ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   قسم تفسير القرآن الكريم (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=78)
-   -   قصة آية تبّت يدا أبي لهب وتبّ (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=18214)

ام هُمام 08-01-2017 05:54 PM

قصة آية تبّت يدا أبي لهب وتبّ
 
:1:
قصة آية تبّت يدا أبي لهب وتبّ
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿٥﴾ المسد)
قصة آية هذا اللقاء تعود بنا لقصة معاناة النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه وكيف كان قومه يحاربونه صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته ويصدّونه عن الدين ويريدون هذا الدين أن يخمد في بدايته (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) الصف).
النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه قول الله تعالى في سورة الشعراء (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)) قبلها كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بشكل سرّي تقريباً ويدعو الرهط المقرّبين منه دعا أبا بكر وهو صديق له رضي الله عنه ودعا خديجة ودعا علي بن أبي طالب لأنه كان يعيش معه في نفس البيت. ثم لما نزل قول الله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد على جبل الصفا – بداية السعي من ذلك المكان – فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا وقريش كلهم في منطقة قريبة يبلغهم الداعي يصيح الواحد على الجبل فيأتون جميعاً وهذه كانت حياة الناس في القرى وإلى وقت قريب أنهم يجتمعون في مكان صغير قرية صغيرة إذا دعا الواحد منهم يستمع أهل القرية جميعاً لأنهم يحتاج بعضهم بعضاً فيعيشون في قرى ومناطق متقاربة واليوم أصبح الناس يعيشون في مدن وفي فلل وأصبحوا معزولين عن بعضهم البعض حتى لو يصيح الواحد بصوت قوي جداً ما يسمع جاره!. فلما صعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا قال: يا صباحاه، يا صباحاه، فطبعاً الناس دفعهم الفضول وهذه كانت علامة يعرفها الناس فيجتمعون يعلمون أن الذي يهتف بهذا الهتاف لديه أمر عظيم. اجتمع الناس من هنا ومن هنا والنبي صلى الله عليه وسلم، من هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد صلى الله عليه وسلم. والنبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام كان شخصية وقورة معروفة بأمانتها وصدقها ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم من عائلة شريفة عائلة هي لها السيادة ولا القيادة في قريش وهو ليس من غِمار الناس عليه الصلاة والسلام. ولذلك لما سأل هرقل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل هو فيكم ذو نسب؟ قال نعم، فقال وكذلك الأنبياء يُبعَثون في نسب من قومهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم شخصية معروفة في قريش، فلما اجتمعوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نادى: يا بني عديّ، يا بني عبد مناف، لم يدع بطناً من بطون قريش إلا وناداه باسمه. اجتمع الناس حوله وتخيل الموقف فيهم عمه أبو طالب فيهم عمه أبو لهب، فيهم أبو جهل وفيهم الضعفاء اجتمع الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم وسألهم سؤالاً: قال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل (يعني تغيّر عليكم) أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا جميعاً: ما عهدنا عليك كذباً قطّ
:2:

ام هُمام 08-01-2017 05:57 PM

وهذا دليل أن الداعية يجب أن يكون معروفاً بنزاهته وبحسن سمعته وسيرته بين الناس، ما ينفع أن تكون إنساناً ملوثاً وسمعتك سيئة وتاريخك أسود ثم فجأة تأتي وتعظ الناس! الناس ما يقبلون منك! لكن عندما يأتيهم رجل نزيه طاهر صادق يعرفون صدقه وأمانته ونسبه ثم يدعوهم فقالوا ما عهدنا عليك كذباً قطّ – وهذا من إعداد النبي صلى الله عليه وسلم – فقال الناس كلهم بصوت واحد: ما جرّبنا عليك كذباً. فقال لهم كلمة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، طالما ما جربتم عليّ كذباً قطّ أنا جمعتكم لسبب، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فسكتوا. قد يقول قائل ماذا فيها؟ ما قال شيئاً! الناس أصحاب فهم، وأصحاب عقول وأصحاب لغة يفهمون ماذا يقصد “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد” يعني أدعوكم إلى الإيمان ونبذ الشرك. فانظر الخيبة والخسران والحرمان والعياذ بالله! فبادر عمه وكان المفترض أن هذا ابن أخيه إن كنت لا تريد أن تنفعه فعلى الأقل لا تضرّه لكنه الحرمان! وهي درس لنا أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قد يعارضك فيها أقرب الناس إليك فلا تتوقف. وقد يختلف معك ولذلك في التاريخ نوح عليه الصلاة والسلام زوجته لم يؤمن به وابنه لم يؤمن به وتحسّر على هذا (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) أيضاً لوط زوجته لم تؤمن به، ابراهيم عليه الصلاة والسلام والده لم يؤمن به، فالنبي صلى الله عليه وسلم على نفس المنوال، عمه أبو لهب – وحتى اسمه أبو لهب كان اسماً جميلاً كان رجلاً وجهه مضيء جميل وكان اسمه عبد العزّى ويقول بعض المفسرين أن الله سبحانه وتعالى لم يقل تبّت يدا عبد العزى لأنه منسوب إلى صنم يعني عبد الصنم فالله سبحانه وتعالى ذكره باسمه الذي كانت تعرفه به قريش وبعض الناس يظن أن تسميته بأبي لهب سب له وفي الحقيقة هي مدح له لأن كان جميلاً وضيئاً أحمر الخدود فكانوا يقولون له أبي لهب لأنه مورّد الوجه ولكن الله سبحانه وتعالى ذكره هنا بأبي لهب إشارة إلى مصيره والعياذ بالله لأنه كذّب النبي صلى الله عليه وسلم وعارضه ومن هذا الموقف بدأ يناصب النبي صلى الله عليه وسلم العداء فقال للنبي صلى الله عليه وسلم تباً لك ألهذا جمعتنا؟! يعني جمعتنا كلنا وتركنا أشغالنا لتقول لنا هذا الكلام السخيف؟! فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) وكان رجلاً ثرياً (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) وهذا متناسبة مع اسمه (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) زوجته أم جميل مشهورة كانت أيضاً تناصب النبي صلى الله عليه وسلم العداء (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿٥﴾).

ام هُمام 08-02-2017 06:47 PM

هذه القصة فيها إشارات:

أولاً إشارة إلى مدى العنت والشدة التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم من قومه بل من أقرب الناس إليه وهذا فيه درس أن الداعية الصادق لا بد أن يتحمل وأن يصبر ما دام معتقداً وما دام متيقناً أنه على الحق لا بد أن يتحمل عوائق الطريق، يأتيك أبوك يعارضك عندك سَلَف، يأتيك أخوك، يأتيك ابنك، تأتيك زوجتك، الأنبياء كلهم تعرضوا لمثل هذا وأنت من باب أولى. ولاحظ أن أبا طالب وهو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وأخو أبو لهب ووقف مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يؤمن به، فهذه مفارقة! تقف معي وتساندني وتدافع عني ولكنك لا تستجيب لي؟! عجيب! ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمّه في مرض موته: يا عمّ قُلْ كلمة واحدة، قل لا إله إلا الله، كلمة أُدافِع بها عنك، ولكنه لم يستجب!. أيضاً مثال آخر العباس رضي الله عنه وهو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم آمن به وصدّقه والله سبحانه وتعالى لا يغلقها من كل الجهات، واحد كذبك وناصبك العداء وواحد لم يؤمن بك ولكنه ساعدك وهذا ساعدك وآمن بك فهذا العباس رضي الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا حمزة رضي الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وساعده وهذا أبو طالب ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يؤمن به وهذا أبو لهب ناصبه العداء ولم يؤمن به. بل إنه يذكر طارق المحاربي أنه قال: بينا أنا في سوق ذي المجاز وسوق ذي المجاز سوق من الأسواق التي كان أهل مكة يرتادونها في ضواحي مكة قال بينا أنا بذي المجاز – يعني جالس في السوق- إذا أنا بشاب حديث السن يقصد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وإذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول: يا أيها الناس إنه كذّاب فلا تصدّقوه! فطارق المحاربي استغرب هذا من هو هذا الشاب ومن هو الذي خلفه يكذّبه ويرميه؟ قال فسألت فقالوا: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يزعم أنه نبي ويقول للناس قولوا لا إله إلا الله، وهذا الذي وراءه عمه أبو لهب يزعم أنه كذّاب. لما تنظر لها تخيل الناس ما يعرفونك وتأتي تدعوهم ويأتي عمك الذي يعرفك يقول لا تصدّقوه إنه كذّاب، من الذي سيصدقك؟!! الناس سيقولون هذا عمه هو أعرف به. من أشد ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى أنه وقف عمه يؤذيه ولذلك الله سبحانه وتعالى قال له (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) هو يقول للنبي صلى الله عليه وسلم تباً لك والتبّ هو الهلاك (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) يعني هلكت. وهذه الآيات فيها إعجاز وهي أن الله سبحانه وتعالى حكم على أبي لهب في حياته بأنه من أهل النار وأنه لن يُسلم وأنه سيموت كافراً وسيدخل جهنم! وبالرغم من ذلك لم يستطع أبو لهب أن يخالف ذلك لو كان أبو لهب يريد أن يكذب النبي صلى الله عليه وسلم لكان دخل في الإسلام لأن هذا سيكون تكذيباً للقرآن وتكذيب لكلام الله، يقول محمد يقول تبت يدا أبي لهب أشهد أن محمداً رسول الله. ولكن هذا دليل قاطع على أن هذا القرآن من عند الله ولذلك لم يؤمن أبو لهب ومات على الكفر وهو من أهل النار ومثله زوجته أم جميل. وهذا يعطي المؤمن الذي يقرأ القرآن ثقة مطلقة بالله سبحانه وتعالى وبوعده الذي وعده في هذا الكتاب.

ام هُمام 08-03-2017 06:45 PM

هذه الآيات تضمنت الإخبار عن ثلاثة أوجه من الغيب:

الأول الإخبار عن أبي لهب أنه سوف يخسر ويهلك وبوقوع ذلك فعلاً، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) هذا خبر (وَتَبَّ) أي أنه سيقع يتحقق.

الأمر الثاني أخبر الله سبحانه وتعالى عنه أنه لن ينتفع بماله ولا بولده ووقع ذلك فعلاً قال (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) ما نفعه ماله ولا ما كسبه في دنياه.

أيضاً الإخبار عنه بأنه من أهل النار وقد كان كذلك لأنه مات على الكفر ولو شاء أن يكذب هذا القرآن لآمن ولكنه لم يفعل الله حال بينه وبين الإيمان وهذا من الأدلة القوية على أن القرآن الكريم من عند الله.

وأيضاً من الأدلة المهمة دفاع الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا أمر غفل عنه بعض الناس اليوم وأصبح الناس اليوم يقعون وبعضهم يشتم النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض شبابنا للأسف يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يتحدث عن حارس مرمى باستهزاء وعدم توقير وتعظيم!. ولو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا كيف تولى القرآن الكريم الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22) التكوير) (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) وتأمل في قوله (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (38) الحج) فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا شك أن الله يتولى الدفاع عنه ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿١﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿٢﴾ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴿٣﴾) وصدق الله العظيم فما عادى النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا بتر الله ذكره في الدنيا والآخرة ومن أولهم عمه أبو لهب. نحن نصلي في الصلوات نقرأ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) وأصبحنا نحن نتعبد لله بقرآءة هذه الآيات التي فيها دعاء على أبي لهب وشتيمة له وإهانة له لأنه تجرأ وقال للنبي صلى الله عليه وسلم أمام الناس “تباً لك ألهذا جمعتنا؟”.

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يفقهنا بكتابه ويرزقنا توقير نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يجعلنا من أتباعه في الدنيا والآخرة وأن يحشرنا في زمرته.


الساعة الآن 02:07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009