّتها العَديدُ منَ الدِّياناتِ والمَذاهِبِ، وهي مُشتَهِرةٌ عِندَ النَّصارى الذينَ زَعَموا أنَّ المَسيحَ عليه السَّلامُ تَألَّمَ وتَعَذَّبَ من أجلِالآخَرينَ. وتُعرَفُ هذه الفِكرةُ بمَبدَأِ (الكَفَّارةِ والفِداءِ).


وهذه الفِكرةُ تَسَرَّبَت بدَورِها إلى أصحابِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ، فجَعَلوا شَيخَهم يَتَحَمَّلُ البلاءَ والمَرَضَ نيابةً عنِ الآخَرينَ؛ فقد ذَكَروا أنَّ شَيخَهم مَرِضَ فقال: (أقبَلَ على الخَلْقِ بلاءٌ عَظيمٌ فتَحَمَّلتُه عنهم واشتَرَيتُه بما بَقيَ من عُمري)! وكان يَبكي ويَقولُ: (اللَّهمَّ اجعَلْني سَقفَ البلاءِ على هؤلاء الخَلقِ) !
وكان يَقولُ لخادِمِه يَعقوبَ: (ما وجَدَ أحَدٌ منَ الفُقَراءِ أذًى إلَّا وجَدتُ ألمَه في قَلبي) .
ورَأى أحَدُهم حالَ الرِّفاعيِّ منَ الجوعِ والفقرِ فقال في نَفسِه: (أولادُ المَشايِخِ يركَبونَ الخَيلَ ويَلبَسونَ النَّاعِمَ، والسَّيِّدُ أحمَدُ لا يَركَبُ الخَيلَ ولا يَلبَسُ المَليحَ ولا يَشبَعُ منَ الطَّعامِ! فعَلمَ الشَّيخُ بما خَطَرَ في نَفسِه وقال له: يا ولدي، استَغفِرِ اللَّهَ ممَّا خَطَرَ لك، فلو لم يَجُعْ سَيِّدُك ما شَبعَ أحَدٌ منَ المُسلِمينَ، ولا رَكبَ فرَسًا ولا حِمارًا) .



13- الرِّفاعيُّ يَذوبُ ويَتَحَوَّلُ إلى ماءٍ:


من أعجَبِ ما حُكيَ عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه كان يَذوبُ كالرَّصاصِ ويَستَحيلُ إلى ماءٍ كُلَّما جَلسَ يَتَعَبَّدُ اللَّهَ تعالى!
فقد ذَكَرَ الصَّيَّاديُّ أنَّه لمَّا كان اللهُ يَتَجَلَّى على الرِّفاعيِّ بالعَظَمةِ كان يَذوبُ حتَّى يَبقى بُقعةَ ماءٍ ثمَّ تُدرِكُه الرَّحمةُ الإلهيَّةُ فيَجمُدُ شيئًا فشيئًا حتَّى يَعودَ بَدَنُه إلى ما كان عليه! فيَقولُ لأتباعِه: (لولا لُطفُ اللهِ ما عُدتُ إليكم) .


وذَكَرَ الصَّيَّاديُّ والنَّبهانيُّ أيضًا أنَّ الرِّفاعيَّ خَرَجَ مَعَ أحَدِ مُرافِقيه (وهو الشَّيخُ سَعيدٌ) في اللَّيلِ فوصَلا إلى بُستانٍ، فقال له الرِّفاعيُّ: قِفْ هَهنا حتَّى أرجِعَ. قال الشَّيخُ سَعيدٌ: (فوقَفتُ مَكاني حتَّى مَضى منَ اللَّيلِ شَطرُه وهو لم يَرجِعْ، فمَشَيتُ على أثَرِه لأعرِفَ خَبَرَه، فإذا أنا بثيابِه مُلقاةٌ على الأرضِ، وعلى جانِبِه ماءٌ، فجَعَلتُ أطوفُ يَمينًا وشِمالًا فلم أجِدْه. فرَجَعتُ إلى مَوضِعي وأنا مَرعوبٌ من ذلك إذ أقبل عَليَّ وأنوارُه تُشرِقُ، فسَألتُه عن ذلك فقال: يا ولدي، أنا كُنتُ ذلك الماءَ الذي رَأيتَه. نَظَرَني العَزيزُ سُبحانَه بعَينِ اللُّطفِ فصِرتُ كما تَرى! يا سَعيدُ، لولا أن نَظَرَني بعَينِ اللُّطفِ لَما رَجَعتُ إليكم أبَدًا) .


ومِثلُ هذه الأحوالِ نَسَبوها أيضًا إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ؛ فقد ذَكرَ الصَّيَّاديُّ أنَّ قَومًا جاؤوا إلى مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الرِّفاعيِّ- فسَألوه عنِ المَحَبَّةِ، فسَكَتَ ثمَّ ذابَ كما يَذوبُ الرَّصاصُ قَطرةً بَعدَ قَطرةٍ وهم ينظُرونَه حتَّى صارَ كالماءِ المائِعِ !


وقد أخبَرَ أحَدُ من رَجَعوا عن هذه الطَّريقةِ أنَّه قَرَأ في أحَدِ كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ أنَّ سَبَبَ ذَهابِ إحدى عَينَيِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ: أنَّه كُلَّما جَلسَ للعِبادةِ والذِّكرِ يَذوبُ ويَتَحَوَّلُ إلى ماءٍ، فكان يَجلِسُ في طَستٍ لئَلَّا يَنتَشِرَ هذا الماءُ فيَضيعَ شَيءٌ من بَدَنِه! فكان أن جَلسَ في الطَّستِ مَرَّةً وتَحَوَّل إلى ماءٍ إلَّا عَيناه؛ فإنَّهما بَدَتا وكأنَّهما كُرَتَانِ، فدَخَلتِ ابنَتُه ولعِبَت بإحداهما فعَطَّبَتْها ومُنذُ ذلك الحينِ صارَ يَرى بعَينٍ واحِدةٍ! قال الرَّاوي التَّائِبُ: فقُلتُ في نَفسي: أبلغَتِ الخُرافةُ في الدِّينِ إلى هذا الحَدِّ؟! فأقبَلتُ على الكِتابِ وما صَحَّ منَ السُّنَّةِ وخَلعتُ عنِّي أوهامَ التَّصَوُّفِ .


14- الرِّفاعيُّ لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ:


ممَّا حَكَوه عنِ الرِّفاعيِّ وغَيرِه منَ الكَراماتِ امتِناعُه عنِ الطَّعامِ والشَّرابِ لأيَّامٍ وأسابيعَ وشُهورٍ، بل لسَنَواتٍ!
فقد ذَكرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ خَرَجَ إلى الحَجِّ ثمَّ إلى المَدينةِ. ومُنذُ خُروجِه منَ العِراقِ إلى أن عاد إليها منَ الحَجِّ لم يَأكُلْ طَعامًا قَطُّ، ولم يَتَناوَلْ جَرعةَ ماءٍ واحِدةً .
وذَكَر أيضًا أنَّه بَقيَ مَرَّةً نِصفَ نَهارٍ لم يَشرَبْ ماءً فوجَدَ قدَحًا على التَّنُّورِ وفيه ماءٌ وسِخٌ من غَسلِ الأيدي. فقالت له نَفسُه: قد عَذَّبتَني نِصفَ النَّهارِ بالعَطَشِ وتَسقيني من هذا الماءِ الوَسِخِ؟
فلمَّا رَأى منها هذا العِتابَ ألقى القدَحَ من يَدِه وأقسَم أن لا يُذيقَها الماءَ سَنةً كامِلةً، وفعَل ذلك !
وذَكَروا مِثلَ هذه الكَراماتِ لغَيرِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ؛ فذَكَروا أنَّ أبا رِفاعةَ المَهديَّالرِّفاعيَّ بَقيَ أربَعينَ يَومًا مُتَتاليةً لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ بل ولا يَنامُ. ومَعَ ذلك كُلِّه لم يَغِبْ عن أداءِ ما افتَرَضَه اللهُ عليه .
وكذلك قالوا عن أبي مُحَمَّدٍ اليَعقوبيِّ الرِّفاعيِّ: إنَّه كان كَثيرًا ما يَمكُثُ السِّتَّةَ أشهرٍ لا يَأكُلُ طَعامًا ولا يَشرَبُ ماءً .
وذَكَروا أنَّ عُثمانَ بنَمروزةَ البطائحيَّ الرِّفاعيَّ بَقيَ بلا طَعامٍ ولا شَرابٍ سَبعَ سِنينَ .


15- قريـةُ الرِّفاعيِّ (أمُّ عُبَيدةَ) البَيتُ الـحرامُ:


تُعتَبَرُ قَريةُ (أمُّ عُبَيدةَ) -مَسقَطُ رَأسِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ- عِندَ الرِّفاعيَّةِ البُقعةَ المُقدَّسةَ والبلدَ الحَرامَ الذي يَتَقَرَّبُ الخَلائِقُ بزيارَتِه إلى اللهِ تعالى، ويَتَوجَّهُ إليه أصحابُ الحَوائِجِ والكُرُباتِ لدَفعِ حَوائِجِهم وكُرُباتِهم، وذَكَروا أنَّ أمرَ قُدسيَّتِها قد تَمَّ بمُقتَضى وعدٍ إلهيٍّ.
فقد ذَكرَ الصَّيَّاديُّ أنَّ الرِّفاعيَّ قال: (إنَّ اللهَ أعطى هذه البُقعةَ خاصِّيَّةً تُقَرِّبُ الخَلائِقَ إلى اللهِ، ووعَدَني أنَّه يُجيبُ إلى هذه البُقعةِ للزِّيارةِ زُبدةَ الخَلْقِ لاغتِنامِ بَرَكَتِها، وأن يَجعَلَ خَواصَّ خَلْقِه من مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها في هذه البُقعةِ) .


وقد جَعَلوا قَريةَ (أمُّ عُبَيدةَ) بمَنزِلةِ البلدِ الحَرامِ، فزَعَموا أنَّ الأمرَ الإلهيَّ قد صَدَرَ إلى الرِّفاعيِّ بأن يُناديَ بالنَّاسِ من كُلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ ليَحُجُّوا إليها، ففَعَل مِثلَما فَعَل إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ نادى بالنَّاسِ بالحَجِّ.


وزَعَموا أنَّه قال: (قيل لي: قُمْ فنادِ أهلَ المَشرِقِ والمَغرِبِ والسَّهلِ والجَبلِ إلى زيارةِ هذه البُقعةِ السَّعيدةِ، فقامَ الرِّفاعيُّ وصارَ يُشيرُ بيَدَيه وهو واقِفٌ ويَقولُ: تَعالَوا إلى «أمِّ عُبَيدةَ» تَعالوا إلى هذه البُقعةِ المُبارَكةِ: كُلَّ شَهرٍ قَومٌ، وكُلَّ سَنةٍ قَومٌ، وكُلَّ وقتٍ قَومٌ، ثمَّ أردَف يَقولُ «نَعَم، نَعَم»، فلمَّا سُئِل عن ذلك قال: لمَّا ناديتُ أجابوني بقُدرةِ اللهِ خَلقٌ كَثيرٌ لا تحمِلُهم هذه البُقعةُ، فلمَّا رَأيتُ ذلك قُلتُ: رويدًا رويدًا كُلَّ شَهرٍ قَومٌ، كُلَّ سَنةٍ قَومٌ) .


وقد جَعَلوا لقَريةِ «أمِّ عُبَيدةَ» فضائِلَ عَديدةً، ذَكَروا منها:
1- أنَّ زائِرَها يَروحُ ويَأتي تَحتَ ظِلالِ أجنِحةِ المَلائِكةِ .
2- أنَّ زائِرَها لا تَأكُلُه النَّارُ ولا تَضُرُّه، وهذا من وعدِ اللهِ للشَّيخِ الرِّفاعيِّ كما يَقولونَ ، وهذا ما لا يُضمَنُ في العادةِ لزائِرِ مَكَّةَ ولا المَدينةِ.
3- أنَّ زيارَتَها ومُلازَمَتَها كَفيلةٌ بقَضاءِ كُلِّ حاجةٍ، ويَروونَ في ذلك قِصَّةَ الأميرِ عَبدِ اللَّهِ الصَّيرَفيِّ الذي وقَعَ في حالةِ دَينٍ، فلازَمَ قُبَّةَ أحمَدَ الرِّفاعيِّ فقُضيَت حاجَتُه .
وقالوا: يَنبَغي على زائِرِها أن يَتَوجَّهَ إليها عِندَ طَلبِ حاجَتِه ويَخطوَ إليها ثَلاثَ خُطواتٍ.


قال الصَّيَّاديُّ: (إن أهَمَّه أمرٌ فليَتَوضَّأْ ويُصَلِّي للَّهِ رَكعَتَينِ، ثمَّ يُصَلِّي على النَّبيِّ مِائةَ مَرَّةٍ، ثمَّ يَتَّجِهُ إلى جِهةِ البَصرةِ مَحَلِّ مَرقَدِ الغَوثِ الرِّفاعيِّ ويَخطو ثَلاثَ خُطواتٍ، ويَقولُ له:
أيَظلِمُني الزَّمانُ وأنتَ فيه
وتَأكُلُني الذِّئابُ وأنتَ ليثُ؟
ويُروى مِن بنانِك كُلُّ ظامي
وأظمَأُ في حِماك وأنتَ غَـيثُ؟
وقد جَرَّبَها رَجُلٌ مَظلومٌ ظَلَمه آلُ غَريبٍ، فالتَزَمَ القُبَّةَ الرِّفاعيَّةَ، وقال هَذَينِ البَيتَينِ، فقال له الشَّيخُ أحمَدُ في المَنامِ: «قُضِيَت حاجَتُك» فما مَضى شَهرٌ حتَّى فنيَ آلُ غَريبٍ عن آخِرِهم) .
وزَعَموا أنَّ الرِّفاعيَّ كان يَقولُ: (إذا كان لكم حاجةٌ ولم تَقدِروا أن تَصِلوا إلى «قَريةِ» أمِّ عُبَيدةَ فتَوجَّهوا نَحوَها للَّهِ تعالى ثَلاثَ خُطواتٍ، واسألوا حاجَتَكم) .
أوصافُ القريةِ الحرامِ ومزاياها عِندَهم:
وقد وصَفوا هذه القَريةَ بأنَّها:
1- كَعبةُ همومِ المُحَقِّقينَ، وحَرَمُ الأمانِ للطَّالبينَ، البَيتُ المُقَدَّسُ الأمينُ، مَهبِطُ الرَّحَماتِ، مَنبَعُ الفُتوحاتِ، نَمَطُ الجَفرِ العُلويِّ .
2- مَحَطُّ رِحالِ العِبادِ، ومنها يُنثَرُ الخَيرُ إلى سائِرِ البلادِ.
3- البُقعةُ المُقدَّسةُ، طورُ سَيناءَ قُلوبُ العارِفينَ .
الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والكَعبةُ يَزورانِ قَريةَأمِّ عُبَيدةَ:
إنَّ كُلَّ هذه الصِّفاتِ التي تَتَّصِفُ بها قَريةُ أمِّ عُبَيدةَ تَجعَلُها أفضَلَ منَ المَساجِدِ الثَّلاثةِ (المَسجِدِ الحَرامِ، والمَسجِدِ النَّبَويِّ، والمَسجِدِ الأقصى)، وأوَّلُها في ذلك مَكَّةُ. وكَيف لا تَكونُ أفضَلَ من مَكَّةَ وقد زَعَموا أنَّ الكَعبةَ رُئِيتَ وهي قادِمةٌ تَشُدُّ رِحالَها إلى قَريةِ أمِّ عُبَيدةَ مَعَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!
فلقد زَعَموا أنَّ أحَدَ الصُّوفيَّةِ رَأى في المَنامِ خيامًا عَظيمةً على الطَّريقِ فسَأل: لمَن هذه الخيامُ؟ فقالوا: هذه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَخَل إليه وسَلَّمَ عليه.
وقال: يا رَسولَ اللهِ، إلى أينَ هذه الرِّحلةُ المُبارَكةُ؟
فقال: إلى قَريةِ أمِّ عُبَيدةَ لزيارةِ أحمَدَ بنِ أبي الحَسَنِ الرِّفاعيِّ!
فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ: النَّاسُ لك يَزورونَ وإلى نَحوِك يَقصِدونَ!
فقال: يا حاجُّ، أنتَ حَجَجتَ وقَصَدتَ البَيتَ؟
فقُلتُ: نَعَم.
فقال: ارفَعْ رَأسَك فانظُرْ.
قال: فرَفعتُ رَأسي فنَظَرتُ إلى الكَعبةِ وهي سائِرةٌ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ها أنا والكَعبةُ زائِرونَ، زَورًا زُرْنا.


فقامَ الرَّجُلُ مِن نَومِه وهَبَّ يُنادي في النَّاسِ ويَحُثُّهم على المُبادَرةِ إلى المسيرِ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ حَيثُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والكَعبةُ زائِرونَ .
فهل يَتَوافقُ كُلُّ هذا مَعَ تَعاليمِ شَيخِهمُ الرِّفاعيِّ الذي كان يَقولُ لهم: (يا سادةُ: لا تَجعَلوا رُواقي حرَمًا، ولا قَبري بَعدَ مَوتي صَنَمًا، عليكم به سُبحانَه، لا يَضُرُّ ولا يَنفَعُ ويَصِلُ ويَقطَعُ ويُفرِّقُ ويَجمَعُ إلَّا اللهُ) ؟!


كراماتٌ أم خُرافاتٌ؟


إضافةً إلى ما تَقدَّمَ ذِكرُه عنِ الرِّفاعيَّةِ منَ الكَراماتِ المُدَّعاةِ التي تَجعَلُ للَّهِ تعالى شُرَكاءَ في التَّصَرُّفِ والقُدرةِ وحيازةِ كَلمةِ التَّكوينِ، ثَمَّةَ نَوعٌ آخَرُ منَ الكَراماتِ، وهي أقرَبُ إلى الخَيالِ منها إلى الواقِعِ.


فقد أورَدَ النَّبهانيُّ عن أحَدِ الأولياءِ أنَّه كان كَثيرَ التَّطَوُّرِ والتَّغَيُّرِ؛ فتارةً تَدخُلُ عليه فتَراه وَحشًا، وتارةً تَدخُلُ فتَجِدُه فِيلًا، وتارةً تَدخُلُ فتَجِدُه صَبيًّا صَغيرًا .
وذكَر عن وليٍّ آخَرَ أنَّه: كان إذا أرادَ دُخولَ البابِ فوجَدَه مُقفَلًا: يَدخُلُ من شُقوقِه التي تَعجِزُ النَّملةُ عن دُخولِها !
وقالوا: إنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ سَجَدَ مَرَّةً فبَقيَ ساجِدًا سَنةً كامِلةً لم يَرفعْ رَأسَه أبَدًا حتَّى نَبَتَ العُشبُ على ظَهرِه !
بل حَكى عنه أتباعُه أنَّه حَدَّثَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّ برَجُلٍ ساجِدٍ على صَخرةٍ مُنذُ ثَلاثمِائةِ سَنةٍ !
وذَكَروا أنَّ رَجَبًا الرِّفاعيَّ كان كثيرًا ما يَتَواجَدُ في حَلقةِ الذِّكرِ، فيقطُرُ من عَرَقِه العِطرُ النَّفيسُ الخالِصُ كما يَقطُرُ المَطَرُ !
وأنَّ منصورًا البطائِحيَّ كان إذا فتَحَ فمَه يَخرُجُ منه عَمودٌ من نورٍ يَخرِقُ السَّمَواتِ السَّبعَ !


ومنَ الكَراماتِ التي ذَكَروها لأبي الفتحِ الواسِطيِّ المَذكورةِ أنَّه كان هناكَ خَطيبٌ لجامِعٍ يُنكِرُ على الواسِطيِّ أشَدَّ الإنكارِ، وكان هذا الخَطيبُ على منبَرِه، فتَذكَّر أنَّه جُنُبٌ، فمَدَّ له الشَّيخُ أبو الفتحِ كُمَّه فوجَدَه (زُقاقًا) -أي وجَدَ في كُمِّه شارِعًا ضَيِّقًا- فرَأى فيه ماءً ومُطهُرةً، فاغتَسَل وخَرَجَ وعادَ على منبَرِه يَخطُبُ، فلمَّا سَتَرَه الشَّيخُ الواسِطيُّ هذه السُّترةَ اعتَقدَه وصارَ من أجَلِّ أصحابِه !


وبَقيَ عُثمانُ بنُمروزةَ البطائِحيُّ الرِّفاعيُّ شاخِصًا بَصَرَه إلى السَّماءِ سَبعَ سَنَواتٍ دونَ طَعامٍ ولا شَرابٍ. ثمَّ ما لبثَ أن (عادَ إلى بَشَريَّتِه) فقيل له: اذهَبْ إلى قَريَتِك وجامِعْ أهلَك فقد آنَ ظُهورُ ولدٍ منك. فلمَّا أرادَ مُجامَعةَ أهلِه صَعِدَ السَّطحَ ونادى في أهلِ القَريةِ: يا أهلَ القَريةِ، أنا فُلانٌ، اركَبوا فإنِّي سَأركَبُ، فبلَّغَهمُ اللهُ صَوتَه وأفهَمَهم مَعناه، فمَن وافقَه تلك اللَّيلةَ رُزِق ولدًا صالحًا !


وكان عَقيلٌ المنبجيُّ -من كِبارِ أصحابِ الرِّفاعيِّ- يَقولُ: (أعطاني اللهُ الكَلمةَ النَّافِذةَ في كُلِّ شَيءٍ. ثمَّ قامَ وقال: يا هَوامُّ يا حِجارةُ يا شَجَرُ صَدِّقوني. فوفدَتِ الوُحوشُ منَ الجَبلِ، ومَلأ زَئيرُها وصُراخُها البِقاعَ ودارَت حَولَه ورَقَصَتِ الحِجارةُ. فهذه صاعِدةٌ، وهذه نازِلةٌ، واشتَبَكَتِ الأغصانُ ببَعضِها) .


ودَخلُ عُمَرُ الحَريريُّ -شَيخُ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ بحَماةَ- إلى حُجرَتِه الكَبيرةِ مَعَ صَديقِه عَبدِ اللَّهِ أفندي الحَلبيِّ، وإذ به يَملأُ الحُجرةَ بَعدَ أن كَبُرَ حَجمُه أضعافًا عَمَّا كان عليه في خِلالِ لحَظاتٍ، فارتَعَدَ السَّيِّدُ عَبدُ اللَّهِ، فطَمأنَه الشَّيخُ عُمَرُ، وأخبَرَه أنَّ ما حَصَل له إنَّما كان من فرحَتِه بحُضورٍ روحانيَّةِ المُصطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الحُجرةِ !
وقال أحمَدُ الصَّيَّادُ الرِّفاعيُّ: (كُنَّا كُلَّما مَرَرْنا على نَهرِ ماءٍ استَقبلتِ السَّمَكُ الشَّيخَ أحمَدَ منَ النَّهرِ إلى الشَّاطِئِ وازدَحَمَت على قدَمَيه، وكذلك الدَّوابُّ والغِزلانُ في البَرِّ تَقِفُ على حافَتَيِ الطَّريقِ وتَزدَحِمُ على شَمِّ قدَمَيه الشَّريفتَينِ) .


ووقَعَ بَينَ بَهاءِ الدِّينِ الرَّوَّاسِ وإحدى الأشجارِ مُساجَلةٌ كَلاميَّةٌ حينَ كان مَعَ قافِلةٍ إذ تَوقَّفت فطَلب الشَّيخُ من أحَدِ رُكَّابِ القافِلةِ أن يَسمَحَ له بأن يَستَظِلَّ تَحتَ خَيمَتِه فأبى الرَّجُلُ. وإذا بشَجَرةٍ تُنادي الشَّيخَ وتُخاطِبُه مُشافهةً وبصَوتٍ، تَقولُ له: ما أقَلَّ حَظَّ صاحِبِ هذه الخَيمةِ، ما أبعَدَه عن رَبِّه! باللهِ عَليك يا وليَّ اللهِ تَعالَ شرِّفْني باستظلالِك عندي .


وحَكى أبو الهُدى الصَّيَّاديُّ أنَّ رَجُلًا حَضَر عِندَ الرِّفاعيِّ فقال له: (يا سَيِّدي، أنتَ تُعطي النَّاسَ يَدَك يُقَبِّلونَها، فقال: ما يُقَبِّلونَ يَدي وإنَّما يُقَبِّلونَ اسمَ اللهِ العَظيمِ. ثمَّ مَدَّ الرِّفاعيُّ أصابعَه وقال: انظُرْ إلى أصابعي؛ فإنَّها اسمُ اللهِ تعالى، ففرَّقَ أصابعَه وأقامَ الخِنصرَ في مَقامِ الألفِ والبِنصرَ والوُسطى في مَقامِ اللَّامَينِ وضَمَّ الإبهامَ بالسَّبَّابةِ حتَّى صارَ بشَكلِ الهاءِ منِ اسمِ اللهِ تعالى، فتعجَّب الرَّجُلُ) .


تلك صُوَرٌ ونَماذِجُ لجَوانِبَ مُتَعَدِّدةٍ من غُلوِّ الرِّفاعيَّةِ في شَأنِ مَشايِخِهم، وهم مَعَ ذلك الغُلوِّ الشَّنيعِ يَزعُمونَ أنَّ طَريقَتَهم قائِمةٌ على اتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ! وتلك دَعوى تُخالِفُ حَقيقةَ ما هم عليه من غُلوٍّ شَديدٍ إلى دَرَجةِ اعتِقادِهم أنَّ البَرَكةَ تَحصُلُ بمُجَرَّدِ ذِكرِ أسماءِ مَشايِخِهم؛ ولذلك أمَروا أتباعَهم عِندَ ذِكرِ أسمائِهم أن يَمسَحوا بأيديهم على وُجوهِهم. ورَووا عنِ الرِّفاعيِّ أنَّ الشَّيخَ مَنصورًا كان يَأخُذُ التَّوبةَ على النَّاسِ حتَّى الطِّفلِ الذي في المَهدِ وحتَّى الأجِنَّةِ في البُطونِ ، ثمَّ قال: (إذا ذَكَرتُمُ الشَّيخَ مَنصورًا فأمِرُّوا أيديَكم على وُجوهِكم يُنَوِّرُها اللَّهُ تعالى ببَرَكَتِه) .


ونُقِل عن أحَدِ مَشايِخِ الرِّفاعيَّةِ أنَّه رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ، وكُلَّما ذُكِرَ أمامَه أبو الوفا قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، ما أقولُ فيمَن أباهي الأمَمَ به يَومَ القيامةِ؟! قال الوَتريُّ: (ولذلك كان مَشايِخُ الرِّفاعيَّةِ إذا ذَكَروا أبا الوفا يُسَمُّونَ اللهَ تعالى ثمَّ يَأتونَ بذِكرِه). وكانوا يَقولونَ: (عَجِبْنا لمَن يَذكُرُ اسمَ السَّيِّدِ أبي الوفا ولم يُسَمِّ اللَّهَ ويَمَسَّ بيَدِه على وَجهِه، كَيف لم يَسقُطْ لحمُ وَجهِه لهَيبَتِه؟!) .


ولم يُخالِفوا فقَطِ الكِتابَ والسُّنَّةَ بل خالفوا أيضًا منهجَ شَيخِهمُ الذي يَزعُمونَ اتِّباعَه؛ فقد كان الرِّفاعيُّ يَنهى عنِ الظُّهورِ بالكَرامةِ والفرَحِ بها قائِلًا: (يا أخي، أخافُ عَليك منَ الفرَحِ بالكَرامةِ وإظهارِها، فلا تَرغَبْ للكَراماتِ وخَوارِقِ العاداتِ؛ فإنَّ الأولياءَ يَستَتِرونَ منَ الكَرامةِ كما تَستَتِرُ المَرأةُ من دَمِ الحَيضِ) .


وقال أيضًا: (مَن أظهَر كرامةً فهو مُدَّعٍ) .


أمَّا صُلحاءُ أصحابِه فمنهم شَمسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الذي كان يَقولُ: (إظهارُ الكَراماتِ مَرَضٌ، وإخفاؤُها سِرٌّ، وما يَنبَغي أن تَظهَرَ الأسرارُ)، ومنهم سِبطُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ: (صَدرُ الدِّينِ عَليٌّ) الذي كان يَقولُ: (إظهارُ الكَراماتِ مَرَضٌ، وكَتمُها سِرٌّ) .


وقد حَمَل عليهمُ ابنُ تيميَّةَ فيما يَفعَلونَه من تَفتيلِ الشَّعرِ وحَملِ الحَيَّاتِ، وقال بأنَّ هذا لم يَكُنْ من شِعارِ الصَّالحينَ ولا منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، ولا شُيوخِ المُسلمينَ، ولا الشَّيخِ أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ ولا غَيرِه، وإنَّما ابتَدَعَت ذلك بَعدَ مَوتِه بمُدَّةٍ طَويلةٍ طائِفةٌ مِمَّنِ انتَسَبوا إليه، مُخالفينَ بذلك طَريقَ المُسلمينَ .


وكذلك حَمَل عليهمُ الألوسيُّ الذي قال: (أعظَمُ النَّاسِ بلاءً في هذا العَصرِ على الدِّينِ والدَّولةِ: مُبتَدِعةُ الرِّفاعيَّةِ، فلا تَجِدُ بدعةً إلَّا ومنهم مَصدَرُها وعنهم مَورِدُها ومَأخَذُها، فذِكْرُهم عِبارةٌ عن رَقصٍ وغِناءٍ والتِجاءٍ إلى غَيرِ اللهِ وعِبادةِ مَشايِخِهم. وأعمالُهم عِبارةٌ عن مَسكِ الحَيَّاتِ) .


ويَظهَرُ أنَّ إنكارَ أهلِ العِلمِ على الرِّفاعيَّةِ في ذلك الزَّمَنِ قدِ اشتَدَّ حتَّى أصدَروا فتوى بأنَّ: أخذَ الحَيَّاتِ، وشُربَ السُّمِّ، والضَّربَ بآلاتِ السِّلاحِ مِثلِ السَّيفِ والخِنجَرِ والسِّكِّينِ: منَ الكُفرِ، وفاعِلُ ذلك يَكفُرُ .


ولقد ضاقَ الصَّيَّاديُّ صَدرًا بهذه الفتوى مُعتَبرًا ذلك من جُملةِ الحَسَدِ على هذه الطَّريقةِ، وشَنَّعَ عليهم في رِسالتِه المُسَمَّاةِ (الغارةَ الإلهيَّةَ) واصِفًا إيَّاهم بالحَسَدةِ أصحابِ التَّعَصُّبِ الواهي . غيرَ أنَّه هو الآخَرُ استَنكَرَ ما يَفعَلُه الرِّفاعيَّةُ من هذه الخَوارِقِ التي يَدَّعونَ أنَّها كَراماتٌ، فقال: (إنِّي رَأيتُ كَثيرًا مِمَّن تصَدَّر لمَشيَخةِ هذه الطَّريقةِ العَليَّةِ الرِّفاعيَّةِ لا يَعرِفونَ أصولَها ولا فُروعَها ولا خَلواتِها ولا أورادَها... غايةُ ما عَرَفوا في هذه الطَّريقةِ اللَّعِبَ بالنَّارِ والدَّبُّوسِ والحَيَّاتِ وغَيرِها، وادَّعَوا أنَّ هذه البَراهينَ كَراماتٌ لهم، حاشا) .


فالعَجَبُ أن تَحصُلَ الخَوارِقُ لهؤلاء الذينَ تَصَدَّروا مَشيَخةَ الطَّريقةِ مَعَ أنَّهم لم يَعرِفوا أصولَ الطَّريقةِ ولا فُروعَها! فلم يَعُدْ من تَفسيرٍ لهذه الظَّاهرةِ إلَّا أن تَكونَ خُدعةً من خُدَعِ شَياطينِ الجِنِّ.


إنَّ احتِمالَ أن تَكونَ هذه الخَوارِقُ خُدعةً شَيطانيَّةً قَريبٌ جِدًّا وغَيرُ مُستَبعَدٍ، لا سيَّما أنَّها تَحصُلُ لهم عِندَ الاستِعانةِ بالرِّفاعيِّ ونِدائِه. والرِّفاعيَّةُ يَعتَرِفونَ بأنَّ خوارِقَهم لا تَحصُلُ إلَّا عِندَ ذِكرِ اسمِ الرِّفاعيِّ وطَلَبِ المَدَدِ منه. وهذه هي مادَّةُ الشِّركِ التي بها تَحصُلُ الخَوارِقُ بواسِطةِ الشَّياطينِ. هذه المادَّةُ التي بها يَفعَلُ الوثَنيُّونَ منَ البوذيِّينَ والهُندوسِ خَوارِقَ مُماثِلةً لخَوارِقِ الرِّفاعيَّةِ.


فالاعترافُ الأوَّلُ: منَ الصَّيَّاديِّ نَفسِه الذي أنشَدَ يُثني على الرِّفاعيِّ ويَقولُ:
يُذِلُّ الأفاعي حينَ يَذكُرُ اسمَه
وتَخضَعُ أُسدُ الغابِ وهي كَواشِرُ
يَمُدُّ ويَحمي المُلتَجي لطـريقِه
سَواءٌ بها بَرٌّ ومَن هو فاجِرُ .


وبهذا الاعتِرافِ يَسقُطُ ما قاله الصَّيَّاديُّ من أنَّ دُخولَ الرِّفاعيَّةِ النَّارَ مَسبوقٌ بمُعجِزةِ إبراهيمَ الخَليلِ عليه السَّلامُ، وأنَّ السُّقوطَ من أعلى إلى أسفَلَ مَسبوقٌ بإسقاطِه عليه السَّلامُ بالمَنجَنيقِ، وأنَّ أخذَ الحَيَّاتِ مَسبوقٌ بمُعجِزةِ موسى عليه السَّلامُ.


فإنَّ مُعجِزةَ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان سَبَبَها التَّوحيدُ ومُحارَبةُ الوثَنيَّةِ بَينَ قَومِه.


أمَّا الرِّفاعيَّةُ فلا تُمنَحُ الخَوارِقُ لهم إلَّا عِندَ ذِكرِ اسمِ الرِّفاعيِّ والاستِغاثةِ به.


وأمَّا اللَّعِبُ بالحَيَّاتِ فلم يَكُنْ من عَمَلِ موسى عليه السَّلامُ، وإنَّما كان مِن عَمَلِ سَحَرةِ فِرعَونَ، وإنَّما ألقى موسى عليه السَّلامُ العَصا فانقَلبَت حَيَّةً، وكانت مُعجِزَتُه تَحَدِّيًا لهم.


ثمَّ إنَّ الشَّبَهَ إنَّما هو حاصِلٌ في الحَقيقةِ بَينَ الرِّفاعيَّةِ وبَينَ سَحَرةِ فِرعَونَ وليس بَينَهم وبَينَ موسى؛ فإنَّ الرِّفاعيَّةَ يَقولونَ: (بعِزَّةِ الرِّفاعيِّ) عِندَ فِعلِ الخَوارِقِ، وكان سَحَرةُ فِرعَونَ يَقولونَ: (بعِزَّةِ فِرعَونَ) فكِلَا الفريقَينِ يَعتَزُّونَ بغَيرِ اللهِ، فمِن أينَ وقَعَ الشَّبَهُ بَينَهم وبَينَ موسى عليه السَّلامُ؟!


والاعترافُ الثَّاني: من أحَدِ الذينَ كانوا من كِبارِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ في هذا العَصرِ، واسمُه (مُصطَفى السَّعدَني) وقد بَقيَ في هذه الطَّريقةِ زمنًا طويلًا إلى أن نال فيها مَرتَبةَ (الشَّاويشيَّةِ) ثمَّ رَجَعَ عنها. وأخبَرَ أنَّهم كانوا يَستَغيثونَ بالرِّفاعيِّ ويَطلُبونَ منه أن يُذَلِّل لهمُ الثَّعابينَ، فيَتَمَكَّنونَ من تَذليلِها، وكانوا يُنادونَ باسمِه ويَغرِسونَ الدَّبابيسَ في وُجوهِهم، والصِّيغةُ التي كانوا يَقولونَها على النَّحوِ التَّالي:


نادِ على الأربَعةِ يَلي انتَ لهم مُحتاج
أربَعُ سَلاطينَ أمارى لابسينَ التَّاج
أحمَد ويا أحمَد نظـرة يا أبا فرَّاج
دُسوقي وجِيلاني نَظرة يا ساكِن بَغداد
أنا لاموني العَوازِل لقَولِ سِرِّ الكِرامِ راحَ فين
أنا لهجم على الدَّبُّوسِ وقَول مَدَدين
مَدَد يا أبا العَلَمين


قال: ثمَّ نَغرِسُ الدَّبُّوسَ بهذا الدُّعاءِ الشِّركيِّ، الذي به كُنَّا نُمسِكُ الثَّعابينَ ونُخرِجُها منَ الشُّقوقِ أمامَ النَّاسِ في القُرى.


وقد أخبَرَ أنَّ أهَمَّ ما جَعَله يُعيدُ النَّظَرَ في انتِمائِه إلى الرِّفاعيَّةِ هو قِصَّةُ ذَوبانِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ وتَحَوُّلِه إلى ماءٍ كُلَّما ذكرَ رَبَّه، وما تَتَضَمَّنُه هذه القِصَّةُ من خُرافةٍ لا يُمكِنُ للعَقلِ استِساغَتُها .


وهنا يَنجَلي الأمرُ وتَنكَشِفُ حَقيقَتُه؛ فإنَّ الشَّياطينَ وراءَ هذه الخَوارِقِ يَسوقونَ النَّاسَ بها إلى الشِّركِ باللهِ واعتِقادِ حَلِّ المُشكِلاتِ وكَشفِ الكُرُباتِ والإتيانِ بالمُعجِزاتِ بواسِطةِ الرِّفاعيِّ والبَسمَلةِ به لا باللهِ.


وهذا هو السِّرُّ في اعتِرافِ صالحٍ الرِّفاعيِّ أحَدِ كِبارِ الرِّفاعيَّةِ أمامَ ابنِ تيميَّةَ وأمامَ أميرِ البلادِ بأنَّ: (أحوالَنا ما تَنفُذُ قُدَّامَ أهلِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وإنَّما تَنفُذُ قُدَّامَ مَن لا يَكونُ كذلك منَ الأعرابِ والتُّركِ والعامَّةِ وغَيرِهم) !


فذَكَرَ ابنُ كَثيرٍ أنَّه قال: (نَحنُ أحوالُنا إنَّما تَتَّفِقُ عِندَ التَّتارِ ليست تَتَّفِقُ عِندَ الشَّرعِ). قال ابنُ كَثيرٍ: (فضَبَطَ الحاضِرونَ عليه تلك الكَلِمةَ) .


وذلك لأنَّ أهلَ الشَّرعِ والسُّنَّةِ تُؤَيِّدُهمُ المَلائِكةُ، فتَنكِصُ الشَّياطينُ حينَئِذٍ على أعقابِها كما نَكَصَت يَومَ الزِّينةِ يَومَ حُشرَ النَّاسُ ضُحًى، وانكَشَف للنَّاسِ السِّحرُ وبَطَل عَمَلُه وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طَه: 69] .


وقد بَيَّنَ ابنُ تيميَّةَ الكَيفيَّةَ التي تَحصُلُ بها تلك الخَوارِقُ، فقال: (... هؤلاء الذينَ يَدخُلونَ النَّارَ مَعَ خُروجِهم عنِ الشَّريعةِ هم من هذا النَّمَطِ؛ فإنَّ الشَّياطينَ تُلابسُ أحَدَهم بحَيثُ يَسقُطُ إحساسُ بَدَنِه، حتَّى إنَّ المَصروعَ يُضرَبُ ضربًا عظيمًا وهو لا يُحِسُّ بذلك ولا يُؤَثِّرُ في جِلدِه. فكذلك هؤلاء تَلبَسُهمُ الشَّياطينُ وتَدخُلُ بهمُ النَّارَ وقد تَطيرُ بهم في الهَواءِ. وإنَّما يَلبَسُ أحَدَهمُ الشَّيطانُ مَعَ تَغَيُّبِ عَقلِه كما يَلبَسُ الشَّيطانُ المَصروعَ... ومنهم مَن يَصعَدُ في الهَواءِ ويَقِفُ على زُجِّ الرُّمحِ، ويَدخُلُ النَّارَ، ويَأخُذُ الحَديدَ المُحمى بالنَّارِ ثمَّ يَضَعُه على بَدَنِه، وأنواعٍ من هذا الجِنسِ، ولا تَحصُلُ له هذه الحالُ عِندَ الصَّلاةِ ولا عِندَ الذِّكْرِ ولا عِندَ قِراءةِ القُرآنِ؛ لأن هذه عِباداتٌ شَرعيَّةٌ إيمانيَّةٌ إسلاميَّةٌ نَبَويَّةٌ مُحَمَّديَّةٌ تَطرُدُ الشَّياطينَ، وتلك عِباداتٌ شِركيَّةٌ شَيطانيَّةٌ فلسَفيَّةٌ تَستَجلبُ الشَّياطينَ... عِندَهم أحوالٌ شَيطانيَّةٌ تَعتَريهم عِندَ السَّماعِ الشَّيطانيِّ، فتَنزِلُ الشَّياطينُ عليهم كما تَدخُلُ في المَصروعِ، ويُزبِدُ أحَدُهم كما يُزبِدُ المَصروعُ، وحينَئِذٍ يُباشِرُ النَّارَ والحَيَّاتِ والعَقارِبَ، ويَكونُ الشَّيطانُ هو الذي يَفعَلُ ذلك) .

-------------------------

(1) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 2)/ 158).
(2) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 124، 125)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 85 ).
(3) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 147،148)، ((طبقات الشعراني)) 1)/ 143).
(4) يُنظر: ((الحكم المهدوية الملتقطة من درر الإمدادات النبوية)) للرواس (ص: 101)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 143، 144).
(5) يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 9)، ((لطائف المنن)) لعطاء الله (ص: 491)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 42، 147) ((التاريخ الأوحد)) (ص: 107)، كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(6) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 92).
(7) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 102).
(8) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 337). ويُنظر: ((الأخلاق في التحدث بنعمة الله على الإطلاق)) للشعراني (ص: 485)، ((نشر المحاسن الغالية)) للنبهاني (ص: 238).
(9) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 80).
(10) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 97)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: (86، ((تنوير الأبصار)) (ص: 34)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 333- 334)، ((التاريخ الأوحد)) كلها لأبي الهدى الصيادي (ص: (63، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 237).
(11) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 13، (14، ويُنظر فيه أيضًا: (ص: 17).
(12) لعَلَّه أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ شَهرَيارَ الكازرونيِّ نِسبةً إلى كازرونَ، وهي مَدينةٌ إيرانيَّةٌ، وقد قال عنه ابنُ بطَّوطةَ: (هذا الشَّيخُ أبو إسحاقَ مُعظَّمٌ عِندَ أهلِ الهندِ والصِّينِ، ومن عادةِ رُكَّابِ بَحرِ الصِّينِ أنَّهم إذا تَغَيَّرَ عليهمُ الهَواءُ وخافوا اللُّصوصَ نَذَروا لأبي إسحاقَ نُذورًا، أو كَتَبَ كُلٌّ منهم على نَفسِه ما نَذَرَه، فإذا وصَلوا بَرَّ السَّلامةِ صَعِدَ خُدَّامُ الزَّاويةِ إلى المركَبِ وأخَذوا الزِّمامَ، وقَبَضوا من كُلّ ناذِرٍ نَذرَه، وما من مركبٍ يَأتي منَ الصِّينِ أوِ الهندِ إلَّا وفيه آلافٌ منَ الدَّنانيرِ، فيَأتي الوُكَلاءُ من جِهةِ خادِمِ الزَّاويةِ، فيَقبضونَ ذلك). ((رحلة ابن بطوطة)) (2/ 53).
(13) يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 117).
(14) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 85،86)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 73، (145، ((المعارف المحمدية)) (ص: 47، 48) كلاهمالأبي الهدى الصيادي.
(15) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 116)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 96، 97)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 102).
(16) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 73).
(17) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 124، (125، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 134).
(18) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 112)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 72)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 102)كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(19) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 143).
(20) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 26).
(21) يُنظر: ((سر الحال)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 145).
(22) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 91). ويُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 58، 59).
(23) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) (2/ 151).
(24) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 103، 335)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: (65كلاهما لأبي الهدى الصيادي، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 32).
(25) يُنظر: ((طبقات الأولياء)) للشعراني 1) / 143).
(26) يُنظر: ((سر الحال)) (ص: 140، 141) (ضمن مجموعة أشرف الوسائل) للصيادي.
(27) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 27)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 2)/ 268).
(28) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 26،27).
(29) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 193).
(30) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: (20، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 199، 181، 182). ويُنسَبُ مثلُ هذا إلى مشايخَ آخرينَ غيرِ الرِّفاعيَّةِ. يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/(163، ((طبقات الأولياء)) للشعراني 2)/104).
(31) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 94).
(32) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 103، 104). ويُنظر: ((طبقات الأولياء)) لابن الملقن (ص: 98).
(33) ((التاريخ الأوحد)) (ص: 71). ويُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 110)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 99).
(34) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 337)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 36)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 67) جميعها لأبي الهدى الصيادي، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 238).
(35) أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (907) مطولًا من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما.
(36) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/153).
(37) يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 45، (46. ويُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 36)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 335)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 1)/(237 و (2/268).
(38) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 109)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 67)، ((خزانة الأمداد)) (ص: (97 كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(39) قال ابنُ تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (18/381): ليس له إسنادٌ عندَ أهلِ العِلمِ، وقال ابنُ القَيِّمِ في ((المنار المنيف)) (107): موضوعٌ، وقال ابنُ كثير في ((التفسير)) (8/198): لا أصلَ له، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (315): كَذِبٌ لا أصلَ له.
(40) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 100)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 92)، ((التاريخ الأوحد)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 68).
(41) أخرجه البخاري (4351)، ومسلم (1064) واللفظ له، من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه.
(42) أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9) مطولًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
(43) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 167)، ((الفجر المنير)) (ص: 51) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(44) وفي ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59) و((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: (143أنه قال لمن أنكر في قلبِه: (استغفِرِ اللهَ ممَّا خَطَر في قَلبِك).
(45) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 68)، ((لطائف المنن والأخلاق)) لابن عطاء الله (ص: 470، 471).
(46) بمعنى التَّشكُّلِ بالأشكالِ المختَلِفةِ.
(47) يُنظر: ((لطائف المنن والأخلاق)) (ص: 462، 463).
(48) يُنظر: ((لطائف المنن والأخلاق)) (ص: 50).
(49) ((خزانة الأمداد)) (ص: 171).
(50) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 97)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 333، 335)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 34)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 63، 65) كلها لأبي الهدى الصيادي، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 1)/ 237).
(51) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 124، 125).
(52) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 7).
(53) ((تنوير الأبصار)) (ص: 131).
(54) يُنظر: ((روض الرياحين)) لليافعي (ص: 437)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 297)، ((الكواكب الدرية)) للمناوي (ص: 212).
(55) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 99)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 89، 90)، ((قلادة الجواهر)) (ص: (336، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 65) كلاهما لأبي الهدى الصيادي،
(56) يُنظر: ((تنوير الأبصار)) (ص: 119)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 159) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(57) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 90).
(58) يُنظر: ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 15)، ((أبو العلمين القطب الكبير)) للمزيدي (ص: 17).
(59) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 25)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 268).
(60) ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 17-18).
(61) يُنظر: ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 15، 19)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 25)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 30).
(62) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 82).
(63) يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 229)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: (87، ((روض الرياحين)) لليافعي (ص: 60).
(64) ((قلادة الجواهر)) (ص: 70، 71). ويُنظر: ((روض الرياحين)) لليافعي (ص: 440، (441، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 296، 297)، ((الكواكب الدرية)) للمناوي (ص: 214).
(65) ((ديوان الفيض المدي)) (ص: 122، 123).
(66) ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 62).
(67) يُنظر: ((بغية المستفيد)) للسائح (ص: 216)، ((الدرة الخريدة)) للسوسي (1/ 80).
(68) ((رماح حزب الرحيم على حزب الرجيم)) للفوتي (1/ 182).
(69) يُنظر: ((إجابة الداعي في مناقب القطب الرفاعي)) للبرنزحي (ص: 9).
(70) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 143).
(71) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59).
(72) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 67)، ((إجابة الداعي)) للبرنزحي (ص: 14).
(73) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 81)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 2)/ 99).
(74) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 22)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 28).
(75) يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لدمشقية (ص: 18) وما بعدها.
(76) يُنظر: ((الكنز المطلسم)) (ص: 14، 18).
(77) يُنظر: ((المعارف المحمدية)) (ص: 74).
(78) يُنظر: ((ذخيرة المعاد)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 22).
(79) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 117).
(80) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 142).
(81) ((قلادة الجواهر)) (ص: 87، 129).
(82) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 43).
(83) يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 224).
(84) يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 87)، ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 229).
(85) ((المعارف المحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 40).
(86) ((قلادة الجواهر)) (ص: 435، 239)، ((المعارف المحمدية)) (ص: 40، 112)، ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 229)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 34)، ((العقود الجوهرية)) (ص: 46، 47) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(87) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 129، 165، 166)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 34) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(88) يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (221، 222). وهذا تصريحٌ آخَرُ من قبلِهم بالجَفرِ المكذوبِ. المنسوبِ إِلى عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه؛ ممَّا يؤكِّدُ مُيولَ هذه الطَّريقةِ إلى التشيُّعِ.
(89) يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 226).
(90) يُنظر: ((إرشاد المسلمين لطريقة شيخ المتقين)) للفاروثي (ص: 84)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59).
(91) يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 115). ويُنظر: ((البرهان المؤيد)) المنسوب للرفاعي (ص: 52).
(92) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) (1/ 404).
(93) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) (2/ 180).
(94) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 340)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 36) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(95) يُنظر: ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 107).
(96) يُنظر: ((تنوير الأبصار)) (ص: 119)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 159) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(97) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 44).
(98) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 405)، ((الطبقات)) للشعراني (1/202)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 285).
(99) يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ (142.
(100) يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 46)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 36).
(101) يُنظر: ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 118).
(102) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 102، 340)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 36) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(103) يُنظر: ((بوارق الحقائق)) (ص: 66).
(104) ((قلادة الجواهر)) (ص: 198).
(105) من الظَّواهِرِ المخالِفةِ للشَّرعِ عندَ الرِّفاعيَّةِ أنَّ توبةَ التَّائِبِ تتِمُّ عن طريقِ الشَّيخِ، فيذكرُ الصياديُّ دائمًا مجيءَ رجالٍ يأتون الرِّفاعيَّ ويقولون: (خُذْ علينا العَهدَ وتوِّبْنا). ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 57، 76، 87، 88، 89، 95). بينما التَّوبةُ في الإسلامِ لا واسطةَ فيها بينَ العَبدِ ورَبِّه. وإنَّما هذه الواسِطةُ شَبيهةٌ بواسِطةِ القِدِّيسِ عندَ النَّصارى الذي يذهَبون إليه ليعترفوا بخطاياهم، ويأخذون العَهدَ على يدَيه أن لا يعودوا إليها.
(106) يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 20)، ((الفجر المنير)) (ص: 75)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 181، 182) كلاهما لأبي الهدى الصيادي.
(107) ((روضة الناظرين)) (ص: 28).
(108) يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 106).
(109) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 347).
(110) يُنظر: ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 55).
(111) يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 494).
(112) ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (1/ 370).
(113) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 201، 203).
(114) يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 280).
(115) ((قلادة الجواهر)) (ص: 433).
(116) ((القواعد المرعية)) (ص: 33)، ((المعارف المحمدية)) (ص: 90)، ((تطبيق حكم الطريقة العلية)) (ص: 313) جميعها لأبي الهدى الصيادي.
(117) يقصدون بالأول: الرفاعي وبالثاني البدوي.
(118) يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لدمشقية (ص: 96- 105).
(119) يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/668).
(120) ((البداية والنهاية)) (14/ 36). ويُنظر نحوها عند ابن تيمية: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 455)، ((عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان)) للعيني (4/ 407).
(121) ((مجموع الفتاوى)) (11/574، 610).

موسوعة الفرق الدرر السنية الفرق الصوفية ...

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* الداعية الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟
* القومية العربية ...نشأتها وحقيقتها
* الإباضية ...
* صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم ... للشيخ العلامة ابن باز
* حكم مصافحة النساء ...

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2025, 03:10 PM   #3

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

الطَّريقةُ الرِّفاعيَّةُ والتَّشَيُّعُ

تَلتَقي الطَّريقةُ الرِّفاعيَّةُ مَعَ التَّشَيُّعِ في أمورٍ كَثيرةٍ، من أهَمِّها ما يَلي:


1- جَعلُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ في المَنزِلةِ بَعدَ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ مُباشَرةً:


بالرَّغمِ من أنَّ الرِّفاعيَّةَ يَنسُبونَ إمامَهم أحمَدَ الرِّفاعيَّ إلى أنَّه من أولادِ إبراهيمَ بنِ موسى الكاظِمِ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الباقِرِ بنِ زَينِ العابدينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه ، إلَّا أنَّ الغَريبَ حَقًّا أنَّهم يَجعَلونَ مَنزِلتَه بَعدَ مَنزِلةِ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ مُباشَرةً، وهذا لا شَكَّ مَبنيٌّ على قَولِ الإماميَّةِ في أنَّ الأئِمَّةَ الاثنَي عَشَرَ هم وُرَّاثُ الدِّينِ، وأنَّ إمامَتَهم بالنَّصِّ، وجَعْل أحمَدَ الرِّفاعيِّ آتيًا في المَنزِلةِ بَعدَ الإمامِ الثَّاني عَشَرَ الذي يَزعُمُ الشِّيعةُ أنَّه ابنُ سَنَتَينِ أو ثَلاثٍ أو خَمسٍ على خِلافٍ بَينَهم وأنَّه دَخَل السِّردابَ في سامَرَّاءَ سَنةَ 206هـ وأنَّه مَهديُّ آخِرِ الزَّمانِ، وأنَّه سَيَخرُجُ ليَملأَ الدُّنيا عَدلًا. لا شَكَّ أنَّ قَولَ الرِّفاعيَّةِ في أحمَدَ الرِّفاعيِّ اعتِرافٌ منهم بهذه العَقيدةِ التي يَعتَقِدُ أهلُ السُّنَّةِ أنَّها منَ المُفتَرَياتِ والمَكذوباتِ، وأنَّ الحَسَنَ العَسكَريَّ لم يُنجِبْ أحدًا، وأنَّ هذا المَهديَّ لا وُجودَ له.


يَقولُ الأستاذُ مُحَمَّد فهد الشَّقفة صاحِبُ كِتابِ (التَّصَوُّفُ بَينَ الحَقِّ والخَلقِ): (لدى تَصَفُّحي مَواضيعَ كِتابِ «بوارِقُ الحَقائِقِ» للرَّوَّاسِ، وجَدتُ نِقاطًا تَحتاجُ إلى بَيانٍ شافٍ -إن كان لها بَيانٌ شافٍ-... وقد عَلَّقتُعليه بمُلاحَظاتٍ). ثمَّ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ من هذه المُلاحَظاتِ ما يلي:


الملاحَظةُ الأولى: ذَكَر ناشِرُ هذا الكِتابِ ومُحَقِّقُه ناقلًا عن كِتابِ (رَوضةُ العِرفانِ) لمُؤَلِّفِه أبي الهدى الصَّيَّاديِّ: (الأئِمَّةُ الاثنا عَشَرَ رَضيَ اللهُ تعالى عنهم أئِمَّةُ آلِ بَيتِ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ، تَشمَلُ إمامَتُهم كثيرًا منَ المَعاني اختَلف فيها الفِرَقُ... وأشرَفُ المَذاهِبِ فيهم مَذهَبُ أهلِ الحَقِّ من رِجالِ اللهِ العارِفينَ؛ فإنَّهم يَقولونَ: إنَّ الأئِمَّةَ الاثنَي عَشَرَ هم أئِمَّةُ العِترةِ، فكُلُّ واحِدٍ منهم إمامٌ لآلٍ في زَمانِه، وصاحِبُ مَرتَبةِ الغَوثيَّةِ المُعَبَّرِ عنها بالقُطبيَّةِ الكُبرى، وهم:


1- سَيِّدُنا أميرُ المُؤمنينَ «عَليُّ بنُ أبي طالبٍ» كَرَّم اللهُ وَجهَه. 2- والإمامُ الجَليلُ ولدُه أبو مُحَمَّدٍ «الحَسَنُ». 3- والإمامُ الشَّهيدُ «الحُسَينُ». 4- والإمامُ زَينُ العابدينَ «عَليٌّ». 5- والإمامُ «مُحَمَّدٌ الباقِرُ». 6- والإمامُ «جَعفَرٌ الصَّادِقُ». 7- والإمامُ «موسى الكاظِمُ». 8- والإمامُ «عَليٌّ الرِّضا». 9- والإمامُ مُحَمَّدٌ «الجَوادُ». 10- والإمامُ«عَليٌّ الهادي». 11- والإمامُ «الحَسَنُ العَسكَريُّ». 12- والإمامُ «مُحَمَّدٌ المَهديُّ» المُنتَظَرُ الحُجَّةُ. رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا) .



الملاحَظةُ الثَّانيةُ: ذَكَرَ أيضًا عن (رَوضةِ العِرفانِ) بَعدَ ما تَقدَّم تَحتَ عُنوانِ (تُحفة): أنَّ بَعضَ الأجِلَّاء رَأى الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في المَنامِ وسَأله عنِ الإمامِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: هو ثالثَ عَشَرَ أئِمَّةِ الهدى من أهلِ بَيتي .


الملاحَظةُ الثَّالِثةُ: ذَكَر الرَّوَّاسُ أنَّ الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال له: (تَمَسَّكْ بولدي «أحمَدَ الرِّفاعيِّ» تَصِلْ إلى اللهِ؛ فهو سَيِّدُ أولياءِ أمَّتي بَعدَ أولياءِ القُرونِ الثَّلاثةِ، وأعظَمُهم مَنزِلةً، ولا يَجيءُ مِثلُه إلى يَومِ القيامةِ غَيرُ سَمِيِّك «المَهديِّ» ابنِ العَسكَريِّ) .


وهذه المُلاحَظاتُ التي أورَدَها مُحَمَّد فهد الشَّقفة نقلًا من كِتابِ (بوارِقُ الحَقائِقِ) للرَّوَّاسِ الرِّفاعيِّ لا تَحتاجُ إلى مَزيدِ شَرحٍ وإيضاحٍ أنَّ العَقيدةَ الرِّفاعيَّةَ تَأثَّرَت بالعَقيدةِ الشِّيعيَّةِ الإماميَّةِ حَولَ الأئِمَّةِ عمومًا والإمامِ الغائِبِ خُصوصًا. وإن كان الصَّيَّاديَّ قد زَعَمَ تارةً أنَّ أحمَدَ الرِّفاعيَّ يَأتي في المَنزِلةِ بَعد المَهديِّ الغائِب، وتارةً يَجعَلُه مساويًا له.


2- إسنادُ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ عنِ الإمامِ الغائِبِ مَهديِّ الشِّيعةِ المُنتَظَرِ:


جَعَل مُحَمَّدٌ الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ-الذي يُسَمُّونَه مُجَدِّدَ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ، والرِّفاعيَّ الثَّانيَ- أحَدَ أسانيدِه المَزعومةِ في الطَّريقةِ إلى المَهديِّ الغائِبِ مُنتَظَرَ الشِّيعةِ؛ حَيثُ قال: (لي أربَعةُ أسانيدَ في المُصافَحةِ؛ الأوَّل: عنِ ابنِ عَمِّي السَّيِّدِ إبراهيمَ الرِّفاعيِّ المُفتي وسَنَدُه في المُصافَحةِ سَنَدُه في الإجازةِ إلى الإمامِ الأكبَرِ سُلطانِ الأولياءِ مَولانا السَّيِّدِ أحمَدَ الكَبيرِ الرِّفاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو صافَحَ جَدَّه يَعني به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ مَدَّ اليَدَ، والقِصَّةُ أشهَرُ من أن تُذكَرَ. والثَّاني: عنِ ابنِ عَمِّي وشَيخي السَّيِّدِ عبدِ اللهِ الرَّاوي الرِّفاعيِّ، وسَنَدُه أيضًا سَنَدُ إجازَتِه، وهو يَتَّصِلُ بالإمامِ الكَبيرِ الرِّفاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه وعنَّا به، وهو قد صافحَ جَدَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. والثَّالثُ: عن حُجَّةِ اللهِ الإمامِ المَهديِّابنِ الإمامِ العَسكَريِّ رِضوانُ اللَّهِ وسَلامُه عليهما، في طَيبةَ الطَّيِّبةِ تُجاهَ المَرقَدِ الأشرَفِ المُصطَفَويِّ، وقال: صافحتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ودَعا لي بخَيرٍ. قال شَيخُنا رَضِيَ اللهُ عنه: ثمَّ دَعا لي الإمامُ المَهديُّ رِضوانُ اللَّهِ عليه بخَيرٍ. قال: والرَّابعُ: عنِ الخَضِرِ عليه السَّلامُ صافحتُه سبعًا وثَلاثينَ مَرَّةً، آخِرُ مَرَّةٍ منها في مَقامِ الشَّيخِ مَعروفٍ الكَرخيِّ رَضِيَ اللهُ عنه ببَغدادَ عَصرَ يَومِ جُمعةٍ، فقال: صافحتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال لي: صافحَت كَفِّي هذه سُرادِقاتِ عَرشِ رَبِّي عَزَّ وجَلَّ) !


وهذا اعتِرافٌ صَريحٌ بعَقيدةِ الشِّيعةِ في الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ، وبالإمامِ الغائِبِ المَزعومِ، فأيُّ صِلةٍ أكبَرُ من هذا بَينَ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ والتَّشَيُّع؟!


3- وَحدةُ الشِّعارِ بَينَ الرِّفاعيَّةِ والشِّيعةِ:


تَلتَقي الطَّريقةُ الرِّفاعيَّةُ أيضًا في شِعارٍ واحِدٍ مَعَ التَّشَيُّعِ، وهو السَّوادُ، ولُبسُ العِمامةِ السَّوداءِ.


قال مُحَمَّد مَهدي الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ المَعروفُ بالرَّوَّاسِ في كِتابِ (فَذلَكةُ الحَقيقةِ في أحكامِ الطَّريقةِ): (المادَّةُ التَّاسِعةَ عَشرةَ في المِائةِ الثَّالثةِ: لُبسُ العِمامةِ السَّوداءِ، ولُبسُ العِمامةِ البَيضاءِ وكِلاهما سُنَّةٌ من سُنَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولهذا كان زيُّ إمامِنا في طَريقَتِنا السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ -رَضِيَ اللهُ عنه وعنَّا به- العِمامةَ السَّوداءَ، فهي خِرقتُه المُبارَكةُ) .


فاختيارُ اللَّونِ الأسودِ ليَكونَ الخِرقةَ والشِّعارَ لا شَكَّ أنَّه تَوافُقٌ ظاهرٌ آخَرُ مَعَ الشِّيعةِ الذينَ جَعَلوا هذا اللَّونَ شعارًا لهم ولبَعضِ عَمائِمِهم.


4- الخَلوةُ الأُسبوعيَّةُ:


من شَعائِرِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ الخاصَّةِ الخَلوةُ الأسبوعيَّةُ في كُلِّ عامٍ، وابتِداءُ دُخولِها في اليَومِ الثَّاني من عاشوراءَ يَعني الحاديَ عَشَرَ من مُحرَّمٍ، وقد جَعَلوها شرطًا لكُلِّ مَنِ انتَسَبَ إلى هذه الطَّريقةِ، وطَعامُها خالٍ مَن كُلِّ ذي رُوحٍ .


ولا شَكَّ أنَّ هذا التَّوقيتَ السَّنَويَّ ليس اختيارُه عَبَثًا؛ لأنَّه يَأتي مُباشَرةً بَعدَ الشَّعائِرِ الخاصَّةِ للشِّيعةِ بعاشوراءَ.


5- مَشاهِدُ الأئِمَّةِ ومَقابِرُهم عِندَ الفريقَينِ:


يوجَدُ التَّوافُقُ الرِّفاعيُّ الشِّيعيُّ في شَدِّ الرِّحالِ إلى مَقابرِ الأئِمَّةِ؛ وأخذِ العُلومِ منهم، والالتِقاءِ بهم؛ حَيثُ يُؤمنونَ بأنَّهم يَخرُجونَ من قُبورِهم مَتى شاؤوا لقَضاءِ حَوائِجِ المُستَغيثينَ بهم!


وقد كان كِتابُ (بوارِقُ الحَقائِقِ) للمَهديِّ الرَّوَّاسِ الرِّفاعيِّ من أقرَبِ الكُتُبِ الرِّفاعيَّةِ الدَّاعيةِ إلى التَّشَيُّعِ؛ حَيثُ سطَّرَ فيه تَنَقُّلاتِه الكَثيرةَ بَينَ قُبورِ أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ، وذَكرَ أنَّهم كانوا يَخرُجونَ من قُبورِهم واحدًا واحدًا أمامَه، بل خَرَجَ له الأنبياءُ وأعطَوه عُلومَ الجَفرِ وغَيرَها!


وقد جاءَ فيه وصفُ قَبرِ أحمَدَ الصَّيَّادِ بأنَّه: زَيتونةٌ لا شَرقيَّةٌ ولا غَربيَّةٌ (بَتُوليَّةٌ فاطِميَّةٌ سِبطيَّةٌ مُحَمَّديَّةٌ عابِديَّةٌ باقِريَّةٌ جَعفَريَّةٌ كاظِميَّةٌ مُرتضَويَّةٌ أحمَديَّةٌ) .


وقد دَفَعَ الغُلوُّ بالصَّيَّاديِّ إلى أنِ ادَّعى على السَّلفِ الصَّالحِ أنَّهمُ اتَّخَذوا مَقابِرَ أهلِ البَيتِ والتَّوجُّهَ إليهم والتَّوسُّلَ بجاهِهم إلى اللهِ: ذَريعةً لقَضاءِ حَوائِجِهم! وأنَّ النَّاسَ قد جَرَّبوا في المَشرِقِ والمَغرِبِ مَقابِرَ أهلِ البَيتِ فوجَدوها بابًا لدَفعِ الأكدارِ، وسُلَّمًا لبُلوغِ الأوطارِ. ثمَّ أنشَأ يَقولُ:
جِئتُ بطَيبةَ والغُرى وكَرْبَلاء
والطُّوسِ والزَّوْرا وسامَرَّاء
ما زُرتُهم في حاجةٍ إلَّا انقَضَت
وتَبَدَّل الضَّرَّاءُ بالسَّرَّاءِ .


والشِّيعةُ كذلك يُقدِّسونَ قُبورَ أئِمَّتِهم، ويَجِدونَ عِندَها منَ الخُشوعِ والرِّقَّةِ ما لا يَجِدونَه في المَساجِدِ والصَّلواتِ. ويَعتَبرونَها بابًا لقَضاءِ الحاجاتِ وكَشفِ الكُرُباتِ؛ فإنَّهم يَزعُمونَ أنَّ أئِمَّتَهم قائِمونَ بمَصالحِ العِبادِ وهم في قُبورِهم !


ولا يُستَغرَبُ بَعدَ ذلك أن يُسَطَّرَ في تَرجَمةِ أبي الهدى الصَّيَّاديِّ الرِّفاعيِّ بَعدَ مَوتِه: (قامَ السَّيِّدُ أبو الهدى رَحِمَه اللهُ مُدَّةَ حَيَّاتِه الكَريمةِ بأعمالٍ جَليلةٍ نافِعةٍ، ومَآثِرَ حَميدةٍ طَيِّبةٍ، تبقى شافِعةً له عِندَ رَبِّه يَومَ اللِّقاءِ، وأعمالُه كانت مُنصَبَّةً على تَعميرِ الأضرِحةِ لآلِ البَيتِ الكِرامِ) .


6- مَراتِبُ الأولياءِ ومَراتِبُ الأئِمَّةِ:


تَقسيمُ الأئِمَّةِ إلى أقطابٍ وأبدالٍ وأوتادٍ وأنجابٍ وأغواثٍ؛ فإنَّه نَظيرُ تَقسيمِ الباطِنيَّةِ للأئِمَّةِ إلى النَّاطِقِ والتَّالي والأساسِ والسَّابقِ، ولكُلٍّ وظيفتُه في الكَونِ. ورُبَّما أخَذَ الصُّوفيَّةُ فِكرةَ النُّقَباءِ الاثنَي عَشَرَ منَ الشِّيعةِ الإسماعيليَّةِ، وكذلك فِكرةُ أنَّهم لا يَزيدونَ ولا يَنقُصونَ .


وكذلك يَتَوافقُ كُلٌّ منَ الفريقَينِ في استِخدامِ ألقابٍ مُخَصَّصةٍ للأئِمَّةِ، مِثلُ لَفظِ: (صاحِبِ الزَّمانِ).


قال الصَّيَّاديُّ: (ورَضِيَ اللهُ عن الإمامَينِ والسَّبعةِ الأقطابِ وعنِ الأبدالِ والأنجابِ والأوتادِ والأفرادِ القائِمينَ بمَصالحِ العِبادِ) .


ويَدعو الصَّيَّاديُّ اللَّهُ أن يُعطفَ عليه قَلبَ الأئِمَّةِ ليَنالَ منهم حاجَتَه، ويَدفعَ بهم كَربَه قائلًا: (ونَسألُه تعالى أن يُعطفَ عَلينا قَلبَ «صاحِبِ الزَّمانِ» وحاشيَتِه الكِرامِ الأعيانِ، جَعَلْناهم وسيلَتَنا إلى اللهِ، أخَذْناهم دِرعًا لرَدِّ كُلِّ بلاءٍ، ودَفعِ كُلِّ قَضاءٍ، قَبِلْناهم بابًا لنَيلِ كُلِّ خَيرٍ) .


وفي مَوضِعٍ آخَرَ يَطلُبُ منَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَأمُرَ صاحِبَ الزَّمانِ وآلَه أن يُساعِدوه في قَضاءِ حَوائِجِ دينِه ودُنياه !


7- تعظيمُ كِتابِ (الجَفرِ) الشِّيعيِّ:


يُؤمنُ الرِّفاعيَّةُ بكِتابِ (الجَفرِ) الذي تُعَظِّمُه الشِّيعةُ وتُقدِّسُه وتَزعُمُ أنَّه وِعاءٌ فيه عِلمُ النَّبيِّينَ والوصيِّينَ وعُلماءِ أمَّةِ بَني إسرائيلَ، فيه عِلمُ ما كان وما يَكونُ مُفصَّلًا (شَيئًا بشَيءٍ) إلى يَومِ القيامةِ .


والمَهديُّ الرَّوَّاسُ منَ الرِّفاعيَّةِ يُصَرِّحُ بأنَّ الجَفرَ عِلمٌ صانَه اللَّهُ تعالى بآلِ البَيتِ النَّبَويِّ وخَصَّ به الأئِمَّةَ ووُرَّاثَ الأئِمَّةِ منَ الأغواثِ والأقطابِ والأنجابِ، وفيه أسرارٌ عَظيمةٌ ممَّا يَتَعَلَّقُ بكُلِّ وارِثٍ منهم، وهو عِبارةٌ عَمَّا يُحدِثُه فيهم، كَخِلافةِ أميرِ المُؤمنينَ عَليٍّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وولَدِه الحَسَنِ السِّبطِ الهُمامِ، وشِبلِه المِقدامِ الحُسَينِ، وما سيَجري في عَهدِ المَهديِّ سَلامُ اللَّهِ عليه ورِضوانُه، وهو سِرٌّ خاصٌّ بهم لا يَتَعَلَّقُ بغَيرِهم .


وهنا يَبرُزُ خَطُّ التَّشَيُّعِ بوُضوحٍ؛ فإنَّ (الجَفرَ) ذَكَرَ إمامةَ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه ولم يَجعَلْها تاليةً لإمامةِ أبي بكرٍ وعُمَرَ. وإنَّما جَعَلَها أوَّلَ إمامةٍ بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن ثمَّ يَكونُ إقرارُ ذلك إقرارًا لمَذهَبِ الشِّيعةِ في الإمامةِ.


ولقد كان للرَّوَّاسِ نَصيبٌ من هذا الجَفرِ، فزَعَمَ أنَّه لمَّا اجتَمَعَ بقَبرِ أحمَدَ الصَّيَّادِ الرِّفاعيِّ قال له هذا الأخيرُ: (أنتَ مَنبَعٌ يَجري منه نَهرٌ كنَهرِ النِّيلِ. قُلتُ: دُلَّني سَلامُ اللَّهِ عَليك على هذا النَّهرِ الذي مَثَّلتَه بالنِّيلِ. فذَكَرَ أنَّ الصَّيَّادَ تكَرَّم عليه بإعطائِه بَعضَ كَلماتٍ من «الجَفرِ» العَلويِّ الفاطِميِّ، وحَلَّ له أسرارَها) .


وأنَّه حَصَل على تِسعِمِائةِ سِرٍّ من أسرارِ الجَفرِ الفاطِميِّ منَ الخَليلِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وذلك حينَ ظَهَرَ عليه أمامَ قَبرٍ من قُبورِ الأئِمَّةِ. وأعطاه خِرقةً عليها بَعضُ الطَّلاسِمِ والرُّموزِ السِّحريَّةِ.


قال الرَّوَّاسُ: (وقد صَرَّحَ أولياءُ اللهِ مَن آلِ فاطِمةَ عليها السَّلامُ أنَّ مَن حَمَل هذا السَّطرَ على هذه الصُّورةِ الشَّريفةِ عوفيَ مَريضُه وأفاق مصروعُه، وهو المانِعُ من كُلِّ مُلمٍّ، ودافِعٌ لكُلِّ مُهمٍّ) .


8- مَحَبَّةُ أهلِ البَيتِ واعتِقادُ تَكفيرها للذُّنوبِ:


من أوجُهِ التَّشابُهِ بَينَ الرِّفاعيَّةِ والشِّيعةِ اعتِقادُ كِلَا الفريقَينِ بَراءةَ مُحِبِّ أهلِ البَيتِ منَ النَّارِ:


فيَدَّعي الصَّيَّاديُّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَعرِفةُ آلِ مُحَمَّدٍ بَراءةٌ منَ النَّارِ، وحُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ جَوازٌ على الصِّراطِ، والوِلايةُ لآلِ مُحَمَّدٍ أمانٌ منَ العَذابِ)) .
وأنَّه قال: ((مَن ماتَ على حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ ماتَ شَهيدًا، ومَن ماتَ على حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ بَشَّره مَلَكُ المَوتِ بالجَنَّةِ، ومَن ماتَ على حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فُتِح له في قَبرِه بابانِ إلى الجَنَّةِ، ومَن ماتَ على حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ جَعَل اللهُ قَبرَه مزارًا لمَلائِكةِ الرَّحمةِ ) .


وأنَّه قال: ((الزَموا مَودَّتَنا أهلَ البَيتِ؛ فإنَّ مَن لقيَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ وهو يَودُّنا دَخل الجَنَّةَ بشَفاعَتِنا، والذي نَفسي بيَدِه لا يَنفعُ عبدًا عَمَلُه إلَّا بمَعرِفةِ حَقِّنا)) .
وأنَّه قال: ((أربَعةٌ أنا لهم شَفيعٌ يَومَ القيامةِ: المُكرِمُ لذَرِّيَّتي، القاضي لهم حَوائِجَهم، السَّاعي لهم في أمورِهم، المُحِبُّ لهم بقَلبِه ولِسانِه )


وفي المُقابِلِ نَرى الشِّيعةَ يَزعُمونَ أنَّ اللهَ تعالى قال: ((لا أُدخِلُ النَّارَ مَن عَرَف أبا طالبٍ وإن عَصاني، ولا أُدخِلُ الجَنَّةَ مَن أنكَرَه ولو أطاعني)) .
ويَدَّعونَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن رَزَقَه اللهُ حُبَّ الأئِمَّةِ من أهلِ بَيتي فقد أصابَ خَيرَ الدُّنيا والآخِرةِ، فلا يَشُكَّنَّ أحَدٌ أنَّه في الجَنَّةِ)) .


وحُبُّ أهلِ البَيتِ إيمانٌ وهو جُزءٌ لا يَتَجَزَّأ من مَحَبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لكِن لا يَنبَغي اعتِقادُ مَحَبَّتِهم على النَّحوِ الذي تَعتَقِدُه الشِّيعةُ والصُّوفيَّةُ، وهو ما تَعتَقِدُه النَّصارى في عيسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.


9- اعتِقادُ عِصمةِ أهلِ البَيتِ النَّبَويِّ:


أمَّا عِصمةُ أهلِ البَيتِ فالصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ صَرَّحَ بأنَّهم (المَعصومونَ المحفوظون) ، وفسَّر قولَ اللهِ تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] ، قال: (الرِّجسُ: الآثامُ والذُّنوبُ) .


وقال الصَّيَّاديُّ: (لا يَنبَغي لمُسلمٍ أن يَذُمَّهم بما يَقَعُ منهم أصلًا وإن ظَلموه؛ فإنَّ ذلك الظُّلمَ ظُلمٌ في زَعمِه لا في نَفسِ الأمرِ، حتَّى وإن حَكَمَ الشَّرعُ بأنَّه ظُلمٌ) .


وأضاف الصَّيَّاديُّ قائلًا: (بل حُكمُ ظُلمِهم إيَّانا في نَفسِ الأمرِ يُشبِهُ جَريَ المَقاديرِ عَلينا من غَرَقٍ أو حَرقٍ... فلا يَذُمُّ الإنسانُ قَضاءَ اللَّهِ وقدَرَه، فكذلك الأمرُ في أهلِ البَيتِ؛ فإنَّه يُقابِلُ ما يَطرَأُ عليه منهم بالرِّضا والتَّسليمِ، فلا يُؤاخِذُهم بما طَرَأ منهم في حَقِّه ولا يُطالبُهم به، بل يَترُكُه لهم تَركَ مَحَبَّةٍ وإيثارٍ) .


فعلى كَلامِ الصَّيَّاديِّ يَجِبُ على المُسلمِ إذًا ألَّا يَرى لنَفسِه مَعَ أهلِ البَيتِ حَقًّا، وعليه أن يَتَنازَلَ عن حَقِّه لهم!


أمَّا إذا كان قاضيًا بَين واحِدٍ من أهلِ البَيتِ وآخَرَ من عامَّةِ النَّاسِ فيَأمُرُ الصَّيَّاديُّ بالتَّالي: (عَليك أن تَسعى في استِنزالِ صاحِبِ الحَقِّ من حَقِّه إذا كان المَحكومُ عليه من أهلِ البَيتِ) !


فهو يُسَوِّغُ لهمُ الظُّلمَ ويَحُثُّ الآخَرينَ أن يَطيبوا نَفسًا بهذا الظُّلمِ ويَرضَوا به كرِضاهم بقَضاءِ اللهِ وقدَرِه، وإلَّا كانوا مُتَطاوِلينَ عليهم إن طالبوا بحَقِّهم منهم، ويَدعو الحُكَّامَ والقُضاةَ أن يَميلوا عنِ الحَقِّ إلى جانِبِ الأئِمَّةِ ولو كانوا ظالمينَ!


وبالمُقارَنةِ بَينَ هذه الآدابِ مَعَ الأئِمَّةِ وبَينَ الآدابِ التي افتَرَضَتها الباطِنيَّةُ مَعَ الأئِمَّةِ لا يوجَدُ فرقٌ إلَّا بالعِبارةِ، وفي إحدى رَسائِلِ الإسماعيليَّةِ للدَّاعي الإسماعيليِّ الباطِنيِّ القاضي النُّعمانِ بنِ مُحَمَّدٍ المَغرِبيِّ، وهي بعُنوانِ (كِتابُ الهمَّةِ في آدابِ اتِّباعِ الأئِمَّةِ) ذكرَ فيها آدابَ المُريدِ مَعَ إمامِه على نَحوٍ مُماثِلٍ لِما يَدعو الصُّوفيَّةُ إليه.


وأخيرًا فالصَّيَّاديُّ يوجِبُ على كُلِّ مُسلمٍ احتِرامَ مَنِ انتَسَبَ إلى أهلِ البَيتِ من غَيرِ أن يُطالِبوه بإثباتِ صِحَّةِ هذا النَّسَبِ، فقال: (وليُعلَمْ أنَّه يَنبَغي احتِرامُ وتَعظيمُ كُلِّ مَن يَنتَسِبُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدونِ تَكليفِه إلى إثباتِ نِسبَتِه إليه) .


10- اعتِقادُ أنَّ أبا طالبٍ وأبَوَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجَنَّةِ:


مَوقِفُ الرِّفاعيَّةِ من أبي طالبٍ وأبَويِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم موافِقٌ لمَذهَبِ الشِّيعةِ. وللصَّيَّاديِّ رِسالةٌ سَمَّاها: (السَّهم الصَّائِب لكَبِدِ مَن آذى أبا طالِب) ورِسالةُ (الكَنز المُطَلسَم) ذَكَرَ فيهما أنَّ أهلَ البَيتِ كُلَّهم مُطَهَّرونَ وأنَّهم كُلَّهم في الجَنَّةِ. وأيَّدَ رَأيَ السُّيوطيِّ الذي نَصَّ على إيمانِ أبي طالبٍ ومَوتِه عليه، وأنَّ أبَويِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ الجَنَّةِ، وأنَّ مَن رَماهم بالنَّقصِ يَكونُ مُؤذيًا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبالتَّالي يَكونُ مُقتَحِمًا للكُفرِ ناقِلًا عن كمالِ الدِّينِ الشُّمُنِّي الحَنَفيِّ أنَّ مَن قال بأنَّهما في النَّارِ فهو مَلعونٌ.


ولذلك إذا ذَكَرَ الصَّيَّاديُّ أمَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: (رَضِيَ اللهُ عنها، وإذا ذَكَرَ أباه قال: المُعظَّمُ) .


وقد جاءَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لرَجُلٍ سَأله عن أبيه: ((إنَّ أبي وأباك في النَّارِ)) ، وأمَّا أمُّه فقد نُهي عنِ الاستِغفارِ لها .


وقد هاجَمَ الصَّيَّاديُّ مَن نَفى إيمانَ أبي طالبٍ كما سَبَقَ، غَيرَ أنَّه نَقَضَ هذا المَوقِفَ فحَكَمَ ببُعدِ أبي طالبٍ عنِ الدِّينِ، مُبَيِّنًا أنَّ نِسبةَ قَرابَتِه لم تَنفَعْه، قال: (إنَّ نِسبةَ الأبوَّةِ المَعنَويَّةِ أشرَفُ من نِسبةِ الأبوَّةِ الظَّاهريَّةِ، وهي التي جَعَلت بلالًا الحَبَشيَّ وسَلمانَ الفارِسيَّ وصُهَيبًا الرُّوميَّ رَضِيَ اللهُ عنهم من أهلِ البَيتِ، وأُبعِدَ عنها أبو طالبٍ ولم تَنفَعْه نِسبةُ العُمومةِ) .


وأمَّا أبو طالبٍ فقد تَواتَرَتِ الأحاديثُ أنَّه في ضَحضاحٍ من نارٍ، ولولا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكان في الدَّركِ الأسفَلِ منها . وأنَّه لمَّا ماتَ قال عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قد ماتَ)) .


بَيدَ أنَّ أحَدَ الرِّفاعيَّةِ يَزعُمُ أنَّه لمَّا ماتَ أبو طالبٍ رَثاه عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه بهذه الأبياتِ:


أبا طالبٍ عِصمةَ المُستَجيرِ
وغَيثَ المُحولِ ونورَ الظُّلَمْ
لقد هَدَّ فَقدُك أهلَ الحِفاظِ
فصَلَّى عَليك وليُّ النِّعَمْ .
وكذلك الشِّيعةُ صَنَّفوا العَديدَ منَ الرَّسائِل في إيمانِ أبي طالبٍ، مِثلُ رِسالةِ (مُؤمنُ أهلِ البَيتِ) للخنيزيِّ، ورِسالةٍ للشَّيخِ المُفيدِ سَمَّاها (إيمان أبي طالبٍ) ورِسالةٍ للحُرِّ العامِليِّ سَمَّاها (شَيخ الأبطحِ) قال فيها: (إنَّ الشِّيعةَ الإماميَّةَ وأكثَرَ الزَّيديَّةِ يَقولونَ بإسلامِ أبي طالبٍ، وأنَّه سَتَرَ ذلك عن قُرَيشٍ لمَصلحةِ الإسلامِ) .


11- عِلمُ الباطِنِ بَـيـنَ الرِّفاعيَّةِ والشِّيعةِ الباطِنيَّةِ:


دَأَب الباطِنيَّةُ على إثباتِ وُجودِ عِلمٍ باطِنٍ لم يُبلِّغْه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى النَّاسِ، وإنَّما أسَرَّه إلى خاصَّتِه، وأخَصُّ خاصَّتِه هو عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه الذي أخَذَ هذا العِلمَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ تَلقَّاه عنه أبناؤُه من بَعدِه. وبَقيَ عِندَ الإمامِ المَعصومِ الذي يُؤتى من لدُنِه التَّأويلُ.


وقد وصَفوا الإمامَ عَليًّا بأنَّه (بابُ مَدينةِ العِلمِ) و(وصيُّ النَّبيِّ وسِرُّه).


ولقدِ اعتَبَرَ أهلُ السُّنَّةِ والحَديثِ أنَّ مَن وافقَ الشِّيعةَ في هذا الادِّعاءِ أُلحِقَ بهم واستَحَقَّ وصفَه بالتَّشَيُّعِ، ونَهَوا عن أخذِ الحَديثِ منه.


قال النَّوويُّ: (قال القاضي: لمَّا عُرِف قُبحُ مَذهَبِه أحَدِ الرُّواةِ واسمُهُ الحارِث وغُلوُّه في مَذهَبِ الشِّيعةِ ودَعواهمُ الوصيَّةَ إلى عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه وسِرَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه منَ الوحيِ وعِلمِ الغَيبِ ما لم يُطلِعْ غَيرَه عليه: سيءَ الظَّنُّ بالحارِثِ في هذا أي: تَرَكوا رِوايَتَه لذلك) .


فهذه الألقابُ التي اعتُبرَت غُلوًّا في التَّشَيُّعِ مَوجودةٌ كذلك عِندَ الصُّوفيَّةِ عامَّةً وعِندَ الرِّفاعيَّةِ خاصَّةً.


فعَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه عِندَ الرِّفاعيَّةِ (بابُ مَدينةِ العُلومِ) و(سِرُّ بابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .


وقد وافقوا الباطِنيَّةَ في قَولِهم بالعِلمِ الباطِنِ.


قال عبدُ الرَّحمنِ الواسِطيُّ الرِّفاعيُّ: (وقد صَحَّ أنَّ سَلمانَ تَلقَّى عِلمَ الباطِنِ عن أميرِ المُؤمنينَ عَليٍّ، وهو «أخذَه» عنِ ابنِ عَمِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
ويُعرَفُ عِندَهم أيضًا بـ (العِلم المَكتوم) كما وصَفه الغَزاليُّ أو (العِلمُ اللَّدُنِّيُّ) الذي يَزعُمونَ أخذَه عنِ الخَضِرِ مُباشَرةً، مِثلما يَدَّعي الباطِنيَّةُ أنَّهم أخَذوه عنِ المَهديِّ المَعصومِ صاحِبِ الزَّمانِ والسِّردابِ مُباشَرةً أيضًا.


وصارَ هذا العِلمُ عِندَ الصُّوفيَّةِ عِلمًا آخَرَ غَيرَ العِلمِ الشَّرعيِّ. وصارَت له أحكامٌ وفتاوى تَختَلفُ عنِ الأحكامِ المُتَعَلِّقةِ بالعِلمِ الشَّرعيِّ حتَّى إنَّهم ليَقولونَ في تَرجَمةِ سيرةِ شَيخٍ من مَشايِخِهم: (دَرس الشَّيخُ الفُلانيُّ وأفتى في عِلمَي الظَّاهِرِ والباطِنِ) .


وقد جَعَلوا البَوحَ بهذا العِلمِ كُفرًا وأوجَبوا كَتمَه، وهو عَينُ قَولِ الشِّيعةِ الباطِنيَّةِ الذينَ يَقولونَ: (إنَّ هذا العِلمَ مَكنونٌ فاكتُموه إلَّا من أهلِه) .

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* الداعية الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟
* القومية العربية ...نشأتها وحقيقتها
* الإباضية ...
* صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم ... للشيخ العلامة ابن باز
* حكم مصافحة النساء ...

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2025, 03:12 PM   #4

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

بَعضُ الشَّعائِرِ الخاصَّةِ بالطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ


للطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ شَعائِرُ خاصَّةٌ كَشَأنِ كُلِّ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ الأخرى، ومن أبرَزِ تلك الأمورِ:


1- اعتِبارُ السَّماعِ والمَواجيدِ والتَّواجُدِ منَ الصُّراخِ وغَيرِه ممَّا دَرَجَ عليه أهلُ التَّصَوُّفِ دينًا، وتَكفيرُ مَن يَقولُ ببِدعيَّةِ ذلك أو يَعيبُه. فقالوا: (إنَّ مَن أنكَرَ ذلك فقد كَفرَ؛ لأنه عابَ خيرًا أمر اللهُ به، ومَن عابَ ما أمَرَ اللهُ به فهو كافِرٌ) .


2- منَ الشَّعائِرِ الخاصَّةِ بالطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ الخَلوةُ الأسبوعيَّةُ السَّنَويَّةُ، وتَبدَأ عِندَهم في اليَومِ الحادي عَشَر منَ المُحَرَّمِ كُلَّ عامٍ، ومن شُروطِها أن لا يَأكُلَ المُريدُ طعامًا أخِذَ من ذي رُوحٍ، ويَذكُرُ المُريدُ في اليَومِ الأوَّلِ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ بعَدَدٍ مَعلومٍ، واليَومِ الثَّاني: اللَّهُ اللَّهُ، والثَّالِثِ: وهَّابٌ وهَّابٌ، والرَّابعِ: حَيّ حَيّ، والخامِسِ: مَجيدٌ مَجيدٌ.. والسَّادِسِ: مُعطي مُعطي.. والسَّابعِ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ. وكُلُّ ذلك بعَدَدٍ مَعلومٍ، وكذلك أن يَقولَ المُريدُ بَعدَ كُلِّ صَلاةٍ من صَلواتٍ هذا الأسبوعِ: (اللَّهمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأمِّيِّ الطَّاهرِ الزَّكيِّ وعلى آلِه وصَحبِه وسَلِّمْ) يَقولُ ذلك مِائةَ مَرَّةٍ، وزَعَموا أنَّ لهذه الخَلوةِ فُتوحاتٍ مُحَمَّديَّةً، وعناياتٍ أحمَديَّةً لا تُحصى، وأنَّ من فَعَلها شاهَدَ منَ البَراهينِ العَظيمةِ، وكان له شَأنٌ عَظيمٌ .


ولا يَخفى أنَّ هذه الخَلوةَ في هذا الوقتِ المَخصوصِ بِدعةٌ وضَلالةٌ، وكُلُّ بدعةٍ في النَّارِ كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ،


وأنَّها تَشريعٌ جَديدٌ لم يَأذَنْ به اللَّهُ ولا رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ فيها مُشابَهةً لصيامِ النَّصارى الذينَ يَصومونَ عن ذَواتِ الأرواحِ، وأنَّ فيها تقرُّبًا منَ الرَّافِضةِ؛ حَيثُ يُخَصَّصُ الحادي عَشَرَ من مُحرَّمٍ من كُلِّ عامٍ بذلك؛ حَيثُ تَنتَهي مَشاعِرُ الرَّافِضةِ الخاصَّةُ لتَدخُلَ بَعدَها مَشاعِرُ الرِّفاعيَّةِ، ولعَلَّ ذلك راجِعٌ إلى قَولِهم: إنَّ الرِّفاعيَّ تَأتي مَنزِلتُه بَعدَ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشرَ مُباشَرةً .


وأمَّا تخصيصُهم كُلَّ يَومٍ بذِكرٍ خاصٍّ فهو بدعةٌ، وأمَّا ذِكرُهمُ اللَّهَ بالاسمِ المُفرَدِ فقَطِ: اللَّهُ، حَيّ، مَجيدٌ، فبدَعةٌ عَظيمةٌ، ولم يَرِدْ ذِكرُ اللهِ بالاسمِ المُفرَدِ مُطلقًا.


بل لا يُذكَرُ اللَّهُ إلَّا بجُملةٍ مُفيدةٍ، نَحوُ (لا إلهَ إلَّا اللَّه) فهي جُملةٌ، (وسُبحانَ اللَّهِ، والحَمدُ للَّهِ، واللهُ أكبَرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ)،

ونَحوُ ذلك، فكُلُّها جُمَلٌ تُفيدُ مَعنًى، فكُلُّ من ذَكَر اللهَ باسمٍ فردٍ من أسمائِه فهو مُبتَدِعٌ؛ ولذلك لا يُستَغرَبُ على هؤلاء المُبتَدِعةِ أن يَرَوا في خَلواتِهم هذه النِّيرانَ الشَّيطانيَّةَ التي يَحسَبونَها أنوارًا مَلائِكيَّةً رحمانيَّةً، وما هي كذلك؛ لأنَّ اللهَ لا يُشرِقُ نورُه إلَّا في قُلوبِ الصَّالحينَ المُتَّبعينَ للحَقِّ من عِبادِه.


3- من شَعائِرِ الطَّريقةِ الخاصَّةِ جَوازُ المُحاضَرةِ ورَبطِ الرُّوحِ بأرواحِ مَن شاءَ استِحضارَ رُوحِه من كافِرٍ ومُسلمٍ .


وكذلك مِن مَشاعِرِهم ما يُسَمَّى بالاستِفاضةِ، وهي رَبطُ قَلبِ المُريدِ بقَلبِ الشَّيخِ طلبًا لإفاضةِ العِلمِ الباطِنيِّ إليه.
ففي التَّربيةِ الصُّوفيَّةِ يُطلَبُ منَ المُريدِ أن يَستَحضِرَ روحَ شَيخِه عِندَ الذِّكْرِ، ويَتَمَثَّلُه أمامَه ويَطلُبُ من شَيخِه أن يَربِطَ روحَه بروحِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الذي يَزعُمونَ أنَّه يُفيضُ العُلومَ والأسرارَ على قُلوبِ شُيوخِ الصُّوفيَّةِ.


والحَقُّ أنَّ هذه العَمَليَّةَ عَمَليَّةٌ شَيطانيَّةٌ؛ لأنَّ المُريدَ الذي يَغيبُ عَقلُه بالذِّكرِ المُبتَدَعِ الذي يَذكُرُه آلافَ المَرَّاتِ وعَشَراتِ الآلافِ حتَّى يَكِلَّ عَقلُه ودِماغُه،

وهو في كُلِّ ذلك يُحاوِلُ استِحضارَ صورةِ شَيخِه أمامَه، وقد يَكونُ هذا في ظَلامٍ دامِسٍ؛ فإنَّ هذا هو الوقتُ المُناسِبُ ليَدخُلَ الشَّيطانُ إليه زاعمًا أنَّه هو شَيخُه وأنَّه يَراه الآنَ، وأنَّه يَربِطُ الآنَ قَلبَه بقَلبِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُفيضَ عليه العُلومَ والأسرارَ الإلهيَّةَ، ويَبدَأُ الشَّيطانُ يُلقي في قُلوبِ هؤلاء وساوِسَه الإبليسيَّةَ، فيُوهِمُ الواحِدَ منهم أنَّه الآنَ صاعِدٌ إلى السَّماءِ، وأنَّ هذا هو عَرشُ اللهِ، وهذا هو كُرسيُّه، هذه هي الأرضُ، وأنْ قد أصبَحتَ الحَبيبَ والعَظيمَ وصاحِبَ الهمَّةِ، وما إلى ذلك من هذا النَّفحِ الشَّيطانيِّ حتَّى يَتَصَوَّرَ المِسكينُ فعلًا أنَّه وصَل إلى مَكانِ القُربِمنَ اللهِ، وأنَّ السَّمواتِ قد أصبَحَت طَوعَ أمرِه، والأرضَ أصبَحَت كالخَلخالِ برِجلِه، وأنَّه يَستَطيعُ أن يَقولَ للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ. وهكذا يَكونُ المُريدُ الذي دَخَل الخَلوةَ، وذَكرَ هذه الأذكارَ المُبتَدَعةَ، وقَطَعَ نَفسَه بالظَّلامِ على هذا النَّحوِ يَعودُ بنَفسٍ أخرى وحالٍ أخرى غَيرِ الحالِ التي دَخَل بها!


4- للرِّفاعيَّةِ مَراسِمُ يَجتَمِعونَ عليها، ومن هذه المَراسِمِ: عِدَّةُ النوبةِ: وهي عِبارةٌ عن دُفوفٍ يَضرِبونَها لياليَ الجُمُعةِ والجمعِ، فيَرفَعونَ الألويةَ والرَّاياتِ ويَضرِبونَ الدُّفوفَ، ففي إحدى زَوايا الرِّفاعيَّة -وهي زاويةُ سَلمانَ الباروديِّ- في مَدينةِ طَرابُلُسَ تَجري حَلَقاتِ ما يُسَمَّى بالذِّكرِ كُلَّ ليلةِ جُمعةٍ تُستَخدَمُ فيها (الآلاتُ الموسيقيَّةُ) بشَكلٍ إيقاعيٍّ، وخِلالَ الذِّكْرِ يَقومُ بَعضُ المَشايِخِ باستِعمالِ الشِّيشِ، ويَبدَأُ بطَعنِ المُريدينَ، ويُمسِكُ الجَمرَ المُحْمى. وفي زاويةِ أحمَدَ الرَّافِعيِّ يَعمَلونَ ذِكرَ النوبةِ هذا، ويَضرِبونَ أنفُسَهم بالسِّلاحِ والشِّيشِ والنَّارِ .


5- جَعَل الرِّفاعيَّةُ الفضيلةَ العُظمى والشَّرَفَ الأسمى لهم على سائِرِ الفِرَقِ ببَرَكةِ الرِّفاعيِّ؛ فإنَّ اللهَ قد أبردَ لأتباعِه النِّيرانَ، وأزالَ لهم فاعِليَّةَ السُّمومِ، وألانَ لهمُ الحَديدَ، وأذَلَّ لهمُ السِّباعَ والحَيَّاتِ والأفاعي، وأخضَعَ لهم طُغاةَ الجِنِّ ؛ ولذلك فإنَّهم في موالدِهم ومُؤتَمَراتهمُ العامَّةِ يَأتونَ بمَن يُشعِلُ النَّارَ ويُدخِلُها إلى فمِه، ومَن يَنفُخُ نارًا من فمِه على هَيئةِ التِّنِّينِ. ومَن يَحمِلُ الأفاعي ويَلعَبُ بها، ونَحوِ ذلك منَ الشَّعبَذاتِ والخُزَعبلاتِ التي لا يَكادُ يَخلو منها قَومٌ من أقوامِ أهلِ الشِّركِ، كالهَنادِكِ والفُرسِ، وغَيرِهم.

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* الداعية الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟
* القومية العربية ...نشأتها وحقيقتها
* الإباضية ...
* صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم ... للشيخ العلامة ابن باز
* حكم مصافحة النساء ...

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2025, 03:19 PM   #5

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

مُناظَرةُ شيخ الإسلام ابنِ تيميَّةَ للرِّفاعيَّةِ

قال ابنُ تيميَّةَ:



(بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ. الحَمدُ للَّهِ رَبِّ العالَمينَ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّماواتِ والأرَضينَ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه خاتَمُ النَّبيِّينَ، صَلَّى اللهُ تعالى عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ تسليمًا دائمًا إلى يَومِ الدِّينِ.


أمَّا بَعدُ، فقد كَتَبتُ ما حَضَرَني ذِكرُه في المَشهَدِ الكَبيرِ بقَصرِ الإمارةِ والمَيدانِ بحَضرةِ الخَلقِ منَ الأمَراءِ والكُتَّابِ والعُلماءِ والفُقَراءِ العامَّةِ وغَيرِهم في أمرِ البطائحيَّةِ يَومَ السَّبتِ تاسِعَ جُمادى الأولى سَنةَ خَمسٍ «أي بَعدَ السَّبعمِائةِ» لتَشَوُّفِ الهمَمِ إلى مَعرِفةِ ذلك، وحِرصِ النَّاسِ على الاطِّلاعِ عليه؛ فإنَّ مَن كان غائبًا عن ذلك قد يَسمَعُ بَعضَ أطرافِ الواقِعةِ، ومَن شَهدَها فقد رَأى وسَمِعَ ما رَأى وسَمِعَ، ومنَ الحاضِرينَ من سَمعَ ورَأى ما لم يَسمَعْ غَيرُه ويَرَه لانتِشارِ هذه الواقِعةِ العَظيمةِ، ولما حَصَل بها من عِزِّ الدِّينِ، وظُهورِ كَلمَتِه العُليا، وقَهرِ النَّاسِ على مُتابَعةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وظُهورِ زَيفِ مَن خَرَجَ عن ذلك من أهلِ البِدَعِ المُضِلَّةِ والأحوالِ الفاسِدةِ والتَّلبيسِ على المُسلمينَ.
وقد كَتَبتُ في غَيرِ هذا المَوضِعِ صِفةَ حالِ هؤلاء «البطائِحيَّةِ» وطَريقَتَهم وطَريقَ «الشَّيخِ أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ» وحالَه،


وما وافقوا فيه المُسلمينَ وما خالفوهم؛ ليَتَبَيَّنَ ما دَخَلوا فيه من دينِ الإسلامِ وما خَرَجوا فيه عن دينِ الإسلامِ؛ فإنَّ ذلك يَطولُ وصفُه في هذا المَوضِعِ، وإنَّما كَتَبتُ هنا ما حَضَرَني ذِكرُه من حِكايةِ هذه الواقِعةِ المَشهورةِ في مُناظَراتِهم ومُقابلتِهم.


وذلك أنِّي كُنتُ أعلمُ من حالهم بما قد ذَكرَتُه في غَيرِ هذا المَوضِعِ -وهو أنَّهم وإن كانوا مُنتَسِبينَ إلى الإسلامِ، وطَريقةِ الفَقرِ والسُّلوكِ، ويوجَدُ في بَعضِهمُ التَّعَبُّدُ والتَّألُّهُ والوَجدُ والمَحَبَّةُ والزُّهدُ والفَقرُ والتَّواضُعُ، ولِينُ الجانِبِ والمُلاطَفةُ في المُخاطَبةِ والمُعاشَرةِ، والكَشفُ والتَّصَرُّفُ ونَحوُ ذلك ما يوجَدُ- فيوجَدُ أيضًا في بَعضِهم منَ الشِّركِ وغَيرِه من أنواعِ الكُفرِ، ومنَ الغُلوِّ والبدَعِ في الإسلامِ والإعراضِ عن كَثيرٍ ممَّا جاءَ به الرَّسولُ، والاستِخفافِ بشَريعةِ الإسلامِ، والكَذِبِ والتَّلبيسِ وإظهارِ المخارِقِ الباطِلةِ وأكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ، والصَّدِّ عن سَبيلِ اللهِ ما يوجَدُ.


وقد تَقدَّمَت لي مَعَهم وقائِعُ مُتَعَدِّدةٌ بَيَّنتُ فيها لمَن خاطَبتُه منهم ومن غَيرِهم بَعضَ ما فيهم من حَقٍّ وباطِلٍ، وأحوالَهمُ التي يُسَمُّونَها الإشاراتِ، وتابَ منهم جَماعةٌ، وأُدِّب منهم جَماعةٌ من شُيوخِهم، وبَيَّنتُ صورةَ ما يُظهرونَه منَ المخاريقِ: مِثلِ مُلابَسةِ النَّارِ والحَيَّاتِ، وإظهارِ الدَّمِ، واللَّاذنِ والزَّعفرانِ وماءِ الوردِ والعَسَلِ والسُّكَّرِ وغَيرِ ذلك، وأنَّ عامَّةَ ذلك عن حيَلٍ مَعروفةٍ وأسبابٍ مَصنوعةٍ، وأرادَ غَيرَ مَرَّةٍ منهم قَومٌ إظهارَ ذلك، فلمَّا رَأوا مُعارَضَتي لهم رَجَعوا ودَخَلوا على أن أستُرَهم فأجَبتُهم إلى ذلك بشَرطِ التَّوبةِ، حتَّى قال لي شَيخٌ منهم في مَجلسٍ عامٍّ فيه جَماعةٌ كَثيرةٌ ببَعضِ البَساتينِ لمَّا عارَضتُهم بأنِّي أدخُلُ مَعَكُمُ النَّارَ بَعدَ أن نَغتَسِلَ بما يُذهِبُ الحيلةَ، ومَنِ احتَرَقَ كان مغلوبًا، فلمَّا رَأوا الصِّدقَ أمسَكوا عن ذلك!


وحَكى ذلك الشَّيخُ أنَّه كان مَرَّةً عِندَ بَعضِ أمَراءِ التَّتَرِ بالمَشرِقِ، وكان له صَنَمٌ يَعبُدُه، قال: فقال لي: هذا الصَّنَمُ يَأكُلُ من هذا الطَّعامِ كُلَّ يَومٍ ويبقى أثَرُ الأكلِ في الطَّعامِ بيِّنًا يُرى فيه! فأنكَرتُ ذلك، فقال لي: إن كان يَأكُلُ أنتَ تَموتُ؟ فقُلتُ: نَعَم، قال: فأقَمتُ عِندَه إلى نِصفِ النَّهارِ ولم يَظهَرْ في الطَّعامِ أثَرٌ! فاستَعظَمَ ذلك التَّتَريُّ وأقسَمَ بأيمانٍ مُغَلَّظةٍ أنَّه كُلَّ يَومٍ يَرى فيه أثَرَ الأكلِ، لكِنَّ اليَومَ بحُضورِك لم يَظهَرْ ذلك. فقُلتُ لهذا الشَّيخِ: أنا أبَيِّنُ لك سَبَبَ ذلك. ذلك التَّتَريُّ كافِرٌ مُشرِكٌ، ولصَنَمِه شَيطانٌ يُغويه بما يُظهِرُه منَ الأثَرِ في الطَّعامِ، وأنتَ كان مَعَك من نورِ الإسلامِ وتَأييدِ اللهِ تعالى ما أوجَبَ انصِرافَ الشَّيطانِ عن أن يَفعَلَ ذلك بحُضورِك، وأنتَ وأمثالُك بالنِّسبةِ إلى أهلِ الإسلامِ الخالِصِ كالتَّتَريِّ بالنِّسبةِ لأمثالِك! فالتَّتَريُّ وأمثالُه سودٌ، وأهلُ الإسلامِ المَحضِ بِيضٌ، وأنتُم بُلقٌ فيكُم سَوادٌ وبَياضٌ. فأعجَبَ هذا المَثَلُ مَن كان حاضرًا!


وقُلتُ لهم في مَجلسٍ آخَرَ لمَّا قالوا: تُريدُ أن تَظهَرَ هذه الإشاراتُ؟ قُلتُ: إن عَمِلتُموها بحُضورِ مَن ليس من أهلِ الشَّأنِ منَ الأعرابِ والفلَّاحينَ، أوِ الأتراكِ أوِ العامَّةِ أو جُمهورِ المُتَفقِّهةِ والمُتَفرِّقةِ والمُتَصَوِّفةِ لم يُحسَبْ لكُم ذلك؛ فمن مَعَه ذَهَبٌ فليَأتِ به إلى سوقِ الصَّرفِ إلى عِندِ الجَهابذةِ الذينَ يَعرِفونَ الذَّهَبَ الخالصَ منَ المَغشوشِ ومنَ الصُّفرِ، لا يَذهَبُ إلى عِندِ أهلِ الجَهلِ بذلك! فقالوا لي: لا نَعمَلُ هذا إلَّا أن تَكونَ همَّتُك مَعنا، فقُلتُ: همَّتي ليست مَعَكُم، بل أنا مُعارِضٌ لكم مانِعٌ لكُم؛ لأنكُم تَقصِدونَ بذلك إبطالَ شَريعةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإن كان لكُم قُدرةٌ على إظهارِ ذلك فافعَلوا. فانقَلَبوا صاغِرينَ!


فلمَّا كان قَبلَ هذه الواقِعةِ بمُدَّةٍ كان يَدخُلُ منهم جَماعةٌ مَعَ شَيخٍ لهم من شُيوخِ البَرِّ. مُطَوَّقينَ بأغلالِ الحَديدِ في أعناقِهم، وهو وأتباعُه مَعروفونَ بأمورٍ، وكان يَحضُرُ عِندي مَرَّاتٍ فأخاطِبُه بالتي هي أحسَنُ؛ فلمَّا ذَكَرَ النَّاسُ ما يُظهرونَه منَ الشِّعارِ المُبتَدَعِ الذينَ يَتَمَيَّزونَ به عنِ المُسلمينَ، ويَتَّخِذونَه عِبادةً ودينًا يوهمونَ به النَّاسَ أنَّ هذا للَّهِ سِرٌّ من أسرارِهم، وأنَّه سيماءُ أهلِ المَوهبةِ الإلهيَّةِ السَّالِكينَ طَريقَهم -أعني طَريقَ ذلك الشَّيخِ وأتباعِه- خاطَبتُه في ذلك بالمَسجِدِ الجامِعِ، وقُلتُ: هذا بدعةٌ لم يَشرَعْها اللهُ تعالى ولا رَسولُه، ولا فَعَل ذلك أحَدٌ من سَلفِ هذه الأمَّةِ ولا منَ المَشايِخِ الذينَ يُقتَدى بهم، ولا يَجوزُ التَّعَبُّدُ بذلك، ولا التَّقَرُّبُ به إلى اللهِ تعالى؛ لأنَّ عِبادةَ اللهِ بما لم يَشرَعْه ضَلالةٌ، ولباسُ الحَديدِ على غَيرِ وَجهِالتَّعَبُّدِ قد كَرِهَه من كَرِهَه منَ العُلماءِ؛ للحَديثِ المَرويِّ في ذلك، وهو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى على رَجُلٍ خاتمًا من حَديدٍ، فقال: ((مالي أرى عَليك حِليةَ أهلِ النَّارِ؟)) ، وقد وصَف اللَّهُ تعالى أهلَ النَّارِ بأنَّ في أعناقِهمُ الأغلالَ، فالتَّشَبُّهُ بأهلِ النَّارِ منَ المُنكَراتِ. وقال بَعضُ النَّاسِ: قد ثَبَتَ في الصَّحيحِ عن أبي هرَيرةَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ الرُّؤيا قال في آخِرِه: ((أحِبُّ القَيدَ وأكرَهُ الغُلَّ. القَيدُ ثَباتٌ في الدِّينِ)) ، فإذا كان مكروهًا في المَنامِ فكَيف في اليَقَظةِ؟!


فقُلت له في ذلك المَجلسِ ما تَقدَّمَ منَ الكَلامِ أو نحوًا منه مَعَ زيادةٍ، وخَوَّفتُه من عاقِبةِ الإصرارِ على البدعةِ، وأنَّ ذلك يوجِبُ عُقوبةَ فاعِلِه، ونَحوَ ذلك منَ الكَلامِ الذي نَسيتُ أكثَرَه لبُعدِ عَهدي به. وذلك أنَّ الأمورَ التي ليست مُستَحَبَّةً في الشَّرعِ لا يَجوزُ التَّعَبُّدُ بها باتِّفاقِ المُسلمينَ، ولا التَّقَرُّبُ بها إلى اللهِ ولا اتِّخاذُها طريقًا إلى اللهِ وسببًا لأن يَكونَ الرَّجُلُ من أولياءِ اللهِ وأحِبَّائِه، ولا اعتِقادُ أنَّ اللهَ يُحِبُّها أو يُحِبُّ أصحابَها كذلك، أو أنَّ اتِّخاذَها يَزدادُ به الرَّجُلُ خيرًا عِندَ اللهِ وقُربةً إليه، ولا أن يُجعَلَ شعارًا للتَّائِبينَ المُريدينَ وجهَ اللهِ، الذينَ هم أفضَلُ مِمَّن ليس مِثلَهم.


فهذا أصلٌ عَظيمٌ تَجِبُ مَعرِفتُه والاعتِناءُ به، وهو أنَّ المُباحاتِ إنَّما تَكونُ مُباحةً إذا جُعِلت مُباحاتٍ، فأمَّا إذا اتُّخِذَت واجِباتٍ أو مُستَحَبَّاتٍ كان ذلك دينًا لم يَشرَعْه اللهُ، وجَعْلُ ما ليس منَ الواجِباتِ والمُستَحَبَّاتِ منها بمَنزِلةِ جَعلِ ما ليس منَ المُحَرَّماتِ منها، فلا حَرامَ إلَّا ما حَرَّمَه اللهُ، ولا دينَ إلَّا ما شَرَعَه اللهُ؛ ولهذا عَظُمَ ذَمُّ اللهِ في القُرآنِ لمَن شَرَعَ دينًا لم يَأذَنِ اللهُ به، ولمَن حَرَّمَ ما لم يَأذَنِ اللهُ بتَحريمِه، فإذا كان هذا في المُباحاتِ فكَيف بالمَكروهاتِ أوِ المُحَرَّماتِ؟ ولهذا كانت هذه الأمورُ لا تَلزَمُ بالنَّذرِ، فلو نَذَرَ الرَّجُلُ فِعلَ مُباحٍ أو مَكروهٍ أو مُحَرَّمٍ، لم يَجِبْعليهفِعلُه كما يَجِبُ عليه إذا نَذَرَ طاعةَ اللهِ أن يُطيعَه، بل عليه كَفَّارةُ يَمينٍ إذا لميَفعَلْ، عِندَ أحمَدَ وغَيرِه، وعِندَ آخَرينَ لا شَيءَ عليه. فلا يَصيرُ بالنَّذرِ ما ليس بطاعةٍ ولا عِبادةٍ طاعةً وعِبادةً.


ونَحوُ ذلك العُهودُ التي تُتَّخَذُ على النَّاسِ لالتِزامِ طَريقةِ شَيخٍ مُعَيَّنٍ، كَعُهودِ أهلِ «الفُتوَّةِ» و«رُماةِ البُندُقِ» ونَحوِ ذلك ليس على الرَّجُلِ أن يَلتَزِمَ من ذلك على وَجهِ الدِّينِ والطَّاعةِ للَّهِ إلَّا ما كان دينًا وطاعةً للَّهِ ورَسولِه في شَرعِ اللهِ، لكِن قد يَكونُ عليه كَفَّارةٌ عِندَ الحِنثِ في ذلك؛ ولهذا أمَرتُ غَيرَ واحِدٍ أن يَعدِل عَمَّا أُخِذَ عليه منَ العَهدِ بالتِزامِ طَريقةٍ مَرجوحةٍ أو مُشتَمِلةٍ على أنواعٍ منَ البدَعِ إلى ما هو خَيرٌ منها من طاعةِ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ إذ كان المُسلمونَ مُتَّفِقينَ على أنَّه لا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَعتَقِدَ أو يَقولَ عن عَمَلٍ: إنَّه قُربةٌ وطاعةٌ وبرٌّ وطَريقٌ إلى اللهِ واجِبٌ أو مُستَحَبٌّ، إلَّا أن يَكونَ ممَّا أمَرَ اللهُ به ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذلك يُعلمُ بالأدِلَّةِ المَنصوبةِ على ذلك، وما عُلمَ باتِّفاقِ الأمَّةِ أنَّه ليس بواجِبٍ ولا مُستَحَبٍّ ولا قُربةٍ لم يَجُزْ أن يُعتَقدَ أو يُقالَ: إنَّه قُربةٌ وطاعةٌ. فكذلك هم مُتَّفِقونَ على أنَّه لا يَجوزُ قَصدُ التَّقَرُّبِ به إلى اللهِ، ولا التَّعَبُّدُ به ولا اتِّخاذُه دينًا ولا عَمَلُه منَ الحَسَناتِ، فلا يَجوزُ جَعلُه منَ الدِّينِ لا باعتِقادٍ وقَولٍ، ولا بإرادةٍ وعَمَلٍ.
وبإهمالِ هذا الأصلِ غَلِطَ خَلقٌ كَثيرٌ منَ العُلماءِ والعُبَّادِ، يَرَونَ الشَّيءَ إذا لم يَكُنْ محرَّمًا لا يُنهى عنه، بل يُقالُ: إنَّه جائِزٌ، ولا يُفرِّقونَ بَينَ اتِّخاذِه دينًا وطاعةً وبرًّا، وبَينَ استِعمالِه كما تُستَعمَلُ المُباحاتُ المَحضةُ، ومَعلومٌ أنَّ اتِّخاذَه دينًا بالاعتِقادِ أوِ الاقتِصادِ أو بهما أو بالقَولِ أو بالعَمَلِ أو بهما من أعظَمِ المُحرِماتِ وأكبَرِ السَّيِّئاتِ، وهذا منَ البدَعِ المُنكَراتِ التي هي أعظَمُ منَ المَعاصي التي يُعلمُ أنَّها مَعاصٍ وسَيِّئاتٌ.


فلمَّا نَهَيتُهم عن ذلك أظهَروا الموافقةَ والطَّاعةَ ومَضَت على ذلك مُدَّةٌ والنَّاسُ يَذكُرونَ عنهمُ الإصرارَ على الابتِداعِ في الدِّينِ، وإظهارِ ما يُخالفُ شِرعةَ المُسلمينَ، ويَطلُبونَ الإيقاعَ بهم، وأنا أسلُكُ مَسلَكَ الرِّفقِ والأناةِ، وأنتَظِرُ الرُّجوعَ والفَيئةَ، وأؤَخِّرُ الخِطابَ إلى أن يَحضُرَ «ذلك الشَّيخُ» لمَسجِدِ الجامِعِ. وكان قد كَتَبَ إليَّ كتابًا بَعدَ كِتابٍ فيه احتِجاجٌ واعتِذارٌ، وعَتبٌ وآثارٌ، وهو كَلامٌ باطِلٌ لا تَقومُ به حُجَّةٌ، بل إمَّا أحاديثُ مَوضوعةٌ، أو إسرائيليَّاتٌ غَيرُ مَشروعةٍ، وحَقيقةُ الأمرِ الصَّدُّ عن سَبيلِ اللهِ وأكلُ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ.


فقُلتُ لهم: الجَوابُ يَكونُ بالخِطابِ؛ فإنَّ جَوابَ مِثلِ هذا الكِتابِ لا يَتِمُّ إلَّا بذلك، وحَضَرَ عِندَنا منهم شَخصٌ فنَزَعْنا الغُلَّ من عُنُقِه.


وهؤلاء هم من أهلِ الأهواءِ الذينَ يَتَعَبَّدونَ في كَثيرٍ منَ الأمورِ بأهوائِهم لا بما أمرَ اللهُ تعالى ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [القصص: 50] ؛ ولهذا غالِبُ وَجدِهم هَوًى مُطلَقٌ لا يَدرونَ مَن يَعبُدونَ، وفيهم شَبَهٌ قَويٌّ منَ النَّصارى الذينَ قال اللهُ تعالى فيهم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة: 77] ؛ ولهذا كان السَّلَفُ يُسَمُّونَ أهلَ البدَعِ أهلَ الأهواءِ.
فحَمَلهم هَواهم على أن تَجَمَّعَ الأحزابُ، ودَخَلوا إلى المَسجِدِ الجامِعِ مُستَعِدِّينَ للحِرابِ، بالأحوالِ التي يُعِدُّونَها للغِلابِ، فلمَّا قَضَيتُ صَلاةَ الجُمعةِ أرسَلتُ إلى شَيخِهم لنُخاطِبَه بأمرِ اللَّهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونَتَّفِقُ على اتِّباعِ سَبيلِه، فخَرَجوا منَ المَسجِدِ الجامِعِ في جُموعِهم إلى قَصرِ الإمارةِ، وكأنَّهمُ اتَّفَقوا مَعَ بَعضِ الكِبارِ على مَطلوبِهم، ثمَّ رَجَعوا إلى مَسجِدِ الشاغو -على ما ذُكِرَ لي- وهم منَ الصِّياحِ والاضطِرابِ على أمرٍ من أعجَبِ العُجابِ.


فأرسَلتُ إليهم مَرَّةً ثانيةً لإقامةِ الحُجَّةِ والمَعذِرةِ، وطلَبًا للبَيانِ والتَّبصِرةِ، ورَجاءً للمَنَعةِ والتَّذكِرةِ. فعَمَدوا إلى القَصرِ مَرَّةً ثانيةً، وذُكِرَ لي أنَّهم قدِموا منَ النَّاحيةِ الغَربيَّةِ مُظهِرينَ الضَّجيجَ والعَجيجَ والإزبادَ والإرعادَ، واضطِرابَ الرُّؤوسِ والأعضاءِ، والتَّقَلُّبَ في نَهرِ بَرَدى، وإظهارَ التَّولُّهِ الذي يُخيِّلونَ به على الرَّدى، وإبرازَ ما يَدَّعونَه منَ الحالِ والمُحالِ، الذي يُسَلِّمُه إليهم مَن أضَلُّوا منَ الجُهَّالِ.


فلمَّا رَأى الأميرُ ذلك هاله ذلك المَنظَرُ، وسَأل عنهم، فقيل له: هم مُشتَكونَ، فقال: ليَدخُلْ بَعضُهم، فدَخل شَيخُهم، وأظهَر منَ الشَّكوى عَليَّ ودَعوى الاعتِداءِ منِّي عليهم كلامًا كثيرًا لم يَبلُغْني جَميعُه، لكِن حَدَّثَني مَن كان حاضرًا أنَّ الأميرَ قال لهم: فهذا الذي يَقولُه مِن عِندِه، أو يَقولُه عنِ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقالوا: بل يَقولُه عنِ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: فأيُّ شَيءٍ يُقالُ له؟ قالوا: نَحنُ لنا أحوالٌ وطَريقٌ يُسَلَّمُ إلينا، قال: فنَسمَعُ كَلامَه، فمَن كان الحَقُّ مَعَه نَصَرناه، قالوا: نُريدُ أن تَشُدَّ منَّا، قال: لا، ولكِنْ أشُدُّ منَ الحَقِّ سَواءٌ كان مَعَكُم أو مَعَه، قالوا: ولا بُدَّ من حُضورِه؟ قال: نَعَم، فكَرَّروا ذلك فأمر بإخراجِهم، فأرسَل إليَّ بَعضُ خَواصِّه من أهلِ الصِّدقِ والدِّينِ مِمَّن يَعرِفُ ضَلالَهم، وعَرَّفني بصورةِ الحالِ وأنَّه يُريدُ كَشفَ أمرِ هؤلاء.


فلمَّا عَلِمتُ ذلك أُلقيَ في قَلبي أنَّ ذلك لأمرٍ يُريدُه اللهُ من إظهارِ الدِّينِ، وكَشفِ حالِ أهلِ النِّفاقِ المُبتَدِعينَ؛ لانتِشارِهم في أقطارِ الأرَضينَ، وما أحبَبتُ البَغيَعليهم والعُدوانَ، ولا أن أسلُكَ مَعَهم إلَّا أبلَغَ ما يُمكِنُ منَ الإحسانِ، فأرسَلتُ إليهم مَن عَرَّفهم بصورةِ الحالِ، وأنِّي إذا حَضَرتُ كان ذلك عَليكم منَ الوَبالِ، وكَثُرَ فيكُمُ القِيلُ والقالُ، وأنَّ مَن قَعَدَ أو قامَ قُدَّامَ رِماحِ أهلِ الإيمانِ فهو الذي أوقَعَ نَفسَه في الهَوانِ، فجاءَ الرَّسولُ وأخبَرَ أنَّهمُ اجتَمَعوا بشُيوخِهمُ الكِبارِ الذينَ يَعرفونَ حَقيقةَ الأسرارِ، وأشاروا إليهم بموافقةِ ما أُمِروا به منِ اتِّباعِ الشَّريعةِ، والخُروجِ عَمَّا يُنكَرُ عليهم منَ البدَعِ الشَّنيعةِ. وقال شَيخُهمُ الذي يَسيحُ بأقطارِ الأرضِ كَبلادِ التُّركِ ومِصرَ وغَيرِها: أحوالُنا تَظهَرُ عِندَ التَّتارِ لا تَظهَرُ عِندَ شَرعِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ. وأنَّهم نَزَعوا الأغلالَ منَ الأعناقِ، وأجابوا إلى الوِفاقِ.


ثمَّ ذُكِرَ لي أنَّه جاءَهم بَعضُ أكابرِ غِلمانِ المُطاعِ، وذَكَر أنَّه لا بُدَّ من حُضورِهم لمَوعِدِ الاجتِماعِ. فاستَخَرتُ اللهَ تعالى تلك اللَّيلةَ واستعَنْتُه واستَهدَيتُه، وسَلكتُ سَبيلَ عِبادِ اللهِ في مِثلِ هذه المَسالكِ، حتَّى أُلقيَ في قَلبي أن أدخَلَ النَّارَ عِندَ الحاجةِ إلى ذلك، وأنَّها تَكونُ بردًا وسلامًا على مَنِ اتَّبَعَ مِلَّةَ الخَليلِ، وأنَّها تُحرِقُ أشباهَ الصَّابئةِ أهل الخروج عن هذا السَّبيلِ.


وقد كان بَقايا الصَّابئةِ أعداءَ إبراهيمَ إمامِ الحُنَفاءِ بنواحي البَطائِحِ مُنضَمِّينَ إلى مَن يُضاهيهم من نَصارى الدَّهماءِ.
وبَينَ الصَّابئةِ ومَن ضَلَّ منَ العِبادِ المُنتَسِبينَ إلى هذا الدِّينِ نَسَبٌ يَعرِفُه من عَرفَ الحَقَّ المُبينَ.


فالغاليةُ منَ القَرامِطةِ والباطِنيَّةِ-كالنُّصَيريَّةِ والإسماعيليَّةِ- يَخرُجونَ إلى مُشابَهةِ الصَّابئةِ الفلاسِفةِ، ثمَّ إلى الإشراكِ، ثمَّ إلى جُحودِ الحَقِّ تعالى. ومِن شِركِهمُ الغُلوُّ في البَشَرِ، والابتِداعُ في العاداتِ، والخُروجُ عنِ الشَّريعةِ له نَصيبٌ من ذلك بحَسَبِ ما هو لائِقٌ، كالمُلحِدينَ من أهلِ الاتِّحادِ، والغاليةِ من أصنافِ العِبادِ.


فلمَّا أصبَحْنا ذَهَبتُ إلى الميعادِ، وما أحبَبتُ أن أسَتصحِبُ أحدًا للإسعادِ، لكِنْ ذَهَب أيضًا بَعضُ مَن كان حاضرًا منَ الأصحابِ، واللهُ هو المُسَبِّبُ لجَميعِ الأسبابِ، وبلغَني بَعدَ ذلك أنَّهم طافوا على عَدَدٍ من أكابرِ الأمَراءِ، وقالوا أنواعًا ممَّا جَرَت به عادَتُهم منَ التَّلبيسِ والافتِراءِ، الذي استَحوذوا به على أكثَرِ أهلِ الأرضِ منَ الأكابرِ والرُّؤَساءِ، مِثلُ زَعمِهم أنَّ لهم أحوالًا لا يُقاوِمُهم فيها أحَدٌ منَ الأولياءِ، وأنَّ لهم طريقًا لا يَعرِفُه أحَدٌ منَ العُلماءِ، وأنَّ شَيخَهم هو في المَشايِخِ كالخَليفةِ، وأنَّهم يَتَقدَّمونَ على الخَلقِ بهذه الأخبارِ المُنيفةِ، وأنَّ المُنكِرَ عليهم هو آخِذٌ بالشَّرعِ الظَّاهرِ، غَيرُ واصِلٍ إلى الحَقائِقِ والسَّرائِرِ، وأنَّ لهم طريقًا وله طَريقٌ، وهمُ الواصِلونَ إلى كُنهِ التَّحقيقِ، وأشباهِ هذه الدَّعاوي ذاتِ الزُّخرُفِ والتَّزويقِ.


وكانوا لفَرطِ انتِشارِهم في البلادِ واستِحواذِهم على المُلوكِ والأمَراءِ والأجنادِ، لخَفاءِ نورِ الإسلامِ، واستِبدالِ أكثَرِ النَّاسِ بالنُّورِ الظَّلامَ، وطُموسِ آثارِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أكثَرِ الأمصارِ، ودُروسِ حَقيقةِ الإسلامِ في دَولةِ التَّتارِ: لهم في القُلوبِ مَوقِعٌ هائِلٌ، ولهم فيهم منَ الاعتِقادِ ما لا يَزولُ بقَولٍ قائِلٍ.


قال المُخبِرُ: فغدا أولئك الأمَراءُ الأكابرُ، وخاطَبوا فيهم نائِبَ السُّلطانِ بتَعظيمِ أمرِهمُ الباهرِ، وذَكَر لي أنواعًا منَ الخِطابِ، واللهُ تعالى أعلَمُ بحَقيقةِ الصَّوابِ، والأميرُ مُستَشعِرٌ ظُهورَ الحَقِّ عِندَ التَّحقيقِ، فعادَ الرَّسولُ إليَّ مَرَّةً ثانيةً فبلَّغَه أنَّا في الطَّريقِ، وكان كَثيرٌ من أهلِ الاتِّحادِ مُجِدِّينَ في نَصرِهم بحَسَبِ مَقدورِهم، مُجَهِّزينَ لمَن يَعنيهم في حُضورِهم، فلمَّا حَضَرتُ وجَدتُ النُّفوسَ في غايةِ الشَّوقِ في هذا الاجتِماعِ، مُتَطَلِّعينَ إلى ما سيَكونُ طالِبينَ للاطِّلاعِ. فذَكَر لي نائِبُ السُّلطانِ وغَيرُه منَ الأمَراءِ بَعضَ ما ذَكَروه منَ الأقوالِ المُشتَمِلةِ على الافتِراءِ. وقال: إنَّهم قالوا: إنَّك طَلبتَ منهمُ الامتِحانَ، وأن يَحموا الأطواقَ نارًا ويَلبَسوها، فقُلتُ: هذا منَ البُهتانِ.


وها أنا ذا أصِفُ ما كان. قُلتُ للأميرِ: نَحنُ لا نَستَحِلُّ أن نَأمُرَ أحدًا بأن يَدخُلَ نارًا، ولا تَجوزُ طاعةُ مَن يَأمُرُ بدُخولِ النَّارِ. وفي ذلك الحَديثُ الصَّحيحُ . وهؤلاء يَكذِبونَ في ذلك، وهم كَذَّابونَ مُبتَدِعونَ قد أفسَدوا من أمرِ دينِ المُسلمينَ ودُنياهم ما اللهُ به عَليمٌ. وذَكَرتُ تَلبيسَهم على طَوائِفَ منَ الأمَراءِ، وأنَّهم لبَّسوا على الأميرِ المَعروفِ بالأيدمريِّ ، وعلى قفجق نائِبِ السُّلطةِ وعلى غَيرِهما، وقد لبَّسوا أيضًا على المَلِكِ العادِل كتغا في مُلكِه، وفي حالةِ وِلايةِ حَماةَ، وعلى أميرِ السِّلاحِ أجَلِّ أميرٍ بديارِ مِصرَ، وضاقَ المَجلِسُ عن حِكايةِ جَميعِ تَلبيسِهم. فذَكَرتُ تَلبيسَهم على الأيدمريِّ، وأنَّهم كانوا يُرسِلونَ منَ النِّساءِ مَن يَستَخبرُ عن أحوالِ بَيتِه الباطِنةِ، ثمَّ يُخبرونَه بها على طَريقِ المُكاشَفةِ، ووعَدوه بالمُلكِ، وأنَّهم وعَدوه أن يُروه رِجالَ الغَيبِ. فصَنَعوا خَشَبًا طِوالًا وجَعَلوا عليها مَن يَمشي كَهَيئةِ الذي يَلعَبُ بأكرِ الزُّجاجِ، فجَعَلوا يَمشونَ على جَبلِ المزَّةِ وذاكَ يَرى من بَعيدٍ قومًا يَطوفونَ على الجَبلِ وهم يَرتَفِعونَ على الأرضِ، وأخَذوا منه مالًا كثيرًا، ثمَّ انكَشَف له أمرُهم.


قُلتُ للأميرِ: وولدُه هو الذي في حَلقةِ الجَيشِ يَعلمُ ذلك، وهو مِمَّن حَدَّثَني بهذه القِصَّةِ. وأمَّا قفجق؛ فإنَّهم أدخَلوا رجلًا في القَبرِ يَتَكَلَّمُ وأوهَموه أنَّ المَوتى تَتَكَلَّمُ، وأتَوا به في مَقابرِ بابِ الصَّغيرِ إلى رَجُلٍ زَعَموا أنَّه الرَّجُلُ الشَّعرانيُّ الذي بجَبَلِ لُبنانَ، ولم يُقَرِّبوه منه، بل من بَعيدٍ؛ لتَعودَعليه بَرَكَتُه، وقالوا: إنَّه طَلبَ منه جُملةً منَ المالِ، فقال قفجق: الشَّيخُ يُكاشِفُ وهو يَعلمُ أنَّ خَزائِني ليس فيها هذا كُلُّه! وتقَرَّب قفجق منه وجَذبَ الشَّعرَ فانقَلعَ الجِلدُ الذي ألصَقوه على جِلدِه من جِلدِ الماعِزِ. فذَكَرتُ للأميرِ هذا؛ ولهذا قيل لي: إنَّه لمَّا انقَضى المَجلِسُ وانكَشَف ما لهم للنَّاسِ كَتَب أصحابُ قفجق إليه كتابًا -وهو نائِبُ السَّلطَنةِ بحَماةَ- يُخبرُه صورةَ ما جَرى.


وذَكَرتُ للأميرِ أنَّهم مُبتَدِعونَ بأنواعٍ منَ البدَعِ، مِثلُ الأغلالِ ونَحوِها، وأنَّا نَهَيناهم عنِ البدَعِ الخارِجةِ عنِ الشَّريعةِ، فذَكَرَ الأميرُ حَديثَ البدعةِ، وسَألني عنه، فذَكَرتُ حَديثَ العِرباضِ بنِ ساريةَ ، وحديثَ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ ، وقد ذَكرَتُهما بَعدَ ذلك بالمَجلسِ العامِّ كما سَأذكُرُه.


قُلتُ للأميرِ: أنا ما امتَحَنتُ هؤلاء، لكِن هم يَزعُمونَ أنَّ لهم أحوالًا يَدخُلونَ بها النَّارَ، وأنَّ أهلَ الشَّريعةِ لا يَقدِرونَ على ذلك، ويَقولونَ لنا: هذه الأحوالُ التي يَعجِزُ عنها أهلُ الشَّرعِ ليس لهم أن يَعتَرِضوا عَلينا، بل يُسَلَّمُ إلينا ما نَحنُ عليه -سَواءٌ وافقَ الشَّرعَ أو خالفَه- وأنا قدِ استَخَرتُ اللهَ سُبحانَه أنَّهم إن دَخَلوا النَّارَ أدخُلُ أنا وهم، ومَنِ احتَرَقَ منَّا ومنهم فعليه لعنةُ اللهِ، وكان مغلوبًا، وذلك بَعدَ أن نَغسِلَ جُسومَنا بالخَلِّ والماءِ الحارِّ.


فقال الأميرُ: ولمَ ذاكَ؟ قُلتُ: لأنَّهم يَطلُونَ جسومَهم بأدويةٍ يَصنَعونَها من دُهنِ الضَّفادِعِ، وباطِنِ قِشرِ النَّارنجِ، وحَجَرِ الطَّلَقِ ، وغَيرِ ذلك منَ الحيَلِ المَعروفةِ لهم، وأنا لا أطلي جِلدي بشَيءٍ، فإذا اغتَسَلتُ أنا وهم بالخَلِّ والماءِ الحارِّ بَطَلتِ الحيلةُ وظَهَرَ الحَقُّ، فاستَعظَمَ الأميرُ هجومي على النَّارِ، وقال: أتفعَلُ ذلك؟ فقُلتُ له: نَعَم، قدِ استَخَرتُ اللهَ في ذلك وألقيَ في قَلبي أن أفعَلَه، ونَحنُ لا نَرى هذا وأمثالَه ابتِداءً؛ فإنَّ خَوارِقَ العاداتِ إنَّما تَكونُ لأمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُتَّبعينَ له باطنًا وظاهرًا لحَجَّةٍ أو حاجةٍ؛ فالحُجَّةُ لإقامةِ دينِ اللهِ، والحاجةُ لِما لا بُدَّ منه منَ النَّصرِ والرِّزقِ الذي به يَقومُ دينُ اللهِ، وهؤلاء إذا أظهَروا ما يُسَمُّونَه إشاراتِهم وبَراهينَهمُ التي يَزعُمونَ أنَّها تُبطِلُ دينَ اللهِ وشَرعَه وجَبَ علينا أن نَنصُرَ اللَّهَ ورَسولَه صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ، ونَقومَ في نَصرِ دينِ اللهِ وشَريعَتِه بما نَقدِرُ عليه من أرواحِنا وجُسومِنا وأموالِنا، فلنا حينَئِذٍ أن نُعارِضَ ما يُظهرونَه من هذه المخاريقِ بما يُؤَيِّدُنا اللهُ به منَ الآياتِ!


وليُعلَمْ أنَّ هذا مِثلُ مُعارَضةِ موسى للسَّحَرةِ لمَّا أظهَروا سِحرَهم أيَّدَ اللهُ موسى بالعَصا التي ابتَلعَت سِحرَهم. فجَعَل الأميرُ يُخاطِبُ مَن حَضَرَه منَ الأمَراءِ على السِّماطِ بذلك، وفرِحَ بذلك، وكأنَّهم كانوا قد أوهَموه أنَّ هؤلاء لهم حالٌ لا يَقدِرُ أحَدٌ على رَدِّه، وسَمِعتُه يُخاطِبُ الأميرَ الكَبيرَ الذي قدِمَ من مِصرَ الحاجَّ بهادرَ، وأنا جالسٌ بَينَهما على رَأسِ السِّماطِ، بالتُّركيِّ، ما فهِمتُه منه، إلَّا أنَّه قال: اليَومَ تَرى حربًا عظيمًا، ولعَلَّ ذلك كان جوابًا لمَن كان خاطبَه فيهم على ما قيلَ.


وحَضَرَ شُيوخُهمُ الأكابِرُ، فجَعَلوا يَطلُبونَ منَ الأميرِ الإصلاحَ وإطفاءَ هذه القَضيَّةِ ويَتَرَفَّقونَ، فقال الأميرُ: إنَّما يَكونُ الصُّلحُ بَعدَ ظُهورِ الحَقِّ، وقُمْنا إلى مَقعَدِ الأميرِ بزاويةِ القَصرِ، أنا وهو وبهادِرُ، فسَمِعتُه يَذكُرُ له أيُّوبَ الحَمَّالَ بمِصرَ والمُولَّهينَ ونَحوَ ذلك، فدَلَّ ذلك على أنَّه كان عِندَ هذا الأميرِ لهم صورةٌ مُعَظَّمةٌ، وأنَّ لهم فيهم ظنًّا حسنًا، واللَّهُ أعلمُ بحَقيقةِ الحال؛ فإنَّه ذكرَ لي ذلك. وكان الأميرُ أحَبَّ أن يَشهَدَ بهادِرُ هذه الواقِعةَ ليَتَبَيَّن له الحَقُّ؛ فإنَّه من أكابرِ الأمَراءِ وأقدَمِهم وأعظَمِهم حُرمةً عِندِه، وقد قدِمَ الآنَ وهو يُحِبُّ تَأليفَه وإكرامَه، فأمَرَ ببساطٍ يُبسَطُ في المَيدانِ. وقد قدِمَ البطائحيَّةُ وهم جَماعةٌ كَثيرونَ، وقد أظهَروا أحوالهمُ الشَّيطانيَّةَ منَ الإزبادِ والإرغاءِ وحَرَكةِ الرُّؤوسِ والأعضاءِ، والظُّفرِ والحَبوِ والتَّقَلُّبِ، ونَحوِ ذلك منَ الأصواتِ المُنكَراتِ، والحَرَكاتِ الخارِجةِ عنِ العاداتِ، المُخالِفةِ لِما أمَرَ به لُقمانُ لابنِه في قَولِه: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان: 19] .


فلمَّا جَلَسْنا وقد حَضَرَ خَلقٌ عَظيمٌ منَ الأمَراءِ والكُتَّابِ والعُلماءِ والفُقَراءِ والعامَّةِ وغَيرِهم، وحَضَر شَيخُهمُ الأوَّلُ المُشتَكي، وشَيخٌ آخَرُ يُسَمِّي نَفسَه خَليفةَ سَيِّدِه أحمَدَ، ويَركَبُ بعَلمَينِ، وهم يُسَمُّونَه: عبدَ اللهِ الكَذَّابَ، ولم أكُنْ أعرِفُ ذلك.

وكان من مُدَّةٍ قد قدِمَ عَليَّ منهم شَيخٌ بصورةٍ لطيفةٍ وأظهَرَ ما جَرَت به عادَتُهم منَ المَسألةِ، فأعطيتُه طَلِبَتَه ولم أتَفطَّنْ لكَذِبِه حتَّى فارَقَني، فبَقيَ في نَفسي أنَّ هذا خَفِيَ عَليَّ تَلبيسُه إلى أن غاب، وما يَكادُ يَخفى عَليَّ تَلبيسُ أحَدٍ، بل أدرِكُه في أوَّلِ الأمرِ، فبَقيَ ذلك في نَفسي ولم أرَه قَطُّ إلى حينِ نَظرتُه، ذُكِرَ لي أنَّه ذاكَ الذي كان اجتَمَع بي قديمًا فتَعَجَّبتُ من حُسنِ صُنعِ اللَّهِ؛ أنَّه هَتكَه في أعظَمِ مَشهَدٍ يَكونُ حَيثُ كَتَمَ تَلبيسَه بَيني وبَينَه!


فلمَّا حَضَروا تَكَلَّمَ منهم شَيخٌ يُقالُ له حاتِمٌ بكَلامٍ مَضمونُه طَلَبُ الصُّلحِ والعَفوِ عنِ الماضي والتَّوبةِ، وإنَّا مُجيبونَ إلى ما طَلبَ مِن تَركِ هذه الأغلالِ وغَيرِها منَ البدَعِ، ومُتَّبعونَ للشَّريعةِ. فقُلتُ: أمَّا التَّوبةُ فمَقبولةٌ؛ قال اللهُ تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر: 3] ، وقال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر: 49-50] .


فأخَذَ شَيخُهمُ المُشتَكي يَنتَصِرُ للُبسِهمُ الأطواقَ، وذَكَر أنَّ وهبَ بنَ مُنَبِّهٍ رَوى أنَّه كان في بَني إسرائيلَ عابدٌ وأنَّه جَعَل في عُنُقِه طوقًا، في حِكايةٍ من حِكاياتِ بَني إسرائيلَ لا تَثبُتُ.


فقُلتُ لهم: ليس لنا أن نَتَعَبَّدَ في دينِنا بشَيءٍ منَ الإسرائيليَّاتِ المُخالِفةِ لشَرعِنا، ... وأنزل اللهُ تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: 51] . فنحن لا يَجوزُ لنا اتِّباعُ موسى ولا عيسى فيما عَلِمْنا أنَّه أنزِلَ عليهما من عِندِ اللهِ إذا خالف شَرْعَنا، وإنَّما عَلينا أن نَتَّبعَ ما أُنزِل عَلينا من رَبِّنا ونَتَّبعَ الشِّرعةَ والمِنهاجِ الذي بَعَثَ اللهُ به إلينا رَسولَنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما قال تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة: 48] . فكَيف يَجوزُ لنا أن نَتَّبعَ عُبَّادَ بَني إسرائيلَ في حِكايةٍ لا تُعلمُ صِحَّتُها؟! وما عَلينا من عُبَّادِ بَني إسرائيلَ؟! تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة: 134] ، هاتِ ما في القُرآنِ وما في الأحاديثِ الصِّحاحِ، كالبُخاريِّ ومُسلِمٍ، وذَكَرتُ هذا وشَبَهَه بكَيفيَّةٍ قَويَّةٍ.


فقال هذا الشَّيخُ منهم يُخاطِبُ الأميرَ: نَحنُ نُريدُ أن تَجمَعَ لنا القُضاةَ الأربَعةَ والفُقَهاءَ ونَحنُ قَومٌ شافِعيَّةٌ.


فقُلتُ له: هذا غَيرُ مُستَحَبٍّ ولا مَشروعٍ عِندَ أحَدٍ من عُلماءِ المُسلمينَ، بل كُلُّهم يَنهى عنِ التَّعَبُّدِ به ويَعُدُّه بِدعةً، وهذا الشَّيخُ كمالُ الدِّينِ ابنِ الزَّمَلكانيِّ مُفتي الشَّافِعيَّةِ ودَعَوتُه وقُلتُ: يا كمالَ الدِّينِ، ما تَقولُ في هذا؟ فقال: هذا بِدعةٌ غَيرُ مُستَحَبَّةٍ بل مَكروهةٌ. أو كما قال. وكان مَعَ بَعضِ الجَماعةِ فتوى فيها خُطوطُ طائِفةٍ منَ العُلماءِ بذلك.
وقُلتُ: ليس لأحَدٍ الخُروجُ عن شَريعةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا الخُروجُ عن كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأشُكُّ هل تَكَلَّمتُ هنا في قِصَّةِ موسى والخَضِرِ؛ فإنِّي تَكَلَّمتُ بكَلامٍ بَعُدَ عَهدي به.


فانتَدَبَ ذلك الشَّيخُ عبدُاللهِ ورَفعَ صَوتَه. وقال: نَحنُ لنا أحوالٌ وأمورٌ باطِنةٌ لا يوقَفُ عليها، وذَكَرَ كلامًا لم أضبِطْ لفظَه: مِثلَ المَجالِسِ والمَدارِسِ والباطِنِ والظَّاهِرِ، ومَضمونُه أنَّ لنا الباطِنَ ولغَيرِه الظَّاهرُ، وأنَّ لنا أمرًا لا يَقِفُ عليه أهلُ الظَّاهِرِ فلا يُنكِرونَه عَلينا.


فقُلتُ له -ورَفعتُ صَوتي وغَضِبتُ-: الباطِنُ والظَّاهرُ والمَجالِسُ والمَدارِسُ، والشَّريعةُ والحَقائِقُ، كُلُّ هذا مَردودٌ إلى كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ليس لأحَدٍ الخُروجُ عن كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا منَ المَشايِخِ والفُقَراءِ، ولا منَ المُلوكِ والأمَراءِ، ولا منَ العُلماءِ والقُضاةِ وغَيرِهم، بل جَميعُ الخَلقِ عليهم طاعةُ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وذَكَرتُ هذا ونَحوَه.


فقال -ورَفعَ صَوتَه-: نَحنُ لنا الأحوالُ وكَذا وكَذا. وادَّعى الأحوالَ الخارِقةَ كالنَّارِ وغَيرِها، واختِصاصَهم بها، وأنَّهم يَستَحِقُّونَ تَسليمَ الحالِ إليهم لأجْلِها.


فقُلتُ -ورَفعتُ صَوتي وغَضِبتُ-: أنا أخاطِبُ كُلَّ أحمَديٍّمن مَشرِقِ الأرضِ إلى مَغرِبِها، أيُّ شَيءٍ فعلوه في النَّارِ فأنا أصنَعُ مِثلَ ما تَصنَعونَ، ومَنِ احتَرَقَ فهو مَغلوبٌ، ورُبَّما قُلتُ: فعليه لعنةُ اللهِ، ولكِنْ بَعدَ أن نَغسِلَ جُسومَنا بالخَلِّ والماءِ الحارِّ، فسَألني الأمَراءُ والنَّاسُ عن ذلك؟ فقُلتُ: إنَّ لهم حِيَلًا في الاتِّصالِ بالنَّارِ يَصنَعونَها من أشياءَ: من دُهنِ الضَّفادِعِ، وقِشرِ النَّارنجِ، وحَجَرِ الطَّلقِ، فضَجَّ النَّاسُ بذلك، فأخَذَ يُظهرُ القُدرةَ على ذلك، فقال: أنا وأنتَ نُلَفُّ في باريَّةٍ بَعدَ أن تُطلى جسومُنا بالكِبريتِ. فقُلتُ: فقُمْ.
وأخَذتُ أكَرِّرُ عليه في القيامِ إلى ذلك، فمَدَّ يَدَه يُظهِرُ خَلعَ القَميصِ، فقُلتُ: لا! حتَّى تَغتَسِلَ في الماءِ الحارِّ والخَلِّ، فأظهَرَ الوَهمَ على عادَتِهم، فقال: مَن كان يُحِبُّ الأميرَ فليُحضِرْ خَشَبًا أو قال حُزمةَ حَطَبٍ. فقُلتُ: هذا تَطويلٌ وتَفريقٌ للجَمعِ، ولا يَحصُلُ به مَقصودٌ، بل قِنديلٌ يُوقَدُ وأُدخِلُ إصبَعي وإصبَعَك فيه بَعدَ الغَسلِ، ومَنِ احتَرَقَت إصبَعَه فعليه لعنةُ اللهِ، أو قُلتُ: فهو مَغلوبٌ. فلمَّا قُلتُ ذلك تَغَيَّر وذَلَّ. وذُكِرَ لي أنَّ وجهَه اصفَرَّ.
ثمَّ قُلتُ لهم: ومَعَ هذا فلو دَخَلتُمُ النَّارَ وخَرَجتُم منها سالِمينَ حَقيقةً، ولو طِرتُم في الهَواءِ، ومَشَيتُم على الماءِ، ولو فعَلتُم ما فعَلتُم لم يَكُنْ في ذلك ما يَدُلُّ على صِحَّةِ ما تَدَّعونَه من مُخالفةِ الشَّرعِ، ولا على إبطالِ الشَّرعِ؛ فإنَّ الدَّجَّالَ الأكبَرَ يَقولُ للسَّماءِ: أمطِري، فتُمطِرُ، وللأرضِ: أنبِتي، فتُنبِتُ، وللخَرِبةِ: أخرِجي كُنوزَك، فتَخرُجُ كُنوزُها تَتبَعُه، ويَقتُلُ رجلًا ثمَّ يَمشي بَينَ شِقَّيه، ثمَّ يَقولُ له: قُم، فيَقومُ ، ومَعَ هذا فهو دَجَّالٌ كَذَّابٌ مَلعونٌ، لعنه اللهُ، ورَفعتُ صَوتي بذلك، فكان لذلك وقعٌ عَظيمٌ في القُلوبِ.


وذَكَرتُ قَولَ أبي يَزيدَ البِسطاميِّ: لو رَأيتُمُ الرَّجُلَ يَطيرُ في الهَواءِ ويَمشي على الماءِ، فلا تَغتَرُّوا به حتَّى تَنظُروا كَيف وُقوفُه عِندَ الأوامِرِ والنَّواهي، وذَكَرتُ عن يونُسَ بنِ عبدِ الأعلى أنَّه قال للشَّافِعيِّ: أتدري ما قال صاحِبُنا، يَعني اللَّيثَ بنَسَعدٍ؟ قال: لو رَأيتَ صاحِبَ هَوًى يَمشي على الماءِ فلا تَغتَرَّ به. فقال الشَّافِعيُّ: لقد قَصَّرَ اللَّيثُ، لو رَأيتَ صاحِبَ هَوًى يَطيرُ في الهَواءِ فلا تَغتَرَّ به، وتَكَلَّمتُ بهذا ونَحوِه بكَلامٍ بَعُدَ عَهدي به. ومَشايِخُهم يَتَضَرَّعونَ عِندَ الأميرِ في طَلَبِ الصُّلحِ وجَعَلتُ ألحُّعليه في إظهارِ ما ادَّعَوه منَ النَّارِ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ، وهم لا يُجيبونَ، وقدِ اجتَمَعَ عامَّةُ مَشايِخِهمُ الذين في البلدِ والفُقَراءُ المولَّهونَ منهم، وهم عَدَدٌ كَثيرٌ، والنَّاسُ يَضِجُّونَ في المَيدانِ، ويَتَكَلَّمونَ بأشياءَ لا أضبِطُها.


فذَكَرَ بَعضُ الحاضِرينَ أنَّ النَّاسَ قالوا ما مَضمونُه: فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ [الأعراف: 118-119] ، وذَكَروا أيضًا أنَّ هذا الشَّيخَ يُسَمَّى عبدَ اللهِ الكَذَّابَ، وأنَّه الذي قَصَدَك مَرَّةً فأعطَيتَه ثَلاثينَ درهمًا، فقُلتُ: ظَهَرَ لي حينَ أخَذَ الدَّراهمَ وذَهَبَ أنَّه مُلبِّسٌ، وكان قد حَكى حِكايةً عن نَفسِه مَضمونُها أنَّه أدخَل النَّارَ في لحيَتِه قُدَّامَ صاحِبِ حَماةَ، ولمَّا فارَقَني وقَعَ في قَلبي أنَّ لحيَتَه مَدهونةٌ، وأنَّه دَخَل إلى الرُّومِ واستَحوذَ عليهم.


فلمَّا ظَهَرَ للحاضِرينَ عَجزُهم وكَذِبُهم وتَلبيسُهم، وتَبَيَّنَ للأمَراءِ الذينَ كانوا يَشُدُّونَ منهم أنَّهم مُبطِلونَ رَجَعوا، وتخاطَبَ الحاجُّ بهادِرُ ونائِبُ السُّلطانِ وغَيرُهما بصورةِ الحالِ، وعَرَفوا حَقيقةَ المُحالِ، وقُمْنا إلى داخِلٍ ودَخَلْنا، وقد طَلبوا التَّوبةَ عَمَّا مَضى، وسَألني الأميرُ عَمَّا تَطلُبُ منهم، فقُلتُ: مُتابَعةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، مِثلُ: أن لا يعتَقِدَ أنَّه لا يَجِبُ عليه اتِّباعُهما، أو أنَّه يسوغُ لأحَدٍ الخُروجُ من حُكمِهما، ونَحوِ ذلك، أو أنَّه يَجوزُ اتِّباعُ طَريقةٍ تُخالفُ بَعضَ حُكمِهما، ونَحوِ ذلك من وُجوهِ الخُروجِ عنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ التي توجِبُ الكُفرَ، وقد توجِبُ القَتلَ دونَ الكُفرِ، وقد توجِبُ قِتالَ الطَّائِفةِ المُمتَنِعةِ دونَ قَتلِ الواحِدِ المَقدورِ عليه.


فقالوا: نَحنُ مُلتَزِمونَ الكِتابَ والسُّنَّةَ. أتُنكِرُ عَلينا غَيرَ الأطواقِ؟ نَحنُ نَخلعُها. فقُلت: الأطواقُ وغَيرُ الأطواقِ، ليس المَقصودُ شيئًا مُعَيَّنًا، وإنَّما المَقصودُ أن يَكونَ جَميعُ المُسلمينَ تَحتَ طاعةِ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقال الأميرُ: فأيُّ شَيءٍ الذي يَلزَمُهم منَ الكِتابِ والسُّنَّةِ؟ فقُلتُ: حُكمُ الكِتابِ والسُّنَّةِ كَثيرٌ لا يُمكِنُ ذِكرُه في هذا المَجلسِ، لكِنَّ المَقصودَ أن يَلتَزِموا هذا التزامًا عامًّا، مَن خَرَجَ عنه ضُرِبَت عُنُقُه، وكَرَّرَ ذلك وأشارَ بيَدِه إلى ناحيةِ المَيدانِ، وكان المَقصودُ أن يَكونَ هذا حُكمًا عامًّا في حَقِّ جَميعِ النَّاسِ؛ فإنَّ هذا مَشهَدٌ عامٌّ مَشهورٌ قد تَوفَّرَتِ الهمَمُ عليه، فيَتَقَرَّرُ عِندَ المُقاتِلةِ، وأهلِ الدِّيوانِ، والعُلماءِ والعُبَّادِ، وهؤلاء، ووُلاةِ الأمورِ: أنَّه مَن خَرَجَ عنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ ضُرِبَت عُنُقُه.


قُلتُ: ومن ذلك الصَّلَواتُ الخَمسُ في مَواقيتِها كما أمر اللهُ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ مِن هؤلاء مَن لا يُصَلِّي، ومنهم مَن يَتَكَلَّمُ في صَلاتِه، حتَّى إنَّهم بالأمسِ بَعدَ أنِ اشتَكَوا عَليَّ في عَصرِ الجُمُعةِ جَعَل أحَدُهم يَقولُ في صُلبِ الصَّلاةِ: يا سَيِّدي أحمَدُ، شيئًا للَّهِ! وهذا مَعَ أنَّه مُبطِلٌ للصَّلاةِ فهو شِركٌ باللهِ، ودُعاءٌ لغَيرِه في حالِ مُناجاتِه التي أمَرَنا أن نَقولَ فيها: إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَستَعينُ [الفاتحة: 5] ، وهذا قد فُعِل بالأمسِ بحَضرةِ شَيخِهم، فأَمَرَ قائِلَ ذلك لمَّا أنكَرَ عليه المُسلِمونَ بالاستِغفارِ، على عادَتِهم في صَغيرِ الذُّنوبِ، ولم يَأمُرْه بإعادةِ الصَّلاةِ. وكذلك يَصيحونَ في الصَّلاةِ صياحًا عظيمًا، وهذا مُنكَرٌ يُبطِلُ الصَّلاةَ.


فقال: هذا يَغلبُ على أحَدِهم كما يَغلبُ العُطاسُ!


فقُلت: العُطاسُ منَ اللهِ، واللهُ يُحِبُّ العُطاسَ ويَكرَهُ التَّثاؤُبَ، ولا يَملكُ أحَدُهم دَفعَه، وأمَّا هذا الصِّياحُ فهو منَ الشَّيطانِ، وهو باختيارِهم وتَكَلُّفِهم، ويقدِرونَ على دَفعِه، ولقد حَدَّثَني بَعضُ الخَبيرينَ بهم بَعدَ المَجلسِ أنَّهم يَفعَلونَ في الصَّلاةِ ما لا تَفعَلُه اليهودُ والنَّصارى، مِثلُ قَولِ أحَدِهم: أنا على بَطنِ امرَأةِ الإمامِ، وقَولِ الآخَرِ كَذا وكَذا منَ الإمامِ، ونَحوِ ذلك منَ الأقوالِ الخَبيثةِ، وأنَّهم إذا أنكَرَ عليهمُ المُنكِرُ تَركَ الصَّلاةِ يُصَلُّونَ بالنوبةِ، وأنا أعلمُ أنَّهم مُتَولُّونَ للشَّياطينِ ليسوا مَغلوبينَ على ذلك كما يُغلَبُ الرَّجُلُ في بَعضِ الأوقاتِ على صَيحةٍ أو بُكاءٍ في الصَّلاةِ أو غَيرِها.


فلمَّا أظهَروا التِزامَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وجُموعُهم بالمَيدانِ بأصواتِهم وحَرَكاتِهمُ الشَّيطانيَّةِ يُظهرونَ أحوالَهم، قُلتُ له: أهذا موافِقٌ للكِتابِ والسُّنَّةِ؟ فقال: هذا منَ اللهِ حالٌ يَرِدُ عليهم! فقُلتُ: هذا منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، لم يَأمُرِ اللهُ به ولا رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أحَبَّه اللهُ ولا رَسولُه، فقال: ما في السَّماواتِ والأرضِ حَرَكةٌ ولا كَذا ولا كَذا إلَّا بمَشيئَتِه وإرادَتِه! فقُلت له: هذا من بابِ القَضاءِ والقَدَرِ، وهَكَذا كُلُّ ما في العالمِ من كُفرٍ وفُسوقٍ وعِصيانٍ هو بمَشيئَتِه وإرادَتِه، وليس ذلك بحُجَّةٍ لأحَدٍ في فِعلِه، بل ذلك ممَّا زَيَّنَه الشَّيطانُ وسَخِطَه الرَّحمَنُ!


فقال: فبأيِّ شَيءٍ تُبطِلُ هذه الأحوالَ؟ فقُلتُ: بهذه السِّياطِ الشَّرعيَّةِ! فأُعجِب الأميرُ وضَحِكَ، وقال: إي واللَّهِ! بالسِّياطِ الشَّرعيَّةِ تَبطُلُ هذه الأحوالُ الشَّيطانيَّةُ، كما قد جَرى مِثلُ ذلك لغَيرِ واحِدٍ، ومَن لم يُجِبْ إلى الدِّينِ بالسِّياطِ الشَّرعيَّةِ فبالسُّيوفِ المُحَمَّديَّةِ. وأمسَكتُ سَيفَ الأميرِ وقُلتُ: هذا نائِبُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغُلامُه، وهذا السَّيفُ سَيفُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَن خَرَجَ عن كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه ضَرَبْناه بسَيفِ اللهِ، وأعادَ الأميرُ هذا الكَلامَ، وأخَذَ بَعضُهم يَقولُ: فاليهودُ والنَّصارى يُقَرُّون ولا نُقَرُّ نَحنُ؟ فقُلتُ: اليهودُ والنَّصارى يُقَرُّونَ بالجِزيةِ على دينِهمُ المَكتومِ في دُورِهم، والمُبتَدِعُ لا يُقَرُّ على بدعَتِه؛ فأُفحِموا لذلك!


وحَقيقةُ الأمرِ أنَّ مَن أظهَرَ منكَرًا في دارِ الإسلامِ لم يُقَرَّ على ذلك، فمَن دَعا إلى بدعةٍ وأظهَرَها لا يُقَرُّ، ولا يُقَرُّ مَن أظهَرَ الفُجورَ، وكذلك أهلُ الذِّمَّةِ لا يُقَرُّونَ على إظهارِ مُنكَراتِ دينِهم، ومَن سِواهم، فإن كان مسلِمًا أُخِذَ بواجِباتِ الإسلامِ وتَركِ مُحرَّماتِه، وإن لم يَكُنْ مُسلِمًا ولا ذِمِّيًّا فهو إمَّا مُرتَدٌّ، وإمَّا مُشرِكٌ، وإمَّا زِنديقٌ ظاهِرُ الزَّندَقةِ.
وذَكَرتُ ذَمَّ المُبتَدِعةِ، فقُلتُ: رَوى مُسلِمٌ في صَحيحِه عن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عن أبيه أبي جَعفَرٍ الباقِرِ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ في خُطبَتِه: ((إنَّ أصدَقَ الكَلامِ كَلامُ اللَّهِ، وخَيرَ الهَديِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وشَرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ)) .

وفي السُّنَنِ عنِ العِرباضِ بنِ ساريةَ، قال: ((خَطَبَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطبةً ذَرَفت منها العُيونُ، ووجِلَت منها القُلوبُ، فقال قائِلٌ: يا رَسولَ اللهِ، كأنَّ هذه مَوعِظةُ مُودِّعٍ، فماذا تَعهَدُ إلينا؟ فقال: أوصيكُم بالسَّمعِ والطَّاعةِ؛ فإنَّه مَن يَعِشْ منكُم بَعدي فسَيَرى اختلافًا كثيرًا، فعَليكُم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ المَهديِّينَ من بَعدي، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُم ومُحدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ)) وفي رِوايةٍ: ((وكُلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ)) فقال لي: البدعةُ مِثلُ الزِّنا، ورَوى حديثًا في ذَمِّ الزِّنا، فقُلتُ: هذا حَديثٌ مَوضوعٌ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والزِّنا مَعصيةٌ، والبِدعةُ شَرٌّ منَ المَعصيةِ، كما قال سُفيانُ الثَّوريُّ: البدعةُ أحَبُّ إلى إبليسَ منَ المَعصيةِ؛ فإنَّ المَعصيةَ يُتابُ منها، والبدعةُ لا يُتابُ منها. وكان قد قال بَعضُهم: نَحنُ نُتَوِّبُ النَّاسَ ، فقُلتُ: ممَّاذا تتوبونَهم؟ قال: من قَطعِ الطَّريقِ، والسَّرِقةِ، ونَحوِ ذلك. فقُلتُ: حالُهم قَبلَ تتويبِكم خَيرٌ من حالِهم بَعد تتويبِكم؛ فإنَّهم كانوا فُسَّاقًا يَعتَقِدونَ تَحريمَ ما هم عليه، ويَرجونَ رَحمةَ اللهِ، ويَتوبونَ إليه، أو يَنوونَ التَّوبةَ، فجَعَلتُموهم بتتويبِكم ضالِّينَ مُشرِكينَ خارِجينَ عن شَريعةِ الإسلامِ، يُحِبُّونَ ما يُبغِضُه اللهُ، ويُبغِضونَ ما يُحِبُّه اللهُ! وبَيَّنتُ أنَّ هذه البدَعَ التي هم وغَيرُهم عليها شَرٌّ منَ المَعاصي.


قُلتُ مخاطبًا للأميرِ والحاضِرينَ: أمَّا المَعاصي فمِثلُ ما رَوى البُخاريُّ في صَحيحِه عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ((أنَّ رجلًا يُدعى حِمارًا، وكان يَشرَبُ الخَمرَ، وكان يُضحِكُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان كُلَّما أتيَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَلَدَه الحَدَّ، فلعنه رَجُلٌ مَرَّةً. وقال: لعَنَه اللهُ! ما أكثَرَ ما يُؤتى به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَلعَنْه؛ فإنَّه يُحِبُّ اللهَ ورَسولَه)) قُلتُ: فهذا الرَّجُلُ كَثيرُ الشُّربِ للخَمرِ، ومَعَ هذا فلمَّا كان صَحيحَ الاعتِقادِ يُحِبُّ اللهَ ورَسولَه شَهدَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، فنَهى عن لعنِه.


وأمَّا المُبتَدِعُ فمِثلُ ما أخرَجا في الصَّحيحَينِ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ وغَيرِهما -دَخل حَديثُ بَعضِهم في بَعضٍ- ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقسِمُ، فجاءَه رَجُلٌ ناتِئٌ الجَبينِ كَثُّ اللِّحيةِ، مَحلوقُ الرَّأسِ، بَينَ عَينَيه أثَرُ السُّجودِ، وقال ما قال. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يَخرُجُ من ضِئضِئِ هذا قَومٌ يَحقِرُ أحَدُكم صَلاتَه مَعَ صَلاتِهم، وصيامَه مَعَ صيامِهم، وقِراءَتَه مَعَ قِراءَتِهم، يقرؤون القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ، لئِن أدرَكتُهم لأقتُلَنَّهم قَتلَ عادٍ -وفي رِوايةٍ- لو يَعلَمُ الذينَ يُقاتِلونَهم ماذا لهم على لسانِ مُحَمَّدٍ لنَكَلوا عنِ العَمَلِ -وفي رِوايةٍ- شَرُّ قَتلى تَحتَ أديمِ السَّماءِ، خَيرُ قَتلى مَن قَتَلوا))


قُلتُ: فهؤلاء مَعَ كَثرةِ صَلاتِهم وقيامِهم وقِراءَتِهم وما هم عليه منَ العِبادةِ والزَّهادةِ، أمر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَتلِهم، وقَتَلَهم عَليُّ بنُ أبي طالبٍ ومن مَعَه من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وذلك لخُروجِهم عن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَريعَتِه، وأظُنُّ أنِّي ذَكَرتُ قَولَ الشَّافِعيِّ: لئِن يُبتَلى العَبدُ بكُلِّ ذَنبٍ ما خَلا الشِّركَ باللهِ خَيرٌ من أنَّ يُبتَلى بشَيءٍ من هذه الأهواءِ.


فلمَّا ظَهَرَ قُبحُ البدَعِ في الإسلامِ وأنَّها أظلمُ منَ الزِّنا والسَّرِقةِ وشُربِ الخَمرِ، وأنَّهم مُبتَدِعونَ بِدَعًا مُنكَرةً، فيَكونُ حالُهم أسوأَ من حالِ الزَّاني والسَّارِقِ وشارِبِ الخَمرِ، أخَذَ شَيخُهم عبدُ اللهِ يَقولُ: يا مَولانا، لا تَتَعَرَّضْ لهذا الجانِبِ العَزيزِ -يَعني أتباعَ أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ- فقُلتُ منكِرًا بكَلامٍ غَليظٍ: ويحك! أيُّ شَيءٍ هو الجانِبُ العَزيزُ، وجَنابُ مَن خالفه أولى بالعِزِّ يا ذا الزَّرْجَنةِ ؟تُريدونَ أن تُبطِلوا دينَ اللهِ ورَسولِه؟ فقال: يا مَولانا، يُحرِقُك الفُقَراءُ بقُلوبِهم، وقُلتُ: مِثلَ ما أحرَقَني الرَّافِضةُ لَمَّا قَصَدتُ الصُّعودَ إليهم وصارَ جَميعُ النَّاسِ يُخَوِّفوني منهم ومن شَرِّهم! ويَقولُ أصحابُهم: إنَّ لهم سِرًّا مَعَ اللهِ، فنَصَرَ اللَّهُ وأعانَ عليهم! وكان الأمَراءُ قد عَرَّفوه بَرَكةَ ما يَسَّرَه اللهُ في أمرِ غَزوِ الرَّافِضةِ في الجَبَلِ.


وقُلتُ لهم: يا شَبَهَ الرَّافِضةِ يا بَيتَ الكَذِبِ؛ فإنَّ فيهم منَ الغُلوِّ والشِّركِ والمُروقِ عنِ الشَّريعةِ ما شارَكوا به الرافضة في بَعضِ صِفاتِهم. وفيهم منَ الكَذِبِ ما قد يُقارِبونَ به الرَّافِضةَ في ذلك، أو يُساوونَهم، أو يَزيدونَ عليهم؛ فإنَّهم من أكذَبِ الطَّوائِفِ، حتَّى قيل فيهم: لا تَقولوا: أكذَبُ منَ اليهودِ على اللهِ، ولكِن قولوا: أكذَبُ منَ الأحمَديَّةِ على شَيخِهم، وقُلتُ لهم: أنا كافِرٌ بكم وبأحوالِكم فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ [هود: 55] .


ولمَّا رَدَدتُ عليهمُ الأحاديثَ المَكذوبةَ أخَذوا يَطلُبونَ منِّي كتبًا صَحيحةً ليهتَدوا بها، فبَذَلتُ لهم ذلك، وأعيدَ الكَلامُ: مَن خَرَجَ عنِ الكِتابِ والسُّنَّةِ ضُرِبَت عُنُقُه، وأعادَ الأميرُ هذا الكَلامَ واستَقَرَّ الكَلامُ على ذلك. والحَمدُ للَّه الذي صَدَقَ وعدَه، ونَصَر عَبدَه، وهَزَمَ الأحزابَ وَحدَه) .

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* الداعية الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟
* القومية العربية ...نشأتها وحقيقتها
* الإباضية ...
* صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم ... للشيخ العلامة ابن باز
* حكم مصافحة النساء ...

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-2025, 03:21 PM   #6

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

تـحذيرُ الرِّفاعيِّ أتباعَه منَ الكَذِبِ عليه

قال الرِّفاعيُّ: (لا تَسُبُّوني مِن بَعدي. فيَقولونَ: كَيف نَسُبُّك وأنتَ إمامُنا وقُدوتُنا؟! قال: تَقولونَ عَليَّ قَولًا لم أقُلْه، وتَفعَلونَ أمرًا لم أفعَلْه، فيَراكُمُ النَّاسُ ويَسمَعونَكُم، فيَقولونَ: لولا أنَّهم رَأوا شَيخَهم، ولولا أنَّهم سَمِعوا شَيخَهم ما قالوا ولا فعَلوا) .


والذينَ غَلَوا في الرِّفاعيِّ هم أنفُسهمُ الذينَ رَوَوا عنه أنَّه كان يَنهى عنِ الغُلوِّ والشَّطحِ، ويَقولُ بأنَّ ذلك زَندَقةٌ بشَكلِ تَصَوُّفٍ!


قال الرِّفاعيُّ: (إنَّنا ما رَأينا من عَواقِبِ أهلِ الغُلوِّ إلَّا أنَّهم ضَلُّوا وأضَلُّوا، وما رَأينا من عَواقِبِ التَّشَرُّعِ -يَعني الاستِقامةَ على الشَّريعةِ ومُلازَمةَ السُّنَّةِ- إلَّا السَّلامةَ) .


وثَمَّةَ جانِبٌ مُهمٌّ، وهو أنَّ الرِّفاعيَّ لم يَكُنْ خافيًا عليه ما يَنسُبُه المُتَصَوِّفةُ إلى مَشايِخِهم وأسيادِهم، وقد حَذَّرَ أتباعَه ممَّا عَهِدَه عنِ المُتَصَوِّفةِ منَ الكَذِبِ على مَشايِخِهم، حتَّى قال:


(احذَرِ الفِرقةَ التي دَأبُها تَأويلُ كَلماتِ الأكابرِ والتَّفكُّهُ بحِكاياتٍ وما نُسِبَ إليهم؛ فإنَّ أكثَرَ ذلك مَكذوبٌ عليهم. وما كان ذلك إلَّا من عِقابِ اللهِ للخَلقِ لَمَّا جَهِلوا الحَقَّ، فابتَلاهمُ اللهُ بأناسٍ من ذَوي الجُرأةِ السُّفَهاءِ... وسَلَّطَ أيضًا أناسًا من أهلِ البدعةِ والضَّلالةِ، فكَذَبوا على القَومِ وأكابرِ الرِّجالِ وأدخَلوا في كَلامِهم ما ليس منه؛ فتَبعَهمُ البَعضُ فأُلحِقوا بالأخسَرينَ أعمالًا) .


هذه شَهادةٌ منَ الرِّفاعيِّ نَفسِه تَناقَلتْها كُتُبُ الرِّفاعيَّةِ من بَعدِه!


ولكِن هل يوافِقُ الرِّفاعيُّون شَيخَهم بأنَّ كُلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ؟ وهل يُتابعونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أقوالِهم وأفعالِهم وسُلوكِهم؟!


قال الذَّهَبيُّ: (أصحابُه فيهمُ الجَيِّدُوالرَّديءُ، وقد كَثُرَ الزَّغلُ فيهم وتَجَدَّدَت لهم أحوالٌ شَيطانيَّةٌ مُنذُ أخَذَتِ التَّتارُ العِراقَ من دُخول النِّيرانِ ورُكوبِ السِّباعِ واللَّعِبِ بالحَيَّاتِ، وهذا ما عَرَفه الشَّيخُ ولا صُلحاءُ أصحابِه) .


وقال لأحَدِ تَلاميذِه: (يا بُنيَّ، إذا نَظَرتَ في القَومِ الذينَ ادَّعَوا التَّصَوُّفَ اليَومَ وجَدتَ أنَّ أكثَرَهم منَ الزَّنادِقةِ الحَروريَّةِ والمُبتَدِعةِ، ورَأيتَهم أكثَرَ النَّاسِ جهلًا وحُمقًا، وأشَدَّهم مكرًا وخَديعةً، وأعظَمَهم عُجبًا وتَطاوُلًا، وأسوأَهم ظَنًّا بأهلِ الزُّهدِ والتَّقوى) .


وكان يَعيبُ على الصُّوفيَّةِ مَوقِفَهم منَ العُلماءِ وتَذَمُّرَهم من إنكارِهمُ الدَّائِمِ عليهم قائِلًا: (قُلْ يا أخي للمَساكينِ المَحجوبينَ منَ الصُّوفيَّةِ: ما تُريدونَ أنَّ يوجَدَ في قُطرِكُم هذا الرَّجُلُ العالمُ يَدفعُ شُبَهَ المُلحِدينَ وأهلِ البدَعِ والزَّيغِ بالحُجَجِ الظَّاهرةِ؟!) .


ويُستَفادُ من هذا النَّهيِ عنِ انتِهاجِ منهجِ الصُّوفيَّةِ المُتَّسِمِ بالغُلوِّ ما يَلي:


1- اعتِرافُه بمادَّةِ الغُلوِّ التي عُرِفَت عِندَ الصُّوفيَّةِ.

2- اعتِرافُه بكَثرةِ كَذِبِهم على مَشايِخِهم وأئِمَّتِهم.

3- اعتِرافُه بأنَّ أكثَرَهم منَ الزَّنادِقةِ المُبتَدِعةِ الذينَ يَتَسَتَّرونَ بالزُّهدِ والتَّذَلُّلِ والانكِسارِ ويُبطِنونَ العُجبَ والتَّطاوُلَ على حَدِّ قَولِه.


4- اعتِرافُه بكَثرةِ إنكارِ العُلماءِ عليهم، وليس ذلك إلَّا لسُهولةِ انتِشارِ البدَعِ والمُخالَفاتِ الشَّرعيَّةِ بَينَهم.


ومَوقِفُ الرِّفاعيِّ منَ البدعةِ لا يَتَّفِقُ ومَوقِفَ أتباعِه منها، ويَتَجَلَّى ذلك في قَولِه: (لو عَبَدَ العابدُ رَبَّه خَمسَمِائةِ عامٍ بطَريقةٍ غَيرِ شَرعيَّةٍ، فعِبادَتُه راجِعةٌ إليه، ووِزرُه عليه، ولا يُقيمُ اللهُ له يَومَ القيامةِ وزنًا، ورَكعَتانِ من فقيهٍ في دينِه أفضَلُ عِندَ اللهِ من ألفَيْ رَكعةٍ من فقيرٍ جاهلٍ في دينِه!) .


وقَولُه: (اطلُبوا اللهَ بمُتابَعةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإيَّاكُم وسُلوكَ طَريقِ الهدى بالنَّفسِ والهَوى) .


وقال الرِّفاعيُّ: (ما تَهاونَ قَومٌ بالسُّنَّةِ وأهمَلوا قَمعَ البِدعةِ إلَّا سَلَّطَ اللهُ عليهمُ العَدوَّ... وما انتَصَرَ قَومٌ للسُّنَّةِ وقَمَعوا البِدعةَ وأهلَها إلَّا ورَزَقَهم هَيبةً مِن عِندِه ونَصَرَهم وأصلحَ شَأنَهم) .


وأنكَر أحمَدُ الرِّفاعيُّ ما قاله الحَلَّاجُ، ونَفى أن يَكونَ وليًّا أو واصلًا؛ حَيثُ قال: (أي سادةُ، تَفرَّقَتِ الطَّوائِفُ شيعًا، وأحمَدُ «يَعني نَفسَه» بَقيَ مَعَ أهلِ الذُّلِّ والانكِسارِ والمَسكَنةِ والاضطِرارِ، إيَّاكُم والكَذِبَ على اللهِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام: 21] .


يَنقُلونَ عنِ الحَلَّاجِ أنَّه قال: أنا الحَقُّ. أخطَأ بوهمِه، لو كان على الحَقِّ ما قال: أنا الحَقُّ، يَذكُرونَ له شِعرًا يوهمُ الوَحدةَ، كُلُّ ذلك ومِثلُه باطِلٌ، ما أراه رجُلًا واصِلًا أبدًا، ما أراه شَرِب، ما أراه حَضَر، ما أراه سَمِع إلَّا رَنَّةً وطنينًا، فأخَذَهمُ الوَهمُ من حالٍ إلى حالٍ، وما زادَ قربًا ولم يَزدَدْ خوفًا فهو مَمكورٌ. إيَّاكُم والقَولَ بهذه الأقاويلِ، إنْ هي إلَّا أباطيلُ) .


واستَطرَدَ الرِّفاعيُّ أيضًا مبيِّنًا أنَّ حالَ الأولياءِ الصَّادِقينَ لا تَكونُ كَحالِ فِرعَون الذي قال:أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات: 24] . وليست كذلك كحالِ نُمرودَ الذي قال: أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ [البقرة: 258] ، فقال: (دَرَجَ السَّلَفُ على الحُدودِ بلا تَجاوُزٍ. باللهِ عَليكُم هل يَتَجاوزُ الحَدَّ إلَّا الجاهِلُ؟ وهل يَدوسُ عَنوةً في الجُبِّ إلَّا الأعمى!

ما هذا التَّطاوُلُ! وذلك التَّطاوُلُ ساقِطٌ بالجوعِ، ساقِطٌ بالعَطَشِ، ساقِطٌ بالنَّومِ، ساقِطٌ بالوجَعِ، ساقِطٌ بالفاقةِ، ساقِطٌ بالهَرَمِ، ساقِطٌ بالعناءِ.


أينَ هذا التَّطاوُلُ من صَدمةِ صَوتِ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافِر: 16] .


العَبدُ مَتى تَجاوزَ حَدَّه مَعَ إخوانِه يُعَدُّ في الحَضرةِ ناقصًا. التَّجاوُزُ عِلمٌ ناقِصٌ يُنشَرُ على رَأسِ صاحِبِه يَشهَدُ عليه بالغَفلةِ، يَشهَدُ عليه بالزَّهوِ، يَشهَدُ عليه بالحِجابِ. يَتَحَدَّثُ القَومُ بالنِّعَمِ، لكِنْ مَعَ مُلاحَظةِ الحُدودِ الشَّرعيَّةِ.


الحُقوقُ الإلهيَّةُ تَطلُبُهم في كُلِّ قَولٍ وفِعلٍ. الوِلايةُ ليست بفِرعَونيَّةٍ ولا بنُمروديَّةٍ،


قال فِرعَونُ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24] . وقال قائِدُ الأولياءِ وسَيِّدُ الأنبياءِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لستُ بمَلِكٍ)) نَزَعَ ثَوبَ التَّعالي والإمرةِ والفوقيَّةِ. كَيف يَتَجَرَّأُ على ذلك العارِفونَ، واللهُ يَقولُ:وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس: 59] ؟


وَصفُ الافتقارِ إلى اللهِ وصفُ المؤمِنين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ [فاطر:15]


، هذا الذي أقولُه عِلمُ القَومِ. تَعلَّموا هذا العِلمَ؛ فإنَّ جَذَباتِ الرَّحمَنِ في هذا الزَّمانِ قَلَّت.

اصرِفوا الشَّكوى إلى اللهِ في كُلِّ أمرٍ. العاقِلُ لا يَشكو لا إلى مَلِكٍ ولا إلى سُلطانٍ. العاقِلُ كُلُّ أعمالِه للَّهِ)



الدرر السنية موسوعة الفرق

https://dorar.net/frq/2557/%D8%A7%D9...8A%D8%B1%D9%87
التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* الداعية الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟
* القومية العربية ...نشأتها وحقيقتها
* الإباضية ...
* صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم ... للشيخ العلامة ابن باز
* حكم مصافحة النساء ...

السليماني غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة السليماني ; 03-04-2025 الساعة 03:24 PM.

رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
..., الرفاعية, الشخصيات, الصوفية, عقائد, فرقة, وأبرز
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اليهودية ...عقائد وضلالات السليماني قسم الفرق والنحل 3 03-07-2025 10:45 PM
البوذية ...عقائدها وأبرز شخصياتها السليماني قسم الفرق والنحل 2 11-02-2024 11:39 PM
البريلوية ... عقائد وتاريخ السليماني قسم الفرق والنحل 2 10-08-2024 09:46 PM
المعتزلة.. التأسيس .. ابرز الشخصيات .. المبادئ والأفكار ابو عبد الرحمن قسم الفرق والنحل 7 10-05-2024 01:41 PM
كيفية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت وأبرز وسائلهاااااااااااااا الشيخ عبده ملتقى الحوار الإسلامي العام 4 01-06-2019 06:00 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009