بعد ما انتهى من تأسيس الاعتقاد في النهي عن الشرك والذكير بما يجب لله من الحق بدأ بالأوامر والنواهي (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لاحظ الحكمة في ترتيبها: أمره بالصلاة ثم أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم أمره بالصبر على ما أصابه أنه قلّ أن يأمر إنسان بالمعروف أو ينهى عن المنكر إلا ولا بد أن يصيبه شيء من الأذى الذي يكون من الناس (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من الأمور التي يعزم عليه لأنها عظيمة القدر عند الله عز وجلّ. وبعدما انتهى من الواجبات انتقل للآداب والأخلاق (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿١٨﴾) لا تصعر خدكـ تصعير الخد هي إمالته على وجه الكبر (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) تمشي مشية الفرح البطر الذي لا يتذكر الآخرة ولا يخاف من الله عز وجلّ لا يتواضع لعباد الله (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) امشِ مشيا قصدا لا السريع الذي يعاب على الإنسان ويخل بوقاره ولا البطيء الذي يدل على تماوته (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) لا ترفع صوتك فوق الحاجة (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) هذه هي خلاصة ما جاء في هذه القصة قصة لقمان الحكيم وما أوصى به ابنه فهي نموذج من نماذج الحكمة التي تُحتذى. وسارت السورة في بقيتها في الدلالة على الله عز وجلّ وتوحيده وبيان حقه جلّ وعلا الذي يعتبر هو أساس الحكمة وأصلها. وختمت بقوله جلّ وعلا (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿٣٤﴾) هذه الخمسة هي مفاتح الغيب المذكورة في سورة الأنعام (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)) قال النبي صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا هذه الاية في سورة لقمان.
|