ثم ننتقل بعد ذلك إلى آخر سورة وهيسورة الذاريات:
هذه السورة أيضا موضوعها هو موضوع السور المكية من مناقشة المشركين في أمر البعث وأنه حق قادم لا محالة وهي تتجه بنا إلى أن نتجه إلى الله من خلال عبوديته فتأمرنا بذلك ولذلك ذكر الله فيها أربعة أقسام قال (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) وهي الرياح (فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿٢﴾) وهي السحب (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) وهي السفن (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) وهي الملائكة (إنما توعدون لصادق وان الدين ) أي الجزاء والحساب (لواقع). (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ) أي ذات الجمال والقوة (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) أيها المشركون في أمر البعث وأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أرشدهم إلى ما ينبغي لهم أن يفعلوه فقال الله عز وجل (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ) من الجزاء الحسن (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) ماذا كانوا محسنين؟ بأي شيء؟ ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) قليل من الليل الذي يهجعونه (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الاستغفار بالأسحار (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) سؤال: وردت هذه الآية في سورة المعارج لكن قال في تلك سورة المعارج (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وهنا (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ما الفرق بينهما؟ هذه صدقة وتلك زكاة لأن تلك جاءت في مورد الواجبات أما هذه في مورد النوافل (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ)-ما قال معلوم- لو كانت حق معلوم لكانت الزكاة، لا، (حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لأن هذه كلها نوافل. (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴿٢٠﴾ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٢١﴾ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿٢٢﴾) العجيب أن هذه السورة تؤكد على أمر الرزق، ولاحظوا أن الرياح والسفن والسُحُب مما يكون بها الرزق، وهنا قال (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿٢٢﴾ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴿٢٣﴾).
|