استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى التاريخ الإسلامي > قسم السيرة النبوية
قسم السيرة النبوية سيرته صلى الله عليه وسلم ،غزواته،اصحابه،أزواجه
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 11-14-2010, 07:41 PM   #1

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

ابن الواحة غير متواجد حاليا

افتراضي موسوعة في سيرة اعظم جيل عرفه التاريخ

      




موسوعة في سيرة اعظم جيل عرفه التاريخ


جئتكم بموضوع ارجو به الاجر والثواب من الله سبحانه وتعالى اولا ثم ان تعم به الفائدة

يتحدث عن سيرة أعظم جيل عرفه التاريخ وأرقى مجتمع في الدنيا بأسرها فهم مصابيح الدجى

وأعلام الهدى واصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبهم يقتدى

موسوعة في سيرة اعظم جيل عرفته البشرية



قال الله تعالي

بسم الله الرحمن الرحيم

{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }

صدق الله العظيم

وقال ايضا

{ محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا

سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطاه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه

يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما }

صدق الله العظيم

رجال حول الرسول صل الله عليه وسلم

جاءوا واثروا في قلوبنا واسماعنا

لقد جاءوا الحياه في اونهم المرتقب,ويومهم الموعود..

فحين كانت الحياه تهيب بمن يجدد لقيمتها الروحيه شبابها وصوابها,جاء هؤلاء مع رسولهم الكريم مبشرين وناسكين ..

وحين كانت تهيب بمن يضع عن البشريه الرازحه اغلاها,ويحرر وجودها و مصيرها,جاء هؤلاء وارء رسولهم العظيم ثوارا ومحررين ..

وحين كانت تهيب بمن يستشرف للحضاره الانسانيه مطالع جديده ورشيده,جاء هؤلاء روادا ومستشرفين



كيف انجز اولئك الابرار كل هذا الذي انجزوه في بضع سنين ..؟ !

كيف دمدموا علي العالم القديم بامبراطورياته وصولجانه وحولوه الي كثيب مهيل ..؟؟

كيف شادوا بقرأن الله وكلماته عالما جديدا يهتز نضره..ويتالق عظمه..ويتفوق اقتدارا..؟؟

وقبل هذا كله,وفوق هذا كله..كيف استطاعوا في مثل سرعه الضوء ان يضيئوا الضمير الانساني بحقيقه التوحيد وينكسوا منه الي الابد وثنيه القرون..؟؟

تلك هي معجزتهم الحقه

في هذا الموضوع اخوتي في الله سوف نعرف ونتعرف على ما يقارب من ستين شخصيه من افضل الرجال الذين دقت اقدامهم الارض بعد الانبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين

سوف نتعرف سويا علي كوكبة من اصحاب الرسول عليه وعليهم افضل الصلاه وابهي السلام

نري ايمانهم ,وثباتهم,وبطولتهم,وولاءهم لله ورسوله..


نري البذل الذي بذلوا..والهول الذي احتملوا..والفوز الذي احرزوا..

ونري الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشريه كلها من وثن الضمير,وضياع المصير ..

ولن يجد القارئ بين هؤلاء الستين خلفاء الرسول الاربعه :

ابا بكر ,وعمر,وعثمان,وعلي ..

لان لكل واحد منهم موضوعه الخاص وكتابه الخاص والحديث عنه الذي لا ينتهي

والان لنقترب في خشوع وغبطه من أولئك الرجال الابرار

لنستقبل فيهم اروع نماذج البشريه الفاضله وابهاها

اخوتي في الله سوف اقسم الموضوع الى عدة حلقات وارسلها بالتتابع حتى لا يمل القارئ

ويعلق من يريد التعليق

وبارك الله في من كتبها وفي من نقلها وفي من قرءها


نبدا على بركة الله

أبو ذر الغفاري

( زعيم المعارضة وعدو الثروات )

أقبل على مكة نشوان مغتبطا..

صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم, بيد أن الغاية التي يسعى إليها, أنسته جراحه, وأفاضت على روحه الحبور والبشور.

ودخلها متنكرا, كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام.. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه, أو طال به السفر والارتحال فأوى إليها يستريح ويتزوّد.

فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم, ويستمع إليه لفتكوا به.

وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به, ولكن بعد أن يقابل الرجل إلي قطع الفيافي ليراه, وبعد أن يؤمن به, إن اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته..

ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد, وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر, حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد, وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه.

في صبيحة يوم ذهب إلى هناك, فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً وحده, فاقترب منه وقال: نعمت صباحا يا أخا العرب..

فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام يا أخاه.

قال أبو ذر:أنشدني مما تقول..

فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هو بشعر فأنشدك, ولكنه قرآن كريم.

قال أبو ذر: اقرأ عليّ..

فقرأ عليه الرسول, وأبو ذر يصغي.. ولم يمض من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر:

"أشهد أن لا اله إلا الله.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"!

وسأله النبي: ممن أنت يا أخا العرب..؟

فأجابه أبو ذر: من غفار..

وتألقت ابتسامة على فم الرسول صلى الله عليه وسلم, واكتسى وجهه الدهشة والعجب..

وضحك أبو ذر كذلك, فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالإسلام أمامه إنما هو رجل من غفار..!!

فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأو في قطع الطريق..!!

وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع.. إنهم حلفاء الليل والظلام, والويل لمن يسلمه الليل إلى واحد من قبيلة غفار.

أفيجيء منهم اليوم, والإسلام لا يزال دينا غصّا مستخفياَ, واحد ليسلم..؟!



يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه:

".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا, لما كان من غفار, ثم قال: إن الله يهدي من يشاء.

ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى, وأراد بهم الخير.

وإنه لذو بصر بالحق, فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى, وأراد بهم الخير.

وانه لذو بصر بالحق, فقد روي عنه أنه أحد الذين كانوا يتألهون في الجاهلية, أي يتمرّدون على عبادة الأصنام , ويذهبون إلى الإيمان باله خالق عظيم. وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصنام وعبّادها, ويدعو إلى عبادة الله الواحد القهار, حتى حث إليه الخطى, وشدّ الرحال.



أسلم أبو ذر من فوره..

وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس..

إذن, هو قد أسلم في الأيام الأولى, بل الساعات الأولىللإسلام, وكان إسلامه مبكرا..

وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا.. يهمس بها إلى نفسه, وإلى الخمسة الذين آمنوا معه, ولم يكن أمام أبي ذر إلا أن يحمل إيمانه بين جنبيه, ويتسلل به مغادراً مكة, وعائدا إلى قومه...

ولكن أبا ذر, جندب بن جنادة, يحمل طبيعة فوارة جيّاشة.

لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون.. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه.. حجارة مرصوصة, ميلاد عابديها أقدم من ميلادها, تنحني أمامها الجباه والعقول, ويناديها الناس: لبيك.. لبيك..!!

وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبل أن يرحل.

لقد توجه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فور إسلامه بهذا السؤال:

يا رسول الله, بم تأمرني..؟

فأجابه الرسول: ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري..

فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد..!!

ألم أقل لكم..؟؟

تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة, أفي اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به, وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع إلى أهله صامتا.؟

هذا أمر فوق طاقته..

هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته:

[أشهد أن لا اله إلا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله]...



كانت هذه الصيحة أول صيحة بالإسلام تحدّت كبرياء قريش وقرعت أسماعها.. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى..

ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه.. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه..

وترامى النبأ إلى العباس عم النبي, فجاء يسعى, وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم إلا بالحيلة الذكية, قال له:

"يا معشر قريش, أنتم تجار, وطريقكم على غفار,, وهذا رجل من رجالها, إن يحرّض قومه عليكم, يقطعوا على قوافلكم الطريق".. فثابوا إلى رشدهم وتركوه.

ولكن أبا ذر, وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله, لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد...!!

وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم, يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف, ونائلة) ودعوانهما, حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان, ويهرول الرجال كالجراد, ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه..

وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله". ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد, وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد, فيعيد عليه أمره بالعودة إلى قومه, حتى إذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه..



ويعود أبو ذر إلى عشيرته وقومه, فيحدثهم عن النبي الذي ظهر يدعو إلى عبادة الله وحده ويهدي لمكارم الأخلاق, ويدخل قومه في الإسلام, واحدا اثر واحد.. ولا يكتفي بقبيلته غفار, بل ينتقل إلى قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه..!!

وتتابع الأيام رحلتها في موكب الزمن, ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, ويستقر بها والمسلمون معه.

وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان, أثارت أقدامهم النقع.. ولولا تكبيراتهم الصادعة, لحبسهم الرائي جيشا مغيرا من جيوش الشرك..

اقترب الموكب اللجب.. ودخل المدينة.. ويمم وجهه شطر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامه..

لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم, جاء بهما أبو ذر مسلمين جميعا رجإلا ونساء. شيوخا وشبابا, وأطفالا..!!

وكان من حق الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزداد عجبا ودهشة..

فبالأمس البعيد عجب كثيرا حين رأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن إسلامه وإيمانه, وقال معبّرا عن دهشته:

"إن الله يهدي من يشاء"..!!

أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه مسلمة. وقد قطعت في الإسلام بضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر, وتجيء معها قبيلة أسلم..

إن عمالقة السطور وحلفاء الشيطان, قد أصبحوا عمالقة في الخير وحلفاء للحق.

أليس الله يهدي من يشاء حقا..؟؟

لقد ألقى الرسول عليه الصلاة والسلام على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا..

ونظر إلى قبيلة غفار وقال:

"غفار غفر الله لها".

ثم إلى قبيلة أسلم فقال:

"وأسلم سالمها الله"..

وأبو ذر هذا الداعية الرائع.. القوي الشكيمة, العزيز المنال.. إلا يختصه الرسول عليه الصلاة والسلام بتحية..؟؟

أجل.. ولسوف يكون جزاؤه موفورا, وتحيته مباركة..

ولسوف يحمل صدره, ويحمل تاريخه, أرفع الأوسمة وأكثرها جلالا وعزة..

ولسوف تفنى القرون والأجيال, والناس يرددون رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر:

" ما أقلّت الغبراء, ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر"..!!

ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد, وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل.. بيد أن وقته لم يأت بعد, فيعيد عليه أمره بالعودة إلى قومه, حتى إذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلّوه..



أصدق لهجة في أبي ذر..؟

لقد قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه, ولخص حياته كلها في هذه الكلمات..

فالصدق الجسور, هو جوهر حياة أبي ذر كلها..

صدق باطنه, وصدق ظاهره..

صدق عقيدته وصدق لهجته..

ولسوف يحيا صادقا.. لا يغالط نفسه, ولا يغالط غيره, ولا يسمح لأحد أن يغالطه..

ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء.. فالصدق الصامت ليس صدقا عند أبي ذر..

إنما الصدق جهر وعلن.. جهر بالحق وتحد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ..

الصدق ولاء رشيد للحق, وتعبير جريء عنه, وسير حثيث معه..



ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبة عبر الغيب القصيّ والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته, فكان يأمره دائما أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله.

وألقى الرسول يوما هذا السؤال:

" يا أبا ذر كيف أنت إذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء"..؟

فأجاب قائلا:

"إذن والذي بعثك بالحق, لأضربن بسيفي".!!

فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام:

"أفلا أدلك على خير من ذلك..؟

اصبر حتى تلقاني".

ترى لماذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات..؟؟

الأمراء .. والمال..؟؟



تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته, وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل..

ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه السؤال, ليزوده هذه النصيحة الثمينة:"اصبر حتى تلقاني"..

ولسوف يحفظ أبوذر وصية معلمه, فلن يحمل السيف الذي توّد به الأمراء الذين يثرون من مال الأمة.. ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظة من نهار..

أجل إذا كان الرسول قد نهاه عن حمل السيف في وجوههم, فانه لا ينهاه عن أن يحمل في الحق لسانه البتار..

ولسوف يفعل..



ومضى عهد الرسول, ومن بعده عصر أبي بكر, وعصر عمر في تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعي الفتنة فيها..

حتى تلك النفوس المشتهية الراغبة, لم تكن تجد لرغباتها سبيلا ولا منفذا.

وأيامئذ, لم تكن ثمة انحرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللاهبة...



ولقد طال عهد أمير المؤمنين عمر, فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم في كل مكان من الأرض, زهدا وتقشفا, ودعلا يكاد يكون فوق طاقة البشر..



إن واليا من ولاته في العراق, أو في الشام, أو في صنعاء.. أو في أي من البلاد النائية البعيدة, لا يكاد يصل إليها نوعا من الحلوى, لا يجد عامة الناس قدرة على شرائه, حتى يكون الخبر قد وصل إلى عمر بعد أيام. وحتى تكون أوامره الصارمة قد ذهبت لتستدعي ذلك الوالي إلى المدينة ليلقى حسابه العسير..!!

ليهنأ أبو ذر إذن.. وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين..

وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايق استغلال السلطة, واحتكار الثروة, فان ابن الخطاب بمراقبته الصارمة للسلطة, وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا..

وهكذا تفرغ لعبادة ربه, وللجهاد في سبيله.. غير لائذ بالصمت إذا رأى مخالفة هنا, أو هناك.. وقلما كان يرى..



بيد أن أعظم, وأعدل, وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم, تاركا وراءه فراغا هائلا, ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مفرّ منه ولا طاقة للناس به. وتستمر الفتوح في مدّها, ويعلو معها مد الرغبات والتطلع إلى مناعم الحياة وترفها..

ويرى أبو ذر الخطر..



إن ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورهم في الحياة أن يرفعوا راية الله..

إن الدنيا بزخرفها وغرورها الضاري, توشك أن تفتن الذين كل رسالتهم أن يجعلوا منها مزرعة للأعمال الصالحات..

إن المال الذي جعله الله خادما مطيعا للإنسان, يوشك أن يتحوّل إلى سيّد مستبد..

ومع من؟

مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرهونة, في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه..!!

إن خيرات الأرض التي ذرأها الله للناس جميعا.. وجعل حقهم فيها متكافئا توشك أن أصير حكرا ومزية..

إن السلطة التي هي مسؤولية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الأبرار, تتحول إلى سبيل للسيطرة, وللثراء, وللترف المدمر الوبيل..

رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ولا عن مسؤوليته.. بل راح يمد يمينه إلى سيفه.. وهز به الهواء فمزقه, ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة.. لكن سرعان ما رنّ في فؤاده صدى الوصية التي أوصاه بها الرسول, فأعاد السيف إلى غمده, فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم..

(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ)

ليس دوره اليوم أن يقتل.. بل أن يعترض..

وليس السيف أداة التغيير والتقويم, بل الكلمة الصادقة, الأمينة المستبسلة..

الكلمة العادلة التي لا تضل طريقها, ولا ترهب عواقبها.



لقد أخبر الرسول يوما وعلى ملأ من أصحابه, أن الأرض لم تقلّ, وأن السماء لم تظلّ أصدق لهجة من أبي ذر..

ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة, وصدق الاقتناع, فما حاجته إلى السيف..؟

إن كلمة واحدة يقولها, لأمضى من ملء الأرض سيوفا..



فليخرج بصدقه هذا, إلى الأمراء.. إلى الأغنياء. إلى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونهم إلى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا, لا جابيا.. ونبوة لا ملكا,.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادا في أخذ الحياة, لا فتونا بها ولا تهالكا عليها..

فليخرج إلى هؤلاء جميعا, حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق, وهو خير الحاكمين.



وخرج أبو ذر إلى معاقل السلطة والثروة, يغزوها بمعارضته معقلا معقلا.. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون.. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد.. طار إليها ذكره. وأصبح لا يمر بأرض, بل ولا يبلغ اسمه قوما إلا أثار تساؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي السلطة والثراء.

ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا, فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الإنس عنه كأنه نشيد.. هذه الكلمات:

"بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة"..!!

لا يصعد جبلا, ولا ينزل سهلا, ولا يدخل مدينة, ولا يواجه أميرا إلا وهذه الكلمات على لسانه.

ولم يعد الإنس يبصرونه قادما إلا استقبلوه بهذه الكلمات:

" بشّر الكانزين بمكاو من نار"..

لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها, حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال.. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع, وتفان وإخلاص..



لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة.. هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الإسلام خصوبة وخيرا وفيضا, وانه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب, يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة, ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو إليه طموحه البعيد.

هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الدعوة, فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر..

وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه, وسابق الريح إلى الشام..

ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق, والتفوا حوله أينما ذهب وسار..

حدثنا يا أبا ذر..

حدثنا يا صاحب رسول الله..

ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة, فيرى أكثرها ذوي خصاصة وفقر.. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع..

ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا:

" عجبت لمن لا يجد القوت في بيته, كيف لا يخرج على الإنس شاهرا سيفه"..؟؟!!



ثم يذكر من فوره وصية رسول الله أن يضع الأناة مكان الانقلاب, والكلمة الشجاعة مكان السيف.. فيترك لغة الحرب هذه ويعود إلى لغة المنطق والاقتناع, فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم, هو أول من يجوع إذا جاعوا, وآخر من شبع إذا شبعوا..

لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الإسلام يكون له من الفطنة والمناعة, والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه, وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم, أو محتكرة للثروة.



وفي أيام قلائل, كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة.. ولو أعطى أبو ذر إشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا.. ولكنه كما قلنا, حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه, وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق.

ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه, يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة, الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها..



ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة, كما وصفه نبيه وأستاذه..

وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما, وعن ثروته اليوم..!!

وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة, وعن قصوره بالشام اليوم..!!

ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية إلى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع.

ثم يصيح فيهم جميعا: أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم..؟؟

ويتولى الإجابة عنهم: نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن, وشهدتم مع الرسول المشاهد..

ثم يعود ويسأل: ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية:

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) )..؟؟ ( التوبة )



ويختلان معاوية طريق الحديث قائلا: لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب..

ويصيح أبو ذر: لا بل أنزلت لنا ولهم..

ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال.. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه..

وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر..

ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات:

(بشّر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة)..



ويستشعر معاوية الخطر, وتفزعه كلمات الثائر الجليل, ولكنه يعرف له قدره, فلا يقربه بسوء, ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له:" إن أبا ذر قد أفسد الإنس بالشام"..

ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة.

ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى ويسافر إلى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع..!!



(لا حاجة لي في دنياكم)..!!

هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل إلى المدينة, وجرى بينهما حوار طويل.

لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه, ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر, بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها, وقرر أن يحتفظ به إلى جواره في المدينة, محددا بها إقامته.

ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا, رقيقا, فقال له:" ابق هنا بجانبي, تغدو عليك القاح وتروح"..

وأجابه أبو ذر:

(لا حاجة لي في دنياكم).!



أجل لا حاجة له في دنيا الناس.. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح, ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا..!!

ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج إلى الرّبذة فأذن له..



ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله, حافظا في أعماق روحه النصيحة التي وجهها إليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف.. لكأن الرسول رأى الغيب كله.. غيب أبي ذر ومستقبله, فأهدى إليه هذه النصيحة الغالية.

ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بإيقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لإشباع ولعهم وكيدهم.

جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة, فزجرهم بكلمات حاسمة:

" والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة, أ جبل, لسمعت, وأطعت, وصبرت واحتسبت, ورأيت ذلك خيرا لي.."

" ولوسيّرني ما بين الأفق إلى الأفق , لسمعت وأطعت, وصبرت واحتسبت, ورأيت ذلك خيرا لي..

" ولو ردّني إلى منزلي, لسمعت وأطعت, وصبرت واحتسبت, ورأيت ذلك خيرا لي"..



ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا, ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة.. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها.. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر, فتحاشاه أيضا, ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق, لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه..!

لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل.



وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال, فالحكم والمال يملكان من الإغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على إخوانه الذين حملوا راية الإسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم, والذين يجب أن يظلوا لها حاملين.

والحكم والمال أيضا, هما عصب الحياة للأمة والجماعات, فإذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد.

ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول إلا يلي أحد منهم إمارة أو يجمع ثروة, وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى, وعبّادا لله..

وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال, وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا.. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من إغراء الإمارة ويقول عنها:

".. إنها أمانة, وإنها يوم القيامة خزي وندامة.. إلا من أخذها بحقها, وأدّى الذي عليه فيها"...



ولقد بلغ الأمر بأبي ذر ليتجنّب إخوانه إن لم يكن مقاطعتهم,لأنهم ولوا الإمارات, وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة..

لقيه أبو موسى الأشعري يوما, فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه:" مرحبا أبا ذر.. مرحبا بأخي".

ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول:

" لست بأخيك, إنما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"..!

كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا, ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له:

(اليك عني.. ألست الذي وليت الإمارة, فتطاولت في البنيان, واتخذت لك ماشية وزرعا)..؟؟

ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات..



وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الحكم والثروة..

ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه, ومع إيمانه, فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله.. بسلوكه ورؤاه, عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر..



وإذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها, فان أبا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل, ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام, وصلوا وراءه, وجاهدوا معه, وبايعوه على السمع والطاعة.

كما أنه يدرك بوعيه المضيء, ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس, ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم, أو عدالة الثروة, يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته.



ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه, أمينا عليها, حارسا لها.. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الإمارة والثروة,...

عرضت عليه الإمارة بالعراق فقال:

" لا والله.. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا"..

ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله:

أليس لك ثوب غير هذا..؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين..؟

فأجابه أبو ذر: " يا بن أخي.. لقد أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني"..

قال له: والله انك لمحتاج إليهما!!

فأجاب أب ذر: "اللهم اغفر.. انك لمعظّم للدنيا, ألست ترى عليّ هذه البردة..؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة, ولي عنزة أحلبها, وأتان أركبها, فأي نعمة أفضل ما نحن فيه"..؟؟



وجلس يوما يحدّث ويقول:

[أوصاني خليلي بسبع..

أمرني بحب المساكين والدنو منهم..

وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني, ولا أنظر إلى من هو فوقي..

وأمرني إلا أسأل أحد شيئا..

وأمرني أن أصل الرحم..

وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا..

وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم..

وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله].



ولقد عاش هذه الوصية, وصاغ حياته وفقها, حتى صار "ضميرا" بين قومه وأمته..



ويقول الإمام علي رضي الله عنه:

"لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر"..!!

عاش يناهض استغلال الحكم, واحتكار الثروة..

عاش يدحض الخطأ, ويبني الصواب..

عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير..

يمنعونه من الفتوى, فيزداد صوته بها ارتفاعا, ويقول لمانعيه:

" والذي نفسي بيده, لو وضعتم السيف فوق عنقي, ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها"..!!



ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه..

إذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها, وعرّضت المجتمع والإسلام لأخطار, ما كان أقساها من أخطار.

والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. المكان الذي اختار الإقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه, فتعالوا بنا إليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع, ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام.

ان هذه السيدة السمراء الضامرة, الجالسة إلى جواره تبكي, هي زوجته..

وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق..؟

فتجيبه بأنها تبكي: " لأنك تموت, وليس عندي ثوب يسعك كفنا"..!!

".. لا تبكي, فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض, تشهده عصابة من المؤمنين..

وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية, ولم يبق منهم غيري .. وهاأنذا بالفلاة أموت, فراقبي الطريق,, فستطلع علينا عصابة من المؤمنين, فاني والله ما كذبت ولا كذبت".

وفاضت روحه إلى الله..

ولقد صدق..

فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء, تؤلف جماعة من المؤمنين, وعلى رأسهم عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله.

وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت, وإلى جواره سيدة وغلام يبكيان..

ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد, ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان, حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والإسلام أبي ذر.

وتفيض عيناه بالدمع, ويقف على جثمانه الطاهر يقول:" صدق رسول الله.. نمشي وحدك, وتموت وحدك, وتبعث وحدك".!

ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها:" تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك"...



كان ذلك في غزوة تبوك.. سنة تسع من الهجرة, وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم, الذين شرعوا يكيدون للإسلام ويأتمرون به.

وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ..

وكانت الشقة بعيدة.. والعدو مخيفا..

ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين, تعللوا بشتى المعاذير..

وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة, فجعل الرجل يتخلف, ويقولون يا رسول الله تخلف فلان, فيقول:

" دعوه.

فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم..

وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!

وتلفت القوم ذات مرة, فلم يجدوا أبا ذر.. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام:

لقد تخلف أبو ذر, وأبطأ به بعيره..

وأعاد الرسول مقالته الأولى..

كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الإعياء خطاه..

وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد, ولكن الإعياء كان يلقي ثقله على البعير..

ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر, فنزل من فوق ظهر البعير, وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه, مهرولا, وسط صحراء ملتهبة, كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه..



وفي الغداة, وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا, بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير..



وقال الذي رأى: يا رسول الله, هذا رجل يمشي على الطريق وحده..

وقال الرسول عليه الصلاة والسلام:

(كن أبا ذر)..



وعادوا لما كانوا فيه من حديث, ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم, وعندها يعرفون من هو..



وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا.. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا, وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة, ولم يتخلف عن رسول الله وإخوانه المجاهدين..

وحين بلغ أول القافلة, صاح صائهحم: يارسول الله: انه والله أبا ذر..

وسار أبو ذر صوب الرسول.

ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية, وقال:

[يرحم الله أبا ذر..

يمشي وحده..

ويموت وحده..

ويبعث وحده..].



وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد, مات أبو ذر وحيدا, في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده, وبطولة صموده..



ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة, لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!!

اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع


أكتب تعليق على الموضوع مستخدماً حساب الفيس بوك

التوقيع:

مشرف القسم الاسلامي العام
مشرف قسم محمد رسول الله
-ليس المهم ان ترسل ، ولكن الأهم ان تختار ما ترسل-

من مواضيعي في الملتقى

* وقفة مع بعض خصائص سورة الفاتحة
* يا غير مسجل عندي لك احسن هدية ادخل ولن تندم القرآن كامل بصوت من تحب
* قلب صفحات القران الكريم وكانك تمسك المصحف
* صور لمساجد في اوروبا
* أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟
* عليَّ بالمصحف ..لألتمس ذكري ..
* وصية نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام

ابن الواحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-14-2010, 07:51 PM   #2

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

ابن الواحة غير متواجد حاليا

افتراضي

      

أبوالدرداء

( أيّ حكيم كان )


بينما كانت جيوش الإسلام تضرب في مناكب الأرض.. هادر ظافرة.. كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب.. وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه في كلمات تناهت نضرة وبهاء...وكان لا يفتأ يقول لمن حوله:

" ألا أخبركم بخير أعمالكم, وأزكاها عند باريكم, وأنماها في درجاتكم, وخير من أن تغزو عدوّكم, فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم, وخير من الدراهم والدنانير".؟؟

وتشرئب أعناق الذين ينصتون له.. ويسارعون بسؤاله:

" أي شيء هو.. يا أبا الدرداء"..؟؟

ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الإيمان والحكمة:

" ذكر الله...

ولذكر الله أكبر"..



لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية, ولا بالانسحاب من تبعات الدين الجديد.. تلك التبعات التي يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها...

أجل.. ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل, وهو الذي حمل سيفه مجاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم, حتى جاء نصر الله والفتح..

بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يجد نفسه في وجودها الممتلئ الحيّ, كلما خلا إلى التأمل, وأوى إلى محراب الحكمة, ونذر حياته لنشدان الحقيقة واليقين..؟؟

ولقد كان حكيم تلك الأيام العظيمة أبو الدرداء رضي الله عنه إنسانا يتملكه شوق عارم إلى رؤية الحقيقة واللقاء بها..



وإذ قد آمن بالله وبرسوله إيمانا وثيقا, فقد آمن كذلك بأن هذا الإيمان بما يمليه من واجبات وفهم, هو طريقه الأمثل والأوحد إلى الحقيقة..

وهكذا عكف على إيمانه مسلما إلى نفسه, وعلى حياته يصوغها وفق هذا الإيمان في عزم, ورشد, وعظمة..

ومضى على الدرب حتى وصل.. وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق.. وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماما حين يناجي ربه مرتلا آته..

( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين).

أجل.. لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه, ومع نفسه إلى تلك الذروة العالية.. إلى ذلك التفوق البعيد.. إلى ذلك التفاني الرهباني, الذي جعل حياته, كل حياته لله رب العالمين..!!



والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه..؟

ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته..؟؟

انه ضياء الحكمة, وعبير الإيمان..

ولقد التقى الإيمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيدا, أيّ سعيد..!!

سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت:

" التفكر والاعتبار".

أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آية:

(فاعتبروا يا أولي الأبصار)...

وكان هو يحضّ إخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم:

" تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة"..

لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه.. وكل حياته..



ويوم اقتنع بالإسلام دينا, وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم, كان تاجرا ناجحا من تجار المدينة النابهين, وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم, بل وقبل أن يأتي الرسول والمسلمون المدينة مهاجرين..

بيد أنه لم يمض على إسلامه غير وقت وجيز حتى..

ولكن لندعه هو يكمل لنا الحديث:

" أسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر..

وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا..

فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة.

وما يسرّني اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار, حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد..

ألا إني لا أقول لكم: إن الله حرّم البيع..

ولكني أحبّ أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"..!!



أرأيتم كيف يتكلّم فيوفي القضيّة حقها, وتشرق الحكمة والصدق من خلال كلماته..؟؟

انه يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله التجارة يا أبا الدرداء...؟؟

يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤل, ويشير إلى الهدف الأسمى الذي كان ينشده, ومن أجله ترك التجارة برغم نجاحه فيها..

لقد كان رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو إلى أقصى درجات الكمال الميسور لبني الإنسان..



لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه إلى عالم الخير الأسمى, ويشارف به الحق في جلاله, والحقيقة في مشرقها, ولو أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى, ومحظورات تترك, لاستطاع أن يجمع بينها وبين تجارته وأعماله...

فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار...



ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله.. بل اجتهدوا في إنماء تجارتهم وأموالهم ليخدموا بها قضية الإسلام, ويكفوا بها حاجات المسلمين..

ولكن منهج هؤلاء الأصحاب, لا يغمز منهج أبو الدرداء, كما أن منهجه لا يغمز منهجهم, فكل ميسّر لما خلق له..



وأبو الدرداء يحسّ إحساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته..

التخصص في نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الإيمان الذي هداه إليه ربه, ورسوله والإسلام..

سمّوه إن شئتم تصوّفا..

ولكنه تصوّف رجل توفر له فطنة المؤمن, وقدرة الفيلسوف, وتجربة المحارب, وفقه الصحابي, ما جعل تصوّفه حركة حيّة في بناء الروح, لا مجرّد ظلال صالحة لهذا البناء..!!



أجل..

ذلك هو أبو الدرداء, صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه..

وذلكم هو أبو الدرداء, الحكيم, القدّيس..

ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه, وزادها بصدره..

رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها, وحتى صارت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة, والصواب, والخير, ما جعل من أبي الدرداء معلما عظيما وحكيما قويما..

سعداء, أولئك الذين يقبلون عليه, ويصغون إليه..

ألا تعالوا نقترب من حكمته يا أولي الألباب..

ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها..

انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن:

( الذي جمع مالا وعدّده.. يحسب أن ماله أخلده)...

ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول:

" ما قلّ وكفى, خير مما كثر وألهى"..

ويقول عليه السلام:

" تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم, فانه من كانت الدنيا أكبر همّه, فرّق الله شمله, وجعل فقره بين عينيه.. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله, وجعل غناه في قلبه, وكان الله إليه بكل خير أسرع".

من أجل ذلك, كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول:

" اللهم إني أعوذ بك من شتات القلب"..

سئل:

وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟

فأجاب:

أن يكون لي في كل واد مال"..!!

وهو يدعو الناس إلى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها.. فذلك هو الامتلاك الحقيقي لها.. أما الجري وراء أطماعها التي لا تؤذن بالانتهاء, فذلك شر ألوان العبودية والرّق.

هنالك يقول:

" من لم يكن غنيا عن الدنيا, فلا دنيا له"..

والمال عنده وسيلة للعيش القنوع المعتدل ليس غير.

ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال, وأن يكسبوه في رفق واعتدال, لا في جشع وتهالك.

فهو يقول:

" لا تأكل إلا طيّبا..

ولا تكسب إلا طيّبا..

ولا تدخل بيتك إلا طيّبا".

ويكتب لصاحب له فيقول:

".. أما بعد, فلست في شيء من عرض الدنيا, وإلا وقد كان لغيرك قبلك.. وهو صائر لغيرك بعدك.. وليس لك منه إلا ما قدّمت لنفسك... فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له إرثا, فأنت إنما تجمع لواحد من اثنين:

إما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله, فيسعد بما شقيت به..

وإما ولد عاص, يعمل فيه بمعصية الله, فتشقى بما جمعت له,

فثق لهم بما عند الله من رزق, وانج بنفسك"..!



كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية..

عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب إلى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي... واقتربوا دهشين يسألونه, وتولى توجيه السؤال إليه:" جبير بن نفير":



قال له:

" يا أبا الدرداء, ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله"..؟؟

فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق:

ويحك يا جبير..

ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره..

بينما هي أمة, ظاهرة, قاهرة, لها الملك, تركت أمر الله, فصارت إلى ما ترى"..!



أجل..



وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذي تلحقه جيوش الإسلام بالبلاد المفتوحة, إفلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها, ودين صحيح يصلها بالله..

ومن هنا أيضا, كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الإيمان, وتضعف روابطهم بالله, وبالحق, وبالصلاح, فتنتقل العارية من أيديهم, بنفس السهولة التي انتقلت بها من قبل إليهم..!!



وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية في يقينه, كذلك كانت جسرا إلى حياة أبقى وأروع..

دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض, فوجدوه نائما على فراش من جلد..

فقالوا له:" لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم.."

فأجابهم وهو يشير بسبّابته, وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:

" إن دارنا هناك..

لها نجمع.. واليها نرجع..

نظعن إليها. ونعمل لها"..!!

وهذه النظرة إلى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك..

خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه, ولم يقبل خطبته, ثم خطبها واحد من فقراء المسلمين وصالحيهم, فزوّجها أبو الدرداء منه.

وعجب الناس لهذا التصرّف, فعلّمهم أبو الدرداء قائلا:

" ما ظنّكم بالدرداء, اذا قام على رأسها الخدم وبهرها زخرف القصور..

أين دينها منها يومئذ"..؟!

هذا حكيم قويم النفس, ذكي الفؤاد..

وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس إليها, ويولّه القلب بها..

وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل إليها..

فالسعادة الحقة عنده هي أن تمتلك الدنيا, لا أن تمتلكك أنت الدنيا..

وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه إلى دار القرار والمآل والخلود, كلما صنعوا هذا, كان نصيبهم من السعادة الحقة أوفى وأعظم..

وانه ليقول:

" ليس الخير أن يكثر مالك وولدك, ولكن الخير أن يعظم حلمك, ويكثر علمك, وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى"..

وفي خلافة عثمان رضي الله عنه, وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء..

وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا, وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته, وزهده, وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين..

وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم..

وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم..

فجمعهم أبو الدرداء, وقام فيهم خطيبا:

" يا أهل الشام..

أنتم الإخوان في الدين, والجيران في الدار, والأنصار على الأعداء..

ولكن مالي أراكم لا تستحيون..؟؟

تجمعون ما لا تأكلون..

وتبنون ما لا تسكنون..

وترجون ما لا تبلّغون..

وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون, فيوعون..

ويؤمّلون, فيطيلون..

ويبنون, فيوثقون..

فأصبح جمعهم بورا..

وأماهم غرورا..

وبيوتهم قبورا..

أولئك قوم عاد, ملأوا ما بين عدن إلى عمان أموالا وأولادا..".

ثم ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة, ولوّح بذراعه في الجمع الذاهل, وصاح في سخرية لا فحة:

" من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين"..؟!



رجل باهر, رائع, مضيء, حكمته مؤمنة, ومشاعره ورعة, ومنطقه سديد ورشيد..!!

العبادة عند أبي الدرداء ليست غرورا ولا تأليا. إنما هي التماس للخير, وتعرّض لرحمة الله, وضراعة دائمة تذكّر الإنسان بضعفه. وبفضل ربه عليه:

انه يقول:

التمسوا الخير دهركم كله..

وتعرّضوا لنفحات رحمة الله, فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده..

" وسلوا الله أن يستر عوراتكم, ويؤمّن روعاتكم"...

كان ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على غرور العبادة, يحذّر منه الناس.

هذا الغرور الذي يصيب بعض الضعاف في إيمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم, فيتألّون بها على الآخرين ويدلّون..

فلنستمع له ما يقول:

" مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين, أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة النغترّين"..

ويقول أيضا:

"لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا..

ولا تحاسبوهم دون ربهم

عليكم أنفسكم, فان من تتبع ما يرى في الإنس يطل حزنه"..!

انه لا يريد للعابد مهما يعل في العبادة شأوه أن يجرّد من نفسه ديّانا تجاه العبد.

عليه أن يحمد الله على توفيقه, وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين لم يدركوا مثل هذا التوفيق.

هل تعرفون حكمة أنضر وأبهى من حكمة هذا الحكيم..؟؟

يحدثنا صاحبه أبو قلابة فيقول:

" مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا, والناس يسبّونه, فنهاهم وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة.. ألم تكونوا مخرجيه منها..؟

قالوا بلى..

قال: فلا تسبّوه إذن, وحمدوا الله الذي عافاكم.

قالوا: أنبغضه..؟

قال: إنما أبغضوا عمله, فإذا تركه فهو أخي"..!!



وإذا كان هذا أحد وجهي العبادة عند أبي الدرداء, فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة..

إن أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا.. يقدّسه كحكيم, ويقدّسه كعابد فيقول:

" لا يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما..

ولن يكون بالعلم جميلا, حتى يكون به عاملا".

أجل..

فالعلم عنده فهم, وسلوك.. معرفة, ومنهج.. فكرة حياة..

ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم, نراه ينادي بأن العلم كالمتعلم كلاهما سواء في الفضل, والمكانة, والمثوبة..

ويرى أن عظمة الحياة منوطة بالعلم الخيّر قبل أي شيء سواه..

ها هو ذا يقول:

" مالي أرى العلماء كم يذهبون, وجهّالكم لا يتعلمون؟؟ ألا إن معلّم الخير والمتعلّم في الأجر سواء.. ولا خير في سائر الناس بعدهما"..

ويقول أيضا:

" الناس ثلاثة..

عالم..

ومتعلم..

والثالث همج لا خير فيه".



وكما رأينا من قبل, لا ينفصل العلم في حكمة أبي الدرداء رضي الله عنه عن العمل.

يقول:

"إن أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: يا عويمر, هل علمت؟؟

فأقول نعم..

فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت"..؟

وكان يجلّ العلماء العاملين ويوقرهم توقيرا كبيرا, بل كان يدعو ربّه ويقول:

" اللهم إني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء.."

قيل له:

وكيف تلعنك قلوبهم؟

قال رضي الله عنه:

" تكرهني"..!

أرأيتم؟؟

انه يرى في كراهيّة العالم لعنة لا يطيقها.. ومن ثمّ فهو يضرع إلى ربه أن يعيذه منها..



وتستوصي حكمة أبي الدرداء بالإخاء خيرا, وتبنى علاقة الإنسان بالإنسان على أساس من واقع الطبيعة الإنسانية ذاتها فيقول:

" معاتبة الأخ خير لك من فقده, ومن لك بأخيك كله..؟

أعط أخاك ولن له..

ولا تطع فيه حاسدا, فتكون مثله.

غدا يأتيك الموت, فيكفيك فقده..

وكيف تبكيه بعد الموت, وفي الحياة ما كنت أديت حقه"..؟؟

ومراقبة الله في عباده قاعدة صلبة يبني عليها أبو الدرداء حقوق الإخاء..

يقول رضي الله عنه وأرضاه:

" إني أبغض أن أظلم أحدا.. ولكني أبغض أكثر وأكثر, أن أظلم من لا يستعين عليّ إلا بالله العليّ الكبير"..!!

يل لعظمة نفسك, وإشراق روحك يا أبا الدرداء..!!

انه يحذّر الناس من خداع الوهم, حين يظنون أن المستضعفين العزّل أقرب منالا من أيديهم, ومن بأسهم..!

ويذكّرهم أن هؤلاء في ضعفهم يملكون قوّة ماحقة حين يتوسلون إلى الله عز وجل بعجزهم, ويطرحون بين يديه قضيتهم, وهو أنهم على الناس..!!

هذا هو أبو الدرداء الحكيم..!

هذا هو أبو الدرداء الزاهد, العابد, الأوّاب..

هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه, وسألوه الدعاء, أجابهم في تواضع وثيق قائلا:

" لا أحسن السباحة.. وأخاف الغرق"..!!



كل هذا, ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء..؟؟

ولكن أي عجب, وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام... وتلميذ القرآن.. وابن الإسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر, وبقيّة الرجال..!؟
التوقيع:

مشرف القسم الاسلامي العام
مشرف قسم محمد رسول الله
-ليس المهم ان ترسل ، ولكن الأهم ان تختار ما ترسل-

من مواضيعي في الملتقى

* وقفة مع بعض خصائص سورة الفاتحة
* يا غير مسجل عندي لك احسن هدية ادخل ولن تندم القرآن كامل بصوت من تحب
* قلب صفحات القران الكريم وكانك تمسك المصحف
* صور لمساجد في اوروبا
* أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟
* عليَّ بالمصحف ..لألتمس ذكري ..
* وصية نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام

ابن الواحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-14-2010, 08:02 PM   #3

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

ابن الواحة غير متواجد حاليا

افتراضي

      

المقداد بن عمرو

( أول فرسان الإسلام )

تحدث عنه أصحابه ورفاقه فقالوا:

" أول من عدا به فرسه في سبيل الله, المقداد بن الأسود..

والمقداد بن الأسود, هو بطلنا هذا المقداد بن عمرو كان قد حالف في الجاهلية الأسود بن عبد يغوث فتبناه, فصار يدعى المقداد بن الأسود, حتى إذا نزلت الآية الكريمة التي تنسخ التبني, نسب لأبيه عمرو بن سعد..

والمقداد من المبكّرين بالإسلام, وسابع سبعة جاهروا بإسلامهم وأعلنوه, حاملا نصيبه من أذى قريش ونقمتها, فيه شجاعة الرجال وغبطة الحواريين..!!

ولسوف يظل موقفه يوم بدر لوحة رائعة كل من رآه لو أنه كان صاحب هذا الموقف العظيم..

يقول عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله:

" لقد شهدت من المقداد مشهدا, لأن أكون صاحبه, أحبّ إليّ مما في الأرض جميعا".

في ذلك اليوم الذي بدأ عصيبا.ز حيث أقبلت قريش في بأسها الشديد وإصرارها العنيد, وخيلائها وكبريائها..

في ذلك اليوم.. والمسلمون قلة, لم يمتحنوا من قبل في قتال من أجل الإسلام, فهذه أول غزوة لهم يخوضونها..

ووقف الرسول يعج إيمان الذين معه, ويبلوا استعدادهم لملاقاة الجيش الزاحف عليهم في مشاته وفرسانه..

وراح يشاورهم في الأمر, وأصحاب الرسول يعلمون أنه حين يطلب المشورة والرأي, فانه يفعل ذلك حقا, وأنه يطلب من كل واحد حقيقة اقتناعه وحقيقة رأيه, فان قال قائلهم رأيا يغاير رأي الجماعة كلها, ويخالفها فلا حرج عليه ولا تثريب..



وخاف المقداد أن يكون بين المسلمين من له بشأن المعركة تحفظات... وقبل أن يسبقه أحد بالحديث همّ هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار المعركة, ويسهم في تشكيل ضميرها.

ولكنه قبل أن يحرك شفتيه, كان أبو بكر الصديق قد شرع يتكلم فاطمأن المقداد كثيرا.. وقال أبو بكر فأحسن, وتلاه عمر بن الخطاب فقل وأحسن..

ثم تقدم المقداد وقال:

" يا رسول الله..

امض لما أراك الله, فنحن معك..

والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى

اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..

بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون..!!

والذي بعثك بالحق, لو سرت بنا إلى برك العماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك حتى يفتح الله لك".. انطلقت الكلمات كالرصاص المقذوف.. وتهلل وجه رسول الله وأشرق فمه عن دعوة صالحة دعاها للمقداد.. وسرت في الحشد الصالح المؤمن حماسة الكلمات الفاضلة التي أطلقها المقداد بن عمرو والتي حددت بقوتها وإقناعها نوع القول لمن أراد قولا.. وطراز الحديث لمن يريد حديثا..!!



أجل لقد بلغت كلمات المقداد غايتها من أفئدة المؤمنين, فقام سعد بن معاذ زعيم الأنصار, وقال:

" يا رسول الله..

لقد آمنا بك وصدّقناك, وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق.. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا, فامض يا رسول الله لما أردت, فنحن معك.. والذي بعثك بالحق.. لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك, ما تخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا..

إنا لصبر في الحرب, صدق في اللقاء.. ولعل الله يريك منا ما تقر عينك.. فسر على بركة الله"..

وامتلأ قلب الرسول بشرا..

وقال لأصحابه:" سيروا وأبشروا"..

والتقى الجمعان..

وكان من فرسان المسلمين يومئذ ثلاثة لا غير: المقداد بن عمرو, ومرثد بن أبي مرثد, والزبير بن العوّام, بينما كان بقية المجاهدين مشاة, أو راكبين إبلا..



إن كلمات المقداد التي مرّت بنا من قبل, لا تصور شجاعته فحسب, بل تصور لنا حكمته الراجحة, وتفكيره العميق..

وكذلك كان المقداد..

كان حكيما أريبا, ولم تكن حمته تعبّر عن نفسها في مجرّد كلمات, بل هي تعبّر عن نفسها في مبادئ نافذة, وسلوك قويم مطرّد. وكانت تجاربه قوتا لحكته وريا لفطنته..



ولاه الرسول على إحدى الولايات يوما, فلما رجع سأله النبي:

" كيف وجدت الإمارة"..؟؟

فأجاب في صدق عظيم:

" لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس, وهم جميعا دوني..

والذي بعثك بالحق, لا أتأمرّن على اثنين بعد اليوم, أبدا"..

وإذا لم تكن هذه الحكمة فماذا تكون..؟

وإذا لم يكن هذا هو الحكيم فمن يكون..؟

رجل لا يخدع عن نفسه, ولا عن ضعفه..

يلي الإمارة, فيغشى نفسه الزهو والصلف, ويكتشف في نفسه هذا الضعف, فيقسم ليجنّبها مظانه, وليرفض الإمارة بعد تلك التجربة ويتحاماها.. ثم يبر بقسمه فلا يكون أميرا بعد ذلك أبدا..!!

لقد كان دائب التغني بحديث سمعه من رسول الله.. هو ذا:

" إن السعيد لمن جنّب الفتن"..

وإذا كان قد رأى في الإمارة زهوا يفتنه, أو يكاد يفتنه, فان سعادته إذن في تجنبها..

ومن مظاهر حكمته, طول أناته في الحكم على الرجال..

وهذه أيضا تعلمها من رسول الله.. فقد علمهم عليه السلام أن قلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر حين تغلي..



وكان المقداد يرجئ حكمه الأخير على الناس إلى لحظة الموت, ليتأكد أن هذا الذي يريد أن يصدر عليه حكمه لن يتغير ولن يطرأ على حياته جديد.. وأي تغيّر, أو أي جديد بعد الموت..؟؟

وتتألق حكمته في حنكة بالغة خلال هذا الحوار الذي ينقله إلينا أحد أصحابه وجلسائه, يقول:



" جلسنا إلى المقداد يوما فمرّ به رجل..

فقال مخاطبا المقداد: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم..

والله لوددنا أن رأينا ما رأيت, وشهدنا ما شهدت فأقبل عليه المقداد وقال:

ما يحمل أحدكم على أن يتمنى مشهدا غيّبه الله عنه, لا يدري لو شهده كيف كان يصير فيه؟؟ والله, لقد عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبّهم الله عز وجل على مناخرهم في جهنم. أولا تحمدون الله الذي جنّبكم مثلا بلائهم, وأخرجكم مؤمنين بربكم ونبيكم"..



حكمة وأية حكمة..!!

إنك لا تلتقي بمؤمن يحب الله ورسوله, إلا وتجده يتمنى لو أنه عاش أيام الرسول ورآه..!

ولكن بصيرة المقداد الحاذق الحكيم تكشف البعد المفقود في هذه الأمنية..

ألم يكن من المحتمل لهذا الذي يتمنى لو أنه عاش تلك الأيام.. أن يكون من أصحاب الجحيم..

ألم يكون من المحتمل أن يكفر مع الكافرين.

وأليس من الخير إذن أن يحمد الله الذي رزقه الحياة في عصور استقرّ فيها الإسلام, فأخذه صفوا عفوا..

هذه نظرة المقداد, تتألق حكمة وفطنة.. وفي كل مواقفه, وتجاربه, وكلماته, كان الأريب الحكيم..



وكان حب المقداد للإسلام عظيما..

وكان إلى جانب ذلك, واعيا حكيما..

والحب حين يكون عظيما وحكيما, فانه يجعل من صاحبه إنسانا عليّا, لا يجد غبطة هذا الحب في ذاته.. بل في مسؤولياته..

والمقداد بن عمرو من هذا الطراز..

فحبه الرسول. ملأ قلبه وشعوره بمسؤولياته عن سلامة الرسول, ولم يكن تسمع في المدينة فزعة, إلا ويكون المقداد في مثل لمح البصر واقفا على باب رسول الله ممتطيا صهوة فرسه, ممتشقا مهنّده وحسامه..!!

وحبه للإسلام, ملأ قلبه بمسؤولياته عن حماية الإسلام.. ليس فقط من كيد أعدائه.. بل ومن خطأ أصدقائه..



خرج يوما في سريّة, تمكن العدو فيها من حصارهم, فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته.. ولكن أحد المسلمين لم يحط بالأمر خبرا, فخالفه, فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق, لعله لا يستحقها على الإطلاق..

فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح, فسأله, فأنبأه ما حدث

فأخذ المقداد بيمينه, ومضيا صوب الأمير, وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له:

" والآن أقده من نفسك..

ومكّنه من القصاص"..!!

وأذعن الأمير.. بيد أن الجندي عفا وصفح, وانتشى المقداد بعظمة الموقف, وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة, فراح يقول وكأنه يغني:

" لأموتنّ, والإسلام عزيز"..!!



أجل تلك كانت أمنيته, أن يموت والإسلام عزيز.. ولقد ثابر مع المثابرين على تحقيق هذه الأمنية مثابرة باهرة جعلته أهلا لأن يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام:

"إن الله أمرني بحبك..

وأنبأني أنه يحبك"...
التوقيع:

مشرف القسم الاسلامي العام
مشرف قسم محمد رسول الله
-ليس المهم ان ترسل ، ولكن الأهم ان تختار ما ترسل-

من مواضيعي في الملتقى

* وقفة مع بعض خصائص سورة الفاتحة
* يا غير مسجل عندي لك احسن هدية ادخل ولن تندم القرآن كامل بصوت من تحب
* قلب صفحات القران الكريم وكانك تمسك المصحف
* صور لمساجد في اوروبا
* أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟
* عليَّ بالمصحف ..لألتمس ذكري ..
* وصية نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام

ابن الواحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-14-2010, 09:10 PM   #4
مشرف الحوار الاسلامي والسيرة


الصورة الرمزية الزرنخي
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 82

الزرنخي غير متواجد حاليا

افتراضي

      


موضوع طويل وسلس وشيق بارك الله فيك
اخي الكريم ابن الواحة وجعله الله في ميزان
حسناتك
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
التوقيع:

مشرف القسم الاسلامي والسنة النبوية

من مواضيعي في الملتقى

* بعض ماجاء في فضل الصحابه المهاجرين والانصار في القران الكريم
* أسطوانة قصص الانبياء من انتاج شركة سوفت
* مقالات في السيرة النبوية الشريفة
* " ما هي صلاة الإشراق " ؟
* موقع للقران الكريم رائع اجعله ضمن متصفحك
* معاني كلمات القران الكريم من المصحف الاكتروني..... سورة هود
* مواقع لمعرفة صحة الأحاديث النبوية الشريفة

الزرنخي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-15-2010, 12:16 AM   #5

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

ابن الواحة غير متواجد حاليا

افتراضي

      

شكرا وبارك الله فيك اخي الزرنخي على الرد الكريم

وتواجدك الدائم

لك مني كل التقدير والاحترام
التوقيع:

مشرف القسم الاسلامي العام
مشرف قسم محمد رسول الله
-ليس المهم ان ترسل ، ولكن الأهم ان تختار ما ترسل-

من مواضيعي في الملتقى

* وقفة مع بعض خصائص سورة الفاتحة
* يا غير مسجل عندي لك احسن هدية ادخل ولن تندم القرآن كامل بصوت من تحب
* قلب صفحات القران الكريم وكانك تمسك المصحف
* صور لمساجد في اوروبا
* أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟
* عليَّ بالمصحف ..لألتمس ذكري ..
* وصية نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام

ابن الواحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-15-2010, 02:54 PM   #6
أبو جبريل نوفل

الصورة الرمزية almojahed
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 3

almojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond repute

افتراضي

      

اللهم احشرنا و إياهم مع الحبيب صلى الله عليه و سلم
هم القوم لا يشقى جليسهم فنعم القوم و الله هم
بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم
التوقيع:

من مواضيعي في الملتقى

* العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
* حقوق المرأة في الإسلام
* ما معنى ‏{‏وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏‏؟‏
* تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل
* تلاوة القرآن بالمقامات الموسيقية
* من فضائل الأعمال
* النصيحة و الموعظة اليوم لمعشر الشباب

almojahed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شجرة نسب النبي الاميرة ملتقى الحوار الإسلامي العام 4 01-24-2019 04:52 PM
هل صحيح ان الله ينزل في يوم عرفه عصرا الى السماء الدنيا ؟ المؤمنة بالله قسم الاستشارات الدينية عام 7 10-28-2012 09:36 AM
أعلان هام جدا اليوم فى غرفه أحبه القران ام ساجد قسم غرفة أحبة القرآن الصوتية 0 08-29-2012 07:29 PM
برنامج موسوعة التاريخ الإسلامي - الإصدار الثاني MOSA3ID ملتقى الكتب الإسلامية 2 08-05-2012 02:16 AM
أطول شجرة بالعالم Dr Nadia ملتقى الطرائف والغرائب 6 05-11-2011 12:02 AM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009