الموضوع
:
سلسلة شرح الأربعين النووية
عرض مشاركة واحدة
09-30-2025, 12:56 AM
#
13
مشرفة قسم القرآن
الملف الشخصي:
تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 42
الحديث (14) لا يحل دم امرئ مسلم..
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارِق للجماعة))
[1]
.
عباد الله:
هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم، ومتعلِّق بأخطر الأشياء؛ وهو الدماء، ويؤكِّد على أن الأصل في الدماء العِصمةُ؛ كما في حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:
((
كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دَمُهُ، وماله، وعِرْضُه))
[2]
، كما يُبيِّن عقوبة مقترفي الجرائم المذكورة لحماية المجتمع ووقايته؛ وهي حدُّ القتل، وحد الزاني المحصَن، وحد الرِّدَّة، وتطبيق هذه الحدود مردُّه إلى أولياء الأمور، وليس لآحاد الناس، فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1-
تشريع حد الزنا لحفظ الأعراض: الذي تزوَّج وإن طلَّق أو طُلِّقت يُسمَّى عند الفقهاء بالثَّيب، وأجمعوا على أنه إذا زنى يُرجم بالحجارة حتى الموت، وقد ثبت في السُّنَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية لمَّا زَنَيَا، وكان مما نزل من القرآن ثم نُسِخ نَسْخَ التلاوة دون الحكم ما رُوِيَ عن زرٍّ، قال:
((قال لي أُبَيُّ بن كعب: يا زرُّ، كأيِّن تقرأ سورة الأحزاب؟ قال: قلت: كذا وكذا آيةً، قال: إن كانت لَتُضاهي سورة البقرة، وإن كنَّا لنقرأ فيها: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتةَ نكالًا من الله ورسوله، فرُفع فيما رُفع))
[3]
، والشيخ والشيخة: الثيب والثيبة، أما الزاني البِكر؛ فحكمه واضح في قوله تعالى: ﴿
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
﴾ [النور: 2]، ولو طبَّقنا هذا التشريع الربانيَّ، لَحُفِظتِ الأعراض، ولما انتشر الزنا والخيانات الزوجية، وما ينجُم عنها من اختلاط الأنساب، وظهور أبناء الزنا، وما يترتب عن وجودهم من تكلفة لاحتضانهم، ومن مشكلات نفسية لهم عند كِبَرِهم والسؤال عن نسبهم.
2-
تشريع القِصاص لحفظ الأنْفُسِ: قتل النفس بغير وجه حقٍّ جُرمٌ عظيم عند الله؛ قال صلى الله عليه وسلم:
((
كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُه))
[4]
، وهو من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: ﴿
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
﴾ [النساء: 93]، هذا في عذاب الآخرة، أما في الدنيا، فالقِصاص إذا لم يرضَ أولياء المقتول بالدِّيَةِ، أو العفو عن القاتل؛ قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
*
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
﴾ [البقرة: 178، 179]، وقال تعالى: ﴿
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
﴾ [المائدة: 45]، فلو طُبِّق القِصاص في واقعنا، لأمِنَ الناس على أنفسهم وأرواحهم، واستراح الناس من فظائع الجرائم التي يرتكبها الأفراد والعصابات، وهذا التشريع الربانيُّ يدحض مزاعمَ دُعاة إلغاء عقوبة الإعدام؛ لأن الجزاء ينبغي أن يكون من جنس العمل، وهم ينظرون إلى العطف على الجاني وحقه في الحياة، وينسَون حقَّ الضحية وحقه في العيش، فما أعدل تشريع الإسلام!
3-
تشريع حد الرِّدَّة لحفظ الدين، فمن دخل في الإسلام ثم ارتد عنه وترك جماعة المسلمين، فقد أجمع أهل العلم أنه يُقتَل؛ بدليل هذا الحديث:
((التارك لدينه المفارِق للجماعة))
، وقوله صلى الله عليه وسلم:
((
من بدَّل دينه فاقتلوه))
[5]
، وبدليل قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين الذين ارتدوا بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو طبَّقنا هذا التشريع الرباني لَقطعنا الطريق على المجاهرين بالكفر، والملاحدة، وقُمنا بصيانة الدين من تلاعب اللادينيين.
ويجدر التنبيه في الختام أن المسلم قد يُقتَل - حال تطبيق حدود الله - من طرف وليِّ أمر المسلمين بغير هذه الثلاثة؛
ومنها:
•
اللواط: لقوله صلى الله عليه وسلم:
((
من وجدتموه يعمل عَمَلَ قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به))
[6]
؛ حتى لا تنتشر هذه الآفة بين المسلمين.
•
العصابات المحاربون: لقوله تعالى: ﴿
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
*
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
﴾ [المائدة: 33، 34].
•
الساحر: وهو عند أبي حنيفة ومالك وأحمد أنه يكفُر بسِحْرِه، فهو في حكم المرتدِّ.
•
من يريد تفريق وحدة المسلمين: لقوله صلى الله عليه وسلم:
((
من أتاكم وأمرُكم جميع على رجل واحد، يريد أن يشُقَّ عصاكم، أو يفرِّق جماعتكم، فاقتلوه))
[7]
.
عباد الله:
دمُ المسلم الذي لا يحل إلا بحقِّه عند الله أصبح في زماننا من أرخص الدماء، كما ترَون في فلسطين وغيرها من البُلدان؛ نتيجة ضعف المسلمين وترك دينهم وتفرقهم، فأصبحوا أذلاء بين الأمم، ولا عزَّةَ لهم إلا بالرجوع إلى دينهم حتى يجمع الله شملهم، ويأخذوا بأسباب القوة.
فاللهم انصر دينك وأعزَّ أولياءك، آمين.
[1]
رواه البخاري، رقم: 6878، ومسلم، رقم: 1676.
[2]
رواه مسلم، رقم: 2564.
[3]
رواه أبو داود الطيالسي، رقم: 2564.
[4]
رواه مسلم، رقم: 2564.
[5]
رواه البخاري، رقم: 3017.
[6]
رواه أبو داود، رقم: 4462.
[7]
رواه مسلم، رقم:1852.
امانى يسرى محمد
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى امانى يسرى محمد
البحث عن كل مشاركات امانى يسرى محمد