استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى القرآن الكريم وعلومه > قسم تفسير القرآن الكريم
قسم تفسير القرآن الكريم يهتم بكل ما يخص تفسير القرآن الكريم من محاضرات وكتب وغيرذلك
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 10-04-2025, 11:20 AM   #13
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم

السلم والسلام والإسلام مصطلحات مركزية في القرآن الكريم، دعا إليها، ورفع من شأنها، ووجه الأنظار إليها؛ فنحن نقرأ بخصوص دعوة المؤمنين إلى الالتزام بأحكام الإسلام جميعها، قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} (البقرة:208)؛ ونقرأ في صفة القرآن الكريم بأنه: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} (المائدة:16)، ونقرأ أيضاً دعوته سبحانه لعباده المؤمنين، أن يجدُّوا في العمل، ويكدوا في السعي من أجل دار باقية، لا من أجل دار فانية، ويقول في وصف تلك الدار: {والله يدعو إلى دار السلام} (يونس:25)، علاوة على أن (السلام) اسم من أسماء الله تعالى.

وإذا وجهنا أنظارنا تلقاء ساحات القتال، ومواطن النـزال، ومخابر الرجال، وجدت خطاب القرآن يقول: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} (الأنفال:61) فالآية خطاب عام بالدعوة إلى الاستجابة للسلم، إذا ما طلبه الخصم.
ثم إننا نقرأ خطاباً من نوع آخر في القرآن، يقول: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} (محمد:35)، وهذا الخطاب ينهى المؤمنين عن الاستكانة للعدو، ومسالمته، ويخبر أن النصر مع المؤمنين إن صدقوا الله في جهادهم لأعدائهم.

إذن، نحن أمام خطابين قرآنيين، وإن شئت قل: أمام نصين قرآنيين؛ أحدهما: يدعو المؤمنين إلى الاستجابة إلى نداء السلم، والدخول في المسالمة، وقبول الصلح؛ وثانيهما: ينهي المؤمنين عن الضعف الاستكانة والمسالمة. ولا يخفاك ما يبدو من تعارض بين الآيتين على النحو الذي قررناه آنفاً.

وقد توقف المفسرون عند الآيتين الكريمتين، وذكروا أن الآيتين من حيث الظاهر متعارضتان؛ وكان لهم مسلكان في دفع هذا التعارض:

المسلك الأول: يرى أصحاب هذا المسلك أن قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}، منسوخ بالآيات الآمرة بجهاد الكفار وقتالهم، كقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (التوبة:29)، وقوله سبحانه: {وقاتلوا المشركين كافة} (التوبة:36)، ونحو ذلك من الآيات الداعية إلى قتال أهل الكفر والعناد. ومن القائلين بالنسخ: قتادة وعكرمة والحسن البصري وبعض التابعين.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يشدُّ من أزر هذا القول، وذلك فيما أخرجه أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}، قال: نسختها هذه الآية: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}.

المسلك الثاني: يرى أن الآيتين محكمتان، ولا نسخ بينهما، بل كل آية منهما تتحدث عن حالة غير الحالة التي تتحدث عنها الآية الأخرى، وبالتالي يكون لكل حالة حكم مغاير عن حكم الحالة الأخرى، وإن كان المفسرون يختلفون وراء ذلك في توجيه الآيات، وبيان الحالات؛ فمنهم من قال: إن قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}، يتحدث عن حالة يكون فيها المسلمون في موقع قوة، وسيطرة على مجريات الأمور، فإذا طلب الأعداء - والحالة كذلك - السلم من المسلمين، فإن على المسلمين أن يستجيبوا لهم، ويعطوهم ما طلبوا من سلم ومسالمة.

أما قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون}، فيتحدث عن حالة يطلب المسلمون فيه السلم من الأعداء ابتداء، فهذا الذي نهت عنه الآية، وطلبت من المؤمنين ألا يدعوا المشركين إليه، بل عليهم أن يُعدُّوا العُدة، ويتأهبوا لملاقاة الأعداء، ويطلبوا العون من الله، فإنه ناصرهم لا محال.

إذن، لما كان مورد الآيتين مختلفاً، فقد استدعى ذلك اختلافاً في الحكم، دون أن يعني ذلك تعارضاً بين الآيتين؛ لاختلاف الحالتين، واختلاف الموردين اللذَيْن تتحدث عنهما كل آية.

وللعلم، فإن دعوة المسلمين الكفار إلى الصلح ابتداء -كما يذكر الطبري- لم يرد لها ذكر في القرآن، وإنما الذي ورد أن يجنحوا للسلم، إن طلب منهم الكفار ذلك.

هذا، وقد رد الطبري قول القائلين بالنسخ فقال ما حاصله: ومن قال بأن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب، ولا سُنَّة، ولا فطرة عقل.

ومع أن الطبري نفى أن يكون ثمة نسخ بين الآيتين، إلا أنه -كما يُفهم من كلامه- يذهب إلى أن قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} نص خاص عنى به بني قريظة، وكانوا يهوداً أهل كتاب، وقد أذن الله سبحانه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب، ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم، وروى عن مجاهد: {وإن جنحوا للسلم}، قال: قريظة.

ومنهم من نفى أن يكون بين الآيتين نسخ أو تخصيص، وإنما كل آية يُعمل بها في موضعها؛ ومحصل هذا التوجه كما يفيده كلام ابن كثير: أن الأصل قتال أهل الشرك، إذا أمكن ذلك، والعمل بهذا يكون على وفاق قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون}؛ أما إن كان المسلمون في حالة ضعف، بحيث لا يمكنهم قتال المشركين، فإنه - والحالة كذلك - يجوز مهادنتهم، ولو لم يطلب المشركين الصلح. وعلى هذا - بحسب ابن كثير - لا منافاة، ولا نسخ، ولا تخصيص بين الآيتين؛ فإحداهما: تقرر ما هو الأصل، وهو القوة؛ والأخرى: تقرر ما هو الاستثناء، وهو حال الضعف.

وقريب مما ذهب إليه ابن كثير، ما ذهب إليه الشوكاني، مع شيء من الاختلاف في التوجيه، حيث قرر الشوكاني أنه "لا مقتضى للقول بالنسخ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداء، ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون، فالآيتان محكمتان ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص".

ومن الملاحظ أن أصحاب المسلك الثاني، قد اتفقوا على أن الآيتين محكمتان، وألا نسخ بينهما مطلقاً؛ غير أنهم افترقوا بعض الشيء في توجيه الآيتين؛ فالطبري ذهب إلى أن آية الأنفال خاصة، وابن كثير لم ير التخصيص، ووجه الآيتين على أساس حالة المسلمين من القوة والضعف؛ والشوكاني وجَّه الآيتين على أساس الابتداء في طلب السلم وعدمه.

فتحصل مما تقرر في هذا المسلك، أن الدعاء إلى السلم المنهي عنه في قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون}، إنما هو طلب السلم والمسالمة من العدو في حال قدرة المسلمين، وخوف العدو منهم، فالنهي عن السلم هنا مقيد بكون المسلمين داعين له، وبكونهم في حالة قوة ومَنَعة، بحيث يدعون إلى السلم رغبة في الدعة؛ أما السلم الوارد في قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}، فإنه سِلْم طلبه العدو، فليست هذه الآية ناسخة لتلك ولا العكس، ولكلٍّ حالة خاصة.

بقي أن نشير هنا إلى أمرين، بهما تحصل الفائدة:

الأول: أن السلم الذي دعت إليه الآية القرآنية -آية الأنفال- إنما هو سلم يكون مع أقوام لم يكونوا قد احتلوا البلاد، وأذلوا العباد، وإنما مع أقوام يُقيمون في ديارهم، وجرى بينهم وبين المؤمنين قتال لسبب من الأسباب. وإن شئت قل: إن آية الأنفال تنطبق على العدو الذي يكون له أرض ودولة خاصة به منذ الأصل؛ أما من احتل أرض غيره، ثم دعا إلى سلام ومسالمة، فلا ينطبق عليه حكم الآية المشار إليها، ولا يصح عليه معنى الجنوح إلى السلم، إلا إذا صحت مصالحة المسروق للص السارق!

الثاني: أنه سبحانه قال: {وإن جنحوا للسلم}، ولم يقل: (وإن طلبوا السلم) فأجبهم إليها، للتنبيه على أن الأعداء لا يجابون إلى السلم، إلا إذا عُلم من حالهم الرغبة فيه؛ لأنهم قد يُظهرون الميل إلى السلم كيداً أو خدعة، وعندئذ فلا ينبغي أن يجابوا إليه. وهذا مستفاد من دلالة الفعل ( جنح ). أفاده ابن عاشور.
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-2025, 07:38 PM   #14
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

لن ضره أقرب من نفعه



في سياق حديث القرآن الكريم عن فريق من الناس يعبدون الله على تردد وتشكك، يذكر سبحانه من صفات هذا الفريق أنه: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه} (الحج:12)، ثم يبين عز وجل أن هؤلاء المدعوين ضررهم أكثر من نفعهم، فيقول تعالى: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج:13).

وهاتان الآيتين الكريمتان قد يبدو بينهما للوهلة الأولى شيء من التعارض والتناقض؛ وذلك أن الآية الأولى نفت أن يكون لهؤلاء المدعوين أي تأثير فيمن يدعونهم نفعاً أو ضراً؛ بالمقابل فإن الآية الثانية أثبتت لهؤلاء المدعوين شيئاً من التأثير، حيث قررت أن ضرهم أكثر من نفعهم، ومفهوم هذا أنهم يملكون ضراً ونفعاً؛ لأن صيغة التفضيل في قوله: {أقرب} دلت على أن هناك نفعاً وضراً، ولكن الضر أقرب من النفع. غير أن المعبود من دون الله، ليس فيه نفع البتة، حتى يقال فيه: إن ضره أقرب من نفعه. فهذا وجه التعارض بين الآيتين. فكيف التوفيق بينهما؟

يذكر المفسرون أجوبة عديدة في التوفيق بين الآيتين، نختار منها ما ذكره الرازي وما ذكره أبو حيان ، ففيما ذكراه بيان لما هو مطلوب، وغَناء عما سواهما:

أما الرازي فقد وفَّق بين الآيتين بأمور ثلاثة، نذكر منها اثنين:

أحدهما: أن الأصنام لا تضر بأنفسها ولا تنفع، ولكن عبادتها سبب الضرر؛ وذلك كافٍ في إضافة الضرر إليها، كقوله تعالى: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} (إبراهيم:36)، فأضاف الإضلال إلى الأصنام من حيث كانوا سبباً للضلال. وهكذا هنا نفى الضرر عنهم في الآية الأولى بمعنى كونها فاعلة، وأضاف الضرر إليهم في هذه الآية بمعنى أن عبادتها سبب الضرر. وعليه، فإن الضر والنفع المنفيين في الآية الأولى ما يكون بطريق المباشرة، أما الضر والنفع المثبتين في الآية الثانية ما يكون بطريق التسبب.

وتأسيساً على هذا التوجيه، فإن إثبات الضر والنفع للمدعوين، ليس على سبيل الحقيقة، وإنما هو على سبيل الإضافة، كما نقول: هذا مال فلان. فنسبة الملك لفلان إنما هي نسبة إضافية، وليست حقيقية؛ لأن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه، قال تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} (النور:33).

ثانيهما: أن إضافة النفع والضر إلى هؤلاء المدعوين، إنما هو على سبيل الافتراض، ومسايرة الخصم في المجادلة، فكأنه سبحانه بيَّن في الآية الأولى أنها في الحقيقة لا تضر ولا تنفع، ثم قال في الآية الثانية: لو سلمنا كونها ضارة نافعة، لكان ضررها أكثر من نفعها. وعلى هذا، فإن الضر والنفع المنفيين هما الحقيقيان، والضر والنفع المثبتان هما الافتراضيان.

أما أبو حيان فقد وفق بين الآيتين بما حاصله: أن الآية الأولى واردة في الذين يعبدون الأصنام، فالأصنام لا تنفع مَن عَبَدها، ولا تضر من كفر بها؛ ولذا قال فيها: {ما لا يضره وما لا ينفعه}، والقرينة على أن المراد بذلك الأصنام، هي التعبير بحرف (ما) في قوله {ما لا يضره وما لا ينفعه}؛ لأن هذا الحرف يأتي لما لا يعقل، والأصنام لا تعقل.

أما الآية الأخرى فهي فيمن عبد بعض الطغاة المعبودين من دون الله، كفرعون القائل: {ما علمت لكم من إله غيري} (القصص:38)، والقائل: {لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} (الشعراء:29)، والقائل: {أنا ربكم الأعلى} (النازعات:24)، فإن فرعون ونحوه من الطغاة المعبودين قد يغدقون نِعَم الدنيا على عابديهم؛ ولذا قال له سحرته: {أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} (الشعراء:41-42)، فهذا النفع الدنيوي بالنسبة إلى ما سيلاقونه، من العذاب والخلود في النار، لا يساوي شيئاً يذكر، فضرُّ هذا المعبود بخلود عباده في النار، أقرب من نفعه، بعَرَض قليل زائل من حطام الدنيا. والقرينة على أن المعبود في هذه بعض الطغاة الذين هم من جنس العقلاء: هي التعبير بالحرف (مَن)، الذي يأتي لمن يعقل في قوله: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه}.

هذا، وقد عقب الشيخ الشنقيطي على جواب أبي حيان بقوله: وله اتجاه. وهذا تصويب من الشيخ لما ذهب إليه أبو حيان.

ومن متممات الحديث عن هاتين الآيتين، أن إيراد صيغة التفضيل في قوله سبحانه: {أقرب من نفعه}، مع عدم النفع بالمرة؛ للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي، وللتهكم بحال المدعوين الذي لا يملكون من أمرها شيئاً.

وبناء على ما تقدم، يتضح ألا تعارض في الحقيقة بين الآيتين، بل كل واحدة منهما كاشفة عن وجه المقصود، ومبينة أن الضار والنافع في المحصلة هو الله سبحانه، وأن الأصنام - سواء أكانت بشرية أم حجرية - لا نفع فيها بحال من الأحوال، بل هي ضرر بحت لمن يعبدها.




امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-21-2025, 09:34 PM   #15
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

كتاب أحكمت آياته...كتاباً متشابهاً

وصف سبحانه القرآن بأوصاف من صفات الكمال؛ فوصفه بأنه قرآن عربي، وقرآن مبين، وقرآن عظيم، وقرآن حكيم، وقرآن مجيد، وقرآن كريم، وأنه كتاب عزيز، وكتاب حفيظ، وكتاب مكنون، وغير ذلك من الأوصاف التي لم تجتمع لكتاب سماوي غير القرآن، فضلاً عن أن تجتمع في كتاب أرضي.

ومن الأوصاف التي وصف الله بها كتابه المحفوظ أنه {كتاب أحكمت آياته} (هود:1)، فجاء وصف القرآن كله بأنه كتاب (محكم)، ووصفه سبحانه في موضع آخر القرآن بأنه كتاب (متشابه)، وذلك في قوله سبحانه: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} (الزمر:23) و{أحسن الحديث} القرآن، وأخبر سبحانه في موضع ثالث عن القرآن بأن {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} (آل عمران:7).

وقد يتساءل البعض فيقول: كيف يصف سبحانه كتابه تارة بأنه كتاب محكم، وتارة أخرى بأنه كتاب متشابه، وتارة ثالثة بأن فيه آيات محكمات وفيه آيات متشابهات، أليس في هذا تعارض وتناقض؟!

قبل الجواب على هذا السؤال، لا بد من الوقوف عند المقصود من كل آية من هذه الآيات الثلاث، ثم نتبع ذلك بمزيد إيضاح، كي يستبين لنا وجه الصواب في معنى هذه الآيات، فيرتفع من - خلال ذلك - ما يبدو بينها من تعارض أو تناقض.

أما قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}، فالراجح في معناها: أن (المحكمات) من الآيات، هي ما عُرف تأويله، وفُهم معناه وتفسيره، كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (المائدة:38)، فهذه الآية تتضمن حكماً واضحاً.

أما (المتشابه) من الآيات، فهي التي تشتبه على فهم كثير من الناس، ولا يزول هذا الاشتباه إلا بردها إلى (المحكم)؛ ويمكن أن يقال فيها: إنها ما لم يكن لأحد إلى علمها سبيل، بل هي مما استأثر الله تعالى بعلمها دون خلقه، كقوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة} (لقمان:34)، وقوله سبحانه: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} (الإسراء:85)، ومن قبيل (المتشابه) أيضاً الحروف المقطعة في أوائل السور.

وأما قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته}، أي: أحكمت آياته في النظم والوضع، وأنه حق من عند الله، لا مدخل لأحد في نظمه ولا في معناه؛ فمعنى (الإحكام) هنا: أنه لا يتطرق إلى آياته تناقض ولا فساد، كإحكام البناء، فإن القرآن نسخ جميع الكتب المتقدمة عليه، وأحكم أمر الشرائع إحكاماً لا إحكام بعده.

وقوله تعالى: {كتاباً متشابها}، أي: يشبه بعضه بعضاً في الصحة والفصاحة والحسن والبلاغة، ويصدق بعضه بعضاً، ويدل بعضه على بعض، فآياته متساوية في ذلك بحسب ما يقتضيه حال كل آية منها، فلا تعارض فيها ولا تناقض بينها ولا اختلاف، بل كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه - حتى في معانيه الغامضة - ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا عن حكيم عليم، بخلاف ما هو حاصل في كلام البشر، فالكاتب البليغ والشاعر المجيد لا يخلو كلام أحدهما من ضعف في بعضه، وأيضاً لا تتشابه أقوال أحد منهما، بل تجد لكل منهما قطعاً متفاوتة في الحسن والبلاغة وصحة المعاني.

إذا تبين المقصود من هذه الآيات، ننعطف على رفع ما يبدو بينها من تعارض، فنقول: إن المراد بـ (المحكمات) في قوله تعالى: {منه آيات محكمات} غير المراد من (المحكم) في قوله سبحانه: {أحكمت آياته}؛ إذ المراد بـ (المحكم) في سورة آل عمران ما لا التباس فيه، ولا يحتمل إلا وجهاً واحداً، وهو المقابل لـ (المتشابه)؛ أما المحكم في سورة هود، فالمراد منه (الإحكام) في النظم، وأنه كله حق من عند الله، على معنى قوله تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} (فصلت:42).

وأيضاً، المراد من (المتشابه) في قوله سبحانه: {وأخر متشابهات} غير المراد من (التشابه) في قوله سبحانه: {كتابا متشابها}؛ إذ المراد بـ (المتشابه) في سورة آل عمران ما كان من باب الاحتمال والاشتباه، على معنى قوله سبحانه: {إن البقر تشابه علينا} (البقرة:70)، أي: التبس علينا، أي: يحتمل أنواعاً كثيرة من البقر؛ أما المراد بـ (المتشابه) في سورة الزمر، فالمراد منه التوافق في الوصف، بمعنى أن كله يشبه بعضه بعضاً، ولا يخالف بعضه بعضاً؛ لأن مصدره واحد، هو الله سبحانه، على معنى قوله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82).

وبما تقدم نعلم، أن (الإحكام) و(التشابه) في قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}، هما من باب التقابل، أي: أن (المحكم) مقابل لـ (المتشابه)، وبعبارة أخرى: (المحكم) بمثابة الأصل، و(المتشابه) بمثابة الفرع، يقول القرطبي: " فالمحكم أبداً أصل تُردُّ إليه الفروع، والمتشابه هو الفرع "؛ وعليه فـ (المحكم) و(المتشابه) في هذه الآية مصطلحان يندرجان ضمن مباحث أصول الفقه.

أما (المحكم) في قوله سبحانه: {أحكمت آياته}؛ فليس مقابلاً لـ (المتشابه) في قوله تعالى: {كتابا متشابها}، بل كل منهما وصف للقرآن جميعه؛ إذ إحداهما تثبت أن القرآن كتاب (محكم) في النظم، والأخرى تثبت أن القرآن يشبه بعضه بعضاً من جهة اللفظ ومن جهة المعنى، فليس فيه لفظ ضعيف وآخر قوي، وليس فيه معنى بليغ وآخر غير بليغ، بل ألفاظه كلها في غاية الضبط والقوة والإحكام، ومعانيه كله بالغة النهاية في البلاغة والبيان؛ وعليه فـ (المحكم) و(المتشابه) هنا يندرجان في مباحث بلاغة القرآن وإعجازه.

فتحصَّل من مجموع ما تقدم: أن المراد بـ (المحكم) و(المتشابه) الوارد في قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}، غير (المحكم) الوارد في قوله سبحانه: {كتاب أحكمت آياته}، وغير (المتشابه) الوارد في قوله تعالى: {كتابا متشابها}، بل كل وصف من هذه الأوصاف جاء مناسباً للسياق الذي وردت فيه الآية، الأمر الذي ينفي التعارض تماماً بين هذه الآيات.
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-25-2025, 11:30 AM   #16
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

عيسى عليه السلام بين الوفاة والحياة

تفيد الأخبار الصحيحة أن نبي الله عيسى عليه السلام، سوف ينـزل في آخر الزمان، ويحكم بشريعة الإسلام، ويرفع الظلم عن الناس، ويقيم العدل بينهم، ويعم الرخاء في البلاد، ويسود الأمن بين العباد؛ والأخبار في هذا الصدد بلغت مبلغ التواتر، وهي تفيد في مجملها أن عيسى عليه السلام قيد الحياة.

وقد وردت آية في القرآن الكريم، يفيد ظاهرها أن الله سبحانه قد توفى عيسى عليه السلام، ورفعه إليه بعد تلك الوفاة، وهي قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} (آل عمران:55).

وظاهر لفظ الآية يتعارض مع آيات أخرى، تفيد أن عيسى عليه السلام حي يرزق، كما جاء في قوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه} (النساء:157) وقوله سبحانه: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} (النساء:159)، على الراجح من أقوال المفسرين في أن الضمير في قوله سبحانه: {قبل موته} يعود على عيسى عليه السلام؛ ناهيك عن الأحاديث الدالة على أن عيسى عليه السلام حي في السماء؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (ليوشكن أن ينـزل فيكم بن مريم حكمًا عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا) متفق عليه.

إذن، نحن أمام آية يفيد ظاهرها وفاة عيسى عليه السلام؛ ونحن أيضًا أمام آيات وأحاديث بعضها صريح، وبعضها الآخر غير صريح، لكن يؤخذ منها بطريق الاستنتاج، أن عيسى عليه السلام حي لم يمت. فكيف يمكن التوفيق بين قوله تعالى: {متوفيك}، وبين بعض الآيات والأحاديث المفيدة لحياة عيسى عليه السلام؟

وقبل الجواب على هذا السؤال، نشير إلى أن الجمع والتوفيق بين ما ظاهره التعارض من الأدلة أمر متعين، ما دامت الأدلة ثابتة، ولا يجوز الأخذ ببعض الأدلة، وترك بعضها الآخر؛ لأن في هذا المسلك تحكم بغير دليل.

وقد نظر العلماء في مجموع الأدلة الواردة في هذا الشأن، ووجدوا أن أدلة نزول عيسى عليه السلام أدلة صحيحة وصريحة، قد بلغت مبلغ التواتر، وهي بمجموعها تستلزم أن يكون عيسى عليه السلام حيًا، لم تفارق روحه جسده؛ فلم يكن أمامهم سوى أن يؤولوا قوله سبحانه: {متوفيك} بحيث يتوافق مع الأدلة التي تفيد أن عيسى عليه السلام لا يزال على قيد الحياة.

وكان للعلماء في توجيه وتأويل قوله سبحانه: {متوفيك} عدة أقوال، أصحها ما يلي:

الوجه الأول: أن المراد بقوله تعالى: {متوفيك} ( وفاة النوم ) وهي وفاة غير حقيقية؛ وذلك أن (الوفاة) في القرآن تطلق ويراد بها الوفاة الحقيقة، كقوله تعالى: {والله خلقكم ثم يتوفاكم} (النحل:70)، وقوله سبحانه: {قل يتوفاكم ملك الموت} (السجدة:11)؛ وتطلق ( الوفاة ) ويراد بها النوم، كقوله سبحانه: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} (الأنعام:60)، وقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} (الزمر:42)؛ وعلى هذا، تكون الأدلة المثبتة لحياة عيسى عليه السلام قرينة على أن المراد من ( الوفاة ) في قوله سبحانه: {متوفيك} الوفاة التي هي بمعنى النوم؛ ويكون المعنى على هذا التأويل: أن الله سبحانه أنام عيسى عليه السلام ثم رفعه إليه، وهو حي، وسوف يبعثه الله إلى الأرض يوم القيامة ليقوم بما أخبرت عنه الأحاديث. فهذا قول للمفسرين في توجيه الآية، وقد قال عنه ابن كثير: إنه قول الأكثرين.

الوجه الثاني: أن لفظ (الوفاة) الوارد في الآية بمعنى (القبض)، ووجدوا في اللغة ما يساعدهم على القول بذلك؛ ففي اللغة يقال: توفيت الحساب واستوفيته؛ وتوفيت المال منه واستوفيته: إذا أخذته منه كله؛ وتوفيت مالي من فلان، أي: قبضته. وعلى هذا المعنى، جاء قوله تعالى: {ووجد الله عنده فوفاه حسابه} (النور:39). وعلى ضوء هذا المعنى اللغوي لـ ( الوفاة ) يكون معنى قوله تعالى: {متوفيك} أي: قابضك من الأرض حيًا بغير موت، ورافعك من بين المشركين، ومطهرك منهم.

وهناك وجه يرى أن الآية جاءت من باب التقديم والتأخير، فهي من باب تقديم ما حقه التأخير، وهو أسلوب جار في لغة العرب، وعليه جاء قول حفص بن حبيب:

ألا يا أيها المحجوب عنا عليك ورحمة الله السلام

أي: عليك السلام ورحمة الله.

ومنه قوله سبحانه: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} (طه:129)، وتقدير الكلام: ولولا كلمة سبقت من ربك، وأجل مسمى، لكان لزامًا. وعلى هذا القول يكون معنى الآية: يا عيسى! إني رافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا. وبهذا القول قال قتادة من التابعين، ومال إليه من المفسرين الإمام القرطبي.

ورأى بعض المفسرين، أن الآية لا تعين وقتًا، بل جاءت مطلقة، وغاية ما تفيده الإخبار عن توفي عيسى عليه السلام، ورفعه إليه، وتطهيره، من غير تعين وقت لوقوع هذه الأحداث؛ فـ (الواو) في الآية لا تفيد ترتيب وقوع الأحداث، بل كل ما تفيده وقوعها وحدوثها فحسب، وعلى هذا فلا دليل يقطع أن الوفاة قد حصلت، بل غاية ما في الأمر، أن هناك وفاة حاصلة يومًا ما، أما متى وكيف فلا دليل عليه في الآية؛ وقد ثبت الدليل في غير هذه الآية أنه حي، وصح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينـزل، ويقتل الدجال، ثم يتوفاه الله بعد ذلك.

وكما تبين، فإن كل تأويل من التأويلات الواردة على قوله تعالى: {متوفيك} له وجه معتبر، وعليه دليل يؤيده؛ وأيًّا كان المعنى لـ (الوفاة) فإنه يمكن الجمع بين الآية وغيرها من الأدلة الدالة على حياة عيسى عليه السلام، وبذلك يندفع التعارض، ويزول الإشكال.
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2025, 12:35 PM   #17
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

الجمع بين: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ...} و«إن الله تجاوز عن أمتي»

إن علماء الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تصدوا لبيان معاني بعض الآيات والأحاديث التي يُوهم ظاهرها أن ثمت تعارضًا بينها، فدفعوا ذلك التعارض الظاهري بالتوفيق والجمع بينها، سواء أكان التعارض بين آية وآية، أم بين آية وحديث مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك دفعهم التعارض بين قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تكلم» رواه البخاري. فظاهر الآية السابقة يدل على أننا محاسبون بما أضمرته قلوبنا وذلك تكليف بما لا يُطاق، ونصُّ الحديث يدل على أن الله تعالى قد تجاوز عنا ذلك، وأننا لا نحاسب إلا بالعمل أو الكلام، وإذا كان هذا الحديث صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن يعارض آية في كتاب الله تعالى لأن الحق لا يضرب بعضه بعضًا، وإنما يصدق بعضه بعضًا، ولذا عمل المفسرون على الجمع بين هذه الآية وهذا الحديث، ودفع التعارض الظاهري بينهما

فهذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة  لما نزلت، وهي قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:284] شق عليهم هذا الأمر، وجاؤوا إلى النبي ﷺ وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم ﷺ: أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله بعدها قوله سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۝ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286] الآية.
فسامحهم الله، وعفا ، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا، وبما أصروا عليه، وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب، فهذا معفو عنه؛ ولهذا صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم فزال هذا الأمر، والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله، أو قاله، أو أصر عليه بقلبه عملًا بقلبه، كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق، ونحو ذلك.

أما الخواطر التي تعرض، والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين، فهذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان، ولا تضر؛ ولهذا لما قال الصحابة: «يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما لئن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به -أو كما قالوا- قال: ذاك صريح الإيمان وفي لفظ: تلك الوسوسة فهي من الشيطان، إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص، وصحة الإيمان، والرغبة فيما عند الله، وسوس عليه بعض الشيء، وألقى في قلبه خواطر خبيثة، فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان، سلم من شرها؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام-: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله وفي لفظ: فليستعذ بالله ولينته.

فهذا يدلنا على أن الإنسان عرضة للوساوس الشيطانية، فإذا عرض له وساوس خبيثة، وخطرات منكرة، فليبتعد عنها؛ وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ولينته، ولا يلتفت إليها، فإنها باطلة ولا تضره، وهي من الخطرات التي عفا الله عنها ، نعم.

موقع ابن باز
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-2025, 01:48 PM   #18
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

الشفاعة في آيات القرآن الكريم بين النفي والإثبات

الشفاعة فضل من الله تعالى يكرم به بعض عباده يوم القيامة فيأذن لهم أن يشفعوا لمن شاء من خلقه ممن لم يقترف كفراً أو شركاً، ففي ظل ذلك الرهيب الذي يغرق الناس فيه في عرقهم، وتحيط بهم الأهوال من كل جانب، يتمنى كل إنسان أن يجد مخرجاً ومنفذا ينجو فيه من عذاب الله وعقابه، وهنا تبرز رحمة الله وفضله، فلا يخيب آمال خلقه، بل يأذن لأنبياءه وأولياءه بالشفاعة، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى في الفصل بين الخلائق، وبدء الحساب، ويشفع النبي صلى الله عليه وسلم في العصاة من أمته، ويشفع غيره من الأنبياء، ويشفع الشهداء في أقربائهم، ويشفع العلماء، ويشفع المولود في والده، ويشفع غيرهم ممن يأذن الله لهم، في يوم مهيب يحتاج الناس فيه لمثل هذه الشفاعات .
فالشفاعة هي توسط أصفياء الخلق يوم القيامة لرفع درجات أقوام أو دفع أو رفع أو تخفيف عقابهم وهي في حقيقتها تكريم للشافع، ورحمة بالمشفوع، ولأهمية الشفاعة فقد ورد ذكرها في العديد من الآيات، ولكن هذه الآيات ترددت في ذكرها بين النفي المطلق، والإثبات المقيد، ونحن نذكر جميع هذه الآيات ونبين معانيها، ونشرح كيف أن هذه الآيات – مع اختلاف ظاهرها - تتفق ولا تختلف، وتجتمع ولا تفترق .
قال تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون } البقرة (48)،
والظاهر من الآيات العموم أي أن النفوس يوم القيامة لا تنفعها شفاعة الشافعين، لكن سياق الآيات يدل على أن المراد بهذه النفوس التي لا تنفعها الشفاعات هي النفوس الكافرة، التي أشركت وكفرت بربها، فلم تترك لعظم ذنبها مجالا لرحمة الله أن تحل بها، بواسطة أو دون واسطة،
ومن الدليل على أن المراد من هذه الآية الكفار ما سبقها من آيات، والتي تبين أن المخاطب بها هم اليهود، قال تعالى: { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي .. } قال الإمام الطبري في تفسيره: " إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفساً لا تجزي عن نفس شيئاً في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه .. فآيسهم الله - جل ذكره - مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله - مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق، وخلافهم أمر الله في إتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاءهم به من عنده - بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماماً لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله " أ.هـ .
وقال تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون } البقرة (آية:123) وهذه الآية كسابقتها المخاطب بها بنو إسرائيل، والقول فيها كالقول في الآية السابقة .
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون } البقرة (آية:254)، وهذه الآية وإن كان المخاطب فيها المؤمنون والنفي فيها عاماً، إلا أنه من العام المخصوص، وتخصيصه بالأدلة الصريحة والصحيحة التي تثبت شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العصاة أصحاب الكبائر، ويمكن أن يقال أيضاً أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة التي لا يأذن الله فيها، أي التي يتصور أن يبتدئها الشافع دون إذن من الله، أما التي يأذن الله بها، فهذه ليست منفية بل مثبته في الآيات والأحاديث .

وقال تعالى: { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } مريم (آية:87) وهذه الآية دليل على إثبات الشفاعة، وأنها ليست منفية بإطلاق، بل هي مشروط بالإيمان وهو المقصود بالعهد في الآية، يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: " لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفداً الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض { إِلا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ } في الدنيا { عَهْدًا } بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به " أ.هـ .
ويقول تعالى: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } طه (آية:109) وهذه الآية تثبت الشفاعة وتشترط لها شرطين إذن الله ورضاه عن قول المشفوع، وقوله هو شهادة التوحيد، فهذه الآية تتسق مع ما سبقها من أن الشفاعة لا تنال كافرا لكفره .

وقال تعالى: { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } سبأ (آية:23) وهذه الآية كسابقتها .
وقال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون } الزمر (آية:44)، وهذه الآية ترد أمر الشفاعة جميعا لله تعالى، فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع، وهو الذي أراد للمشفوع أن يُشفع فيه، وهو القادر على منع الشافع والمشفوع، كما أنه هو القادر على إعطاءها، فالأمر كله بيده منعاً وإعطاءاً .
وقال تعالى: { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } الزخرف (آية:86) وهذه الآية خاطب الله بها الكفار الذين يعبدون الأوثان والأحجار، فقال لهم: إن من تدعونهم من أصنامكم وأوثانكم، وتأملون أن يشفعوا لكم، هم لا يملكون الشفاعة أصلاً، وإن من يملكها هو من يأذن الله له أن يشفع، وهم الأنبياء والمرسلون، فاتبعوهم وآمنوا بما جاءوا به من عند الله تنال شفاعتهم .
وقال تعالى: { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } المدثر (آية:48)، وهذه الآية في الكفار بدليل الآيات السابقة وهي متسقة مع ما أثبتناه سابقاً من إثبات الشفاعة للمؤمنين ونفيها عن الكافرين .
وقال تعالى: { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم } الشعراء (آية:100) وهذه الآية تحكي قول المشركين وهم في النار خالدون، كيف يتحسرون ويتندمون، فلا إيمان ينجيهم، ولا عمل يخلصهم، ولا شافع يشفع لهم، ولا صديق ينقذهم، فتقطعت بهم السبل، وضرب اليأس أعماقهم، فزادهم عذاباً فوق العذاب .

هذه جملة ما ورد في الشفاعة من آيات القرآن وهي تؤكد معنى واحدا أن الشفاعة ملك لله تعالى، وأنه سبحانه قد حرمها الكفار فلا يشفعون ولا يشفع لهم، وأنه سبحانه قد امتن على بعض عباده من الملائكة والأنبياء والشهداء والعلماء بالشفاعة تكريما لهم ورحمة بمن يشفعون .

وينبغي التنبيه هنا أن الشفاعة وإن كانت مثبتة بأدلة الكتاب والسنة والإجماع إلا أن على المؤمن أن لا يركن على ذلك، فيصيب المعاصي ويأتي المنكرات أملاً أن ينالها، فالشفاعة جائزة وليست واجبة، بمعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الشافعين يشفعون في بعض من تجوز الشفاعة فيهم لا كلهم، فتنال الشفاعة بعض العصاة دون بعض، ويصيب العذاب بعض العصاة دون بعض، ثم إن الشفاعة تحصل يوم القيامة أما في القبر فلا شفاعة، فعلى المسلم أن يركن لرحمة الله وتوفيقه ثم أن يركن إلى الإيمان والعمل الصالح فهما أعظم شفيع يوم القيامة .
اسلام ويب

امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, التعارض, ظاهرها
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
آداب الجنائز ام هُمام ملتقى الآداب و الأحكام الفقهية 10 03-28-2025 11:42 PM
التحذير من تخرصات مسيلمة الكذاب حول تأليف آيات تشبه آيات الكتاب أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 6 02-02-2013 11:47 AM
آداب النوم ام هُمام ملتقى الآداب و الأحكام الفقهية 6 11-11-2012 04:44 PM
أيات الصيام عبده نصار ملتقى الصوتيات والمرئيات والفلاشات الدعوية 2 11-09-2012 05:40 AM
آداب العيد! آمال ملتقى الآداب و الأحكام الفقهية 10 10-24-2012 01:00 AM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009