استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى القرآن الكريم وعلومه > قسم تفسير القرآن الكريم
قسم تفسير القرآن الكريم يهتم بكل ما يخص تفسير القرآن الكريم من محاضرات وكتب وغيرذلك
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 10-21-2025, 05:48 AM   #43
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة: 118]

السؤال الأول:

ما استخدامات كلمة (آية) في القرآن الكريم ؟

الجواب:

كلمة (آية) وردت في القرآن الكريم لخمسة معان؛ وهي :

1 ـ البناء العالي: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء:128].

2 ـ عبرة و موعظة: (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [يونس:92].

3 ـ جملة من القرآن: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) [النحل:101].

4 ـ علامة واضحة: (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) [البقرة:118].

5 ـ المعجزة: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:91].

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية ؟

الجواب:

هذه الآية رقم ( 118 ) ذكرت المخالفة السابعة والعشرين (27 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : مشابهة اليهود للوثنيين في جرأتهم على الله تعالى , وحيث قال المشركون الجهلة الذين لا علم لهم : لولا يكلمنا الله كما كلّم موسى من قبل , أو تأتينا آية حسية كنزول مَلك من السماء يؤيد دعوى محمد صلى الله عليه وسلم , وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ اليهود يشابهون المشركين في هذا , ولو علم الله أنهم يؤمنون لأجابهم .

وقد جاء في أسباب النزول أنّ رافع بن حريملة اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنْ كنت رسولاً من الله كما تقول , فقل لله ليكلمنا حتى نسمع كلامه , فنزلت الآية .والله أعلم .

<<<<<<<<<<<<<

(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾
[البقرة: 120]


السؤال الأول:

ما دلالة كلمة (مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] في هذه الآية؟ ولماذا لم ترد كلمة (ملتيهما)؟

الجواب:

لو قال تعالى: (ملتيهم) لكان المعنى: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح؛ لأنّ اليهود يريدون أنْ يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما، وكذلك النصارى. وللعلم فإنّ الملّة اسم للشريعة المتّبعة المكونة من العقائد والعبادات والأخلاق.


السؤال الثاني:

لماذا جاء بـ (وَلَا) في قوله: (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟

الجواب:

1ـ لو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) من دون (لا) لاحتمل ذلك أحد معنيين:

آ ـ أنّ الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم، بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى.

ب ـ وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.

2 ـ لذلك يبقى فقط احتمال ثان، وهوما نصت عليه الآية، بمعنى أنه لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.

3ـ ونلاحظ أنّ القرآن كرر النفي؛ وذلك حتى نفهم أنّ رضا اليهود غير رضا النصارى، ولو قال الحق: (ولن ترضى عنك اليهود و النصارى) بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضى واحد أو متفقون، ولكنهم مختلفون بدليل أن الله قال فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }[البقرة: ١١٣].


السؤال الثالث:

ما الفرق في المعنى بين قوله تعالى: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120] وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى:31]؟

الجواب:

التعبير (مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني من غير الله، أمّا التعبير (مِنَ اللَّهِ) أي: ليس لكم ولي من الله ينصركم، ولم يهيء لكم ولياً أو أحداً ينصركم، وليس هنالك نصير من جهة الله ينصركم، من الملائكة أو من غير الملائكة أمّا (من دون الله) فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً.


السؤال الرابع:

ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] وبين (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ) [البقرة:120] في الآيتين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:145] وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]؟

الجواب:

هناك فرقان:

آـ استعمل في الأولى [120] اسم الموصول (الَّذِي) واستعمل (مَا) في الآية الثانية

[ 145].

ب ـ كما استعمل في الآية [ 145] (مِنْ بَعْدِ) واستعمل في الآية [120] (بَعْدَ).

الحكم النحوي: اسم الموصول ( الذي ) يوصف بأنه مختص، و ( ما ) مشترك. والمختص أعرف من المشترك.

أي أنّ ( الذي ) أعرف من ( ما ) لأنّ ( ما ) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع، أمّا ( الذي ) فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ( الذي ) أعرف باعتباره مختص، و(ما) عام.

السياق:

1ـ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ١٢٠ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ١٢١) [البقرة:120، 121] فقوله تعالى: (يَتْلُونَهُ) [البقرة:121] أي: الكتاب، أي: التوراة والإنجيل إذن صار محدداً، (يَتْلُونَهُ) أي: يتبعون العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في هذه الآية.

2ـ جاءت الآية [145] في موضوع تحويل القبلة كما في الآية [144] التي سبقتها (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] هذا مطلق ولم يحدد بشيء فاستعمل ( ما ) في المطلق، واستعمل ( الذي ) في المقيَّد.

3ـ استعمل ( الذي ) في الآية الأولى 120، بينما استعمل ( ما ) في الآية الثانية 145، علماً بأنّ كليهما اسم موصول، لكنّ أحدهما أعرف من الآخر، فاسم الموصول ( الذي ) هو اسم مختص للمفرد المذكر، بينما اسم الموصول ( ما ) هو مشترك يستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء، أي: أنها تقع على ذاتٍ متصفة بوصف من صفات العقلاء، وهو اسم موصول مشترك في المفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث فاستعمل ( الذي ) في الأخص، واستعمل

( ما ) في المطلق.

4ـ التعبير (مِنْ بَعْدِ ) من لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وتدل على الالتصاق، وأمّا (بَعْدَ ) فتحتمل أنْ هناك فاصلا زمنيا.

أي: أنّ التحذير باتباع أهواء أهل الكتاب يبدأ مباشرة من لحظة مجيء العلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحويل القبلة وليس هناك وقت للانتظار، ولو لم يذكر (من) لاحتمل الموضوع التأخير مدة من الزمن.

وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] السياق في الكلام في تحويل القبلة، وتحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أنْ يتحول إلى القبلة، ومن سمع بها نفّذها، والذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية اتجه مباشرة إلى الكعبة، إذن (من) لابتداء الغاية.

بينما الآية الأولى 120 ليس فيها هذا الشيء فلم يقل (من).


شواهد قرآنية:

آـ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس:9] أي: أنّ هناك فاصلا يبدأ من أيديهم يمنعهم من الحركة، ولو قال: (بين أيديهم) بدون (من) لاحتمل وجود مسافة بين أيديهم والسد.

ب ـ (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) [فُصِّلَت:5] أي: أنّ الحجاب لم يترك فاصلاً بينهما.

ج ـ (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) [فُصِّلَت:10] أي: مباشرة ليس هنالك فاصل، ولو قال: ( فوقًها ) كانت تحتمل القريب والبعيد.

د ـ (أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ) [ق:6] مسافة كبيرة.

هـ ـ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) [النساء:154] هناك مسافة بين الطور ورؤوسهم.


السؤال الخامس:

في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة:120] وقوله في آية الأنعام: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) [الأنعام:121] ما سبب الاختلاف في مستوى التوكيد؟

الجواب:

1ـ القاعدة اللغوية: يستعمل القرآن اللام للتوكيد، فقوله: (وَلَئِنِ ) آكد من قوله: (وَإِنْ).

2ـ قال تعالى في آية الأنعام [121]: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ١٢١).

وقال في آية البقرة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] فأكّد في آية البقرة باللام دون آية الأنعام.

والسبب أنّ آية البقرة تستدعي قدراً زائداً من التوكيد؛ فإنها تحذير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ترك ملة الإسلام واتباع اليهود والنصارى وهو من أكبر المعاصي، إذ كيف يصح من رسولٍ يتنزل عليه الوحي من ربه أنْ يترك أمر الله إلى ملة أخرى لا يرضاها ربه؟ فاحتاج ذلك إلى قدر من الوعيد أكبر.

أمّا آية الأنعام فهي في الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك ترى أنّ المعصية في آية البقرة أشد وأكبر فاحتاج ذلك إلى قدر من التوكيد أكبر.

السؤال السادس:

قوله تعالى في هذه الآية: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) [البقرة:120] بينما قال في آية الأنعام [51]: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ) فزاد (من) المؤكدة في البقرة فما دلالــة ذلك؟

الجواب:

1ـ آية الأنعام (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51] هم على كل حال مؤمنون بهذا اليوم وترجى لهم التقوى.

2ـ أمّا آية البقرة فقد ذكرفيها أنّ اليهود والنصارى لن ترضى عن الرسول حتى يترك دينه ويتبع ملتهم، وهذا كفر صريح وانسلاخ من الدين، ولذا عقب عليه بقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] أي: إنّ فعل ذلك ما له من الله من ولي ولا نصير، فالفرق بين المقامين واضح، فاحتاج الكلام في آية البقرة إلى توكيد نفي الولي والنصير دون آية الأنعام.

3 ـ وكذلك المقام في آية الرعد: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37].

السؤال السابع:

ما دلالة ضمير الفصل (هُوَ) في آية البقرة [120] قوله تعالى: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) بينما قال في آية آل عمران [73]: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وفي آية الأنعام [71] (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)؟

الجواب:

1ـ قال في آية البقرة [120]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

وقال كذلك في آية الأنعام [71 ]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

بينما قال في آية آل عمران [73]:( إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) فقدّم الهدى ولم يأت بضمير الفصل.

2ـ لعل السبب - والله أعلم - أنّ الآيتين الأوليين في الأديان، فالأولى في اليهودية والنصرانية والثانية في الشرك، فناسب الرد بتقديم الهدى وهو الإسلام، فكأنه قال لهم: إنّ الإسلام هو الهدى الكامل الصحيح التام لا هدايتكم، فناسب تقديمه وحصر الهداية عليه، وجاء بضمير الفصل توكيداً لهذا المعنى.

أمّا الآية الثالثة فهي ليست في الموازنة بين أهل الأديان، وإنما هي رد على تصرف سيِّءٍ ومكر، حيث قالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بما أنزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره وقولوا نحن آمنا به ظناً بأنه حق ولكن استبان لنا أنه باطل فرجعنا عنه إلى ديننا الذي هو الحق لعلهم يرجعون عن دينهم، فنزلت الآية رداً على مكرهم وكيدهم وادعائهم الهدى، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) [آل عمران:73] أي: أنّ الهدى أنْ يهديكم الله إلى الدين الصحيح وإلى الحق وليس الهدى أنْ تعملوا مثل هذا المكر والتبييت، والله أعلم.

السؤال الثامن:

ما سبب اختلاف الفاصلة بين آية البقرة [120] (وَلَا نَصِيرٍ) وفاصلة آية الرعد [37] (وَلَا وَاقٍ)؟


الجواب:


آية الرعد [37] هي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ).

1ـ في آية الرعد قال: (وَلَا وَاقٍ) [الرعد:37] والواقي هو الحافظ وهو أعم من النصير؛ لأنّ الواقي قد يكون عاقلاً أو من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق والملابس واقية وأمّا النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً.

2ـ حدد الأهواء وعينها في آية البقرة (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] ولم يحددها في الرعد بل أطلقها، فجعل العام وهو الواقي مع العام وهو عموم الأهواء مع الاسم الموصول المشترك

( ما ) وجعل الخاص مع الأهواء المحددة مع الاسم الموصول المختص وهو) الذي ).

3ـ النصير ينصر صاحبه على الخصم ويمكّنه منه، وأمّا الواقي فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكن من نصره، ولذلك فوجود النصير أتم في النعمة من وجود الواقي.

لذلك جعل نفي النصير وهو النعمة الأتم، مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك مع ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.

4ـ تناسب الفاصلة مع السياق، ففي آية البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120] فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم، فنفى النصير عنه.

وأمّا آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك، وإنما قال: (وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد:36] واتباع البعض قد لا يقتضي النصرة ومحاربة الأعداء من أجل ذلك البعض، لكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة.

5ـ انظر الجدول التالي حيث يتبين تناسب اختيار الكلمات مع تناسب عدد التكرار في السورتين:

السورة تكراركلمة (نصير) تكراركلمة (واق) الآيات

البقرة 2 - 107- 120

الرعد - 2 34- 37

6ـ تناسب الفاصلة في كل سورة والله أعلم.

السؤال التاسع:

ما الدرس المستفاد من قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟

الجواب:

كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل كيد ولؤم، فيقولون: هادنا، أي: قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا فأراد الله أنْ يقطع على اليهود مكرهم فأخبر رسوله بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك وإنما يريدون أن تتبع ملتهم.

والخطاب وإنْ كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضاً لأمته إلى يوم القيامة، فلينتبه المسلمون إلى ذلك ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من أن نصنع تصرفاً نرضي به اليهود أو النصارى لأنّ ذلك معناه أنني تبعت ملتهم لأنّ الله قال(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120].

ويجب أن نفرق بين الرضا وبين التعايش لأنّ التعايش يقتضيك أن تتحمل فعل قالبٍ لا بحب قلب بينما الرضا أن ترضى فعل القالب بحب قلب.

ولذلك كان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود لا رضى منه عن اليهود وإنما كان تعايشاً وما كان للرسول عليه السلام أن يفعل فعلاً ترضى عنه به اليهود لأنّ النصارى واليهود إنْ رضوا عن واحد فليُحكم بأنه قد فارق ملة الله تعالى بنص الآية والعياذ بالله.

وهذه الآية رقم ( 120 ) ذكرت المخالفة الثامنة والعشرين (28 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: محاولة إخراج المسلمين من دينهم.والله أعلم.

::::::::

(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة: 118]

السؤال الأول:



ما استخدامات كلمة (آية) في القرآن الكريم ؟


الجواب:


كلمة (آية) وردت في القرآن الكريم لخمسة معان؛ وهي :

1 ـ البناء العالي: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء:128].

2 ـ عبرة و موعظة: (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [يونس:92].

3 ـ جملة من القرآن: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) [النحل:101].

4 ـ علامة واضحة: (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) [البقرة:118].

5 ـ المعجزة: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:91].



السؤال الثاني:


ما دلالة هذه الآية ؟


الجواب:


هذه الآية رقم ( 118 ) ذكرت المخالفة السابعة والعشرين (27 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : مشابهة اليهود للوثنيين في جرأتهم على الله تعالى , وحيث قال المشركون الجهلة الذين لا علم لهم : لولا يكلمنا الله كما كلّم موسى من قبل , أو تأتينا آية حسية كنزول مَلك من السماء يؤيد دعوى محمد صلى الله عليه وسلم , وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ اليهود يشابهون المشركين في هذا , ولو علم الله أنهم يؤمنون لأجابهم .

وقد جاء في أسباب النزول أنّ رافع بن حريملة اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنْ كنت رسولاً من الله كما تقول , فقل لله ليكلمنا حتى نسمع كلامه , فنزلت الآية .والله أعلم .


<<<<<<<<<<<<<

(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾
[البقرة: 120]



السؤال الأول:


ما دلالة كلمة (مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] في هذه الآية؟ ولماذا لم ترد كلمة (ملتيهما)؟


الجواب:


لو قال تعالى: (ملتيهم) لكان المعنى: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح؛ لأنّ اليهود يريدون أنْ يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما، وكذلك النصارى. وللعلم فإنّ الملّة اسم للشريعة المتّبعة المكونة من العقائد والعبادات والأخلاق.



السؤال الثاني:


لماذا جاء بـ (وَلَا) في قوله: (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟



الجواب:


1ـ لو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) من دون (لا) لاحتمل ذلك أحد معنيين:

آ ـ أنّ الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم، بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى.

ب ـ وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.

2 ـ لذلك يبقى فقط احتمال ثان، وهوما نصت عليه الآية، بمعنى أنه لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.

3ـ ونلاحظ أنّ القرآن كرر النفي؛ وذلك حتى نفهم أنّ رضا اليهود غير رضا النصارى، ولو قال الحق: (ولن ترضى عنك اليهود و النصارى) بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضى واحد أو متفقون، ولكنهم مختلفون بدليل أن الله قال فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }[البقرة: ١١٣].



السؤال الثالث:


ما الفرق في المعنى بين قوله تعالى: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120] وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى:31]؟



الجواب:


التعبير (مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني من غير الله، أمّا التعبير (مِنَ اللَّهِ) أي: ليس لكم ولي من الله ينصركم، ولم يهيء لكم ولياً أو أحداً ينصركم، وليس هنالك نصير من جهة الله ينصركم، من الملائكة أو من غير الملائكة أمّا (من دون الله) فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً.


السؤال الرابع:


ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] وبين (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ) [البقرة:120] في الآيتين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:145] وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]؟



الجواب:




هناك فرقان:


آـ استعمل في الأولى [120] اسم الموصول (الَّذِي) واستعمل (مَا) في الآية الثانية

[ 145].

ب ـ كما استعمل في الآية [ 145] (مِنْ بَعْدِ) واستعمل في الآية [120] (بَعْدَ).

الحكم النحوي: اسم الموصول ( الذي ) يوصف بأنه مختص، و ( ما ) مشترك. والمختص أعرف من المشترك.

أي أنّ ( الذي ) أعرف من ( ما ) لأنّ ( ما ) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع، أمّا ( الذي ) فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ( الذي ) أعرف باعتباره مختص، و(ما) عام.

السياق:

1ـ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ١٢٠ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ١٢١) [البقرة:120، 121] فقوله تعالى: (يَتْلُونَهُ) [البقرة:121] أي: الكتاب، أي: التوراة والإنجيل إذن صار محدداً، (يَتْلُونَهُ) أي: يتبعون العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في هذه الآية.

2ـ جاءت الآية [145] في موضوع تحويل القبلة كما في الآية [144] التي سبقتها (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] هذا مطلق ولم يحدد بشيء فاستعمل ( ما ) في المطلق، واستعمل ( الذي ) في المقيَّد.

3ـ استعمل ( الذي ) في الآية الأولى 120، بينما استعمل ( ما ) في الآية الثانية 145، علماً بأنّ كليهما اسم موصول، لكنّ أحدهما أعرف من الآخر، فاسم الموصول ( الذي ) هو اسم مختص للمفرد المذكر، بينما اسم الموصول ( ما ) هو مشترك يستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء، أي: أنها تقع على ذاتٍ متصفة بوصف من صفات العقلاء، وهو اسم موصول مشترك في المفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث فاستعمل ( الذي ) في الأخص، واستعمل

( ما ) في المطلق.

4ـ التعبير (مِنْ بَعْدِ ) من لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وتدل على الالتصاق، وأمّا (بَعْدَ ) فتحتمل أنْ هناك فاصلا زمنيا.

أي: أنّ التحذير باتباع أهواء أهل الكتاب يبدأ مباشرة من لحظة مجيء العلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحويل القبلة وليس هناك وقت للانتظار، ولو لم يذكر (من) لاحتمل الموضوع التأخير مدة من الزمن.

وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] السياق في الكلام في تحويل القبلة، وتحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أنْ يتحول إلى القبلة، ومن سمع بها نفّذها، والذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية اتجه مباشرة إلى الكعبة، إذن (من) لابتداء الغاية.

بينما الآية الأولى 120 ليس فيها هذا الشيء فلم يقل (من).



شواهد قرآنية:


آـ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس:9] أي: أنّ هناك فاصلا يبدأ من أيديهم يمنعهم من الحركة، ولو قال: (بين أيديهم) بدون (من) لاحتمل وجود مسافة بين أيديهم والسد.

ب ـ (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) [فُصِّلَت:5] أي: أنّ الحجاب لم يترك فاصلاً بينهما.

ج ـ (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) [فُصِّلَت:10] أي: مباشرة ليس هنالك فاصل، ولو قال: ( فوقًها ) كانت تحتمل القريب والبعيد.

د ـ (أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ) [ق:6] مسافة كبيرة.

هـ ـ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) [النساء:154] هناك مسافة بين الطور ورؤوسهم.



السؤال الخامس:


في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة:120] وقوله في آية الأنعام: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) [الأنعام:121] ما سبب الاختلاف في مستوى التوكيد؟



الجواب:


1ـ القاعدة اللغوية: يستعمل القرآن اللام للتوكيد، فقوله: (وَلَئِنِ ) آكد من قوله: (وَإِنْ).

2ـ قال تعالى في آية الأنعام [121]: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ١٢١).

وقال في آية البقرة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] فأكّد في آية البقرة باللام دون آية الأنعام.

والسبب أنّ آية البقرة تستدعي قدراً زائداً من التوكيد؛ فإنها تحذير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ترك ملة الإسلام واتباع اليهود والنصارى وهو من أكبر المعاصي، إذ كيف يصح من رسولٍ يتنزل عليه الوحي من ربه أنْ يترك أمر الله إلى ملة أخرى لا يرضاها ربه؟ فاحتاج ذلك إلى قدر من الوعيد أكبر.

أمّا آية الأنعام فهي في الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك ترى أنّ المعصية في آية البقرة أشد وأكبر فاحتاج ذلك إلى قدر من التوكيد أكبر.



السؤال السادس:


قوله تعالى في هذه الآية: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) [البقرة:120] بينما قال في آية الأنعام [51]: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ) فزاد (من) المؤكدة في البقرة فما دلالــة ذلك؟



الجواب:


1ـ آية الأنعام (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51] هم على كل حال مؤمنون بهذا اليوم وترجى لهم التقوى.

2ـ أمّا آية البقرة فقد ذكرفيها أنّ اليهود والنصارى لن ترضى عن الرسول حتى يترك دينه ويتبع ملتهم، وهذا كفر صريح وانسلاخ من الدين، ولذا عقب عليه بقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] أي: إنّ فعل ذلك ما له من الله من ولي ولا نصير، فالفرق بين المقامين واضح، فاحتاج الكلام في آية البقرة إلى توكيد نفي الولي والنصير دون آية الأنعام.

3 ـ وكذلك المقام في آية الرعد: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37].



السؤال السابع:


ما دلالة ضمير الفصل (هُوَ) في آية البقرة [120] قوله تعالى: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) بينما قال في آية آل عمران [73]: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وفي آية الأنعام [71] (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)؟



الجواب:


1ـ قال في آية البقرة [120]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

وقال كذلك في آية الأنعام [71 ]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

بينما قال في آية آل عمران [73]:( إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) فقدّم الهدى ولم يأت بضمير الفصل.

2ـ لعل السبب - والله أعلم - أنّ الآيتين الأوليين في الأديان، فالأولى في اليهودية والنصرانية والثانية في الشرك، فناسب الرد بتقديم الهدى وهو الإسلام، فكأنه قال لهم: إنّ الإسلام هو الهدى الكامل الصحيح التام لا هدايتكم، فناسب تقديمه وحصر الهداية عليه، وجاء بضمير الفصل توكيداً لهذا المعنى.

أمّا الآية الثالثة فهي ليست في الموازنة بين أهل الأديان، وإنما هي رد على تصرف سيِّءٍ ومكر، حيث قالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بما أنزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره وقولوا نحن آمنا به ظناً بأنه حق ولكن استبان لنا أنه باطل فرجعنا عنه إلى ديننا الذي هو الحق لعلهم يرجعون عن دينهم، فنزلت الآية رداً على مكرهم وكيدهم وادعائهم الهدى، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) [آل عمران:73] أي: أنّ الهدى أنْ يهديكم الله إلى الدين الصحيح وإلى الحق وليس الهدى أنْ تعملوا مثل هذا المكر والتبييت، والله أعلم.



السؤال الثامن:


ما سبب اختلاف الفاصلة بين آية البقرة [120] (وَلَا نَصِيرٍ) وفاصلة آية الرعد [37] (وَلَا وَاقٍ)؟



الجواب:


آية الرعد [37] هي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ).

1ـ في آية الرعد قال: (وَلَا وَاقٍ) [الرعد:37] والواقي هو الحافظ وهو أعم من النصير؛ لأنّ الواقي قد يكون عاقلاً أو من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق والملابس واقية وأمّا النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً.

2ـ حدد الأهواء وعينها في آية البقرة (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] ولم يحددها في الرعد بل أطلقها، فجعل العام وهو الواقي مع العام وهو عموم الأهواء مع الاسم الموصول المشترك

( ما ) وجعل الخاص مع الأهواء المحددة مع الاسم الموصول المختص وهو) الذي ).

3ـ النصير ينصر صاحبه على الخصم ويمكّنه منه، وأمّا الواقي فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكن من نصره، ولذلك فوجود النصير أتم في النعمة من وجود الواقي.

لذلك جعل نفي النصير وهو النعمة الأتم، مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك مع ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.

4ـ تناسب الفاصلة مع السياق، ففي آية البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120] فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم، فنفى النصير عنه.

وأمّا آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك، وإنما قال: (وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد:36] واتباع البعض قد لا يقتضي النصرة ومحاربة الأعداء من أجل ذلك البعض، لكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة.

5ـ انظر الجدول التالي حيث يتبين تناسب اختيار الكلمات مع تناسب عدد التكرار في السورتين:

السورة تكراركلمة (نصير) تكراركلمة (واق) الآيات

البقرة 2 - 107- 120

الرعد - 2 34- 37

6ـ تناسب الفاصلة في كل سورة والله أعلم.



السؤال التاسع:


ما الدرس المستفاد من قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟




الجواب:


كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل كيد ولؤم، فيقولون: هادنا، أي: قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا فأراد الله أنْ يقطع على اليهود مكرهم فأخبر رسوله بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك وإنما يريدون أن تتبع ملتهم.

والخطاب وإنْ كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضاً لأمته إلى يوم القيامة، فلينتبه المسلمون إلى ذلك ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من أن نصنع تصرفاً نرضي به اليهود أو النصارى لأنّ ذلك معناه أنني تبعت ملتهم لأنّ الله قال(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120].


ويجب أن نفرق بين الرضا وبين التعايش لأنّ التعايش يقتضيك أن تتحمل فعل قالبٍ لا بحب قلب بينما الرضا أن ترضى فعل القالب بحب قلب.


ولذلك كان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود لا رضى منه عن اليهود وإنما كان تعايشاً وما كان للرسول عليه السلام أن يفعل فعلاً ترضى عنه به اليهود لأنّ النصارى واليهود إنْ رضوا عن واحد فليُحكم بأنه قد فارق ملة الله تعالى بنص الآية والعياذ بالله.

وهذه الآية رقم ( 120 ) ذكرت المخالفة الثامنة والعشرين (28 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: محاولة إخراج المسلمين من دينهم.والله أعلم.


رابطة العلماء السوريين
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2025, 05:56 AM   #44
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [ البقرة: 123 ]


السؤال الأول:
لماذا حذف الجار والمجرور المقدر( فيه ) مع الفعل (تَجْزِي) [البقرة:123] في الآية؟


الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة [48 ] في الحلقة ( 55 ) على موقع رابطة العلماء السوريين المنشورة بتاريخ 28/ 05 / 2020 م.


السؤال الثاني:
قوله تعالى في الآية: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123]، وقال في آية البقرة [48]:( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:48] فما سبب هذا الاختلاف؟ ومتى تذكر الشفاعة أو تؤنث؟


الجواب:
1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:48].
آ ـ ذكّر الفعل (يُقْبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر.
ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة.
ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول: ذهب إلى الجامعة فاطمة وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ: ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.
د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي.
2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع.
3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى (لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [يس:23] وآية النجم [26] قوله تعالى:( لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.


السؤال الثالث:
ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي: العدل والقسط؟


الجواب:
1ـ القسط: هو الحظ والنصيب، والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين، وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان، لكنّ القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان، والقسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).
ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط، نحو قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن:9]، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء:35] والقسطاس هو ميزان العدل، وأصل كلمة قسطاس عدل، فسموا الميزان قسطاساً؛ لأنه عدل.
2ـ العدل معناه المساواة في الأحكام، وعندنا عَدلٌ وعِدلٌ، فالعِدلُ ـ بكسر العين ـ فهو فيما يُبصر من الأشياء تقول: هذا عِدل هذا، مثل حِملَينِ متساويين.
أمّا العَدلُ ـ بفتح العين ـ فهو أحكام ومساواة في الحكم وفيما لا يُبصر من الأشياء، نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة:95] أي: ذوا قسط (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) [المائدة:95] والصيام لا يُبصر (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ) [الأنعام:70] لم يقل كل قسط، (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:123]. والله أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ١٢٤) [ البقرة: 124 ]


السؤال الأول:
ما الدروس المستفادة من هذه الآية؟


الجواب:
1ـ (إذ) معناها اذكر وقت أنْ ابتلى اللهُ إبراهيم بكلمات.
2ـ الابتلاء هو الامتحان، والابتلاء ليس شراً ولكنه مقياس لاختبار الخير والشر وهو من أسس التربية.
3ـ الابتلاء هنا بكلمات، والكلمات جمع كلمة، والكلمة قد تطلق على الجملة، كقوله تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف:5].
4ـ قال العلماء: إنّ الابتلاءات كانت عشرة، وقالوا: أربعين، منها عشرة في سورة التوبة (الآية112)، وعشرة في سورة المؤمنون (الآيات 1ـ10) وعشرة في الأحزاب (الآية 35) وعشرة في المعارج (الآيات 22ـ34 ).
ونخرج من هذا الجدل بأنْ نقول: إنّ الله ابتلى إبراهيم عليه السلام بكلمات تكليفية (افعل كذا ولا تفعل كذا) فقد ابتلاه في النار فلم يجزع، فأتاه جبريل عليه السلام فيقول: ألك حاجة؟ فيرد إبراهيم: أمّا إليك فلا، وأمّا إلى الله فعلمه بحالي يغنيه عن سؤالي، وابتلي بذبح ابنه الوحيد وهو شيخ كبير فيطيع بنفس مطمئنة. وقيل:هي خصال الفطرة العشرة: المضمضة ـ الاستنشاق ـ السواك ـ قص الشارب ـ غسل البراجم ( عُقد الأصابع ) ـ تقليم الأظافر ـ نتف الإبط ـ حلق العانة ـ الختان ـ غسل مكان البول والغائط.
وكون إبراهيم أدى جميع التكليفات بعشق وحب وزاد عليها من جنسها فقد نجح في الابتلاء ووفّى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم:37] فكان الله أعز عليه من نفسه وأهله وولده.
5ـ كافأه الله بقوله: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة:124] أي: إماماً للبشر، فاستقبل إبراهيم هذه البشرى وأراد أنْ ينقل الإمامة إلى أولاده وأحفاده حتى لا يحرموا من القيم الإيمانية خلال حياتهم، فردّ الله على إبراهيم بقضية إيمانية أيضاً فيها تقريع لليهود الذين تركوا القيم وعبدوا المادة فقال: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124] وعهد الله هو الفاعل الذي يجذب صاحبه.
6ـ في الآية استقراء للغيب أنه سيأتي من ذرية إبراهيم من سيفسق ويظلم، والمقصود بذلك اليهود.
7ـ الرسالة ليست ميراثاً، ومن العجائب أنّ موسى وهارون عليهما السلام كانا رسولين، والرسول الأصيل موسى وجاء هارون ليشد أزره، وشاءت مشيئة الله أنْ تستمر الرسالة في ذرية هارون وليس في ذرية موسى.
8ـ الأنبياء اصطفاؤهم اصطفاء قيم، وأبناؤهم هم الذين يأخذون منهم هذه القيم، وليسوا الذين يأخذون الجنس والدم واللون، وانظر إلى قصة نوح عليه السلام مع ابنه لتتحقق من ذلك.
9ـ إمامة الناس عطاء ألوهية لا يناله إلا المؤمن، أمّا الرزق فعطاء ربوبية يناله المؤمن والكافر؛ لأنّ الله هو الذي استدعانا للحياة جميعاً وكفل لنا الرزق جميعاً.
10 ـ ( إبراهيم ) اسم أعجمي معناه: أبٌ رحيم أو أبو الأمم ينتسب إلى سام بن نوح عليه السلام وُلد حوالي 2000 قبل الميلاد في الأهواز أو (أور ) الكلدانية ثم انتقل به والده إلى حُوران ثم إلى بابل أرض النمرود وتزوج سارة وهاجر بها إلى مصر بسبب الجفاف والقحط الذي أصاب البلاد وأهدى له ملك مصر ( هاجر ) أم إسماعيل وقيل تُوفي إبراهيم سنة 1773 قبل الميلاد وجميع الطوائف من اليهود والنصارى والعرب تعتز بنسبها وصلتها بخليل الرحمن وكلها تؤمن به وبدعوته ورسالته.وقد جاء محمد عليه السلام بما جاء به إبراهيم عليه السلام.


السؤال الثاني:
ما دلالة تأخير لفظ (ربه) فى قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) [البقرة:124]؟


الجواب:
الابتلاء هو الاختبار، فإن كلّفت شخصاً بشيء فما يكون تكليفك له متضمناً معنى اختيار فعله أو تركه.
وابتلاء الله لإبراهيم تكليف له؛ لأنّ الله كلفه بأوامر ونواهٍ. وفي هذه الآية تقديم ما حقه التأخير، فـ (إِبْرَاهِيمَ) مفعول به، وقد تقدّم على الفاعل (رَبُّهُ) فما الهدف من هذا التقديم؟
المقصود من هذا تشريف سيدنا إبراهيم عليه السلام بإضافة اسم ربه إلى اسمه وهو الهاء في قوله (رَبُّهُ) أي: رب إبراهيم.


السؤال الثالث:
لم سمى الله عز وجل إبراهيم إماماً فى الآية؟


الجواب:
سمّى الله تعالى إبراهيم في هذه الآية إماماً، وقصد بإمامته أنه رسول، فلِمَ عدل عن تسميته رسولاً إلى تسميته إماماً؟
والجواب: ليكون ذلك دالاً على أنّ رسالته تنفع الأمة المرسَل إليها بالتبليغ وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الامتداد، لاسيما وأنّ إبراهيم عليه السلام قد طوّف بالآفاق.


السؤال الرابع:
قوله تعالى (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) [البقرة:124] (من) للتبعيض،فلِمَ خصّ إبراهيم بالدعاء بعض ذريته؟


الجواب:
قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة:124] ولم يقل: ذريتي؛ لأنه يعلم أنّ حكمة الله تعالى تقتضي ألا يكون جميع أبناء الرجل ممن يصلحون لأن يُقتدى بهم، ولذلك لم يسأل الله تعالى ما هو مستحيل عادة، لأنّ ذلك ليس من آداب الدعاء، ولم يجعل الدعاء عاماً شاملاً لكل الذرية بحيث يقول: (وذريتي).


السؤال الخامس:
لماذا نصبت كلمة الظالمين في الآية (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124]؟


الجواب:
الظالمين مفعول به والعهد الفاعل، الظالمين مفعول به منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.


السؤال السادس:
وردت كلمة (إِبْرَاهِيمَ) في القرآن كله بالياء إلا في سورة البقرة جاءت بدون الياء (إِبْرَاهِمَ) فما دلالة ذلك؟


الجواب:
وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن الكريم 69 مرة، منها 15 مرة في سورة البقرة كلها بدون الياء، والباقي 54 مرة بالياء.
وهذا من خط المصحف، والقاعدة تقول: خط المصحف لا يقاس عليه.
والمصحف كتبه عدد كبير من الكتبة، فمرة يرسم حرف العلة ومرة لا يرسم، وأحيانا يكون الرسم لاختلاف القراءات، فيوضع الرسم الذي يجمع القراءات المتواترة، مثل (ملك) في سورة الفاتحة بدون ألف؛ لأنه ورد قراءة متواترة ( ملك يوم الدين) وشروط القراءة الصحيحة أنْ تكون موافقة لرسم المصحف.
وكلمة (إبراهيم) في سورة البقرة ورد فيها قراءتان متواترتان: إحداهما (إبراهام) بدون ياء، والثانية بالياء، فكتبت بالشكل الذي يحتمل القراءتين. والله أعلم.


السؤال السابع:
هل من تفصيل أكثر وأوسع للسؤال السابق؟


الجواب:
كلمة (إبراهيم) اسم أعجمي، والعرب كانت تتصرف في الاسم الأعجمي، وورد في «زاد المسير» أنه في إبراهيم ست لغات، وهي: إبراهيم ـ وهي أشهرها ـ إبراهُم ـ إبراهَم ـ إبراهِم ـ إبراهام ـ إبرهم.
1ـ لقد وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن الكريم 69مرة، اختلف القراء في 33 موضعاً منها 15مرة في سورة البقرة كتبت كلها بدون الياء (إبراهم) وذلك في الآيات التالية:
(124ـ125ـ125ـ126ـ127ـ130ـ132ـ133ـ135ـ136ـ140ـ258ـ2 58ـ 258ـ260).
والباقي 54 مرة موزعة على 24 سورة أخرى غير سورة البقرة مكتوبة بالياء إبراهيم وذلك حسب الجدول التالي:
المجموع: 69 مرة، وعدد السور25 سورة.
2ـ حذفوا ياء (إبراهيم) في سورة البقرة فقط، وكتبوها (إبراهم) مع وضع إشارة ياء صغيرة فوق الكلمة لتدل على وجود قراءتين متواترتين.
3ـ رسمت كلمة إبراهيم بلا ياء في المصاحف العراقية والشامية وفي مصحف الإمام، أمّا في باقي المصاحف فرسمت بياء.
وبالتالي فإنّ رسمها بلا ياء في سورة البقرة ليس مجمعاً عليه، ولكنّ المصحف المنتشر برواية حفص ترسم فيه بحذف الياء في سورة البقرة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في «عقيلة أتراب القصائد»:
والحذفُ في ياءِ ابراهيمَ قيل هنا=شامٌ عراقٌ ونِعمَ العِرقُ ما انتشـرا
أي: حُذِفت ياء (إبراهيم) من الرسم الشامي والكوفي والبصري.
4ـ وسبب ذلك بشكل عام هو وجود قراءتين، لكن بشكل عام نجد أنّ:
آ ـ خط المصحف لا يقاس عليه.
وللعلم فقد حصل تطور في تاريخ الكتابة منذ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبدأت الكتابة العربية تستقر، ولذلك نرى أكثر من رسم للكلمة، مثل كلمة (لكيلا) فيمكن كتابتها موصولة أو مفصولة، (لكي لا) وكلاهما جائز عند العرب.
ب ـ الإمام عبد الله بن عامر الشامي هو أحد القراء السبعة المشهورين لدى علماء القراءات، ولابن عامر راويان هما: هشام بن عمار الدمشقي، والآخر أحمد بن ذكوان الدمشقي.
أمّا هشام فقرأ كلمة (إبراهيم) بالألف في ثلاثة وثلاثين موضعاً، منها جميع ما في سورة البقرة أي: قرأها (إبراهام) أي: بإبدال الياء ألفاً وأمّا ابن ذكوان فقرأها بالألف وبالياء.
وفي سورة البقرة فقط اجتمع الراويان بالألف هشام وابن ذكوان، فكتبت بدون ياء في سورة البقرة مع وضع ياء صغيرة فوقها للدلالة على القراءة الأخرى.
لذلك نرى أنّ قراءة الياء في المرسوم بها قياسية، وفي محذوفها اصطلاحية كما في كلمة (إسرائيل) و(الداع).
ج ـ كتابة مصحف ابن عامر ومصحف المدينة رواية حفص عن عاصم متقاربة.
د ـ هكذا وصلت إلينا صيغة الكتابة من الصحابة رضوان الله عليهم الذين كتبوا القرآن ولم ينكشف سر ذلك لأحد، والله سبحانه علام الغيوب، والرسم بُني على حكمة ذهبت بذهاب كتبته.
5ـ (للعلم فإنّ التوراة تذكر في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان اسمه ( إبراهم ) وكان عمره 86 سنة لما ولدت هاجر ابنه إسماعيل عليه السلام ولمّا بلغ إبراهيم 99 سنة تكلم الله معه وقال له: إنه سيكون أباً لجمهور من الأمم فلا يدعى اسمه بعد ( إبراهم ) بل سيكون اسمه ( إبراهيم ) لأنه سيكثر نسله ويجعله أمماً وبشره بإسحق عليه السلام وبارك له في إسماعيل وإسحق....
ونخلص من ذلك أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان له اسمان هما ( إبراهم) وذلك قبل أن يرزقه بالولد وعندما رزقه الله بالولد إسماعيل وإسحق جعل اسمه ( إبراهيم ) بزيادة الياء لأنّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. وهناك لفتة لطيفة أنّ اسم ( إبراهم) بدون ياء هو في سورة البقرة فقط أي في بداية القرآن الكريم وهو ما يتمشى مع بداية عُمر سيدنا إبراهيم عليه السلام ).
من كتاب( إعجاز رسم القرآن ) لمحمد شملول.
والله أعلم.
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 02:10 PM   #45
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 47

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

(وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٢٦)[ البقرة: 126 ]

السؤال الأول:
ما الفرق بين قوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] وقوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) [إبراهيم:35]؟

الجواب:
الآية الأولى هي دعاء سيدنا إبراهيم قبل أنْ تكون مكة بلداً، فجاء بصيغة التنكير (بَلَدًا) [البقرة:126]، أمّا الآية الثانية فهي دعاء سيدنا إبراهيم بعد أنْ أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله: (ٱلۡبَلَدَ) [إبراهيم:35].
في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس، بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام، وقوله تعالى: (وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ) [إبراهيم:35] معناه: أنّ هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر من كانوا يعبدون الأصنام، فلا يريد لذريته أنْ يتأثروا بهؤلاء فانصب الطلب على الأمن ودفع عبادة الأصنام.

السؤال الثاني:
قوله تعالى في البقرة قال: (ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] بضمير المفرد وفي آية لقمان: 24 بالجمع (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) [لقمان:24] فما الفرق بينهما؟

الجواب:
حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة؛ لأنّ السياق هو الذي يوضّح (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] إذن آية البقرة في مكة، وأمّا آية لقمان فهي عامة (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) [لقمان:24] كلام عام، وليس في بلد معين ولا لأناس معيَّنين.
1ـ آية البقرة هي دعاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قبل أنْ توجد حيث ذكر (بَلَدًا)، وأمّا آية لقمان فهي عامة و ليست في بلد معين أو أناس معينين، لذلك نجد أنَّ:
آ ـ في آية لقمان حيث توجد الكثرة النسبية جاء فيها بالجمع(نُمَتِّعُهُمۡ) [لقمان:24] (نَضۡطَرُّهُمۡ) [لقمان:24].
ب ـ وفي آية البقرة العدد أقل نسبياً، فجاء بضمير الإفراد (أَضۡطَرُّهُۥ) [البقرة:126] والله هو صاحب البيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ) [البقرة:125] وهو يتولى العذاب.
2ـ في آية البقرة جاء فيها قوله تعالى: (وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ) [البقرة:126] وهذا هوطلب الرزق كنوع من التمتيع، وهذا ليس في التبليغ؛ لذلك عندما قال: (وَمَن كَفَرَ) [البقرة:126] كان الجواب (فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا) [البقرة:126].
وأمّا في آية لقمان فقال: (وَمَن كَفَرَ) و(نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) و(نَضۡطَرُّهُمۡ) كلها بالجمع؛ لأنها تخص التبليغ والدعوة.
3ـ قال في آية لقمان: (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) وفي البقرة: (إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ ) [البقرة:126] والثانية فيها حرق فهي أشد من (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) فقد يكون بعصا غليظة مثلاً، والسبب في ذلك أنّ آية البقرة هي في أهل مكة، وفي مكة قد تتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات، فالمعاصي فيها أكبر ذنباً والعذاب بسبب ذلك أشد؛ لأنّ من أساء في مكة ليس كمن أساء في غيرها، ولذلك شدّد العذاب فقال: (عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126]. والله أعلم.
4ـ وفي القرآن يراعي هذا الشيء، نحو قوله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ) [يونس:42] الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون، فقال: يستمعون، هذه تسمى مناسبة، وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع، وفي البقرة بالمفرد.

السؤال الثالث:
جاء في الآية لفظة النداء (رَبِّ) [البقرة:126] وفي آيات كثيرة (رَبَّنَا) فهل من معانٍ لهذا النداء؟

الجواب:
1ـ كلمة (رَبَّنَا) هي منادى بإسقاط حرف النداء، والمنادى هو طلب الإقبال، وهو اسم يقع بعد أداة من أدوات النداء، وأدوات النداء تختلف باختلاف المسافة بينك وبين المنادى.
آ ـ فإذا كان المنادى بجوارك تقول: محمدٌ افعل كذا، أي:بدون أداة نداء.
ب ـ فإنْ كان بعيداً قليلاً تقول: أمحمدُ، أي: باستعمال الهمزة.
ج ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: يا محمد، أي: باستعمال الياء.
د ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: أيا محمد، أي: باستعمال الهمزة والياء.
2ـ إذا أضيف المنادى إلى ياء المتكلم، جاز حذف الياء والاستغناء عنها بالكسرة، نحو قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا) [طه:114].
3ـ قد يأتي المنادى ويحذف حرف النداء، كقوله تعالى: (رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].
وأنت أيها المؤمن حين تنادي ربك وإنْ لم تكن أنت قريباً من الله فالله قريب منك، ولذلك لا تستخدم أداة النداء لا للقريب ولا للبعيد، ويكفي في هذا القرب قول الله تعالى: (وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ) [ق:16].
وقد ورد في القرآن الكريم لفظ (رَبِّ) كمنادى في خمس وستين آية بدون أداة نداء، أولها في سورة البقرة في الآية [126] على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] إلى قول نوح عليه السلام في سورة نوح: (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ) [نوح:28].
والله قريب منا بالفعل، وإنْ حدث بُعدٌ فمنك أنت أيها العبد، وأكثر ما يكون العبد قرباً من الله حين يكون مضطراً حتى إنْ كان بعيداً عن الله قبل الاضطرار.
وفي آيتين فقط من كتاب الله نودي الربُّ تبارك وتعالى بأداة النداء، وهذان الموضعان حكاية عن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما:
(وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا) [الفرقان:30].
(وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ) [الزُّخرُف:88] والسؤال لماذا لم تأتِ أداة النداء إلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نداء ربه؟
والجواب: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحرص على هداية قومه ونصرة دعوته حتى خاطبه ربه بقوله: لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ [الشعراء:3].
وقد مرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمواقف صعبة لدرجة جعلته يستبطىء نصر الله، كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية [214]: وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ٢١٤ [البقرة: ٢١٤] فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يكون بعُدَ عن ربه، وهذا البعد ما هو إلا مظنة من رسول الله أو اتهامٌ للنفس فلمّا ذهب صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه ويشتكي إليه أنّ قومه هجروا القرآن نادى ربه من منزلة البعيد، فقال:(يا رب)، وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم ظن في نفسه التقصير أو الفشل، ورأى أنّ ذلك يُبعده عن ربه، لكنّ الله تعالى أنصفه وأكد نداءه، بل وأقسم به فقال الحق عز وجل: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨ فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ) [الزُّخرُف:88-89].
أي: أقسم بقولك: (إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا٣٠) [الفرقان:30] والله تعالى يقسم بما يشاء على ما يشاء، ولم يقسم بأحد من الخلق إلا برسول الله، في قوله: (لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ) [الحِجر:72] وأقسم الله كذلك بقول رسوله فقال سبحانه: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨) [الزُّخرُف:88].
4ـ بشكل عام يجوز حذف حرف النداء نحو قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] و يلزم ذكر حرف النداء مع ( الله ) ومع اسم الجنس سواء كان نكرة مقصودة أم غير مقصودة واسم الإشارة فإذا ناديت ( الله ) قلت: يا الله وكذلك اسم الجنس نحو: ( يا رجل ) و ( يا هذا ) كما يلزم ذكر حرف النداء في الاستغاثة والتعجب والندبة نحو: يا لخالد ويا للهول.


5ـ من أغراض حذف حرف النداء:
آ ـ الحذف للعجلة بقصد الفراغ من الكلام بسرعة نحو قولك:( خالد احذر )
ب ـ الحذف للإيجاز والاختصار وذلك كما في قوله تعالى: (قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي) [الأعراف:150] فحذف حرف النداء ( يا ) من المنادى (ابن أم ) في حين ذكرها في سورة طه: (قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ) [طه:94] والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ السياق في سورة الأعراف سياق إيجاز واختصار بخلاف آيات طه وإليك كلاً من السياقين:
قال الله في سورة الأعراف:
{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ١٥٠ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ١٥١ } [الأعراف:150-151].


وقال في سورة طه:
{ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي٨٦ قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ}[طه:86-87].
ثم ذكر موقف هارون عليه السلام: ( وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي) [طه:90] ثم توجه باللوم إلى هارون: { قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي٩٣ ) [طه:92-93] فأجابه هارون عليه السلام: { قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي٩٤) [طه:94] ويستمر الكلام.. ولذلك نجد أنّ الكلام في سورة الأعراف كان مختصراً موجزاً وكان الموقف موقف عجلة وإسراع فحذف ( يا) النداء تمشياً مع هذا الحذف والاختصار وأمّا في سورة طه فالسياق سياق إطالة وسؤال ورد ولوم فجاء بـ ( يا ).
ومن الحذف أيضاً قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] فقد أرادوا ستر الموضوع والكف عن الخوض فيه فقالوا ذلك بأخصر طريق فحذف حرف النداء تمشياً مع هذا الاختصار والتستر.
ج ـ قد يكون ذكر ( يا ) للزيادة في التنبيه والتقريع كما في قوله تعالى:{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ١ }[الحج:1]
د ـ قد يكون الحذف لقرب المنادى من المنادي سواء كان قرباً حقيقياً مادياً أم معنوياً فكأنّ المنادى لقربه لا يحتاج إلى واسطة لندائه كأنْ تقول لمن هو قريب جداً منك: ( خالد أتدري ما حلّ بفلان؟) ونحو قوله تعالى: { رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ) [هود:73] وقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا٣٣ ) [الأحزاب:33]. والله أعلم.

السؤال الرابع:
ما أهم الدعوات التي جاءت على لسان إبراهيم عليه السلام في هذه الآية والآيات التي تليها وتتحدث عن البيت الحرام؟

الجواب:
آ ـ ساق القرآن الكريم في هذه الآية والآيات التي تليها سبع دعوات من جوامع كلم النبوة:
1ـ دعا إبراهيمُ عليه السلام أن يجعل البلد الحرام بلداً آمناً حتى يستطيع الناس أداء الحج والعمرة.
2ـ ودعاه أن يرزق أهل مكة أنواع الثمرات في وقت كانت فيه مكة صحراء قاحلة.
3 ـ ودعاه وهو يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل أن يتقبّل منهما عملهما.
4 ـ ودعا ربه أن يثبتهما على الإسلام وهو التوحيد الخالص وأن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة موحدة لربها.
5ـ وسأل ربه أن يبصّره وذريته بمعالم الدين وطرق العبادة ومنها مناسك الحج.
6 ـ وسأل ربه التوبة والتجاوز عن الذنوب.
7 ـ وسأل ربه أخيراً أن يبعث من أهل مكة رسولاً منهم تنطلق رسالته من مكة إلى العالم أجمع ليعلّمهم القرآن والسنة ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق.
ب ـ قرأ ابن عامر ( فأُمْتِعه ) بسكون الميم وتخفيف التاء على أنه مضارع الفعل (أمتع ) المعدّى بالهمز وقرأ غيرُه(فَأُمَتِّعُهُۥ) بفتح الميم وتشديد التاء مضارع الفعل ( متّع ) المعدّى بالتضعيف.والله أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


(وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ)[ البقرة: 127 ]

السؤال الأول:
ما فائدة الضمير (أَنتَ) في الآية؟


الجواب:
جاء الخبر(ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ) معرفةً، ووقع بين (إِنَّكَ) والخبر (ٱلسَّمِيعُ) ضمير الفصل (أَنتَ) بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى، ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم، ألا ترى أنك لو قلت لرجل: أنت سامع، إذا أردت أنه أحد السامعين، أما إذا عرّفت فقلت: أنت السامع، فهذا يعني أنه السامع لا غيره.

السؤال الثاني:
هل يُضمَرُ القول في القرآن الكريم؟ وما حالات إضمار القول؟

الجواب:
1ـ الأصل أنْ يُذكر فعل القول والمقول، كقوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) [مريم:30] (قَالَ) هي فعل القول، و (إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) هي المقول.
2ـ قد يُحذف فعل القول ويُذكر القول، كقوله تعالى في آية التوبة والبقرة:
ـ (نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] أي: يقولون: (هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] ولم يذكر فعل القول.
ـ (وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ ) [البقرة:127] أي: يقولون: ربنا تقبل منا، بدون ذكر فعل القول.
3ـ قد يُذكر فعل القول ويُحذف المقول، كقوله تعالى في آية يونس:
ـ (قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] ؛ وبيان ذلك:
آـ قال موسى: أتقولون للحق لمّا جاءكم، هنا فعل القول والمقول من موسى عليه السلام لقومه، بمعنى: أي ما تقولون في الحق الذي جئت به؟
ب ـ ثم بعد أنْ ذكر فعل القول لقوم موسى وهو (أَتَقُولُونَ) [يونس:77] حذف عنه المفعول به وهو مقولهم لدلالة الحال عليه.
ج ـ ثم قال مرة أخرى: (أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] وهذا استفهام على سبيل الإنكار، ثم احتج على أنه ليس بسحر في قوله: (وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ) [يونس:77].
4ـ قد يُذكر مقولان لقائلين مختلفين ويُحذف الفعل لواحد منهما، كقوله تعالى:
ـ (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] ففي الآية مقولان:
آـ (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ) [النحل:28] وهذا مقول الظالمي أنفسهم، وذكر فعل القول (ألقوا) أي: أسلموا وأقروا بالعبودية عند الموت، فقالوا: ما كنا نعمل من سوء، والمراد بالسوء هنا: الشرك.
ب ـ (إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] وهذا مقول الملائكة رداً عليهم وتكذيباً، وأُدمج المقولان، وهو مفهوم من السياق.
5ـ أن يُذكر فعل القول ومقوله، ثم يدمجه مع مقول آخر.

شواهد قرآنية:
آية يوسف: [51ـ52]:
ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ٥١ ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ) [يوسف: 51 - 52] وتفصيل ذلك:
آ ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ) [يوسف:51] في الآية فعل القول: قالت، ومقولها: أنا راودته.
ب ـ (ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ) [يوسف:52] هذا مقول يوسف عليه السلام عند أكثر المفسرين.
آية النمل[34]:
ـ (قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ) [النمل:34] وهذا كلام بلقيس، ثم إنه تعالى قال: (وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ) [النمل:34].
آية آل عمران [9]:
ـ (رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ) [آل عمران:9] هذا كلام الداعي، ثم قال: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ) [آل عمران:9].
6ـ أنْ يُذكر فعل القول ولا يُذكر المقول، بل يُذكر فحواه، كقوله تعالى:
ـ (قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ) [إبراهيم:31] أي: أقيموا الصلاة، وهذا فحوى القول.
ـ (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ) [الإسراء:53] أي: يقولوا القول الحسن.
والله أعلم.


مثنى محمد هبيان

رابطة العلماء السوريين
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
", مختارات, من, البيان, القرآن", تفسير, روائع, صور, في
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من روائع الإعجاز التاريخي في القرآن الكريم... "هامان" أبو ريم ورحمة قسم الإعجاز العلمي في القرآن والسنة 7 03-28-2019 11:32 AM
تفسير قوله تعالى"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم" مصطفىَ قسم تفسير القرآن الكريم 5 12-02-2016 02:07 PM
نصرة لامنا "عائشة" نشيد "يا امنا ياأم كل المؤمنين " ومقاطع منه كنغمات للجوال مهندس / السيد محمود ملتقى الجوال الإسلامي 1 03-17-2015 05:22 PM
إعجاز رباني عظيم "أحجار طبيعة من العقيق اليمني عليها صور للكعبة" / صور وادلة .. صادق الصلوي ملتقى الطرائف والغرائب 2 12-29-2012 04:26 AM
تفسير" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ " nejmstar قسم تفسير القرآن الكريم 1 12-08-2012 09:17 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009