أليس الله بكاف عبده
أخي المسلم، لا تقلق ولا تنزعج، فكل العقبات أمامك، وكل الشدائد حولك، وكل التأخيرات في حياتك - ما هي إلا خير، وربُّ الخير لا يأتي إلا بالخير، تأكد تمامًا أن الله ما صرف عنك شيئًا ليحرِمَك، ولا أخَّر عنك أمرًا ليعذبك، وإنما ليعطيك الخير، يعطيك أفضل من اختياراتك لنفسك، ويرفعك بهذا البلاء درجاتٍ عنده، عليك أن تحقق العبودية في نفسك، وبعدها يكفيك ربك، المؤمن يدرك ذلك ببصيرته لا ببصره،﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[الزمر: 36].
قد يُبتلَى الإنسان بأخيه الإنسان، فتصير فتنة أكبرَ مما كان؛ ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].
في الحياة ما عليك إلا السعي، والله يتكفل بالباقي، لا تفكر كيف سيأتيك الفرج، تدابير الله عظيمة، وهو القدير العزيز، لا تستبِقِ الأحداث، وتخَفِ الابتلاء، فكل بلاء لُطفه معه، ورحمة الله ترافقه، لا أحد يعرفك من الداخل إلا الله، فلا تجزع وتقلق، ما عليك إلا السعي، والإيمان أنه بك أرحم الراحمين، واعلم أن الله يكفيك همُّك، ويكشف كربك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
أيها المؤمن، هل تشعر أنك بلا قوة، بلا عزيمة، مسلوبُ الإرادة، منزوع الهمة؟ عُدْ إلى ربك، واستغفر من ذنبك؛ فإنما تُثْقِلك الذنوب حتى تصير مثل الجبل؛ روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب وقع على أنفه، فقال به هكذا، فَطَارَ))، وعندما تتطهر من كل ذلك يكفيك ربك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
أشياؤك التي تخشى عليها، وتريد أن تجعلها عند مَن لا تضيع لديه الودائع، أبناؤك، أو مالك، أو صحتك، أو حياتك.
الله الذي لا ينبغي أن تتوكل إلا عليه، ولا أن تُلجِئَ ظهرك إلا إليه، ولا أن تضع ثقتك إلا فيه، ولا أن تُعلِّق آمالك إلا به، يأمرك أن تركن إليه، فماذا بعد هذا من راحة وهدوء؟ وماذا بعد هذا من عز وشموخ؟﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
تلجئ ظهرك إليه حتى يمنع عنك سهام الغدر، تفوِّض أمرك إليه حتى يتم على أكمل حال، لا تتعلق بحبال الدنيا الواهية، ولكن عُدْ لربك ولا تقلق؛﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
عندما تتعرض لضيق كبير، وكرب شديد، وهمٍّ عظيم، توجَّهْ إليه فإنه قويٌّ قادر، غالب قاهر، فهل يستعصي شيء على رب العزة؟ العزة نفسها هو ربها، كل عزة رأيتها أو سمعت بها أو علمتها هو ربها، فكيف يمكن لكُرُوبك أن تصمد أمام إرادة رب العزة والكبرياء والعظمة؟ إذًا لا تجزع؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[الزمر: 36].
عندما تتبرأ من حَولِك وقوتك إلى الله وقوته، وتقول بقلبك قبل لسانك: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتردد كذلك: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فتستعين وتتوكل وتطلب القوة منه على أن تعبده واثقًا فيه، متوكلًا عليه؛﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: "تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]".
ويقول أيضًا: "القلب يعرِض له مرضان عظيمان إن لم يتداركها العبد، تراميا إلى التلف ولا بد؛ وهما: الرياء، والكبر؛ فدواء الرياء: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5]، ودواء الكبر: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]"، إذا كنت كذلك، فلمَ تخاف؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5] تدفع الرياء، ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] تدفع الكبرياء؛ [ابن تيمية].
ثِقْ بأن الله تعالى هو الذي يقضي حوائجك، ويرفع قدرك، ويطهر قلبك، ويغفر ذنبك، ويشفي مرضك؛ ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]،﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]
الذي عبدتَه فصلَّيتَ له، والذي مرَّغت جبهتك له، والذي نكَّست رأسك له، هو الأحق أن تعلق حاجاتك به، أن تُوكِلَ إليه أمر شفائك، أن يكون ملجؤك من مخاوفك، أن تجعله سبحانه المعين على تحقيق أحلامك، هو من يهديك ويحفظك، ويرشدك ويكفيك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

عباد الله، لقد سُميت سورة يوسف أحسن القصص؛ لأنها تُعَلِّمُنَا أن: السجين سيخرج، والمريض سيُشفى، والغائب سيعود، والحزين سيفرح، والكرب سيزول.
موسى الرضيع لم يغرَق وهو في قمة ضعفه، وغرِق فرعون وهو في قمة جبروته؛﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
فمن كان مع الله، فلن يضره ضعفه.
اثبت وجودك
..
تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع
|