ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم وعلومه (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=31)
-   -   وسائل الثبات (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=5976)

أبو ريم ورحمة 02-16-2012 04:05 PM

وسائل الثبات
 
:1:

المقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذبالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضللفلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنمحمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد .

وتكمن أهمية الموضوع في أمور منها :

- وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون ،وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون ، وأصناف الشهوات والشبهاتالتي بسببها أضحى الدين غريباً ، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً ( القابضعلى دينه كالقابض على الجمر ) .

ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائلالثبات أعظم من حاجة أخيه أيام السلف ، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر ؛لفساد الزمان ، وندرة الأخوان ، وضعف المعين ، وقلة الناصر .

- كثرت حوادث الردة والنكوص على الأعقاب ،والانتكاسات حتى بين بعض العاملين للإسلام مما يحمل المسلم على الخوف منأمثال تلك المصائر ، ويتلمس وسائل الثبات للوصول إلى برٍ آمن .

- ارتباط الموضوع بالقلب ؛ الذي يقول النبيصلى الله عليه وسلمفي شأنه : ( لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً ) رواهأحمد 6/4 والحاكم 2/289 وهو في السلسلة الصحيحة 1772 . ويضرب عليه الصلاةوالسلام للقلب مثلاً آخر فيقول : ( إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثلالقلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح طهراً لبطن ) رواه أحمد 4/408وهو في صحيح الجامع 2361 . فسبق الحديث قول الشاعر :

وما سمي الإنسان إلا لنسيانه

ولا القلب إلا أنه يتقلب

فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات أمر خطير يحتاج لوسائل جبارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها .

وسائل الثبات

ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرتهصلى الله عليه وسلموسائل كثيرة للثبات . أستعرض معك أيها القارئ الكريم بعضاً منها :

أولاً : الإقبال على القرآن :

القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل اللهالمتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ،ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .

نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذاالكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت ، فقال تعالى في معرض الرد على شُبهالكفار : ( وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة ، كذلكلنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسنتفسيراً ) الفرقان /32 .

لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت ؟؟

- لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله .

- لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة ، ويطمئن قلبه بذكر الله .

- لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التييستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله ، وكذا الموازين التي تهيئله الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه ، ولا تتناقض أقوله باختلاف الأحداثوالأشخاص .

- أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين كالأمثلة الحية التي عاشها الصدر الأول ، وهذه نماذج :

1- ما هو أثر قول الله عز وجل : ( ما ودعك ربك وما قلى ) الضحى /3 على نفس رسول اللهصلى الله عليه وسلم، لما قال المشركون : ( ودع محمد … ) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/156 .

2- وما هو أثر قول الله عز وجل : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /103 لما ادعى كفار قريش أن محمداًصلى الله عليه وسلمإنما يعلمه بشر وأنه يأخذ القرآن عن نجار رومي بمكة ؟

3- وما هو أثر قول الله عز وجل : ( ألا في الفتنة سقطوا ) التوبة /49 في نفوس المؤمنين لما قال المنافق : " ائذن لي ولا تفتني " ؟

أليس تثبيتاً على تثبيت ، وربطاً على القلوب المؤمنة ، ورداً على الشبهات ، وإسكاتاً لأهل الباطل .. ؟ بلى وربي .

ومن العجب أن الله يعد المؤمنين في رجوعهم منالحديبية بغنائم كثيرة يأخذونها ( وهي غنائم خيبر ) وأنه سيعجلها لهم وأنهمسينطلقون إليها دون غيرهم وأن المنافقين سيطلبون مرافقتهم وأن المسلمينسيقولون لن تتبعونا وأنهم سيصرون يريدون أن يبدلوا كلام الله وأنهم سيقولونللمؤمنين بل تحسدوننا وأن الله أجابهم بقوله: ( بل كانوا لا يفقهون حديثاً ) ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة وكلمة بكلمة .

- ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطواحياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً ، ومنه ينطلقون، وإليه يفيئون ، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل .

- ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم .

ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح :

قال الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقولالثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم /27 .

قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخيروالعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وكذا روي عن غير واحد من السلفتفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/421 . وقال سبحانه : ( ولو أنهم فعلوا مايوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً ) النساء /66 . أي على الحق .


وهذا بيّن ، وإلا فهل نتوقع ثباتاً من الكسالىالقاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وادلهم الخطب ؟! ولكنالذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطاً مستقيماُ . ولذلككانصلى الله عليه وسلميثابر على الأعمال الصالحة ، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل . وكانأصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه . وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمللزمته .

وكانصلى الله عليه وسلميقول : ( من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة ) سنن الترمذي 2/273وقال : الحديث حسن أو صحيح . وهو في صحيح النسائي 1/388 وصحيح الترمذي 1/131 . أي السنن الرواتب . وفي الحديث القدسي : ( ولا يزال عبدي يتقربإليّ بالنوافل حتى أحبه ) رواه البخاري ، انظر فتح الباري 11/340 .

ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :

والدليل على ذلك قوله تعالى : ( وكلاً نقص عليك منأنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) هود /120 .

فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول اللهصلى الله عليه وسلمللتلهي والتفكه ، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول اللهصلى الله عليه وسلموأفئدة المؤمنين معه .

- فلو تأملت يا أخي قول الله عز وجل : ( قالواحرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً علىإبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ) الأنبياء /68-70 قال ابنعباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل" الفتح 8/22

ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟

- لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى : ( فلماتراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، قال كلا إن معي ربي سيهدين ) الشعراء /61-62 .

ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين ، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة ؟ .

- لو استعرضت قصة سحرة فرعون ، ذلك المثل العجيب للثلة التي ثبتت على الحق بعدما تبين .

ألا ترى أن معنى عظيماً من معاني الثبات يستقر فيالنفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول : ( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنهلكبيركم الذي علمكم السحر ، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فيجذوع النجل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى ) طه /71

ثبات القلة المؤمنة الذي لا يشوبه أدنى تراجع وهميقولون : ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ، فاقض ما أنتقاضٍ ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) طه /72 .

- وهكذا قصة المؤمن في سورة يس ومؤمن آل فرعون وأصحاب الأخدود وغيرها يكاد الثبات يكون أعظم دروسها قاطبة .

رابعاً : الدعاء :

من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم :

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) ، ( ربناأفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا ) . ولما كانت ( قلوب بني آدم كلها بينأصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) رواه الإمام أحمد ومسلمعن ابن عمر مرفوعاً انظر مسلم بشرح النووي 16/204 . كان رسول اللهصلى الله عليه وسلميكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً تحفة الأحوذي 6/349 وهو في صحيح الجامع 7864 .

خامساً : ذكر الله :

وهو من أعظم أسباب التثبيت .

- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عزوجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ) الأنفال /45 . فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد .

" وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ماكانوا إليها " ما بين القوسين مقتبس من كلام ابن القيم رحمه الله في الداءوالدواء . بالرغم من قلة عدد وعدة الذاكرين الله كثيراً.

- وبماذا استعان يوسف عليه السلام في الثبات أمامفتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها ؟ ألم يدخل في حصن " معاذ الله " فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه ؟

وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين .

سادساً : الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً :

والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكههو طريق أهل السنة والجماعة ، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ،أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل ، والتميز عنأعداء الله ومفاصلة أهل الباطل ..

وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا في الثبات فتأمل وسائلنفسك : لماذا ضل كثير من السابقين واللاحقين وتحيروا ولم تثبت أقدامهم علىالصراط المستقيم ولا ماتوا عليه ؟ أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهموأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم ؟؟.

فترى أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال منالفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويضوالإرجاء ، ومن طريقة في التصوف إلى أخرى ..

وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون ، وانظر كيفحُرم أهل الكلام الثبات عند الممات فقال السلف : " أكثر الناس شكاً عندالموت أهل الكلام " لكن فكر وتدبر هل رجع من أهل السنة والجماعة عن طريقهسَخْطَةً بعد إذ عرفه وفقه وسلكه ؟ قد يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهات عرضتلعقله الضعيف ، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصح منه أو تبين له بطلانه .

ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتباع محمدصلى الله عليه وسلم؟ قال هرقل لأبي سفيان : " فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ " قال أبو سفيان : لا . ثم قال هرقل : " وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشتهالقلوب " رواه البخاري ، الفتح 1/32 .

سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدعوآخرين هداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة والجماعةساخطين على مذاهبهم الأولى ، ولكن هل سمعنا العكس ؟!

فإن أردت الثبات فعليك بسبيل المؤمنين .

سابعاً : التربية :

التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات .

التربية الإيمانية : التي تحيي القلب والضميربالخوف والرجاء والمحبة ، المنافية للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآنوالسنة ، والعكوف على أقاويل الرجال .

التربية العلمية : القائمة على الدليل الصحيح المنافية للتقليد والأمعية الذميمة .

التربية الواعية : التي لا تعرف سبيل المجرمينوتدرس خطط أعداء الإسلام وتحيط بالواقع علماً وبالأحداث فهماً وتقويماً ،المنافية للانغلق والتقوقع على البيئات الصغيرة المحدودة .

التربية المتدرجة : التي تسير بالمسلم شيئاًفشيئاً ، ترتقي به في مدارج كماله بتخطيط موزون ، والمنافية للارتجالوالتسرع والقفزات المحطمة .

ولكي ندرك أهمية هذا العنصر من عناصر الثبات ، فلنعد إلى سيرة رسول اللهصلى الله عليه وسلمونسائل أنفسنا .

- ما هو مصدر ثبات صحابة النبيصلى الله عليه وسلمفي مكة ، إبان فترة الاضطهاد ؟

- كيف ثبت بلال وخباب ومصعب وآل ياسر وغيرهم من المستضعفين وحتى كبار الصحابة في حصار الشعب وغيره ؟

- هل يمكن أن يكون ثباتهم بغير تربية عميقة من مشكاة النبوة ، صقلت شخصياتهم ؟

لنأخذ رجلاً صحابياً مثل خباب بن الأرت رضي اللهعنه ، الذي كانت مولاته تحمي أسياخ الحديد حتى تحمر ثم تطرحه عليها عاريالظهر فلا يطفئها إلا ودك ( أي الشحم ) ظهره حين يسيل عليها ، ما الذي جعلهيصبر على هذا كله ؟ .

- و بلال تحت الصخرة في الرمضاء ، وسمية في الأغلال والسلاسل ..

- وسؤال منبثق من موقف آخر في العهد المدني ، من الذي ثبت مع النبيصلى الله عليه وسلمفي حُنين لما انهزم أكثر المسلمين ؟ هل هم حديثو العهد بالإسلام ومُسلِمةالفتح الذين لم يتربوا وقتاً كافياً في مدرسة النبوة والذين خرج كثير منهمطلباً للغنائم ؟ كلا .. إن غالب من ثبت هم أولئك الصفوة المؤمنة التي تلقتقدراً عظيماً من التربية على يد رسول اللهصلى الله عليه وسلم .

لو لم تكن هناك تربية ترى هل كان سيثبت هؤلاء ؟

ثامناً : الثقة بالطريق :

لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم ، كان ثباته عليه أكبر .. ولهذا وسائل منها :

- استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه - يا أخي - ليس جديداً ولا وليد قرنك وزمانك ، وإنما هو طريق عتيق ( عتيق صفة مدح ) قد سار فيه من قبلك الأنبياء والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون ،فتزول غربتك ، وتتبدل وحشتك أنساً ، وكآبتك فرحاً وسروراً ، لأنك تشعر بأنأولئك كلهم أخوة لك في الطريق والمنهج.

- الشعور بالاصطفاء ، قال الله عز وجل : ( الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى ) النمل /59 . وقال : ( ثم أورثنا الكتابالذين اصطفينا من عبادنا ) فاطر /32 . وقال : ( وكذلك يجتبك ربك ويعلمك منتأويل الأحاديث ) يوسف /6 . وكما أن الله اصطفى الأنبياء فللصالحين نصيب منذلك الاصطفاء وهو ما ورثوه من علوم الأنبياء .

- ماذا يكون شعورك لو أن الله خلقك جماداً ، أودابة ، أو كافراً ملحداً ، أو داعياً إلى بدعة ، أو فاسقاً ، أو مسلماً غيرداعية لإسلامه ، أو داعية في طريق متعدد الأخطاء ؟

- ألا ترى أن شعورك باصطفاء الله لك وأنْ جعلك داعية من أهل السنة والجماعة من عوامل ثباتك على منهجك وطريقك ؟

تاسعاً : ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :

النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن ،ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ،ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع، واستقم كما أمرت ) . وليس يصح شيء يقال فيه " فلان لا يتقدم ولا يتأخر " فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، والإيمان يزيد وينقص .

والدعوة إلى المنهج الصحيح - ببذل الوقت ، وكدّالفكر ، وسعي الجسد ، وانطلاق اللسان ، بحيث تصبح الدعوة هم المسلم وشغلهالشاغل - يقطع الطريق على محاولات الشيطان بالإضلال والفتنة .

زد على ذلك ما يحدث في نفس الداعية من الشعوربالتحدي تجاه العوائق ، والمعاندين ، وأهل الباطل ، وهو يسير في مشوارهالدعوي ، فيرتقي إيمانه ، وتقوى أركانه .

فتكون الدعوة بالإضافة لما فيها من الأجر العظيموسيلة من وسائل الثبات ، والحماية من التراجع والتقهقر ، لأن الذي يُهاجملا يحتاج للدفاع ، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدد خطاهم والداعية كالطبيبيحارب المرض بخبرته وعلمه ، وبمحاربته في الآخرين فهو أبعد من غيره عنالوقوع فيه .

عاشراً : الالتفاف حول العناصر المثبتة :

تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليهالصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر ) حسن رواهابن ماجة عن أنس مرفوعاً 237 وابن أبي عاصم في كتاب السنة 1/127 وانظرالسلسلة الصحيحة 1332 .

البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ،والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات . وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتنثبت الله فيها المسلمين برجال .

ومن ذلك : ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى " أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة " .

وتأمل ما قاله ابن القيم رحمه الله عن دور شيخهشيخ الإسلام في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت بنا الظنون ،وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كلهعنا ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنتهقبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبهاما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " . الوابل الصيب ص 97 .

وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت ،فإخوانك الصالحون و القدوات والمربون هم العون لك في الطريق ، والركنالشديد الذي تأوي إليه فيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة .. الزمهموعش في أكنافهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنمالقاصية .

الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :

نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لاتزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فماوهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ،وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتأقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثوابالآخرة ) آل عمران /146-148 .

ولما أراد رسول اللهصلى الله عليه وسلمأن يثبت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمحن فماذا قال ؟

جاء في حديث خباب مرفوعاً عند البخاري : ( وليُتمنالله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف الله والذئبعلى غنمه ) رواه البخاري ، انظر فتح الباري 7/165 .

فعرض أحاديث البشارة بأن المستقبل للإسلام على الناشئة مهم في تربيتهم على الثبات .

الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :

في قول الله عز وجل : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) آل عمران /196 تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم .

وفي قوله عز وجل : ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) الرعد /17 عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .

ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهمووسائلهم ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) الأنعام /55 حتى لايؤخذ المسلمون على حين غرة ، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام .

وكم سمعنا ورأينا حركات تهاوت ودعاة زلت أقدامهم ففقدوا الثبات لما أتوا من حيث لم يحتسبوا بسبب جهلهم بأعدائهم .

الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :

وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وماأعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري في كتاب الزكاة - بابالاستعفاف عن المسألة ، ومسلم في كتاب الزكاة - باب فضل التعفف والصبر . وأشد الصبر عند الصدمة الأولى ، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسةويزول الثبات إذا عدم الصبر .

- تأمل فيما قاله ابن الجوزي رحمه الله : " رأيتكبيراً قارب الثمانين وكان يحافظ على الجماعة فمات ولد لابنته ، فقال : ماينبغي لأحد أن يدعو ، فإنه ما يستجيب . ثم قال : إن الله تعالى يعاند فمايترك لنا ولداً " الثبات عند الممات لابن الجوزي ص34 تعالى الله عن قولهعلواً كبيراً .

- لما أصيب المسلمون في أحد لم يكونوا ليتوقعواتلك المصيبة لأن الله وعدهم بالنصر ، فعلمهم الله بدرس شديد بالدماءوالشهداء : ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هومن عند أنفسكم ) آل عمران /165 ماذا حصل من عند أنفسهم ؟

فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا .

الرابع عشر : وصية الرجل الصالح :

عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه ،يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكونكلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكيربالله ، ولقائه ، وجنته ، وناره .

وهاك أخي ، هذه الأمثلة من سيرة الإمام أحمد رحمه الله ، الذي دخل المحنة ليخرج ذهباً نقياً .

لقد سيق إلى المأمون مقيداً بالأغلال ، وقد توعدهوعيداً شديداً قبل أن يصل إليه ، حتى لقد قال خادم للإمام أحمد : ( يعزعليّ يا أبا عبد الله ، أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك ، وأنهيقسم بقرابته من رسول اللهصلى الله عليه وسلم، لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف ) البداية والنهاية 1/332 .

وهنا ينتهز الأذكياء من أهل البصيرة الفرصة ليلقواإلى إمامهم بكلمات التثبيت ؛ ففي السير للذهبي 11/238 عن أبي جعفرالأنباري قال : " لما حُمِل أحمد إلى المأمون أخبرت ، فعبرت الفرات ، فإذاهو جالس في الخان فسلمت عليه .

فقال : يا أبا جعفر تعنيت .

فقلت : يا هذا ، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك ،فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق ، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق منالناس كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك ، فإنك تموت ، لابد من الموت ،فاتق الله ولا تجب . فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله . ثم قال : ياأبا جعفر أعِد ..

فأعدت عليه وهو يقول : ما شاء الله ... أ.هـ "

وقال الإمام أحمد في سياق رحتله إلى المأمون : " صرنا إلى الرحبة منها في جوف الليل ، فعرض لنا رجل فقال : أيكم أحمد بن حنبل .

فقيل له : هذا . فقال للجمال : على رسلك .. ثم قال : " يا هذا ، ما عليك أن تُقتل ها هنا ، وتدخل الجنة " ثم قال : أستودعكالله ، ومضى .

فسألت عنه ، فقيل لي هذا رجل من العرب من ربيعةيعمل الصوف في البادية يقال له : جابر بن عامر يُذكر بخير " سير أعلامالنبلاء 11/241 .

وفي البداية والنهاية : أن أعرابي قال للإمام أحمد : " يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم ، وإنك رأس الناس اليومفإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ، فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ،وإن كنت تحب الله ، فاصبر على ما أنت فيه ، فإنه ما بينك وبين الجنة إلاأن تقتل " .

قال الإمام أحمد : وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه . البداية والنهاية 1/332

وفي رواية أن الإمام أحمد قال : " ما سمعت كلمةوقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي كلمني بها في رحبة طوق وهي بلدةبين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات ، قال : " يا أحمد إن يقتلك الحق متّشهيداً ، وإن عشت عشت حميداً .. فقوي قلبي " سير أعلام النبلاء 11/241 .


ويقول الإمام أحمد عن مرافقة الشاب محمد بن نوح الذي صمد معه في الفتنة :

ما رأيت أحداً - على حداثة سنه ، وقدر علمه - أقوم بأمر الله من محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير .

قال لي ذات يوم : " يا أبا عبد الله ، الله الله ،إنك لست مثلي ، أنت رجل يُقتدى بك ، قد مد الخلق أعناقهم إليك ، لما يكونمنك ، فاتق الله ، واثبت لأمر الله . فمات وصليت عليه ودفنته . سير أعلامالنبلاء 11/242 .

وحتى أهل السجن الذين كان يصلي بهم الإمام أحمد وهو مقيد ، قد ساهموا في تثبيته .

فقد قال الإمام أحمد مرة في الحبس : " لست أبالي بالحبس - ما هو ومنزلي إلا واحد - ولا قتلاً بالسيف ، وإنما أخاف فتنة السوط "

فسمعه بعض أهل الحبس فقال : " لا عليك يا أبا عبدالله ، فما هو إلا سوطان ، ثم لا تدري أين يقع الباقي " فكأنه سُرِّي عنه . سير أعلام النبلاء 11/240 .

فاحرص أيها الأخ الكريم على طلب الوصية من الصالحين : وأعقلها إذا تليت عليك .

- اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما قد يقع فيه .

- اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل محنة متوقعة .

- اطلبها إذا عُينت في منصب أو ورثت مالاً وغنى .

وثبت نفسك ، وثبت غيرك والله ولي المؤمنين .

الخامس عشر : التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت :

والجنة بلاد الأفراح ، و سلوة الأحزان ، ومحط رحالالمؤمنين والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّنعليها الصعاب ، ويذلل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق .

فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسيرويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفستحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.

وكان النبيصلى الله عليه وسلميستخدم ذكر الجنة في تثبيت أصحابه ، ففي الحديث الحسن الصحيح مر رسول اللهصلى الله عليه وسلمبياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذن في الله تعالى فقال لهم : ( صبراً آل ياسرصبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) رواه الحاكم 3/383 ، وهو حديث حسن صحيح ،انظر تخريجه في فقه السيرة تحقيق الألباني ص103 .

وكذلك كانصلى الله عليه وسلميقول للأنصار : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه .

وكذلك من تأمل حال الفريقين في القبر ، والحشر ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، وسائر منازل الآخرة .

كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي ، ويوقفهعند حدود الله فلا يتعداها . لأنه إذا علم أن الموت أدنى من شراك نعله ،وأن ساعته قد تكون بعد لحظات ، فكيف تسول له نفسه أن يزل ، أو يتمادى فيالانحراف ، ولأجل هذا قالصلى الله عليه وسلم : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) رواه الترمذي 2/50 وصححه في ارواء الغليل 3/145 .

مواطن الثبات

وهي كثيرة تحتاج إلى تفصيل ، نكتفي بسرد بعضها على وجه الإجمال في هذا المقام :

أولاً : الثبات في الفتن :

التقلبات التي تصيب القلوب سببها الفتن ، فإذاتعرض القلب لفتن السراء والضراء فلا يثبت إلا أصحاب البصيرة الذين عمّرالإيمان قلوبهم .

ومن أنواع الفتن :

- فتنة المال : ( ومنهم من عاهد الله لئن أتانا منفضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولواوهم معرضون ) التوبة /75،76

فتنة الجاه : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهمبالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ،ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً ) الكهف /28 .

وعن خطورة الفتنتين السابقتين قالصلى الله عليه وسلم : ( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المالوالشرف لدينه ) رواه الإمام أحمد في السند 3/460 وهو في صحيح الجامع 5496 . والمعنى أن حرص المرء على المال والشرف أشد فساداً للدين من الذئبينالجائعين أرسلا في غنم .

- فتنة الزوجة : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ) التغابن /14 .

- فتنة الأولاد : ( الولد مجبنة مبخلة محزنة ) رواه أبو يعلى 2/305 وله شواهد ، وهو في صحيح الجامع 7037 .

- فتنة الاضطهاد والطغيان والظلم : ويمثلها أروعتمثيل قول الله عز وجل : ( قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود ، إذ همعليها قعود ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ، وما نقموا منهم إلا أنيؤمنوا بالله العزيز الحميد ، الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيءشهيد ) البروج 4-9 .

وروى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلموهو متوسد بردة في ظل الكعبة ، فقال عليه السلام : ( قد كان من قبلكم يؤخذالرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيُجاء بالمنشار ، فيوضع على رأسهفيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد، من دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عندينه ( رواه البخاري ، انظر فتح الباري 12/315 .

- فتنة الدجال : وهي أعظم فتن المحيا : ( يا أيهاالناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله آدم أعظم من فتنةالدجال .. يا عباد الله ، أيها الناس : فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لميصفها إياه قبلي نبي .. ) رواه ابن ماجه 2/1359 انظر صحيح الجامع 7752.

وعن مراحل ثبات القلوب وزيغها أمام الفتن يقول النبيصلى الله عليه وسلم : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأي قلب أشربها نكت فيهنكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى يصير على قلبين ،على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسودمربداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، إلا ما أشرب منهواه ) رواه الإمام أحمد 5/386 ، ومسلم 1/128 واللفظ له . " معنى عرضالحصير : أي تؤثر الفتن في القلب كتأثير الحصير في جنب النائم عليه . ومعنىمربداً : بياض شديد قد خالطه سواد ، مجخياً : أي مقلوباً منكوساً . "

ثانياً : الثبات في الجهاد :

( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) الأنفال /45 . ومن الكبائر في ديننا الفرار من الزحف وكان عليه الصلاةوالسلام وهو يحمل التراب على ظهره في الخندق يردد مع المؤمنين : ( وثبتالأقدام إن لاقينا ) رواه البخاري في كتاب الغزوات ، باب غزوة الخندق انظرالفتح 7/399 .

ثالثاً : الثبات على المنهج :

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليهفمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً ) الأحزاب /23مبادئهم أغلى من أرواحهم ، إصرار لا يعرف التنازل .

رابعاً : الثبات عند الممات :

أما أهل الكفر والفجور فإنهم يحرمون الثبات في أشدالأوقات كربة فلا يستطيعون التلفظ بالشهادة عند الموت ، وهذا من علاماتسوء الخاتمة كما قيل لرجل عند موته : قل لا إله إلا الله فجعل يحرك رأسهيميناً وشمالاً يرفض قولها .

وآخر يقول عند موته : " هذه قطعة جيدة ، هذهمشتراها رخيص " ، وثالث يذكر أسماء قطع الشطرنج . ورابع يدندن بألحان أوكلمات أغنية ، أو ذكر معشوق .

ذلك لأن مثل هذه الأمور أشغلتهم عن ذكر الله في الدنيا .

وقد يرى من هؤلاء سواد وجه أو نتن رائحة ، أو صرف عن القبلة عند خروج أرواحهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أما أهل الصلاح والسنة فإن الله يوفقهم للثبات عند الممات ، فينطقون بالشهادتين .

وقد يُرى من هؤلاء تههل وجه أو طيب رائحة ونوع استبشار عند خروج أرواحهم .

وهذا مثال لواحد ممن وفقهم الله للثبات في نازلة الموت ، إنه أبو زرعة الرازي أحد أئمة أهل الحديث وهذا سياق قصته :

قال أبو جعفر محمد بن علي ورّاق أبي زرعة : حضرناأبا زرعة بما شهران قرية من قرى الري وهو في السَّوْق أي عند احتضاره وعندهأبو حاتم وابن واره والمنذر بن شاذان وغيرهم ، فذكروا حديث التلقين ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه ، فقالواتعالوا نذكر الحديث ، فقال ابن واره : حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بنجعفر عن صالح ، وجعل يقول ابن أبي - ولم يجاوزه - فقال أبو حاتم : حدثنابُندار حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح ، لم يجاوز ،والباقون سكتوا ، فقال أبو زرعة وهو في السَّوْق " وفتح عينيه " حدثنابُندار حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد عن صالح ابن أبي غريب عن كثير بنمرة عن معاذ بن جبل قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) وخرجت روحه رحمه الله . سير أعلام النبلاء 13/76-85 .

ومثل هؤلاء قال الله فيهم : ( إن الذين قالوا ربناالله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروابالجنة التي كنتم توعدون ) فصلت /30 .

اللهم اجعلنا منهم ، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


:2:

ام هُمام 02-16-2012 05:36 PM

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم ولكن يجب تصحيح بدل حرف e كتابة صلى الله عليه وسلم
ارجو التصحيح

جندالاسلام 02-16-2012 05:43 PM

موضوع جميل ... جزاك ألله خير

أبو ريم ورحمة 02-16-2012 11:36 PM

جزاك الله خيرًا يابحر الحنان ،تم تصحيح الخطأ


الساعة الآن 02:03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009