استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى الخطب والدروس المقروءة > قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله
قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله يهتم هذا القسم بطرح جميع المحاضرات والدروس والخطب المكتوبة لفضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله..
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 11-25-2012, 12:12 PM   #1

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 85

أسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهر

افتراضي الصبر مفتاح الفرج

      

خطبة الصبر مفتاح الفرج

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد؛
فإن أصدقَ الحديث كلام الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.
نحن في هذه الآونة في أشد الحاجة إلى الصبر الجميل، والعمل بما يحمله من معنىً جليل.

فلعلنا هنا في غزة نجد في هذا الصبرِ الجميلِ عزاءً وسَلوة، فالحزن قد ضرب الأطناب، على فقد الأحباب؛ من أهلٍ وإخوانٍ وأصحاب، واليأس قد تسلَّلَ إلى القلوب التي فارقَها الارتياح، والأفئدة تراقب المجهول خوفا من الاجتياح.
فلابد من كلمة تسلِّي المحزونين، وتطمئن الخائفين، وتغرسُ الأملَ والرجاءَ في القلوب، وتطردُ اليأسَ والقنوطَ من الصدور، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (آل عمران: 200)
ثم هبَّت علينا نفحةٌ من نسائم النصر، ورأينا نتيجةً من عَبَقِ الصبر، وبعد هذا الظلام الدامس هناك بارقةُ أَمَلٍ في سطوع نور الفجر، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. (سورة النصر)
وفي حالنا هذه ونحوِها من الأحوال، لا بدَّ من الالتجاء إلى الله وذِكْرِه ذِكرًا كثيرا، والثباتِ على ديننا وإيماننا وتوحيدنا، وعدمِ النكوصِ إلى اليأسِ والقنوطِ والخنوع، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (الأنفال: 45)
ولابدَّ فرضًا لازمًا من طاعة الله سبحانه، وطاعةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدمِ التنازعِ والتفرُّق، وأن نكونَ يدًا واحدةً على من سوانا، ونصبرَ على ما ابتُلينا، فإن خالفْنا ذلك فالهزيمة والفشل، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. (الأنفال: 46)
وعلينا ألاَّ ندعيَ ما ليس لنا كذبا وزورا، أو نلهثَ باحثين عن السمعة والشهرة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». البخاري (5219) ومسلم (2129)
وعلينا ألاّ نتَّصف بالبَطَرِ والرِّياء، وألاّ نصدَّ عن سبيل الله من أراد النصحَ والخير {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}. (الأنفال: 47)
وعلينا أن نصبرَ صبرًا جميلا؛ لا تَبَرُّمَ فيه ولا ضجرَ من قضاء الله تعالى وقدره، [فإن الصبرَ من أعظمِ خصالِ الخير التي حثَّ اللهُ عليها في كتابه العظيم، وأمَرَ بها رسولُه الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، وقد وردت مادة (صبر) في القرآن الكريم =أكثر من مائة مرة=...
فقد أمر الله نبيَّه =صلى الله عليه وسلم= بخلُق الصبر فقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}. (النحل: 127)، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}. (الأحقاف: 35)
وأمر الله به المؤمنين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}. (آل عمران: 200).
وأثنى على أهله، فقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. (البقرة: 177)
وأخبر بمحبته للصابرين، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. (آل عمران: 146)
ومعيَّتِه لهم، فقال تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. (الأنفال: 46)
وأخبر أن الصبرَ خيرٌ لأصحابه، فقال تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}. (النحل: 126)
ووعدهم أن يجزيَهم أعلى وأوفى وأحسنَ مما عملوه، فقال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. (النحل: 96)، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. (الزمر: 10)
وبشرهم فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. (البقرة: 155)
وأخبر أن جزاءَهم الجنةُ =والحريرُ= فقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}. (الإنسان: 12)
وقد قرن الله الصبر بالقيم العليا في الإسلام، فقرنه باليقين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}. (السجدة: 24)
وقرنه بالتوكل، قال تعالى: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. (العنكبوت: 58، 59)
وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. (البقرة: 153)
وقرنه بالتقوى في عدة آيات منها: قولُه تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. (آل عمران: 186)، وفي قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}. (آل عمران: 120)، وقولِه تعالى في (سورة يوسف: 90): {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
وقرن الله تبارك وتعالى الصبرَ بالعمل، فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. (هود: 11)
وقرنه بالجهاد، في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. (النحل: 110)، وفي قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين}. (محمد: 31)
وقرنه بالاستغفار: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}. (غافر: 55)
وقرنه بالتسبيح، في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}. (الطور: 48)، وفي قوله تعالى في سورة طه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}. (طه: 130)
وقرن الصبر في القرآن الكريم بالحق، في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنسانَ لَفِي خُسْرٍ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. (العصر: 1-3)
وقرنه بالرحمة، قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}. (البلد: 17)
وقرنه بالشكر في عدة آيات، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. (إبراهيم: 5)]. من مقدمة المحقق لكتاب (قاعدة في الصبر لابن تيمية)
قال ابن عثيمين: و[الصبر ..حبس النفس على أمور ثلاثة:
الأول: على طاعة الله.
الثاني: عن محارم الله.
الثالث: على أقدار الله المؤلمة. هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم...
=وأقدارُ الله= المؤلمة: بحيث لا تلائمُ الإنسان تكون مؤلمة؛ فيُبْتلَى الإنسان في بدنه، ويبتلَى في ماله بفقده، ويبتلَي في أهله، ويبتلَى في مجتمعه، وأنواعُ البلايا كثيرة تحتاج إلي صبر ومعاناة، فيَصْبِرُ الإنسان نفسه عمَّا يَحرُم عليه من إظهار الجزع باللسان أو بالقلب أو بالجوارح؛ لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:
الحالة الأولي: أن يتسخَّطَ =ويتضجَّر=.
والحالة الثانية: أن يصبرَ =ويحتسب=.
والحالة الثالثة: أن يرضي =ويستسلم=.
والحالة الرابعة: أن يشكرَ =اللهَ ويحمَدَه=. هذه أربع حالات تكون للإنسان عندما يصاب بالمصيبة.
ولهذا يُذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعِها، =جُرحَ أصبعُها= فحمدت الله على ذلك، فقالوا لها: (كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه؟!) قالت: (إن حلاوةَ أجرِها أنستني مرارةَ صبرِها).
فأمر الله المؤمنين بمقتضى إيمانهم، وبشرفِ إيمانهم بهذه الأوامر الأربعة: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (آل عمران من الآية: 200)
فالصبرُ عن المعصية، والمصابرةُ على الطاعة، والمرابطةُ كثرةُ الخير وتتابعُ الخير، والتقوى تعمُّ ذلك كلَّه، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
فاصبروا عن محارم الله: لا تفعلوها، تجنَّبوها ولا تقربوها....
فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالي: {وَصَابِرُوا}، كأنَّ أحدًا يصابرُك، كما يصابرُ الإنسانُ عدوَّه في القتال والجهاد.
وأما المرابطة؛ فهي كثرةُ الخير والاستمرارُ عليه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلي المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". لأن فيه استمرارًا في الطاعة وكثرةً لفعلها.
وأما التقوى؛ فإنها تشملُ ذلك كلَّه، لأنَّ التقوى اتخاذُ ما يقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعلِ الأوامرِ واجتناب النواهي.
ثم بين الله سبحانه وتعالى أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سببٌ للفلاح فقال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
والفلاح كلمةٌ جامعةٌ تدور على شيئين: على حصولِ المطلوب، وعلى النجاةِ من المرهوب.
فمن اتقى الله عز وجل حصل له مطلوبُه، ونجا من مرهوبِه]. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1/172- 176) بتصرف
فالمصيبة في بداياتها قد تُغطِّي على العقل، وتذهِلُ الإنسانَ حتى تصدرَ منه مخالفاتٌ شرعية، فالصبرُ الحقيقيُّ عليها عند صدمتها الأولى، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى». البخاري (1283)، فالزمن كفيل بنسيان المصيبة، والصبر بعد فوات الأوان لا فائدة منه.
[... قَالَ عَليّ رضي الله عنه للأشعث بن قيس: إِنَّك إِن صبرت إِيمَانًا واحتسابا، وَإِلَّا سَلَوْتَ كَمَا تسلو الْبَهَائِم... =وَأَنْشَدَ ابْنُ مَسْرُوقٍ=:

إِذَا طَالَعَكَ الْكُرْهُ *** كُنْ بِالصَّبْرِ لَوَّاذَا


وَإِلاَّ ذَهَبَ الأَجْرُ *** فَلا هَذَا وَلا هَذَا].

كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 250)
ما أجملَها من صوَرٍ ترسمُها لنا الصحابيةُ الجليلةُ أُمُّ الرُّبَيِّعِ بِنْتُ البَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ =حيث= أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ)، -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ-، (فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ)، قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى». البخاري (2809)، تصبرُ إن علمت أنَّ نهايةَ ابنِها في الجنة، وتبكي إن كان غيرَ ذلك، فأعلَمَها أنه في الفردوس الأعلى، الله أكبر.
والصبر في الجهاد الذي فيه الرؤوس تُقطَع، والأيدي والأرجلُ تُبْتَر، والآذانُ تُصْلَم، والأنوفُ تُجدَع، والأعينُ تُفقأ، والأجسادُ تتمزَّق، والأشلاءُ تتفرَّق، والدماءُ تسيل وتنزف، ومن الجروح تتدفَّق، ويتعالى صُراخُ المتألمين، ويخفِتُ أنينُ الموجوعين، والمقاتلُ يرى ذلك بعينه، ويعاينه بنفسه، فالصبرُ هنا من أعلى المقامات، ولا يكابدُه إلا ذَوُو الهِمَمِ العليَّة، لذا لا يجوز تمنِّي الحربَ والقتال، خوفًا من عدمِ الصبرِ عند النزال، ولكنْ إن قُدِّرَ وصارت الحربُ فالصبرُ والمصابرة، والدعاءُ والذكر، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ»، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». البخاري: (2965، 2966)، مسلم: (1742)
وعدمُ الصبرِ على ألمِ الجروحِ في الحروب قد يؤدِّي بالمقاتلِ إلى الخسران في الدنيا والآخرة، لما يلحقه من التضجُّرِ من الألم، وعدمِ تحمُّلِه فيَقتلُ نفسَه طلبا للراحة من الألم، فهذا في النار، وإن قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ، قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! الَّذِي قُلْتَ لَهُ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ اليَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى النَّارِ»، قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: (إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا)، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ! أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»، ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ». البخاري: (3062) ومسلم: (111)
لهذا؛ لا يجوز أن نشهدَ على أحدٍ أو نحكمَ على معيَّنٍ بأنه شهيدٌ أو من أهل الجنة أو من أهل النار، إلا من شهدَ له أو عليه القرآنُ أو صحيحُ السنة، ولكن نقول لمن نحسنُ الظنَّ به: «... أَحْسِبُ فُلاَنًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ». البخاري: (2662)، مسلم: (3000)
[عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. قَالَ: (فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ العِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ)]. البخاري (4653)، وهذا التخفيف في عهد الصحابة رضي الله تعال عنهم: واحدٌ لا يفرُّ من اثنين، فكيف بضعفنا في هذا الزمان؟
نجد الجماعةَ من المسلمين يفرُّون من واحدٍ من الأعداء يقودُ طائرته، أو يركب دبَّابته، أو يُسيِّر وهو على الأرض (زنَّانته) أي طائرته الاستطلاعية، ففرارنا والحال كذلك مغفور.
إن ما يُخْضِعُ لنا عدوَّنا ويذلُّه بين أيدينا، ويحفظُنا من البلايا والمحن، هو وحدتُنا وصبرُنا فيما بيننا على أنفسنا، والصفحُ والعفوُ عمن أساءَ منا، قال البخاري: [وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. (المؤمنون: 96): (الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ، وَالعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ)].
إن الفرج آتٍ لا محالة، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. (الشرح: 5، 6) [قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: (أَيْ مَعَ ذَلِكَ العُسْرِ يُسْرًا آخَرَ كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ}. (التوبة: 52): وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ)]. صحيح البخاري
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَتَى أَبُو عُبَيْدَةَ الشَّامَ حَضَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ, فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: سَلَامٌ, أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ شِدَّةٌ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا مَخْرَجًا، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ, وَكَتَبَ إِلَيْهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (آل عمران: 200). مصنف ابن أبي شيبة (4/ 222، رقم 19486)
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ»، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. البخاري (7068)
وتوبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.





**الخطبة الآخرة**

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اهتدى بهداه، إلى يوم الدين وبعد؛
فنحن مأمورون بالصبر عند المصائب، وعند وقوع البلايا والمحن، وعند فقد الأهل والأولاد، قال سبحانه عن أيوب عليه السلام بعد أن افتقد ماله وأهله وصحته: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}. (ص: 44)
وعَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ صفية، قَالَتْ: لَمَّا صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الْمَسْجِدَ، وَذَلِكَ حِينَ قُتِلَ =عبد الله= ابْنُ الزُّبَيْرِ =ابن أسماء= وَهُوَ مَصْلُوبٌ، فَقِيلَ لَهُ: (إِنَّ =أمَّه= أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَمَالَ إِلَيْهَا فَعَزَّاهَا)، وَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَاتَّقِي اللهَ وَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ). فَقَالَتْ: (وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَصْبِرَ وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ). أخبار مكة للفاكهي (2/ 376، رقم 1677)
أيَّها الناس! إن الذي يريدُ من أهل المصيبة أن يطلقوا النارَ والرصاصَ فرَحا وابتهاجا بمصيبة الموت، ويحثَّهم على أن يضحكوا أو ويزغردوا، أو يَطبُلوا أو يَزمُروا ويفرحوا، ناقَضَ الفطرة، وخالفَ السنة، عزَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنةً له عندما مات ابنها فقال: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ»،.. =وبكى= وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ،.. وَقَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». البخاري (1284)
والبكاء والحزن لا ينافيان الصبر، لأنَّ الإنسان لا يملكُ قلبَه من الحزن، ولا عينَه من البكاء، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ =أي أباه من الرضاعة=، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ّ) فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». البخاري: (1303)
عاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ في شَكْوَى لَهُ، مع جماعة من أصحابه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ قَضَى» قَالُوا: (لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!) فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا، فَقَالَ: «أَلاَ تَسْمَعُونَ؛ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ». البخاري: (1304)، ومسلم: (924)
والمعنى محمول على من بكى بصراخ ونوحٍ وصياح، ودعوى الجاهلية، والمصيبة في الدين أن يُتقرَّبَ إلى الله بهذه البدعة وتُعتبرَ عبادة، مع قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحذيرِه: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ». البخاري: (1294)
إن الصبرَ والتصبُّرَ أفضلُ ما منحه الله للعبد، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». البخاري: (1469)، ومسلم: (1053)
وهذا حال المؤمن وهذا شأنه؛ كلُّه له خير فـ«عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». مسلم: (2999)
{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. (الزمر: 10)
[ألا وصلُّوا رحمكم الله على خير البرية، وأزكى البشرية؛ محمدِ بن عبد الله؛ صاحبِ الحوضِ والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. (الأحزاب: 56)
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيوم.
اللهم أصلح لهم بطانتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا؛ اللهمَّ لتُحييَ به البلاد، وتسقيَ به العباد، ولتجعلَه بلاغاً للحاضر والباد.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]. دروس للشيخ سعود الشريم
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.

كتب وخطب وألف بين الكلمات والجمل:
أبو المنذر فؤاد
الزعفران المغازي الوسطى غزة
تاسوعاء محرم 1434 هـلالية،
وفق: 23/ 11/ 2012 شمسية.
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@yahoo.com
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com

اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع

أسامة خضر غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة أسامة خضر ; 11-25-2012 الساعة 01:29 PM.

رد مع اقتباس
قديم 11-25-2012, 01:58 PM   #2
أبو جبريل نوفل

الصورة الرمزية almojahed
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 3

almojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond repute

افتراضي

      

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله عنا خيرا يا أبا عبد الله و شكر الله لكم هذا النقل المبارك لشيخنا العزيز أبا المنذر حفظه الله و اطال بقاه
التوقيع:

من مواضيعي في الملتقى

* العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
* حقوق المرأة في الإسلام
* ما معنى ‏{‏وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏‏؟‏
* تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل
* تلاوة القرآن بالمقامات الموسيقية
* من فضائل الأعمال
* النصيحة و الموعظة اليوم لمعشر الشباب

almojahed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-25-2012, 04:57 PM   #3
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية ام هُمام
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 539

ام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond repute

افتراضي

      

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاكم الله كل خير ورزقنا واياكم الصبر في كل مجالات الحياة
التوقيع:
بسم الله الرحمن الرحيم
  1. وَالْعَصْرِ
  2. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
  3. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )

من مواضيعي في الملتقى

* فضل صلاة التراويح
* هل ينكر على من رآه يأكل ناسيا في رمضان
* أعلام من السلف
* إبن القيم رحمه الله
* أبوالدرداء - أيّ حكيم كان
* سلمان الفارسي -الباحث عن الحقيقة
* قوت القلوب

ام هُمام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-25-2012, 09:43 PM   #4

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 147

المحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond reputeالمحبة في الله has a reputation beyond repute

افتراضي

      

جزاكم الله خيرا اخي الفاضل على هذا النقل الطيب
و جزى الشيخ عنا كل خير
التوقيع:














من مواضيعي في الملتقى

* غير مسجل دعــوة من القـلب
* دعوة خاصة ,, اختي ام همام
* صور مدهشة لعاصفة رملية اجتاجت المحيط الهندي
* درس رائــــــــع في الحياة ...
* كيف تحفظ لسانك
* انشودة عن فضل الصدقة ,,, سمير البشيري
* تلاوة مؤثرة ورائعة من سورة مريم لشاب ألماني

المحبة في الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-26-2012, 12:31 AM   #5
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية آمال
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 286

آمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond repute

افتراضي

      

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم أخونا الفاضل أسامة خضر على النقل المتواصل لهذه الدرر القيمة وبارك الله في الشيخ
وجعلنا الله جميعا من اهل الجنة
أخي الفاضل كيف نصبر على العبادة بشكل عام؟ وكيف اذا كان هناك متعة روحانية ترافق العبادة؟
( فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ )
التوقيع:




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اغفر لأختي الغالية آمال خطاياها وجهلها واسرافها في أمرها
وما أنتَ أعلمُ به منها وارحمها وادخلها جنتك برحمتك يا رحيم

من مواضيعي في الملتقى

* الامام البخاري
* فوائد الكستناء
* الحوار في القرآن..
* وليالٍ عشر!
* مُتَّخِذي أَخْدان!
* الناس في القرآن!
* الخمسة ابتلاءات!

آمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-28-2012, 11:15 AM   #6

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 85

أسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهر

افتراضي

      


الأخت الفاضلة جزاها الله خيرا::::
أنقل إلى حضرتكم جواب شيخنا فؤاد أبو المنذر أطال الله في عمره وزاده علما وتوفيقا:::::
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد:
الطاعة عبادة لله تعالى، وقد قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. [الذاريات: 56- 58]
والطاعة فعل مستمر، والفعل يحتاج دائما إلى صبر.
و [لأن الطاعة فيها أمران:
الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويلزم نفسه به.
والأمر الثاني: ثقل على النفس، لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء.
فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: (وَصَابِرُوا) كان أحدا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد]. شرح رياض الصالحين (1/ 176)
[وكان الصبر على الطاعة أعلى; لأنه يتضمن إلزاما وفعلا، فتلزم نفسك الصلاة فتصلي، والصوم فتصوم، والحج فتحج... ففيه إلزام وفعل، وحركة فيها نوع من المشقة والتعب، ثم الصبر عن المعصية لأن فيه كفًّا فقط; أي: إلزاما للنفس بالترك، أما الصبر على الأقدار; فلأن سببه ليس باختيار العبد، فليس فعلا ولا تركا، وإنما هو من قدر الله المحض]. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 110)
ويتساءل في موضع آخر:
[وأي أنواع الصبر الثلاثة أفضل؟
نقول: أما من حيث هو صبر فالأفضل الصبر على الطاعة، لأن الطاعة فيها حبس النفس، وإتعاب البدن.
ثم الصبر عن المعصية، لأن فيه كفُّ النفس عن المعصية ثم الصبر على الأقدار، لأن الأقدار لا حيلة لك فيها، فإما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سُلُوَّ البهائم وتنسى المصيبة، هذا من حيث الصبر.
أما من حيث الصابر: فأحياناً تكون معاناة الصبر عن المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة.
فلو أن رجلاً هُيئَ له شرب الخمر مثلاً، بل ودعي إلى ذلك وهو يشتهيه، ويجد معاناة من عدم الشرب، فهو أشد عليه من أن يصلي ركعتين لا شك.
كذلك لو كان شابّاً ودعته امرأة إلى نفسها، وهي جميلة، والمكان خالٍ، والشروط متوفرة، فأبى، فهذا فيه صعوبة أصعب مما لو صلى عشرين ركعة، فهنا قد نقول: ثواب الصبر عن المعصية هنا أعظم من ثواب الصبر على الطاعة لما يجده هذا الإنسان من المعاناة. فيؤجر بحسب ما حصل له من المشقّة]. شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 225)
وقال ابن تيمية: [وَكِلْتَا النِّعْمَتَيْنِ تَحْتَاجُ مَعَ الشُّكْرِ إلَى الصَّبْرِ، أَمَّا الضَّرَّاءُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا نِعْمَةُ السَّرَّاءِ فَتَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ فِيهَا، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ، فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمَسَاكِينُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي السَّرَّاءِ اللَّذَّةُ، وَفِي الضَّرَّاءِ الْأَلَمُ، اشْتَهَرَ ذِكْرُ الشُّكْرِ فِي السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ فِي الضَّرَّاءِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. (هود: 9– 11)]. مجموع الفتاوى (8/ 209)
وقال: [وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ فِي عُمُومِ الْمَصَائِبِ، وَمَا يَكُونُ بِأَفْعَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُ فِيهِ كَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ عَنْ النَّاسِ. وَيُوسُفُ الصِّدِّيقُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ هَذَا وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عَنْ الْفَاحِشَةِ مَعَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَيْهَا فَهَذَا الصَّبْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرِ، بَلْ وَأَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَةِ]. مجموع الفتاوى (17/ 29)
وقال ابن القيم: [وأما الصبر على الطاعة فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه وقد لا يعرض فيه، بل يتجلى بها ويأْتي بها محبة ورضى، ومع هذا فالصبر واقع عليها، فإنه حبس النفس على مداومتها والقيام بها، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِى}. [الكهف: 28]، وأما الصبر عن المعصية فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه، وقد لا يعرض فيه، لتمكن الصابر من قهر داعيها وغلبته]. طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 267)
وقال رحمه الله تعالى: [وههنا مسألة تكلم فيها الناس، وهى أي الصبرين أفضل؛ صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟
فطائفة رجحت الأول؛ وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدّيقين، كما قال بعض السلف: (أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصي إلا صدّيق).
قالوا: (ولأن داعيَ المعصية أشدُّ من دواعي ترك الطاعة، فإن داعي المعصية إلى داع أمرٍ أمرٌ وجودى تشتهيه النفس وتلتذ به، والداعي إلى ترك الطاعة الكسل والبطالة والمهانة، ولا ريب أن داعى المعصية أقوى).
قالوا: (ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعي النفس والهوى والشيطان وأسباب الدنيا وقرناءُ الرجل وطلب التشبه والمحاكاة وميل الطبع، وكل واحد من هذه الدواعي يجذب العبد إلى المعصية ويطلب أثره، فكيف إذا اجتمعت وتظاهرت على القلب؟ فأي صبر أَقوى من صبر عن إجابتها؟ ولولا أَن الله يصبره لما تأْتى منه الصبر. وهذا القول كما ترى حجته فى غاية الظهور.
ورجحت طائفة؛ الصبر على الطاعة بناءً منها على أن فعل المأْمور أَفضل من ترك المنهيات، واحتجت على ذلك بنحو من عشرين حجة.
ولا ريب أن فعل المأمورات إنما يتم بالصبر عليها، فإذا كان فعلها أفضل كان الصبر عليها أفضل، وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية: فالصبر على الطاعة العظيمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة، وصبر العبد على الجهاد مثلاً أفضل وأعظم من صبره عن كثير من الصغائر، وصبره عن كبائر الإثم والفواحش أعظم من صبره على صلاة الضحى، وصوم يوم تطوعاً ونحوه، فهذا فصل النزاع فى المسألة. والله أعلم]. طريق الهجرتين وباب السعادتين (275، 276)
والله أعلم
أسامة خضر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
مفتاح, الصبر, الفرج
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مع الشدة والكربة يأتي الفرج واليسر أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 5 02-11-2013 04:49 PM
بحر الدموع للامام جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي خالددش ملتقى الكتب الإسلامية 9 10-20-2012 03:31 PM
الفرج ..قصة رائعة جدًا أبو ريم ورحمة ملتقى الأسرة المسلمة 2 09-11-2012 10:09 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009