![]() |
لمسات بيانية في القرآن الكريم د.فاضل السامرائي
. تتنزلٌ- تنزلَ سورة فصلت (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)) سورة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)) استخدم نفس الفعل المضارع لكن حذفت التاء في الآية الثانية (تنزّل) لماذا؟ الآية الأولى هي عند الموت تنزل الملائكة على الشخص المستقيم تبشرّه بمآله إلى الجنة أما الثانية فهي في ليلة القدر ، التنزّل في الآية الأولى يحدث في كل لحظة لأنه في كل لحظة يموت مؤمن في هذه الأرض إذن الملائكة في مثل هذه الحالة تتنزّل في كل لحظة وكل وقت أما في الآية الثانية فهي في ليلة واحدة في العام وهي ليلة القدر، لإن التنزّل الأول أكثر استمرارية من التنزّل الثاني، ففي الحدث المستمر جاء الفعل كاملاً غير مقتطع (تتنزّل) أما في الثانية في الحدث المتقطع اقتطع الفعل (تنزّل). سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (977)) وفي سورة النحل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)). لنستعرض المتوفين في السياقين: في آية سورة النساء المتوفون هم جزء من المتوفين في آية سورة النحل ففي سورة النساء المتوفون هم المستضعفون من الذين ظلموا أنفسهم أما في سورة النحل فالمتوفون هم ظالمي أنفسهم كلهم على العموم، فأعطى تعالى القسم الأكبر الفعل الأطول وأعطى القسم الأقل الفعل الأقلّ. تبدل - تبدلوا في سورة الأحزاب (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (522)) وقوله تعالى في سورة النساء (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (22)) في آية سورة الأحزاب هي مقصورة على الرسول والحكم مقصور عليه . أما الآية الثانية فهي آية عامة لكل المسلمين وهذا التبدّل هو لعموم المسلمين وليس مقصوراً على أحد معين وإنما هو مستمر إلى يوم القيامة، لذا أعطى الحدث الصغير الصيغة القصيرة (تبدّل) وأعطى الحدث الممتد الصيغة الممتدة (تتبدلوا). .................. بناء الفعل للمجهول (كُتِب) لأن فيها مشقة لأن الله تعالى يظهر نفسه في الأمور التي فيها خير أما في الأمور المستكرهة وفي مقام الذم أحياناً يبني للمجهول مثل (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) و(زّين للناس حب الشهوات) مبني للمجهول التي فيها شر لا ينسبها لنفسه ومثلها آتيناهم الكتاب وأوتوا الكتاب: في مقام الذم يقول أوتوا الكتاب مطلقاً وفي مقام الخير يقول آتيناهم الكتاب. لما كان هناك مشقة على عباده قال (كُتب) ولم يقل كتبنا. في الأمور التي فيها خير ظاهر يظهر نفسه (كتب الله لكم) (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ (21) المائدة) هذا خير (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ (22) المجادلة) (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) الأنعام) (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف) إذن البناء للمجهول في الأمور التي فيها مشقة وفيها شدة. قوله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ (45) المائدة) هذه فيها إلزام لهم، كتب على بني إسرائيل الأمور التي شددها عليهم شدد عليهم لأنهم شددوا على أنفسهم. حرف الجر يغير الدلالة وأحياناً يصير نقيضها مثل رغب فيه يعني أحبّه ورغب عنه يعني كرهه، وضعه عليه يعني حمّله ووضعه عنه أي أنزله. .................. لمحات قرآنية تربوية في وصية لقمان لابنه الشكر والكفر (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) "يشكر" قال الشكر بلفظ المضارع ، والكفران قاله بالفعل الماضي "ومن كفر" من الناحية النحوية الشرط يجعل الماضي استقبالا ، مثال (إذا جاء نصر الله)،فكلاهما استقبال. ويبقى السؤال : لماذا اختلف زمن الفعلين فكان الشكر بالمضارع والكفر بالماضي على أن الدلالة هي للاستقبال؟ من تتبُعنا للتعبير القرآني وجدنا أنه إذا جاء بعد أداة الشرط بالفعل الماضي فذلك الفعل يُفعل مرة واحدة أو قليلا، وما جاء بالفعل المضارع يتكرر فعله - مثال: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء:92] وبعدها قال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا) [النساء:93] فعندما ذكر القتل الخطأ جاء بالفعل الماضي لأن هذا خطأ غير متعمد، إذا هو لا يتكرر وعندما جاء بالقتل العمد جاء بالفعل المضارع (وَمَنْ يَقْتُلْ) لأنه ما دام يتعمد قتل المؤمن فكلما سنحت له الفرصة فعل. فجاء بالفعل المضارع الذي يدل على التكرار. - مثال آخر: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الاسراء:19] فذكر الآخرة وجاء بالفعل الماضي لأن الآخرة واحدة وهي تراد. لكن عندما تحدث عن الدنيا قال: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:145] لأن إرادة الثواب تتكرر دائما كل عمل تفعله تريد الثواب، فهو إذن يتكرر والشيء المتكرر جاء به بالمضارع "يشكر"، فالشكر يتكرر لأن النعم لا تنتهي (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34] فالشكر يتكرر، كلما أحدث لك نعمة وجب عليك أن تُحدث له شكرا، أما الكفر فهو أمر واحد حتى إن لم يتكرر، فإن كفر الإنسان بأمر ما فقد كفر، إن كفر بما يعتقد من الدين بالضرورة فقد كفر، لا ينبغي أن يكرر هذا الأمر لأنه إن أنكر شيئا من الدين بالضرورة واعتقد ذلك فقد كفر وانتهى ولا يحتاج إلى تكرار، أما الشكر فيحتاج إلى تكرار لأن النعم لا تنتهي، وفيه إشارة إلى أن الشكر ينبغي أن يتكرر وأن الكفر ينبغي أن يقطع، فخالف بينهما في التعبير فجاء بأحدهما في الزمن الحاضر الدال على التجدد والاستمرار وجاء بالآخر في الزمن الماضي الذي ينبغي أن ينتهي. .................. *قال تعالى في سورة النور(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) لماذا جاء الطفل مفرد والذين جمع؟ (د.فاضل السامرائى) وردت كلمة طفل في سورة النور وفي سورة غافر والحج. ووردت كلمة الطفل والأطفال في القرآن والطفل تأتي للمفرد والمثنى والجمع فنقول جارية طفل وجاريتان طفل وجواري طفل. فمن حيث اللغة ليست كلمة الطفل منحصرة بالمفرد. لكن وردت في سورة النور أيضاً كلمة الأطفال (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {59}) ولو لاحظنا في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {5}) الآيات تتكلم عن خلق الجنس وليس عن خلق الأفراد فكل الجنس جاء من نطفة ثم علقة ثم مضغة لذا جاءت كلمة طفل. أما قوله تعالى في سورة النور (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) بكلمة الأطفال فهنا السياق مبني على علاقات الأفراد وليس على الجنس لأن الأطفال لما يبلغوا ينظرون إلى النساء كل واحد نظرة مختلفة فلا يعود التعاطي معهم كجنس يصلح في الحكم فقال (ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم منكم) فاقتضى الجمع هنا. لكن لماذا قال الطفل في سورة النور في الآية موضع السؤال؟ (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) كل المذكورين في الآية موقفهم مختلف بالنسبة لعورات النساء أما الطفل فموقفه واحد بالنسبة لعورات النساء في جميع الحالات لأنهم لا يعلموا بعد عن عورات النساء فهي تعني لهم نفس الشيء فجعلهم كجنس واحد لذا أفرده مع أنه جمع لكن اختيار اللفظ ناسب سياق الآيات .................. *قال تعالى في سورة النور(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) لماذا جاء الطفل مفرد والذين جمع؟ (د.فاضل السامرائى) وردت كلمة طفل في سورة النور وفي سورة غافر والحج. ووردت كلمة الطفل والأطفال في القرآن والطفل تأتي للمفرد والمثنى والجمع فنقول جارية طفل وجاريتان طفل وجواري طفل. فمن حيث اللغة ليست كلمة الطفل منحصرة بالمفرد. لكن وردت في سورة النور أيضاً كلمة الأطفال (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {59}) ولو لاحظنا في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {5}) الآيات تتكلم عن خلق الجنس وليس عن خلق الأفراد فكل الجنس جاء من نطفة ثم علقة ثم مضغة لذا جاءت كلمة طفل. أما قوله تعالى في سورة النور (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) بكلمة الأطفال فهنا السياق مبني على علاقات الأفراد وليس على الجنس لأن الأطفال لما يبلغوا ينظرون إلى النساء كل واحد نظرة مختلفة فلا يعود التعاطي معهم كجنس يصلح في الحكم فقال (ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم منكم) فاقتضى الجمع هنا. لكن لماذا قال الطفل في سورة النور في الآية موضع السؤال؟ (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) كل المذكورين في الآية موقفهم مختلف بالنسبة لعورات النساء أما الطفل فموقفه واحد بالنسبة لعورات النساء في جميع الحالات لأنهم لا يعلموا بعد عن عورات النساء فهي تعني لهم نفس الشيء فجعلهم كجنس واحد لذا أفرده مع أنه جمع لكن اختيار اللفظ ناسب سياق الآيات يتبع |
ماالفرق بين :-- (جعلنا فى الأرض رواسى) و (ألقينا فيها رواسي) ؟ (د.فاضل السامرائى) __________________________ قال تعالى في سورة (ق) :-- (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)) وفى سورة الإنبياء ... (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)) هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام السماوية على شكل كُتل، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم. من آيات الإعجاز العلمى: بالنسبة لسطح الأرض، فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت، كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض . وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل ، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقةٍ لزجةٍ نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية.،،،،،،،،،، ختم الله تعالى بعض الآيات بقوله (ذلك هو الفوز العظيم) وفى آيات أخرى يقول (ذلك الفوز العظيم) فما دلالة الاختلاف؟ (للدكتور.فاضل السامرائى) _______________________________ هو عرّف الفوز وجاء بضمير الفصل (هو) "وضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر أي إسم أن وخبرها وإسم كان وخبرها بين المفعولين حتى يفصل بين الخبر والنعت أو الصفة"، هذا هو ضمير الفصل وفائدته التوكيد والحصر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) يعني ليس هناك فوز آخر وما عداه هو الخسران. ما قال ذلك فوز عظيم لأن معناه قد يكون هناك فوز آخر محتمل. هذا ربح وليس معناه أنه ليس هناك ربح آخر، هذا نجاح وليس معناه أنه ليس هناك نجاح آخر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) تحديداً أي ليس هناك فوز آخر وما عداه خسران. وجاء بـ (هو) زيادة في التوكيد والحصر. ويقول في آيات أخرى (ذلك الفوز العظيم) هذه فيها حصر وأحياناً تأتي بؤكد واحد أو مؤكدين تكون أقوى. في نفس السؤال نضرب مثلاً في قوله تعالى :--- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الصفّ) ما قال (هو)، قال (تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله، ثم ذكر يغفر لكم ذنوبكم ويدخلهم جنات، طلب منهم الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات. وقال تعالى في آية أخرى ... (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة) في الآية الأولى قال تؤمنون بالله، يعني طلب منهم الإيمان بالله والاستمرار عليه وهنا قال اشترى من المؤمنين فوصفهم بالإيمان. هناك طلب منهم أن يجاهدوا في سبيل الله (تجاهدون في سبيل الله) عندهم الأموال والأنفس يجاهدون فيها لكن في الثانية باع واشترى ولم يبقى عندهم مال ولا أنفس (فاستبشروا ببيعكم). هناك جهاد وهنا يقاتلون والجهاد ليس بالضرورة من القتال فالدعوة جهاد (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) الفرقان) أما القتال حرب (فيقتلون ويُقتلون) وهذا أقوى الجهاد. أي تضحية أكبر من أن يدفع الواحد نفسه فلا يبقى عنده مال ولا نفس؟ هذه أكبر ولذلك في الآية الأولى قال (ويدخلكم جنات) لما أدخلهم جنات هل بالضرورة أنها صارت مُلكهم؟ في الثانية قال (بأن لهم الجنة) كأنهم اشتروا الجنة فصارت تمليكاً لهم كأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة، هذا تمليك أما في الآية الأولى فليس فيها تمليك فالإدخال ليس بالضرورة أن يكون تمليكاً، الثانية بيع وشراء هذا هو الفوز الأعظم ولذلك قال فيها (ذلك هو الفوز العظيم). يتبع |
لمسات بيانية في سورة الأحزاب - (يقنت، يأت، تعمل) - د. فاضل السامرائي
لمسات بيانية في سورة الأحزاب - (يقنت، يأت، تعمل) - د. فاضل السامرائي من برنامج لمسات بيانية - د. فاضل السامرائي/ د. حسام النعيمي تفريغ سمر الأرناؤوط حصريًا لموقع إسلاميات ما دلالة استخدام المذكر أولاً ثم المؤنث في قوله تعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) الأحزاب) ثم لماذا الخطاب مرة لجماعة الإناث ثم جماعة الذكور ؟ إجابة د.فاضل السامرائي : ذكرنا أن (ما) و (من) لفظهما مذكر ومعناهما يختلف قد يدل على واحد أو أكثر، مذكر أو مؤنث، (من وما) تسمى من الأسماء المشترِكة تشترك في العدد والجنس سواء كانتا اسم استفهام أو اسم موصول، إذاً من حيث اللغة يجوز. العرب فى الغالب عندما تأتي (من) يبدأون بذكر ما يدل على لفظها ثم يبينون المعنى، لفظها مفرد مذكر يأتي أول مرة بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى. أمثلة : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (من يقول) جاءت للمفرد المذكر و(ماهم بمؤمنين) (هم) جمع ليبين المعنى، بدأ بالمفرد المذكر على اللفظ ثم بين معناه. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة). (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ (99) التوبة).(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) التوبة). هذا أمر جارٍ وهو الأفصح في اللغة والأكثر والأشيع أن تبدأ بالمفرد المذكر ثم تبين المعنى. إذا طبقنا هذا على آية سورة الأحزاب (من يأت)و(من يقنت)مفرد مذكر ثم بين المعنى بـ(وتعمل). القاعدة النحوية هو أن الفعل يؤنّث ويذّكر فإذا كان الفعل مؤنثاً ووقع بين الفعل والفاعل فاصلاً ثم إن الخطاب الموجه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) هذا خطاب خاص بهن فجاء بصيغة خطاب الإناث أما في الآية (يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا) هذا الخطاب يشمل كل أهل بيت النبوة وفيهم الإناث والذكور لذا اقتضى أن يكون الخطاب بصيغة المذكر. سؤال: هل هذا مثل قوله تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف)؟ لا هذا أمر مختلف، هذا غير (من) و(ما). يذكرون أيضاً قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) يقولون ومنهم الفرّاء وغيره أن الفعل لما يأتي ويسند إلى جمع جمع القلة يأتي بالتذكير ولما يأتي لجمع الكثرة يأتي بالتأنيث. فالنسوة جمع قلّة، كم واحدة قالت؟ قليل والأعراب كثير. فالقلة (قال نسوة) لأنهن قليلات هم جماعة الملكة وحاشيتها أما مع الأعراب قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) فجاء بالتأنيث للدلالة على جمع الكثرة .فالعرب عندهم التأنيث يدل على عدد أكثر من التذكير (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (11) إبراهيم. سؤال:أليس التأنيث هنا لأن الجمع ليس له مفرد من جنسه؟ لا، هذا ليس له دخل. مثال آخر: (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183)آل عمران) جاءكم رسل، وفى آية أخرى (لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف). الأولى هي في بني اسرائيل الذين قالوا (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ (183) آل عمران) كم واحد جاءهم بقربان تأكله النار؟ قليل. أما الثانية ففى الآخرة يوم القيامة عند الحساب عندما يخاطب الله تعالى الناس، الآخرة يوم القيامة كل الرسل للدلالة على كثرة الرسل الذين بعثوا إليهم. . مداخلة حول آية (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ (37) الأحزاب) وكأن الله عز وجل يبيّن فيها زيادة تبرئة للنبي من الشبهات أن الله يريد إنهاء التبني وتبعيات وأن هذا الأمر شاق جداً حتى عليك أنت يا رسول الله فإذا أنت تخشى الناس أن تواجه بهذا الأمر فكيف بالآخرين؟!. الله تعالى يبين للناس جميعاً أن هذا الأمر ثقيل حتى على رسول الله فلو لم يفعله ما كان لأحد أن يفعله وهذا فيه زيادة تبرئة وزيادة تأكيد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فعله لأنه ملزم أن يفعله. ****************************************** إجابة د.حسام النعيمي: الكلام هو لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ. (ومن يقنت منكم) العلماء يقولون (من) لفظها لفظ مذكر ومعناها وفقٌ للسياق بما يوافق السياق. يعني ممكن أن تأتي (من) للمفرد المؤنث وتأتي للمفرد المذكر وتأتي للمثنى وتأتي لجمع الذكور وتأتي لجمع الإناث لكن لفظها لفظ مذكر فأنت تقول: من درس أو من يدرس. بعد ذلك يمكن أن تعيد عليها بالإفراد أو التثنية أو الجمع أو التذكير أو التأنيث فيمكن أن تقول: من يدرس ينجحون، من درس نجحوا، من درس نجحت، من درس نجحا، من درس ينجحون، فيقول مرة أعدت على اللفظ ومرة أعدت على المعنى. أنت ماذا تريد من المعنى؟ فإذا قلت : من درس نجحوا، تريد الذين درسوا نجحوا ويمكن إبتداءً أن تقول من درسوا نجحوا ومن درسن نجحن ومن درست نجحت لكن غالباً لو نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أنه مع (من) إبتداءً يُراعي لفظها لفظ المفرد المذكر فيقول مثلاً (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) فأحياناً ينظر لمّا يكون الكلام على المفرد دائماً عن المفرد لكن لما يكون عن الجمع يبدأ بالإفراد مراعاة للفظ (من). (ومن يقنت) نظر إلى لفظ (من) أنه مذكر مفرد يقال (ومن يقنت) ثم بيّن (منكن) يعني من يقع منه القنوت منكن. فإذن (من) هنا روعي لفظها لأن قلنا لفظ (من) مفرد مذكر. المعنى هنا للمؤنث الجمع، ما الدليل على أن المعن للجمع المؤنث؟ الدليل أنه قال (منكن). فإذن في كلمة (يقنت) وهذا هو الماضي أولاً يبدأ بمراعاة لفظها ثم يُراعي معناها كأنما يعطي (من) حقها مرتين يعطي (من) حق اللفظ ثم يعطيها حق المعنى فقال (ومن يقنت منكن) راعى في كلمة (يقنت) حق اللفظ وهذه سُنّة العرب في كلامهم مع (من) تراعي حق اللفظ أولاً ثم تراعي حق المعنى.حتى يكون الكلام عاماً في البداية مع (من) (وتعمل صالحاً) راعى المعنى مع أنه لغة يجوز أن يقول (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً نؤتها أجرها) هنا يكون قد راعى اللفظ فقط. وقُريء (ويعمل صالحاً) في السبعة و قرأ حمزة والكسائي (ويعمل صالحاً) معناها أن بعض قبائل العرب وفّقت بين الفعلين (يقنت – يعمل) ولا توجد قراءة (تقنت) لأنه خلاف لغة العرب. لغة العرب تراعي لفظ (من) أولاً ثم تعكف عليه بمراعاة المعنى لأن اللفظ هو الظاهر والمعنى يأتي بعد ذلك فهي أولاً تراعي اللفظ ثم تعلّق عليه بمراعاة المعنى. ولو عكس لاعترضت العرب وقالوا هذا ليس من كلامنا. وشيء آخر يمكن أن نلحظه: طبعاً خمسة من القرّاء السبعة معناه أكثر القبائل العربية بل لغة قريش (من يقنت – وتعمل) لكن حمزة والكسائي أنهما كانا في الكوفة بعض قبائل العرب المحيطة بالكوفة وقرأوا بما أقرّه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وليس من عند أنفسهم وهذا نكرره دائماً وأن القراءة ليست من هوى النفس وإنما برواية. وقبائل العرب روت عن آبائهم الأمة أخذته عن الأمة لكن عموم القراء قرأوا (وتعمل). لما ننظر (وتعمل صالحاً) هذا التأنيث تذكيره قد يُلبس لأن قبله (ورسوله) (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِوَتَعْمَلْ صَالِحًا) كأن العمل يعود على الرسول r فتفادياً لمثل هذا اللبس الذي قد يحدث قرأ الجمهور (وتعمل) ليس هذا هو السبب لكن كما قلت روعي اللفظ ثم المعنى ولكن لما روعي إبتعد هذا اللبس. الواو في (وتعمل) عاطفة على (ومن يقنت) ولذلك جزم. في سورة يوسف قال (وقال نسوة) ولم يقل (قالت نسوة): قلنا هذا الجمع الذي هو جمع تكسير، النسوة جمع إمرأة لأن ليس لها مفرد من لفظه وهو جمع تكسير إذا قُدّر بالجمع وقال جمع النسوة يقول (قال) ولجماعة النسوة يقول (قالت جماعة النسوة). يتبع |
لمسات بيانية من سورة القمر
الدكتور فاضل السامرائي قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر]. سأل سائل: لم وحد تعالى: (النهر) في هذه الآية ولم يجمعه مع أن الجنات قبله جمع بخلاف المواضع الأخرى من القرآن الكريم، فإنه إذا جمع الجنة، جمع النهر أيضاً فيقول: (جنات تجري من تحتها الأنهار) والجواب: أنه جمع في لفظ (النهر) عدة معان وأعطى أكثر من فائدة لا يفيدها فيما لو قال: (أنهار) ذلك أنه علاوة على أن فواصل الآيات، تقتضي (النهر) لا (الأنهار) لأن آيات السورة على هذا الوزن فقد جاء قبلها: (وكل شيء فعلوه في الزبر * وكل صغير وكبير مستطر) وجاء بعدها : (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) فإن المعنى أيضاً ذلك من جهات أخرى منها: أن النهر اسم جنس بمعنى الأنهار، وهو بمعنى الجمع[1] والكثرة، ومنه قوله: صلى الله عليه وسلم "أهلك الناس الدينار والدرهم" والمراد بالدينار والدرهم الجنس لا الواحد. وجاء في (معاني القرآن): "ونهر معناه أنهار وهو في مذهبه كقوله تعالى : (سيهزم الجمع ويولون الدبر)[2] وزعم الكسائي أنه سمع العرب يقولون: أتينا فلاناً فكنا في لحمة ونبيذة فوحد ومعناه الكثير " [3] . ومنها: أن معاني(النهر) أيضاً السعة[4] والسعة ههنا عامة تشمل سعة المنازل وسعة الرزق والمعيشة، وكل ما يقتضي تمام السعادة السعة فيه. جاء في (البحر المحيط): " ( ونهر) : وسعة في الأرزاق والمنازل " [5] . وجاء في(روح المعاني): "وعن ابن عباس تفسيره بالسعة والمراد بالسعة سعة المنازل على ما هو الظاهر، وقيل: سعة الرزق والمعيشة، وقيل: ما يعمهما " [6] . ومنها: أن من معاني(النهر) أيضاً الضياء [7] . جاء في (لسان العرب): "وأما قوله عز وجل : (إن المتقين في جنات ونهر) فقد يجوز أن يعني به السعة والضياء ، وأن يعني به النهر الذي هو مجرى الماء، على وضع الواحد موضع الجميع... وقيل في قوله: (جنات ونهر) أي: في ضياء وسعة، لأن الجنة ليس فيها ليل، إنما هو نور يتلألأ " [8] . وجاء في (معاني القرآن) للفراء: "ويقال: (إن المتقين في جنات ونهر) في ضياء وسعة " [9] . وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة، فإن المتقين في جنات وأنهار كثيرة جارية، وفي سعة من العيش والرزق والسكن وعموم ما يقتضي السعة، وفي ضياء ونور يتلألأ ليس عندهم ليل ولا ظلمة. فانظر كيف جمعت هذه الكلمة هذه المعاني كلها، إضافة إلى ما تقتضيه موسيقى فواصل الآيات بخلاف ما لو قال(أنهار)، فإنها لا تعني إلا شيئاً واحداً. ثم انظر كيف أنه لما كان المذكورون هم من خواص المؤمنين، وهم المتقون وليسوا عموم المؤمنين أعلى أجرهم ودرجتهم، فقال: (ونهر) ولم يقل: (وأنهار) ولما أعلى أجرهم ودرجتهم وبالغ في إنعامهم وإكرامهم جاء بالصفة والموصوف بما يدل على المبالغة فقال: (عند مليك مقتدر) ولم يقل: (ملك قادر) فإن (مليك) أبلغ من (ملك) و(مقتدر) أبلغ من (قادر) فإن كلمة (مليك) على صيغة (فعيل) وهي أبلغ واثبت من صيغة (فعل) [10]. جاء في (روح المعاني): " (عند مليك )، أي: ملك عظيم الملك، وهو صيغة مبالغة، وليست الياء من الإشباع" [11] . ولما جاء بالصيغة الدالة على الثبوت، قال: (في مقعد صدق) "ذلك لأن هذا المقعد ثابت لا يزول، فهو وحده مقعد الصدق، وكل المقاعد الأخرى كاذبة، لأنها تزول إما بزوال الملك صاحبه، وإما بزوال القعيد، وإما بطرده، وهذا المقعد وحده الذي لا يزول، وقد يفيد أيضاً أنه المقعد الذي صدقوا في الخبر به " [12] . هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن معنى الصدق ههنا يفيد معنى الخير أيضاً والجودة والصلاح[13] فجمعت كلمة (الصدق) ههنا معنيي الخير والصدق معاً، كما جمع (النهر) أكثر من معنى ثم انظر كيف أنهم لما صدقوا في إيمانهم وعملهم، كان لهم مقعد الصدق. و(المقتدر) أبلغ أيضاً من (القادر) ذلك أن (المقتدر) اسم فاعل من (اقتدر) وهذا أبلغ من (قدر) فإن صيغة (افتعل) قد تفيد المبالغة والتصرف والاجتهاد والطلب في تحصيل الفعل بخلاف فعل[14] ومنه اكتسب واصطبر واجتهد قال تعالى: ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) [البقرة]. جاء في (الكشاف) في هذه الآية: "فإن قلت: لم خص الخير بالكسب والشر بالاكتساب؟ قلت: في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه وأمارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال " [15] . وجاء في (البحر المحيط): "والذي يظهر لي أن الحسنات، هي مما تكتسب دون تكلف والسيئات ببناء المبالغة"[16] . وقال سيبويه: "كسب: أصاب، واكتسب: تتصرف واجتهد " [17] . فجاء ههنا، أي: في قوله: (مقتدر) بالصيغة الدالة على القدرة البالغة مع الملك الواسع الثابت. فانظر كيف بالغ وأعظم في الأجر، وبالغ وأعظم في الملك، وبالغ وأعظم في القدرة لمن بالغ وجد في عمله وصدق فيه وهم المتقون. ونريد أن نشير إلى أمر، وهو إطلاق وصف (المبالغة) على صفات الله نحو علام، وعليم، وغفور، وما إلى ذلك فقد توهم بعضهم أنه ينبغي أن لا يطلق على صفات الله وصف المبالغة، لأنها صفات الله وصف المبالغة، لأنها صفات حقيقية وليست مبالغاً فيها. وقد اعترض علي معترض ذات مرة بنحو هذا. مع أنهه من الواضح أن ليس المقصود كما ظن الظان أو توهم فالمقصود أن هذا البناء يفيد كثرة وقوع الفعل، وليس المقصود أن الأمر مبالغ فيه. فـ (عليم) أبلغ من (عالم) و(صبور) أبلغ من (صابر) ذلك أن الموصوف بعليم معناه أنه موصوف بكثرة العلم، وليس المقصود أن صاحبه وصف بهذا الوصف وهو لا يستحق أن يوصف به فكان الوصف به مبالغة. ولا نريد أن نطيل في كشف هذه الشبهة، فإنها فيما أحسب لا تستحق أكثر من هذا. الهوامش : [1] الكشاف 3/186، والبحر المحيط 8/184، روح المعاني 27/958 [2] سورة القمر 45 [3] معاني القرآن 3/111 [4] لسان العرب (نهر 7/96، القاموس المحيط (نهر 2/150، تاج العروس 3/591، الكشاف 3/ 186 [5] البحر المحيط 8/184 [6] روح المعاني 27/95 [7] لسان العرب (نهر 7/96، تاج العروس (نهر 3/591، الكشاف 3/186 [8] لسان العرب 7/96[9] معاني القرآن 3/111 وانظر الكشاف 3/186 [10] انظر كتاب (معاني الأبنية بابي صيغ المبالغة والصفة المشبهة. [11] روح المعاني 27/96 [12] البحر المحيط 8/184 [13] البحر المحيط 8/184 [14] انظر كتاب سيبويه 2/241 شرح الشافيه للرضي 1/110، البحر المحيط 2/366 [15] الكشاف 1/308 [16] البحر المحيط 2/366 [17] كتاب سيبويه 2/241، وانظر لسان العرب(كسب) 2/211 عن موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة |
لمسات بيانية الحلقة 121 سورة الجن سؤال : قال تعالى في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) في سورة النساء قال (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) فما الفرق بين خالدين وخالداً؟ الآية الكريمة في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) قال خالدين في سورة الجن بالجمع وخالداً بالإفراد في النساء. الوعيد بالعذاب في آية النساء أشد (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) أشد لأنه عذاب بالنار وبالوحدة، في الجن قال خالدين بالجمع وهنا قال خالداً يعني منفرداً لأن الوحدة عذاب حتى لو كان في الجنة، يكون وحده ليس معه أحد ولا يتكلم مع أحد هذا شيء ثقيل جداً. إذن مبدئياً العذاب في آية النساء أشد، الوعيد. لماذا هو أشد؟ قال في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) وقال في سورة النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذا زيادة. العصيان يعني عدم الطاعة وتعدي الحدود عدم الطاعة ولكن فيها إضافة قد تكون هنالك حدود في أمور معينة (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) هذه إضافة إلى العصيان لأن أحياناً مجرد العصيان ليس بالضرورة كفر مجرد المعصية لأن الإنسان قد يعصي ربه في شرب خمر أو سرقة أو زنا. (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذه زيادة. الجريرة هنا جريرتان عصيان وتعدٍ الحدود، في الجن ذكر العصيان فقط وفي النساء ذكر العصيان وتعدي الحدود ولذلك قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) إضافة إلى النار له عذاب مهين فإذن هنالك سبب دعا إلى هذا الاختلاف ولذلك لا تجد في أصحاب الجنة خالداً مطلقاً وإنما دائماً خالدين لأنه ليس هناك وحدة بينما في النار فنجد خالدين وخالداً. سؤال: ربما تكون (من) هنا للجمع أو للمفرد، هل (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) تعني مفرد أو جمع؟ (من) تحتمل لأن كلمة خالدين خلّصتها للجمع. وأيضاً هنالك أمر آخر بياني حسّن استخدام الجمع في آية الجن وهو ذكر اجتماع الكفرة على رسوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن) هذا اجتماع، هؤلاء خالدين بزمرتهم. مما حسّن الإفراد في آية سورة النساء أنهم أقل من المذكورين لأنه عصيان وتعدي الحدود فيه قلة ومن ناحية أخرى حسّن القلّة نسبياً. إذن من كل وجه صار الإفراد في آية النساء أنسب في السياق وخالدين في آية الجن أنسب في السياق. سؤال: هل لنا أن نفهم في آية النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) يتعدى حدود من؟ الله أو الرسول؟ هل العطف يعود على الأقرب؟ العطف ليس بالضرورة يعود على الأقرب لأن ما حدّه الرسول هو ما حدّه الله، يعني يتعدى حدوده أي حدود الله. سؤال : قال تعالى في آية النساء (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هل لنا أن نسقم العذاب بحسب الجريرة، يعني ناراً خالداً فيها بسبب العصيان وله عذاب مهين بسبب تعدي الحدود؟ الله أعلم، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد صورة معينة للعذاب مع خطيئة محددة. ذكر مهين أنهم تعدوا الحدود، استخفوا بحدود الله فأهانهم أي أذلّهم، لأن العذاب ليس بالضرورة مهين قد يكون فيه عذاب أليم أن تضربه مثلاً. ليس العذاب مهيناً بالضرورة ولهذا هنالك في القرآن عذاب عظيم، وشديد ومهين وأليم، عذاب مُذِل يعني أمام الناس تفضحه وتجعله يفعل أشياء. سؤال : في الجن قال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (خَالِدًا فِيهَا) هل تضيف كلمة (أبداً) لخالدين من حيث الدلالة الزمنية على الأقل؟ لما يكون تفصيل غالباً تضيف (أبداً) لكن هنا قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ). (أبداً) يعني غير منقطع مستمر. الخلود هو البقاء الطويل أيضاً هو في القرآن خالداً لكن (أبداً) تأكيد للمسألة. سؤال : هل هنالك خلود في النار؟ أم من يقضي سيئاته سيخرج ويذهب إلى الجنة؟ ماذا يحتمل سياق الآية من الناحية اللغوية؟ أنا أعرف أن الخلود هو البقاء غير المنقطع والدوام و(أبداً) يؤكد هذا المعنى، هذا الذي أفهمه من اللغة. سؤال : ليتنا نأتي على كل الآيات نقوم بعمل دراسة في القرآن الكريم على من يذهب والعياذ بالله أعاذنا منها إلى النار ونبحث مدة البقاء فيها، هنالك من يجلس في النار وهنالك من (خالدين فيها أبداً) (خالداً فيها) (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) البقرة) وهناك البعض يقول يقضي ما عليه من السيئات ثم يخرج منها. إذا كان مسلماً يقضي من السيئات ما يقضي ثم يخرج بعدها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ (40) الأعراف) معاصي مختلفة، هذا الباب الدخول فيه والكلام فيه يحتاج لحذر شديد وربنا تعالى ذكر أن من يقتل نفساً بغير نفس خالداً فيها لكن كثير من الناس قال هذه تغليظ عقوبة القتل. سؤال : هل هناك دليل في القرآن على هذا؟ هم يقولون بالنسبة للمسلم يستندون للأحاديث ” من قال لا إله إلا”. سؤال : في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) ما معنى (ما يوعدون)؟ (ما يوعدون) يحتمل أمرين كما يقول المفسرون: إظهار النصر عليهم ربنا تعالى ينصر نبيه ومن تبعه عليهم في بدر مثلاً كما يحتمل يوم القيامة، يحتمل أنهم يرون ما يوعدون في غلبة المسلمين عليهم وهذا حصل (حتى إذا رأوا ما يوعدون أي الكفار) فإذن يحتمل ما يوعدون من إظهار النصر عليهم ويحتمل أن يراد به يوم القيامة. هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)) يعني هم استضعفوه، رأوا قلة أتباعه فربنا توعدهم وقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) بالنصر عليهم، هذا تهديد. ومرتبطة أيضاً بقوله تعالى (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) فإذن هذه الآية وعيد لهم في الدنيا والاخرة والله أعلم، ما يوعدون في الدنيا من نصر عليهم وما يلقونه من العذاب يوم القيامة. استطراد من المقدم: هل هناك مشكلة في اللغة العربية لدرجة أن هنالك بعض السخرية في الدراما المصرية يقولون “معه دكتوراه في (حتى) والبعض قال “أموت وفي نفسي شيء من (حتى)؟ (حتى) ليس فيها إشكال، نسمع هذه المقولة لكن (حتى) محدودة ومعروفة في كتب النحو تكون حرف جر وتكون حرف عطف وتكون حرف ابتداء وتكون ناصبة لكن هل هي ناصبة أو حرف جر هذه اختلف فيها بين البصريين والكوفيين. سؤال : في سورة مريم قال تعالى (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) ما الفرق بينها وبين آية الجن؟ هناك فرق في ناحيتين أو أكثر هنا في سورة الجن قال (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) لم يفصل ما يوعدون أما في مريم جاء بأداة تفضيل (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ)، هناك أجمل (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) وهنا فصّل (إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ). واختلف مسألة العلم ماذا سيعلمون في الجن قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) إذن صار اختلاف في التفصيل ثم سبب الاختلاف في هذا المعلوم ماذا يعلم هؤلاء وماذا يعلم هؤلاء؟.حتى السؤال لماذا هذا الاختلاف؟ ذكرنا الإختلاف لكن ما ذكرنا الداعي لهذا الاختلاف بين السياقين: التفصيل في مريم والإجمال في الجن كلٌ له سببه، التفصيل في مريم هو تقدّم الآية ذكر العذاب وذكر الساعة بطلام طويل قبل هذه الآية (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)) هذه فيها عذاب والساعة وهناك ليس فيها إلا هذه الآية. بعدها قال (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)). في سورة الجن ما قال (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) جزء من آية بينما هناك تفصيل في ذكر العذاب والساعة فناسب التفصيل التفصيل والإجمال الإجمال. يبقى هنالك (إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ (75) كريم) هذا ما يوعدون به، العذاب محتمل العذاب الدنيوي بغلبة المؤمنين كما ذكرنا في آية الجن فيكون هذا مناسباً لما تقدم الآية أيضاً (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) هذه في الدنيا ومناسب لما ختمت به السورة (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) كريم). إذن إذا كان عذاب الدنيا فله أيضاً في السياق ما يؤيده وإذا كان الساعة الستعة مذكورة فله في السياق أيضاً ما يؤيده. إذن التعبير في هذا التفصيل له ما يدعو إليه ويناسبه في السياق ولم يكن مثلما ذكر في سورة الجن الذي هو جزء من آية. هذا من حيث التفصيل يبقى من حيث الاختلاف في العلم. في سورة الجن قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) اختلف المعلوم. لا نعلم إن كانوا هم نفس الفئة لكن يبدو أن السياق ليسوا هؤلاء لأنه اختلف ما يعلمونه. سورة الجن مناسبة واضحة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) لأنه كان فرداً وأنصاره قليل واجتمعوا عليه (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)) كان ضعيفاً استضعفوه فقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)) (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ (26) الأنفال) إذن هو مستضعف فقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) استضعف وليس له أنصار هو فرد فهددهم ربنا بهذا (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا)، هم يرون الرسول r ليس له أنصار فاستضعفوه هم يرون الرسول أضعف ناصراً وأقل عدداً من وجهة نظرهم وهذا أسلوب سخرية فقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) هم استضعفوه واجتمعوا عليه فيسعلمون من هو أضعف ناصراً وأقل عدداً، هذا تهديد. في مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) (مكاناً منصوب على التمييز) وهي مناسبة لما تقدم قال قبل هذه الآية: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)) يعتزون بمكانتهم أي الفريقين من نزل عليه الوحي وهم؟ يدلون عليهم ويتبجحون أيّ الفريقين نحن أم أنتم خير مقاماً؟ (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)) وكأنه رد من الله سبحانه وتعالى عليهم لأنهم تبجحوا وقالوا (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) ليس فقط المقام وإنما المكان والمكان أوسع من المقام، المقام مكان القيام في الأصل وهو محدود والمكان عام. جاء بصفة عكس التي قالوها ووسع المكان (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) لأنهم هم قالوا (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) الندي هو المكان الذي يجتمعون فيه وفيه الأعوان والأنصار الجنود ومن ينصرونهم، الندي من النادي المجلس الجامع لوجوه القوم قومهم وجندهم وأعوانهم وأنصارهم (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) ردّ عليهم بأسلوب يلائمهم هم لأنهم لما تبجحوا كثيراً كان الرد فيه قسوة عليهم. وهنالك فرق آخر: قال في سورة الجن (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) جاء بـ (هو). يعني الآن هو سيصير أوسع. (مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا) (من) تحتمل أمرين إما أن تكون إسم استفهام أو إسم موصول بمعنى الذي وليس هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً والأمران مرادان. إذا كانت (من) إسم موصول بمعنى الذي أضعف ناصراً فستصير أضعف خبر لمبتدأ محذوف يعني من هو أضعف. (أضعف) إذا كانت (من) إسم استفهام (من) مبتدأ و(أضعف) خبر وإذا كانت (من) إسم موصول (من) مفعول به لفعل (فسيعلمون) و(أضعف) خبر لمبتدأ محذوف و(هو أضعف) جملة صلة. إذن هنالك خبر لمبتدأ محذوف وفي سورة مريم المبتدأ مذكور (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) والذكر أقوى وآكد من الحذف. فهنالك أمرين يحسن ذكر (هو) الأول تفصيل الذي في مريم من العذاب وما إلى ذلك وهنا ذكر وتفصيل وهناك إيجاز أوجب الحذف، هذا أمر. والأمر الآخر أنهم تبجحوا بمكانهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) لم يقولوا هذا الشيء في آية الجن، هم تبجحوا في مقامهم وفي مكانتهم فربنا أكّد ضعف هذا المجلس فجاء بـ (هو) (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) للتأكيد على ضعفه. ثم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) فإذن هم تبجحوا بمقامهم وربنا رد عليهم (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) أحسن من هؤلاء فأكّد أن (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا) تبجحوا بالمكان فصاروا شر مكاناً فصار تأكيد من ناحيتين من ناحية التفصيل ومن ناحية أنهم شر مكاناً. اسلاميات |
بارك الله فيك ...
|
الساعة الآن 07:57 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي