استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى التاريخ الإسلامي > قسم التراجم والأعلام
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 05-25-2025, 03:19 PM   #1

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي عمدة المحققين العلامة عبدالرحمن بن سليمان العثيمين رحمه الله ...

      

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

العلامة المحقق عبدالرحمن العثيمين


ومجالسه «السبتية»


تعود معرفتي بأستاذنا الدكتور أبي سليمان عبدالرحمن بن سليمان العثيمين رحمه الله إلى نحو عشرين سنة مضت، وبالتحديد إلى عام 1417. فقد كان أول لقاء لي به في إحدى ليالي مجلسه العامر من يوم كل سبت بعد العشاء في بيته في حيّ العوالي بمكة المكرمة...



كان مجلسًا عامًّا عامرًا يحضره من شاء، يجتمع إليه ثلة من طلاب العلم على اختلاف تخصصاتهم، يتجاذبون مع أستاذهم ومضيفهم أطرافَ الحديث في العلم والأدب والمخطوطات والكتب والأعلام وما إليها، ثم يتناولون طعام العشاء، فالشاي، فالانصراف راشدين نحو منتصف الليل.



لا أدري متى بدأ الشيخ عقد مجلسه الأثير هذا، لكني عَرَفت به من الشيخ د.حاتم العوني، فذهبنا معًا لأول مجلس في أواخر عام 1417، وصادف أن كنا أول من حضر إلى المجلس، وبقينا مع الدكتور لدقائق من الوقت منفردين، فتبادلنا أطراف الحديث، وكانت فرصة للتعرّف على الشيخ عن قرب، ودار بيننا ما يدور بين المهتمين بالعلم.



وصادف في ذاك المجلس أن ذكرتُ لأبي سليمان مخطوطة «مشيخة يحيى بن فضل الله العمري»، وقد كنتُ صورتها من أحد أصدقائي من سنتين تقريبًا عام 1415، ولم تكن هذه المخطوطة النفيسة عند أبي سليمان (فقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر)، أبدى الشيخ اهتمامًا بالغًا بها، وتوثّق مني عنها، فوصفتها له وصفًا دقيقًا (فيما أحسب).



انتهى الحوار الثلاثي بقدوم باقي الزوار، فلما انقضى المجلس انصرف الناس، وابتدرنا الباب للانصراف، إذا بالشيخ يستبقني أنا وحاتم العوني حتى انصرف الجميع، ثم دعانا لغداء يوم غدٍ، واستحثني أن أحْضِر النسخةَ من المشيخه السالفة الذكر معي! وأذكر أني قلت له كلامًا مضمونه ألا تستسمن ذا ورم، وسآتيك بالنسخة بلا ثمن ولا غداء! (مع أني كنتُ حريصًا على اللقاء لكنه تمنّع الراغبين!) لكن مع إصرار الشيخ انصعنا له (راغبين). وهذا الحرص والاستعجال في الحصول على النسخة يدل على من شدّة شغفه بما لم يقف عليه من الكتب والمخطوطات.



جئناه من الغد على الوعد، وبصحبتي المشيخة، وكان حديثًا ماتعًا إلى حين وقت الغداء، وانصرفنا عصرًا، وقد توثقت الصلة، وصار حضور «السبتيات» في جدول أعمالي الأسبوعي، وزاده ذانك اللقاءان رغبة وأريحية..!



كان هذا اللقاء هو فاتحة معرفتي بأستاذنا أبي سليمان..



لم يكن في مكة المكرمة - فيما أعلم - في تلك المدة مجلسًا يوازي مجلس الشيخ أريحيةَ نفْسٍ وكثرةَ فوائد، على قلة المجالس المماثلة حينئذٍ.



لم أنقطع عن مجلسه ذاك لنحو خمس سنين تزيد أو تنقص، غالبًا بصحة د. حاتم العوني، وأحيانًا د. سعود العريفي أومنفردًا، ولم يقطعني عنها إلا عذر قاهر أو سَفَر طارئ للشيخ أو توقف المجالس أيام الإجازات إذ يقضيها الشيخ غالبًا في القصيم، وانقطعتُ عنها نحو عام 1422، لكن صلتي بالشيخ لم تنقطع، وقد زرته في القصيم آخر مرة عام 1434 وكان عائدا من رحلة علاج من ألمانيا، فما تغيّر ولا اختلف عمّا عهدناه محبة للعلم وشغفًا به وبأخباره، مع ما يمرّ به من ظروف صحيّة صعبة!



لست الآن بصدد كتابة ترجمة لأبي سليمان (وحقّه أن يُكتَب عنه)، لكني أصِفُ تلك المجالس »السبتية« التي أثرت في ثقافتي وتكويني العلمي، وانتفعت بها كثيرًا.



وقد رأيتُ عنه عدة كتابات كُتبت بعد وفاته رحمه الله لم يتطرق أحدٌ منهم للكتابة بتفصيل عن تلك المجالس ووصفها، ربما لأن مَن كتبوا - أو جلهم - لم يحضروا شيئًا منها، وكانت معرفتهم بالشيخ متأخرة بعد تقاعده من الجامعة وانتقاله للقصيم.



وأيضًا مَن حضروا تلك المجالس لم يكتبوا عنها، فرأيت حينئذٍ من الوفاء أن أكتب ما تسعف به الذاكرة من حال تلك المجالس، إيقافا للطالب على خبرها وحفظا للتاريخ، ووقوفًا على أطلال أيام جميلة عشناها مع مشايخنا ومفيدينا.



وشهودُ تلك المجالس بحمد الله حاضرون اليوم، فليزيدوا أو يستدركوا أو يكتبوا خيرًا مما كتبتُ، فالغرض هو استدعاء الكتابة والحثّ عليها.



ومن المؤسف حقًّا أنني لم أدوّن شيئًا يُذكَر من حال تلك المجالس في حينها فالاعتماد فقط على الذاكرة، وما أشدّ مكرها، ولست بصحاب ذاكرة حديدية (كما يقال).. وكان حقي أن أدوّن، ولكن التفريط استبدّ بي، وهل ينفع شيئًا ليت؟! ومهما يكن من أمر، فإني رأيتُ من نفسي نشاطًا لذكر بعض ما تسعف به الذاكرة لئلا يأتي على بقيتها آفة النسيان!



كان يرتاد تلك المجالس «السبتية» ثلة من فوََقة طلبة العلم، بعضهم من طلاب الشيخ، وأكثرهم من محبّي العلم على اختلاف تخصصاتهم وبلدانهم، أذكر منهم الآن: (د.حاتم العوني، د.حسن عثمان، د.محمد عبدالرحيم سلطان العلماء، د.سعود العريفي، د.لطف الله خوجه، د.محمد السعيدي، د.فهد الزهراني، د. عبدالله البقمي، و د. صالح الحويس، و د.السواط، د.عبدالرحمن العمري، وكاتب هذه الأسطر) وكان غالب المذكورين في ذلك الحين من طلبة الماجستير أو الدكتوراه.



هؤلاء الذين أذكرهم الآن، وليعذرني من لم أذكره، وليس المقصود الحصر والتتبع، وهناك جماعات من الطلاب تحضر المجلس بعد المجلس، وربما غلب عددُ الطلاب الجدد قدماءَ أصحاب الشيخ عددًا في بعض المجالس، وغالب الحضور كان من مكة، وقد يأتي بعضهم من جدة أو الطائف وقليل من غيرها.



قد يزور المجلس في بعض الأحيان بعض الأعيان من العلماء أو المثقفين، أو الباحثين، أذكر منهم: د.سليمان العايد، د.سعود الشريم، الشيخ محمد بوخبزة التطواني.. وغيرهم



كان المجلس محفلًا ثقافيًا يفيض فيه شيخنا على جلسائه بواسع اطلاعه ومعرفته وخبرته في شتى المعارف العلمية والأخبار الثقافية وحديث الكتب مخطوطها ومطبوعها في فنونه التي اختصّ بها - بما يُبهر الحضور.



وأستطيع أن أجزم أن الدكتور أعلم الناس (الذين لقيتهم) بالسِّيَر والتراجم خاصة الحنابلة منهم، ومن أعرفهم بالكتب خاصة كتب النحو واللغة والتواريخ والتراجم والسير والطبقات والمعاجم مخطوطها ومطبوعها. وما كان خبيرًا بها فقط بل كان قارئًا من الطراز الأول، وكم مرة سمعتُه يقول: إنه طالع الكتاب الفلاني كاملًا وهو مخطوط لم يطبع حتى اليوم!



وأذكر في هذا الصدد كلمةَ شيخنا العلامة بكر أبو زيد في تقدمته «للسحب الوابلة» لابن حميد: (1 /9) بتحقيق أبي سليمان قال: (حينئذ تولى فضيلة الشيخ عبدالرحمن تحقيق الكتاب وتخريج تراجمه، وتدارك الفوت على مؤلفه بحواشي ممتعة حسان مشبعة بالعلم والتحقيق جامعة لعزيز الفوائد والتدقيق في التراجم، ولم شتات البيوتات الحنبلية مما لا يَقوى عليه إلا هو ولا أقول مثله، لأنه في زماننا متفرد بخدمة تراجم علماء المذهب عن تحقيق وتدقيق وبصيرة نافذة في تحرير التعاليق) وصدق رحمهما الله.



يستقبل الشيخ زوّاره بترحاب لطيف ولسان عذب وابتسامة غير متكلفة، يسأل من تأخر عن حضور المجلس ويرحب به.



ينتقل الشيخ من موضوع إلى آخر ومن قصة إلى رحلة ومن معلومة إلى طرفة، يتخلّص في كل ذلك ببراعة ودون تكلّف، ينوّع الحديث من العلم إلى الطرفة ومن الجد إلى الإحماض، إما لمناسبة الموضوع الذي هو بسبيله أو بسبب سؤال سائل أو مداخلة آخر.



يبهرك الشيخ بكثرة محفوظه من القصص والأخبار، ومن الشعر العربي (أو النبطي ولم يكن يكثر منه) ويسرده سردًا لطيفًا محبّبًا.



كان أبو سليمان يمسك بزمام المجلس بأحاديثه العذبة وعلومه الغزيرة ولهجته القصيمية (المحببة)، يحدّثك بلغة الواثق بما عنده بحيث يبهر من يسمعه، يخلط كلامه بشيء من الأسئلة العلمية لزوّاره قد تبدو في بعض الأحيان أقرب إلى التقريع والتبكيت خاصة إذا لم يحسن المسؤول الجواب أو لم يجب!!



طريقة الشيخ في مجلسه تقريرا ونقاشًا جميلة محببة - لمن عرفه - وإن قسا - أحيانًا - على جليسه في العبارة أو السؤال أو النكتة..



يصرّ الشيخ على رأيه ويدافع عنه، وربما ضعّف رأيَ المخالف ما لم يكن معه حجة دامغة ودليل حاضر ولسان بليغ، ومَن يجاري أبا سليمان في قوة الحجة واستحضار الأدلة؟! خاصة فيما هو بسيله من الفنون والعلوم.. لكنه رجّاع إن تبيّن له وجه الصواب، وإن لم يصرّح بذلك في المجلس نفسه بل يعطي المسألة وقتها من النظر والتأمل.



وأذكر مرّة أنه جرى في المجلس نقاش في أبيات أبي حيان الأندلسي (ت745) في مدح ابن تيمية، وقصته معه في تخطئة سيبويه، فأنكر الشيخ القصة، وأنكر الأبيات، وقال: إنه بحث عنها في ديوان أبي حيان (المخطوط) فلم يجدها، مع أن هذه الأبيات (فيما قيل) من أحسن ما قال أبو حيان، قال: فلو كانت له لوجدناها في ديوانه! فكيف يخلو الديوان من شيء قيل إنه من أحسن شعره؟!



فقلت له: قد ذكر القصة تلاميذ ابن تيمية وتلاميذ أبي حيان، وهم مؤرخون ثقات يعتمد عليهم في أكبر من ذلك.



ثم سألتُه هل الديوان قد حوى كل قصائد أبي حيان؟ فقال: لا، فقلت: فلتكن هذه الأبيات منها. فما اقتنع الشيخ، وانقضى المجلس.



فلما كان في المجلس الآتي أتيته بنقلٍ يقطع جهيزة الشك والتردد، وهو أن ابن ناصر الدين في »الرد الوافر« ذكر هذه الأبيات، ونقل عن بعض تلاميذ أبي حيان (أظنه ابن المحب) أنه لقيه في الحرم وسأله عن هذه الأبيات؟ فقال أبو حيان: قد كشطتها من ديواني.



فسلّم الشيخ حينئذٍ، وما زاد على التعجب!



سمعتُ من بعضهم قبل أن أعرف الشيخ وبعد ما عرفتُه أنه ممسِكُ اليدِ بما لديه من مخطوطات ونفائس... وصحِبتُ الشيخ على هذا الظن (وبعض الظن إثم) لكني رأيتُ الواقع يكذِّب التقوُّل، فما أذكر أني طلبتُه كتابًا أو أوراقًا من مخطوط إلا بادر بتصويرها بأسرع وقت، بل أكثر من ذلك، فإنه لما علم أني أشتغل بتحقيق كتاب (تقييد المهمل)[1] لأبي عليّ الجياني (ت498) تكرّم عليّ بنسخة نفيسة منه، وكانت هي الأصل التي اعتمدنا عليه بحمد الله، وقد نوّهنا بذلك في مقدمة التحقيق.. وأشياء كثيرة أخذتها منه إما طلبًا أو مبادرة منه.



ولم يكن هذا خاصًّا بي فقد رأيته يتعامل بالكرم نفسه مع غير واحد من روّاد مجلسه.. والذي يظهر أن أبا سليمان يقدّر مَن يعطي ومَن يمنع، فمن رآه جادًا مشتغلًا بالعلم باحثًا في سبيله أكرمه بما لديه.. ومن رآه غير ذلك لم يعره اهتمامًا، تنقية للعلم من الدُّخلاء وصونا للعلم من الأدعياء... وأستغفر الله أن أزكّي نفسي، ولكن إحسانًا للظن بأستاذنا، والله أعلم.



في السنوات الأولى (لعلها الأربع) لم يكن يُقرأ في المجلس شيء، ثم بعد ذلك رأى الشيخ أن يُقرأ في أول المجلس مقطعًا من كتاب (الكامل) للمبرد، ثم يعلق الشيخ بما يُفتح به عليه من شرح غريب أو ترجمة شاعر أو تكملة قصة أو ذكر قصيدة أو نسب أو تاريخ، ثم يعود الحديث إلى مسامرة العلم وتجاذب الحديث فيه كسابق عهده.



لم يكن الشيخ متكلفًا في لباسه ولا حديثه ولا مجلسه ولا ضيافته، كان مجلسًا مريحا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يرحّب الشيخ بمن يقصده كبيرًا كان أو صغيرًا، ولا أذكر الآن أنه جرح أحدًا في مجلسه، أو أنه ميّز أحدًا أورفعه أكثر مما يستحقّ.. إلا بما ذكرته سابقًا عن طريقته التي قد يَظن من لا يعرفه أنها تقريع أو توبيخ، وهي كذلك لَعْمري!!



مِن أمتع ما سمعناه من أبي سليمان في مجالسه تلك:

أولا: أحاديثه عن رحلاته في مصر وتركيا والعراق، وقصصه في تصوير المخطوطات، ودخول المكتبات والصعوبات التي واجهها، وكيف تيسرت له الظروف في غالب الأمر، مع تشدد كثير من المكتبات في التصوير وضعف الخدمات وشروط المكتبات التعجيزية أحيانا لتصوير كتاب أو ورقات من مخطوط.



الأمر الثاني الذي امتعنا به: حكاياته في لقاء الأعلام من المحققين الكبار مثل محمود شاكر، وحمد الجاسر، ومصطفى جواد، وأحمد راتب النفاخ، والطناحي، والحلو وغيرهم. ولم أر الشيخ محتفيًا بأكثر من علَمَين جليلين: حمد الجاسر ومحمود شاكر رحم الله الجميع.



الأمر الثالث: ما كان يذكره من نوادر المخطوطات التي اكتشفها أو علم عنها، وكيف اكتشفها.



الأمر الرابع: آراؤه في المصنفات والأعلام والمحققين، لكني للأسف الشديد لم أقيد كثيرًا من هذه الأخبار وإن علق بالذهن كثير منها، ولعل سبب تراخي القلم عن التقييد: تكرار الشيخ لكثير من المعلومات والقصص، وقرب الشيخ منّا، وتتابع المجالس؛ ففترت الهمة واتّكلتُ على الذاكرة، وما كان أفْسَدَها من خطة قاد إليها التواني والكسل!!



لم يكن الشيخ ممن يتشبّع بما لم يُعط أو يتكلم في غير فنه إلا بما يقتضيه المقام، كان هذا غالب أمره، وكان إذا طُرِحت مسألة فقهية أو حديثية أو عقدية وكان في المجلس متخصص فيه سأله أو أحال عليه في الجواب، أو قال: لا أدري.



بل كان يحيل في بعض كتبه في تخريج الحديث إلى بعض المشتغلين فيه.



مكتبة الشيخ كانت في غُرَف المنزل الداخلية، لم أرها، كان أحيانًا يدخل إليها ليُحضر كتابًا أو مخطوطًا إذا جرى نقاش فيه أو اقتضى قراءة نصّ من الكتاب أو غير ذلك من الأغراض.



لم تكن مكتبة الشيخ شاملة لكل المراجع في الفنون المختلفة، لكنها مستوعبة لكل المراجع التي يختصّ بها الشيخ ويكتب فيها. وأذكر مرة أنه استعار بعض مجلدات كتاب «التمهيد» لابن عبدالبرواستغربت حينها ألا يكون الكتاب عنده! وكان تعجبّي أشدّ حينما علمتُ أن «فتح الباري» للحافظ ابن حجر ليس عنده أيضًا، ولم يكن الشيخ يرى ذلك نقصًا ولا عيبًا، ويقول: إنني لا أحتاجه في أعمالي فلا أقتنيه، ولكن إن احتجته رجعتُ إليه.



رحم الله شيخنا أبا سليمان، وغفر له، وسقى الله جدثه شآبيب الرحمة، وشكر الله له ما استفدناه منه من علم وخُلق، وقد غرس في قلوبنا حبّ العلم وتراث سلفنا وكتب علمائنا، لا لغرض دنيوي ولا لمطمع ماديّ، بل في سبيل العلم والمعرفة.



علي بن محمد العمران

18 /3 /1437 هـ

منقول

اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع


أكتب تعليق على الموضوع مستخدماً حساب الفيس بوك

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* تاريخ الرافضــــة والباطنية الإرهابي ....
* من أخطاء بعض طلاب العلم ...
* فتوى العلامة الألباني رحمه الله في الخميني ...
* وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد في الدنيا ...
* محمد رشاد عبدالمطلب عالم المخطوطات ومقصد المحققين رحمه الله ...
* عشر ذي الحجة فضائلها والأعمال المستحبة فيها ...
* شرح أسماء الله الحسنى ... العلامة السعدي رحمه الله

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2025, 05:52 PM   #2

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين.. عمدة أهل التحقيق


العلم رحم بين أهله، بمشاهد تواصلهم تزدان دواوين السير، وتشرق قوائم التراجم، ومن ثم تتجلى ألوان الوفاء، وتسطر صفحات الإخاء، وتتداعى أقلام المحبين لإبراز هذه العلاقة، وليعرب التعبير عما تكنه الصدور من المودة، وما زال صريف الأقلام يتردد صداه على صفحات التاريخ؛ ليعلن الشهادة الصادقة لكل عالم عامل متقن ذي صنعة في ميدانه وصناعة في تخصصه، وهذا الإتقان المركب من الإخلاص في العمل والمكنة من أدوات التخصص، والانقطاع والتفرغ.

كما أن اقتران بذل العالم للعلم بالتواضع شموخ يهون له العسير، ويلين له الصعب، ومن كانت هذه صفاته فقد تشرب محبة العلم وسلك مسالك أهله، لا يتذرع به لمنصب ولا يتطلع فيه إلى جاه، ولا يتمندل به لتزييف، ينشر الحق وينفع الخلق.


تلك السطور الآنفة معاني عكستها مشاعر محب بعد تأمل سيرة ومسير المحقق الكبير والمدقق الأستاذ النحرير الحجة الثبت أخي وزميلي وجاري وصديقي الحبيب إلى قلبي فضيلة الشيخ الدكتور أبي سليمان عبد الرحمن بن سليمان العثيمين الذي وافته – رحمه الله - المنية فجر يوم الأحد 29 / 2 / 1436هـ. والدكتور عبد الرحمن العثيمين - رحمه الله - تربطني به جملة من الروابط - بعد أخوة الإسلام - منها رحم العلم، وميدان التعليم، ومجاورة البيت الحرام، ومجاورة السكن سنوات ذوات عدد، والصداقة والخلة، لذا فالحديث عنه ليس حديثا عابرا، بل هو حديث السابر والمسامر، والصديق والمعايش.


الدكتور عبد الرحمن العثيمين - رحمه الله - تميز في شخصيته العلمية والسلوكية بالوضوح، لم أعرفه متصنعا، فالمجاملات الباهتة والابتسامات الصفراء ليس لها في تعامله سبيل. دوحة العلم وصدق العلاقة هي التي تجمعه بمن حوله من الجلساء والمحبين والعلماء والطلاب، فهو يستظل بها ويقطف من ثمارها، يصدر لطلاب العلم الناهمين المعارف من بحر علمه المتلاطم، وميدان خبرته الفسيح، ويرشد كل متعلم إلى مشربه، حتى علم كل وارد منهم مشربه، في علم المخطوطات ومحافلها، ودروب التحقيق ومسابلها، وأعلام التراجم وطبقاتها، وأحداث التاريخ ومتعرجاتها، وعلم الأنساب ومعالمه.


الدكتور عبد الرحمن العثيمين - رحمه الله - تعلق باللغة العربية مبنى ومعنى، ونحوا وصرفا، ينهل من أدبها سامق المعاني وجزيل المباني يلمس ذلك من حاوره ورصد مكتوبه. فقد شمل اهتمامه الأدبي بالشعر العربي قديمه وحديثه، والشعراء متقدمهم ومتأخرهم، والمشاهير والخاملين في عاطفة مرهفة وتذوق للقراءة أخاذ، تدور رحاه حول دواوين الشعر ومباسط معانيها من الشروح وكواشف المعاني: كحماسة أبي تمام وشروحها، فهو رفيق له في مصدوره قبل مسطوره فليس من ملكته أن يند عن ذهنه شيء من قصائد الحماسة، يعرف مكانها في الكتاب، ويحفظ للحماسة ما يقارب المائة من شروحها.


أما التراث فهو الباعث لمكنوزه والراد للعبث عن مكنونه، خبير محرر بالعبارة والإشارة، يهتدي به إلى عويص المظان. قال الطناحي لأحد طلابه، الذي عانى من البحث عن مخطوط: إذا قال لك العثيمين إنه لا يعرف المخطوط فلا تبحث عنه. وقال المحقق محمود شاكر: عقل العثيمين هو الكومبيوتر وقد كان الناس حديثي العهد بهذه الآلة العجيبة.
من خصائص الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله - اللطافة والطرافة، فهو من أهلها ويستعملها في محلها، يجمل ذلك البساطة في المظهر والعفوية في الحديث وعدم التكلف في الاستقبال.

له مواقف متعددة تشهد بحضوره الطاغي، وتداول فوائده وفرائده على موائد الكبار من العلماء المحققين، من أمثال: محمود شاكر، وحمد الجاسر: الذي كان يدنيه ليجلس بجواره، قائلا: إن من يحضر عندي يستفيد مني، أما العثيمين فإنني أستفيد منه، ومحمود الطناحي، ومحمد عضيمة، فأصبح مرجعا لهما، ووصفه عالم العربية الدكتور محمد عضيمة بما معناه أنه عراب المخطوطات وخبيرها وضابط استخباراتها.

وقد عني عناية خاصة بكتب التراجم والطبقات لعلماء وفقهاء الحنابلة حيث عني بتحقيق جملة منها:

«طبقات الحنابلة»؛ للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي (ت: 526هـ). وابتدأ هذه الطبقات بترجمة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - حتى وفيات الطبقة الخامسة عام 500هـ.

و«الذيل على طبقات الحنابلة»؛ للحافظ عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب (ت: 795 هـ). وابتدأ تذيله على طبقات الحنابلة من الطبقة الخامسة عام 500هـ؛ حتى وفيات عام 750هـ.

و«المقصد الأرشد» في ذكر أصحاب الإمام أحمد؛ لإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح (ت: 884 هـ). وابتدأ بترجمة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - حتى وفيات عام 850 هـ؛ إلا أنه لم يرتب كتابه على الطبقات؛ وإنما جعلها مرتبة على حروف المعجم باختصار.

و«الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد»؛ ليوسف بن أحمد بن الحسن بن عبد الهادي، المعروف بابن المبرد (ت: 909 هـ).وهو ذيل على طبقات ابن رجب.
و«السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة»؛ لمحمد بن عبد الله بن حميد (ت: 1295 هـ). وذيل به على طبقات ابن رجب إلى أن وافته المنية عام 1295هـ، وطبع بتحقيق الدكتور: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين - رحمه الله ؛ مع الدكتور: بكر بن عبد الله أبو زيد – رحمه الله.

ومن طالعه ذلك كله أدرك علو كعبه في التحقيق، فهو ليس محققا فقط، بل مسددا للنواقص ومستدعيا للشوارد والدقائق، ومن خاصة علمه في هذا المجال قدرته على معرفة خطوط العلماء والنساخ أسماء ورسما.
وقفات:
- أبو سليمان: كريم مضياف حيثما حل فبيته مفتوح لجموع الوافدين من العلماء والطلاب من غير تكلف فسيماه التبسط والتواضع، وإنك لتعجب من هذه الشخصية المضياف الكريمة مع انقطاع للعلم محبة واحتسابا وحين أقول احتسابا أي أنه لم يشتغل بما يشتغل به قرناؤه في العلم الأكاديمي من التطلع للترقيات.
- من مقولاته: «أي كتاب يدخل مكتبتي بطريقة غير مشروعة لن يكون فيه بركة».
- جلس مرة في مكتبته بعد العشاء ليستعرض بعض مخطوطات جلبها معه فلم يشعر إلا وضوء الشمس قد دخل عليه من النافذة فسئل عن ذلك فقال: «لقد صورت مخطوطات فلم أستطع النوم حتى أتأكد من تصوير كل ما طلبت».

- لا يحنث من يقول: إنه ليس هناك خزانة مخطوطات أو دار كتب لم يقلب أبو سليمان محتوياتها أو يستكشف كنوزها أو يستعرض محتوياتها.

- ومن طريف ما ذكره أخونا فضيلة الدكتور محمد الفريح في مقاله الماتع عن أبي سليمان - رحمه الله - ما ذكره من اقتراح الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - على الشيخ عبد الرحمن أن يقدم لكتاب «السحب الوابلة»، بتحقيقه سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - فقال أبو سليمان: «الشيخ بن باز على رأسي ومحل والدي، ولكن لو فعلت ذلك لمزقت الكتاب! إذا لم أكن راضيا عن عملي فلا حاجة لإغراء الباحثين بتقديم الشيخ، وإذا كنت راضيا عن عملي فلا داعي لأطلب الثناء عليه». عجيب هذه الروح وأعجب منه هذه الثقة التي في محلها وأحسب أنه موقف جدير بالعناية للغاية.

إن الحديث عن أبي سليمان - رحمه الله - يطول، فهو رحالة علمية ومحقق مخالط له حفاوة ومكانة في تخصصه، وهو من نوادر المحققين الكبار، الذي يستوجب على المؤسسات العلمية العناية بتركته العلمية اهتماما ونشرا، كما يجب على طلابه ومن له تواصل علمي بيان منهجه في الدراسة والتحقيق للتراث الإسلامي. ومن حق أبي سليمان أن يحفظ حقه، ويقدر له علمه وفضله.


وإنني أرجو مخلصا من جامعتي وجامعته جامعة أم القرى الشامخة أن تعرف لابنها فضله، وتحفظ له مقامه، فتقيم مؤتمرا أو ندوة كبرى تحمل اسمه وتراثه يتحدث فيها ويكتب المختصون المحبون والخبراء، فهو من خير من أنجبت الجامعة علما وفضلا ومكانة، مع اختيار قاعة من قاعات العلم في الجامعة لتزدان بحمل اسمه - رحمه الله - مع طباعة تراثه.


ورحم الله أبا سليمان وأسكنه فسيح الجنان وجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. وأصلح عقبه وذريته إنه سميع مجيب.

د. صالح بن عبد الله بن حميد
التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* تاريخ الرافضــــة والباطنية الإرهابي ....
* من أخطاء بعض طلاب العلم ...
* فتوى العلامة الألباني رحمه الله في الخميني ...
* وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد في الدنيا ...
* محمد رشاد عبدالمطلب عالم المخطوطات ومقصد المحققين رحمه الله ...
* عشر ذي الحجة فضائلها والأعمال المستحبة فيها ...
* شرح أسماء الله الحسنى ... العلامة السعدي رحمه الله

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-26-2025, 09:04 PM   #3

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

دكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين الأستاذ (المساعد)


كتبه: د. إبراهيم عبدالرحمن المطوع



أشكر القائمين على المهرجان ترشيحي للحديث عن د. عبدالرحمن العثيمين، ولم أكن أنا الأَجدر بالحديث عنه، بحكم تفاوت (الزمان) و(المكان) و(التخصص) بيننا، لكنني وافقت على المشاركة والحديث عنه، بعد أن سمعت وقرأت - ولا أزال - عن شخصيته الاستثنائية، وعلمه ومواقفه التي تُغري بالتعرف على تفاصيلها.

وضعت في العنوان كلمة [المساعد] بين قوسين، لأشير بها إلى معنيين لهما ارتباط بشخصية الدكتور عبدالرحمن، فأحد معاني كلمة:(مساعد) هي الرتبة العلمية المتعارف عليها في الأوساط الجامعية، حين يتعيّن الأستاذ الجامعي بعد حصوله على درجة الدكتوراه على درجة وظيفية تسمى (أستاذ مساعد)، ثم يأخذ الأستاذ الجامعي في الترقية منها إلى أستاذ مشارك ثم إلى أستاذ (بروفيسور).

فمن المفارقات أن الدكتور عبدالرحمن منذ حصوله على الدكتوراه عام1402هـ، ظلّ في هذه الدرجة العلمية، حتى تقاعده، فتعيّن (مساعدا)، وظلّ حتى تقاعده (مساعدا) - بحسب الرتب الجامعية - ولكنه استمرّ (مساعدا) - بحسب المعنى العام للمساعدة - لأعداد وفئات من طلاب جامعة أم القرى، ولأعداد أكبر وأكثر من أساتذة وطلاب الجامعات السعودية والعربية، وهو المعنى الثاني الذي كانت تشير إليه كلمة (مساعد).

فهو - في رأيي - إن كان قد حرم نفسه من الحصول على الدرجات العلمية التي يستحقها، فإنه لم يحرم عدداً وافراً من طلابه وتلاميذه منها، فقد ساندهم ووجّههم وأعطاهم عصارة تجاربه وخبراته العلمية، حتى نالوا الدرجات العلمية العالية التي حرم نفسه منها، فكان كالأب الحاني، الذي يحرم نفسه من متع الدنيا وجمالها، ليمنحه لأولاده مبتهجا مسرورا.

عاش في سلام داخلي مع نفسه، لم يأنف أو ينزعج من نعته بالأستاذ (المساعد) وهو ما قد يشعر به الأستاذ الجامعي الذي يحث الخطى للحصول على الترقية حتى لا يسبقه تلاميذه إليها، لأن العثيمين يرى أن ما يقدّمه، ويكتبه خارج التزامات الترقية، أكبر مما تمنحه إياه الترقيات..

فكان ولا يزال أستاذاً (مساعداً) لكل من قصده، وباذلا النصيحة والتوجيه، ولم ينل - بسبب قناعاته وأسلوب حياته، وبُعده عن الإعلام - الشهرةَ والانتشارَ بين الناس، لذا أشكر للمهرجان اهتمامه بهذه الشخصية، وهذا التكريم.

محطات حياته العلمية:

1 - من الأدب إلى اللغة:


كانت له عناية خاصة بالشعر العربي القديم والحديث، وكانت له عناية - خاصة - بالشعراء غير المشاهير مثل: ابن الدمينة، وتوبة بن الحمير زوج ليلى الأخيلية، وأبو علي البصير، وله شخصيته ورؤيته الخاصة في الاختيار والقراءة دون تقليد أو مجاراة أو مداراة لأحد، ولا يخفي إعجابه ببعض الكتب الأدبية التراثية: من مثل كتاب: حماسة أبي تمام وشروحها، لايكاد يشذّ عن ذهنه شيء من قصائد الحماسة، ويعرف مكانها في الكتاب، ويحفظ للحماسة 100 شرح، ويمكن أن يعدّها من ذهنه، كما يرى أن كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، لا يساوي أي كتاب آخر، ويرى الفصل بين الكاتب وكتابه، (لا علاقة لنا بسنيّة المؤلف أو تشيّعه)


كما قال الدارقطني: (لي صدقه وعليه بدعته)،

وفي الأدب الحديث حفظ قصائد نزار قباني، وقصائد الجواهري، ورشيد الخوري، وهو معجب إعجابا خاصا بشعر المهجريين.

التحق بعد تخرجه من المعهد العلمي بكلية اللغة العربية بالرياض، ولم يجد فيها ما يُشبع نهمته، ويُروي عطشه، بل رآها موازيةً لما تلقّاه في المعهد العلمي، ورأى ـ مع الأيام ـ أنها لن تُضيف له شيئا ذا بال، فعلم أن الوقت قد حان للاعتماد على النفس في القراءة والمطالعة والبحث


، فوجد في الرياض المكتبات التجارية والمكتبات العامة، فأخذ يتردّد عليها، متابعا للجديد من المؤلفات، فاستفاد منها أكثر مما استفاده من الكلية.

بعد التخرج تعيّن معلما في مدينة جدة، وحين فُتح باب القبول في جامعة أم القرى بمكة المكرمة لاستقطاب (معيدين)، تقدّم إلى لجنة المقابلة بكل ثقة، فليس لديه ما يخسره، فهو الآن في وظيفة معلّم وهو منسجم معها، ولكن لرغبته في البحث العلمي، أراد أن يختبر حظّه، فتقدّم راغبا التعيين في وظيفة معيد، في تخصص الشعر الجاهلي، وفي المقابلة طرح عليه عضو اللجنة سؤالا في النحو لم يتمكّن كل المتقدمين السابقين من الإجابة عنه، فأجاب عنه بكل ثقة ووضوح، فخرجت نتيجة المقابلة وكان هو الأول بفارق 30 درجة عن الثاني.. في تخصص (النحو)،


ولم يكن هو التخصص المفضّل لديه، وكأنه يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أجبتُ عن سؤال النحو الذي طرحه عليه عضو اللجنة، لأن رغبته الأولى كانت في الأدب الجاهلي، وليس في اللغة، فقرّر أن يدرس السنة التمهيدية في اللغة، ثم قد تتاح له فرصة التحويل إلى الدراسات الأدبية، وإن لم يتهيأ له ذلك عاد إلى التدريس.

سارت به السفينة كما تريد لا كما يريد رُبّانها، فعيّن معيدا في جامعة أم القرى، وأنجز رسالة الماجستير في عام 1397هـ، ثم رسالة الدكتوراه في عام 1402هـ، وظلّ أستاذا مساعدا في اللغة حتى تقاعده وعودته إلى مسقط رأسه في عام 1431هـ.

2 - من اللغة إلى الطبقات:


لم يكن أبو سليمان مُغرماً ومستغرقا في الاشتغال بالنحو، فهو يراه مع الاشتغال بالفقه لا يضيف الباحث فيهما جديداً، وهو المُحب للتفرّد والتميّز، ففي أثناء عمله في رسالة الماجستير، وحين بحث عن ترجمة العكبري (وهو حنبلي) لم يجد إلا القليل عنه، كما لم يجد إلا القليل من العناية بكتب تراجم الحنابلة عموما، الذي لم يُعن به فقهاء الحنابلة، كما عُنوا بالفقه والعقيدة، فتولّد لديه الاهتمام بتحقيق كتب طبقات الحنابلة، فحقّق ستة كتب في طبقات الحنابلة وهي:
1- الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد.


2- المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد.

3- الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام أحمد لابن عبد الهادي الإمام العلامة المحدث يوسف بن الحسن عبد الهادي.

4- غاية العجب في تتمة طبقات بن رجب لابن حميد النجدي.

5- طبقات الحنابلة لابن أبي علي، مجلدات ط الهيئة العليا للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية.

6- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لابن حميد النجدي.

3 - من الطبقات إلى المخطوطات:

(جمعاً وتحقيقاً):وهذه المحطة الثالثة والهامة في حياته العلمية، كان له مع المخطوطات شغف وهواية وعشق مبكر، وكانت البداية التي تكشف عن هذا الشغف: أنه في مرحلة البكالوريوس طلب منهم أحد الأساتذة - في مقرر البحث - البحث عن ديوان النابغة الجعدي المخطوط، ومقارنته بالديوان المجموع، ومن يعثر على بيت واحد زائد على الديوان المجموع فسيمنحه الدرجة كاملة، فبحثتُ عن الديوان المخطوط فوجدته في تركيا، فسافرت إلى هناك، واطلعت عليه فلم أجد فيه زيادة على المجموع.

فإذا سمع بأن لدى أحد علماً أو مخطوطاً، أو كتاباً جديداً سافر إليه والتقى به واطلع على ما لديه، وقام برحلات متعددة وراءها، ثم أتاحت له (جامعة أم القرى) كل السُبُل للجمع والاقتناء حتى غدت من أميز الجامعات السعودية في إحياء التراث.

أشاد به وبمكانته فيها أساتذة ومحقّقون، من أمثال: محمود شاكر، وحمد الجاسر: الذي كان يُدنيه ليجلس بجواره، قائلاً له: أن مَن يحضر عندي يستفيد مني، أما العثيمين فإنني أستفيد منه، ومحمود الطناحي، ومحمد عضيمة، فأصبح مرجعا لهم، فقد قال الطناحي لأحد طلابه، الذي كان يبحث عن مخطوط: إذا قال لك العثيمين إنه لايعرف المخطوط فلا تبحث عنه.. ووصفه د. محمد عضيمة بأنه (مباحث أو مخابرات) للمخطوطات.

وفي موقف آخر أرشد أبو سليمان الدكتور حسين نصار - وكان قد انتهى قريبا من تحقيق مخطوط - إلى نسخة مخطوطة من الكتاب لم يرجع إليها د. نصار، وهي محفوظة في مكتبة الكليات الأزهرية..ولا يتردّد في إعلان الافتخار - من باب التحدث بنعمة الله - فيقول: أتحدى أحد أي شخص ينافسني في معرفة كل المخطوطات في (المعرفة الإسلامية) من نحو وتاريخ ولغة وتفسير وفقه..

منهجه في التحقيق:
ليس له منهج مختلف عن غيره، سوى أنه يؤكد فقط على مبدئين:
1- الإخلاص في العمل، والتفاني في خدمة المخطوط وكأنه لأبيك أو جدّك.
2- ألا يكون أحد أعلم منك بالمخطوط في ظاهره أوفي باطنه، وفي كل صغيرة وكبيرة فيه.

نصائح وتوجيهات:

1- ينصح بالحصول على المخطوط بالطرق المشروعة ليبارك الله بالعمل، والإخلاص في التحقيق وكأن المخطوط لأبيك..

2- لم يجد عوائق أوعقبات في الحصول على المخطوطات من أي مكان، كما يزعم بعض المحققين، تظاهراً وادّعاءاً للجهود التي بذلها، فالحصول على المخطوطات سهل وميسّر، والأهم هو الشغف بالمخطوطات حباً لها وتعلقا بها وليس انتظارا لدرجة أو ترقية، ثم بعد الحصول عليه بذل الجهد في خدمته وإخراجه كما يتمنى المؤلف.


3- مناهج تحقيق كتب التراث وقواعده عربية المنشأ، ففي بعض كتب التراث في ما بين القرن 6و7 هـ يلتمس المتابع قواعد وأصولا لمراجعة وتصحيح ونسخ الكتب، وربما استفاد منها المستشرقون في العصر الحديث الذين عُنوا بتحقيق كتب التراث العربي.

4- على المحقق الاجتهادُ في التعرف على المؤلف الحقيقي للمخطوط المنسوب خطأ إلى غير مؤلفه، أو للمجهول المؤلف.

5- يرى أن الأهم للباحث هو استحضار (الهمّ العلمي) في المجال، وليس مجرد الاقتناء والجمع والاستحواذ كما يفعل البعض، ويحرم غيره من الاطلاع عليها والاشتغال بها، فهو يتتبّع ويجمع ليتيح المخطوطات للطلاب والباحثين، فالمخطوطات في رأسه ـ كما يقول ـ وليست في مكتبته أو خزائنه.

6- لا أنام إذا ذكر لي مخطوط لم أطلع عليه، وأسعى للحصول عليه بأي طريقة وبأي ثمن (قصة الطالب التركي)، ثم قال: (أي كتاب يدخل مكتبتي بطريقة غير مشروعة لن يكون فيه بركة).
7- يجد متعة في الاطلاع على مخطوطات المكتبات غير المفهرسة لأنه ـ كما يقول ـ يعثر فيها على نوادر المخطوطات، لأن الناس تتقاصر همتهم عن البحث فيها، أما المفهرسة فمن السهل على كل باحث التعرف على محتوياتها.. وذكر د. الصيني: في رواق المغاربة بالأزهر أقنع الحارس بأن يسمح له بالدخول ويغلق عليه الباب وجلس يتصفح المخطوطات ويجد أوراقاً متناثرة كان يجمعها مع بعضها ليكتشف في النهاية نسخة نادرة لكتاب لولا معرفته وحرصه وحدسه لبقيت أوراقاً متناثرة وضاعت ضمن ملايين الأوراق من تراثنا المفقود.

8- الاستغراق الكامل في العمل، فقد ذكر أنه جلس في مكتبته مرة مع المخطوطات، لم يشعر بنفسه إلا مع شروق الشمس، فقال: نعم وذلك بعد وصولي من الخارج ومعي مخطوطات مصورة.. فلم أستطع النوم، حيث جلست للتأكد من تصوير كل ما طلبت..السخرية والفكاهة في شخصيته:وهذه الروح العلمية الجادة، المستغرقة في البحث والاطلاع لم تخف جانباً هاما من جوانب شخصيته، وهو الجانب الفكاهي الساخر، والبساطة المتناهية، وقد ذكر الدكتور محمد الفاضل في مقالته عددا منها:


- قصته مع تلميذه في سوق الغنم في مكة.

- قصته مع الشاب المغربي، والشاب التركي.

- قصته مع الدكتور حسين نصار.

- أبوسليمان (الدِحْوِسّه) - كما يصف نفسه -.

- إطلاق الدكتور محمد عظيمة لقب (المخبر والمباحث).

- قصة الخروف النعيمي في المرتبة الخلفية لسيارته المرسيدس.

- قصته مع الدكتور أحمد النفاخ في سوريا.

- قصته مع العراقي محمد رضا الشبيبي ومناقشته إياه قبل وفاته بأيام.

- قصته مع مستشار الرئيس الموريتاني.

عبدالرحمن العثيمين في ذاكرة الآخرين:


وفي نهاية المشاركة..أود الإشارة إلى ثلاثة مقالات كُتبت في العام الماضي 1433هـ، فوجدتها مقالات تصور مشاعر وانطباعات كتابها الذين كتبوها (ابتداءً)، وليست (استكتابا)، وهنا تكون (المقالة) الكتابة قطعة من مخزون الوجدان والشعور دافعها الصدق الوجداني، والشعور النفسي.


1- عثمان الصيني: فقد نشر مقالة في جريدة الشرق بتاريخ 12-2-2012م، افتتحها بقوله ((في الحياة شخصيات مدهشة واستثنائية ومتفردة لا تشبه أحدا ولا يمكن مقارنتها بأحد، وأبو سليمان الدكتور عبدالرحمن العثيمين أحد هذه الشخصيات التي تدهش من يقابلها في أي مكان وزمان، وإذا كان هناك حديث المخطوطات والتحقيق وطبقات الحنابلة وخلا من اسم أبي سليمان فإن ذلك يعني أن هناك نقصا في المعلومات، فليست هناك خزانة مخطوطات أو دار كتب لم يقلب محتوياتها أو يكتشف كنوزها، وعندما يسأله زميل أو طالب علم عن شخصية أو مخطوطة يتدفق على الفور من ذاكرته المبهرة ويتحدث دون تفكير عن الشخصية وأماكن وجود النسخ المخطوطة من كتبه ويكون قد اطلع على معظمها وما حقق منها وما طبع....).


2 - أما الأستاذ حمد القاضي: فقد كتب مقالة في جريدة الجزيرة بتاريخ 25-5-1433هـ، لم أقرأ له - وهو الكاتب الإنساني الوديع المتزن - مقالاً بمثل هذه المرارة والألم والانفعال، كشف في المقالة عن مخاطبته لمدير جامعة أم القرى، للمبادرة في تكريم الجامعة للدكتور العثيمين بعد تقاعده ((لم أتوقع وأنا أدعو مدير جامعة أم القرى إلى تقديم لمسة وفاء بحق عالم جليل ومحقق كبير وأحد أبناء الجامعة التي أعطاها ربيع عمره وغزير عمله ونضارة عينيه حتى تركها بسبب المرض، ذلكم هو العالم المحقق أ.د. عبدالرحمن بن سليمان العثيمين الذي ضن عليه مدير الجامعة بلمسة تكريم تقيمه الكلية أو القسم الذي قضى فيه هذا العالم عمره، ربما أن معاليه كان لازال طالباً على مقاعد الدراسة عندما كان هذا العالم عضو هيئة تدريس بالجامعة، لقد آلمني هذا الجحود عندما وجه أخونا مدير الجامعة بحفظ الخطاب الذي دعوت فيه إلى تكريم هذا العالم ليته اعتذر بأي عذر! أما أن يكفن «الوفاء» بمداد الحفظ البارد، فهذا بأبسط معايير الوفاء غير مقبول أو مستساغ، وأنشر أبرز ما في هذا الخطاب الذي وجهته إلى مدير الجامعة الذي توقعت أن معاليه سيفرح به ويبادر إلى التكريم ولكن!...))


3 - د. محمد خالد الفاضل:فقد استثارت مقالة حمد القاضي شجونه، وحرّكت الكامن من المشاعر والذكريات التي تحمل عددا من المواقف مع أبي سليمان، حيث صحبه في عدد من الرحلات إلى القاهرة وتركيا والكويت والشارقة، ورأى مكانته وقدره عند العلماء والأساتذة الذين التقاهم.. وأشار إلى مكاتبته مدير جامعة أم القرى قبل نحو 20 عاماً لتكريم أبي سليمان، فيقول:((وقد ذكرني أبو بدر بخطاب بعثته قبل قرابة 20 سنة لمعالي مدير الجامعة وقتها حول الدكتور عبدالرحمن العثيمين – أيضاً – ولم أخبر أبا سليمان عن هذا الخطاب وأطلعه عليه إلا بعد سنين، وسأفصل الحديث عن مضمون خطابي هذا إن سمح حيّز المقال , مع أن خطابي تم حفظه وتجاهله وعدم الاستجابة لما ورد فيه, ويحمد لأبي بدر القاضي أنه حرّك بعض محبي أبي سليمان العثيمين في تويتر, فنفحوه بعدد من التغريدات الجميلة التي تنبض بالحب والوفاء, وقد تساءل بعض المتابعين عن أبي سليمان ومن يكون؟ كي يحظى بهذا الاهتمام والحب, ونظراً لصلتي به منذ ثلث قرن تقريباً إلى اليوم وقربي منه أحببت أن أكتب عنه من الذاكرة – دون أن أخبره – نبذة موجزة لتعريف القراء به))..


وأخيراً.. أرجو أن تكون هذه المشاركة محفزا لطلابه وزملائه ومعارفه لتسجيل وكتابة الكثير من المواقف والأعمال والجهود التي قام بها، وكما قال د. الصيني: إذا كان هناك حديث المخطوطات والتحقيق وطبقات الحنابلة وخلا من اسم أبي سليمان فإن ذلك يعني أن هناك نقصا في المعلومات..هنيئا ً لأبي سليمان بما قدّم، وهنيئا له بهذه السمعة والسيرة العلمية العطرة، أسأله الله أن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يمدّ بعمره على الطاعة، ويرزقه سعادة الدارين.

* بمناسبة تكريمه في مهرجان عنيزة الثقافي الرابع، الثلاثاء 24 ذو الحجة 1434هـ (الموافق 29 أكتوبر 2013 م). - جامعة القصيم
التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* تاريخ الرافضــــة والباطنية الإرهابي ....
* من أخطاء بعض طلاب العلم ...
* فتوى العلامة الألباني رحمه الله في الخميني ...
* وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد في الدنيا ...
* محمد رشاد عبدالمطلب عالم المخطوطات ومقصد المحققين رحمه الله ...
* عشر ذي الحجة فضائلها والأعمال المستحبة فيها ...
* شرح أسماء الله الحسنى ... العلامة السعدي رحمه الله

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
..., المحققين, الله, العلامة, العثيمين, بن, رحمه, سليمان, علية, عبدالرحمن
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شرح أسماء الله الحسنى ... العلامة السعدي رحمه الله السليماني ملتقى عقيدة أهل السنة و الجماعة 31 06-03-2025 11:56 AM
العلامة البركوي الحنفي رحمه الله ... السليماني قسم التراجم والأعلام 2 05-12-2025 01:48 PM
معنى لا إله إلا الله للشيخ العلامة ابن باز رحمه الله ... السليماني ملتقى عقيدة أهل السنة و الجماعة 4 03-01-2025 05:44 PM
فضيلة الشيخ العلامة الزاهد محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ... السليماني قسم التراجم والأعلام 2 04-28-2024 04:59 PM
موسوعة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ــ 2351 محاضرة !! 7.28 جيجا - مُ الشيخ عبده ملتقى الصوتيات والمرئيات والفلاشات الدعوية 2 01-09-2019 07:14 AM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009