استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى الخطب والدروس المقروءة > قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله
قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله يهتم هذا القسم بطرح جميع المحاضرات والدروس والخطب المكتوبة لفضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله..
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 04-27-2012, 05:52 PM   #1

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 85

أسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهر

افتراضي خطبة: صلة الرحم والوصية بالأرحام. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

      

صلة الرحم والوصية بالأرحام
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نحمَده نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسنَا ومن سيئات أعمالنا، من يهد اللَّهُ تعالى فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِل فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تعالى وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسلمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تساءلون وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيما}.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وباركْ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد؛
قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، {وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، قَالَ: (الشُّعُوبُ: القَبَائِلُ العِظَامُ، وَالقَبَائِلُ: البُطُونُ) البخاري (3489).
و[الشَّعْبُ: مَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَالْجَمْعُ شُعُوبٌ]. مقاييس اللغة (3/ 191).
[وَالْقَبِيلَةُ: بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ]. مقاييس اللغة (5/ 53).
وفي الشعوب والقبائل تكون القَرابات الأرحام، قال سبحانه: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الأنفال: 75). فحثنا ربُّنا سبحانه على التواصل فيما بيننا، وحذر من القطيعة قائلا: {فَهَل عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تعالى فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 22، 23).
في هذا الزمان؛ انتشر ما حذَّرَنا منه الرحيم الرحمن، وهو قطيعة الأرحام، وشاع بين الأقارب الاختصام، فامتلأت خزائنُ المحاكمِ بملفاتِ القضايا، واكتظَّت دورُ القضاء بالشكاوى من الأخوات ضدَّ إخوانهن، ومن أبنائهنَّ ضد أخوالهم، ومن الزوجات مع أزواجهن، بل الأدهى من ذلك أن يتقاضى الأبناء والبنات مع الآباء والأمهات، وغيرُ أولئك من أهل الجشع، وما دفعهم إلى ذلك إلا حبُّ الأموال والشحُّ والطمع، أو حبُّ الجاه والتسلط طاعةً للحزب والحركة والفصيل؛ فقُطعت الأرحام، وسُفكت الدماء، وظُلم الأبرياء، وقتل الأبناء الآباء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ؛ فَإِنَّهُ أهلكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ، وَالظُّلمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ". الأدب المفرد (470)
والقطيعةُ من علاماتِ الساعة، وأماراتِ يومِ القيامة، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: تَسْلِيمُ الخَاصَّةِ، وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ؛ حَتَّى تُعِينَ المَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعُ الأَرْحَامِ، وَفُشُوُّ القَلَمِ =أي الكتابة=، وَظُهُورُ الشَّهَادَةِ بِالزُّورِ، وكتمانُ شهادةِ الحقِّ". صحيح الأدب المفرد (1049). الصحيحة (647).
وقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "بادِرُوا بالأعمالِ سِتّاً: إِمارَةَ السفَهاءِ، وكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الحُكْمِ، واسْتَخْفافاً بالدَّمِ، وقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، ونَشْواً يَتَّخِذُونَ القُرْآنَ مَزَامِيرَ؛ يُقَدِّمُونَ أحَدَهُمُ لِيُغَنِّيَهُمْ، وإنْ كانَ أقَلَّهُمْ فِقْهاً". لفظ المعجم الكبير للطبراني (18/ 36، ح60) عَن عَابس الْغِفَارِيّ (صحيح) وأخرجه أحمد (3 / 494) وانظر الصحيحة (979) في صحيح الجامع (2812)
ولعظم شأن الأرحام فَلْنُصْغِ إلى قولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "خَلَقَ اللَّهُ تعالى الخَلقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَل عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (محمد: 22). البخاري (4830). "فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ".
قال ابن تيمية: [معناه اللياذُ والاعتصامُ به؛.. قال: وليس هذا الضربُ في الحقيقة من أقسام الصفات؛ ولكنَّ ألفاظَه متشاكلةٌ لها في موضع الاسم..] بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (6/ 228)
صلةُ الرحم تنفعُ غيرَ المسلمين إذا أسلموا، فمَنْ تَصَدَّقَ أو وصل رحمه قبل إسلامه ثُمَّ أَسْلَمَ فيُقبل منه عمله، ولا يُبخس منه شيئا؛ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَل فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ». البخاري (1436) ومسلم (123).
أما إذا ماتوا على كفرهم وشركهم فلا ينفعهم ما قدموا من خير في دنياهم؛ لا صدقةٌ ولا صلةٌ ولا غيرُهما؛ فهو لم يؤمن بالله واليوم الآخر، قال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23) وعَنْ عَائِشَةَ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهَل ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: "لا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُل يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" مسلم (214)
ولا يمنع الإسلامُ من صلة القريب الكافر ما دام رَحِمًا، فالكفرُ لا يمنع من صلةَ الرحم؛ تأليفا للقلوب، ورغبة في الهداية، عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَسَأَلتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: آصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ!» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى تَعَالَى فِيهَا: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ تعالى عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} (الممتحنة: 8) البخاري (5978).
وعن ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قال: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ =أي ذات خطوط من حرير= تُبَاعُ، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْتَعْ هَذِهِ وَالبَسْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الوُفُودُ). قَالَ: «إِنَّمَا يَلبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ». فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، فَقَالَ: (كَيْفَ أَلبَسُهَا وَقَدْ قُلتَ فِيهَا مَا قُلتَ؟!) قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا». فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. البخاري (5981)
ألا واعلموا -بارك الله فيكم- أنَّ صلةَ الرحم تبارك في الرزق، وتزيد في العمر، وتعمِّر الديار، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: "إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ؛ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ". مسند أحمد ط الرسالة (42/ 153، ح25259) والصحيحة (519)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَليَصِل رَحِمَهُ» البخاري (2067)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وقَالَ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ». المعجم الأوسط (6/ 163، ح6086) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. الترغيب والترهيب (1/ 216، ح890).
وهذا يلزمنا معرفةَ أرحامِنا وأقاربِنا وأنسابِنا، امتثالاً لأمرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ». رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ»؛ يَعْنِي زِيَادَةً فِي العُمُرِ. سنن الترمذي (1979)، انظر الصحيحة (276).
وعن إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) قَالَ: فَمَتَّ لَهُ بِرَحِمٍ بَعِيدَةٍ، فَأَلانَ لَهُ الْقَوْلَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «اعْرِفُوا أَنْسَابَكُمْ تَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّهُ لا قُرْبَ بِالرَّحِمِ إِذَا قُطِعَتْ؛ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَلا بُعْدَ بِهَا إِذَا وُصِلَتْ؛ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً». مسند أبي داود الطيالسي (4/ 473، ح2880) المستدرك للحاكم (1/ 165، ح301) الصحيحة (277).
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "احْفَظُوا أَنْسَابَكُمْ، تَصَلُوا أَرْحَامَكُمْ؛ فَإِنَّهُ لا بُعْدَ بِالرَّحِمِ إِذَا قَرُبَتْ؛ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً، وَلا قُرْبَ بِهَا إِذَا بَعُدَتْ؛ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَكُلُّ رَحِمٍ آتِيَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمَامَ صَاحِبِهَا، تَشْهَدُ لَهُ بِصِلَةٍ؛ إِنْ كَانَ وَصَلَهَا، وَعَلَيْهِ بِقَطِيعَةٍ؛ إِنْ كَانَ قَطَعَهَا". الأدب المفرد ح(73)
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: 71)؛ وإن لم يكن بينهم نسبٌ أو قرابة، فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: «إِنَّ آلَ أَبِي فُلانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ تعالى وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلالِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3081، ح4914).عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ.
وما يقدمه المرء المسلم لأرحامه يتضاعف ثوابه، قَالَ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ" سنن الترمذي (658)،سنن النسائي (2582)، سنن ابن ماجه (1844)، صحيح الترغيب (1/ 217، ح892).
وبعض الناس لا يصِلُ رحمه إلاَّ إذا وَصَلوه، ويقطعهم إذا قطعوه، وهذه ليست صلةَ أرحام؛ بل هي مكافأة،.. عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» البخاري (5991).عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
وهذا رجل يشكو رحمه، وذوي قرابته الذين يصلهم ويقطعونه، فيقول: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ)، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ؛ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، =وهو الرَّمادُ الحارُّ،= وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ». صحيح مسلم (2558).
فالصدقات متفاوتة في الفضل والخيرية، قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ؛ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ" مسند أحمد ط الرسالة (24/ 36، ح 15320، (38/ 510)، ح23530)، وإرواء الغليل (3/ 404، ح892)، وصحيح الجامع (1110).
والكاشح: هو العدوُّ المبغِضُ المضمِرُ العداوة.
وصلةُ الرحم سبب لدخول الجنة، فلقد ورد أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ -أَوْ بِزِمَامِهَا- ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! -أَوْ يَا مُحَمَّدُ- أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ»، قَالَ: «كَيْفَ قُلتَ؟» قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ». مسلم (13) والبخاري (5983) نحوه.
أما قاطع الرحم فمحرومٌ من دخول الجنة، فهاهو النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ» البخاري (5984) وفي مسلم (2556) زاد قول سُفْيَانُ: (يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ). "إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ تعالى: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ" البخاري (5988).
[قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الرَّحِمُ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ رَحِمُ الدين، ويجب مُوَاصَلَتَهَا بِمُلازَمَةِ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ لأَهْلِهِ وَنُصْرَتِهِمْ، وَالنَّصِيحَةِ وَتَرْكِ مُضَارَّتِهِمْ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، وَالنَّصَفَةِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمُ الْوَاجِبَةِ، كَتَمْرِيضِ الْمَرْضَى وَحُقُوقِ الْمَوْتَى؛ مِنْ غُسْلِهِمْ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِمْ وَدَفْنِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَرَتِّبَةِ لَهُمْ.
وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّةُ؛ وَهِيَ رَحِمُ الْقَرَابَةِ مِنْ طَرَفَيِ الرَّجُلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَتَجِبُ لَهُمُ الْحُقُوقُ الْخَاصَّةِ وَزِيَادَةٌ؛ كَالنَّفَقَةِ وتفقد أحوالهم، وَتَرْكِ التَّغَافُلُ عَنْ تَعَاهُدِهِمْ فِي أَوْقَاتِ ضَرُورَاتِهِمْ، وَتَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِمْ حُقُوقُ الرَّحِمِ الْعَامَّةُ، حَتَّى إِذَا تَزَاحَمَتِ الْحُقُوقُ بُدِئَ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ...] تفسير القرطبي (16/ 247)
والدعاءُ إلى السماء مرفوع، وعند الرحمن مقبول؛ إذا خلا من الاستعجال والإثمِ وقطيعةِ الرحم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِل» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» مسلم (2735).
وقاطعُ الرحمِ عقوبتُه في الدنيا قبلَ الآخرة، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تعالى تَعَالَى لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ؛ مِثْلُ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» سنن أبي داود (4902) سنن الترمذي (2511) الصحيحة (918)، وفي رواية: "لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيع اللهََ فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاقِعَ". السنن الكبرى للبيهقي (10/ 62، ح19870) الصحيحة (978).عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ
والحلِف على القطيعة مردود على صاحبه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «... وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلا يَمِينَ لَهُ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلا يَمِينَ لَهُ». قال الحاكم: [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]. المستدرك للحاكم (4/ 333، ح7822)، وأصله في سنن أبي داود (2191)، وانظر صحيح الجامع (2678)، والإرواء (1751).
قال عبد المحسن العبَّاد: [يعني: لا يعوَّلُ عليها؛ لكنَّ بعضَ أهلِ العلم قال: فيها كفارةُ يمين، على أنها يمين، وكونُ الإنسان يحلفُ على شيءٍ ويرى أن غيرَه خيراً منه يكفِّر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، ومن حلف على معصية، أو على قطيعة رحم، كمن يحلف أنه لا يكلِّم فلاناً وما إلى ذلك، فإنه يكفِّر عن يمينه ويكلمه]. شرح سنن أبي داود لعبد المحسن العباد.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ، فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ». لفظ المعجم الكبير للطبراني (2/ 75، ح1341)، الصحيحة (2872).
وستقف الأمانة والرحم على الصراط، لتقتصَّ من مضيِّعِها وقاطعِها، قال سالمُ بنُ أبي الجعد: قَالَ: (فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: قسم، وفي قوله: {إِنَّ رَبِّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (الفجر: 14).
مُرُورُ الصِّرَاطِ ثَلاثَةُ جُسُورٍ: جِسْرٌ عَلَيْهِ الأَمَانَةُ، وَجِسْرٌ عَلَيْهِ الرَّحِمُ، وَجِسْرٌ عَلَيْهِ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ) قال الحاكم: [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، ووافقه الذهبي. المستدرك للحاكم (2/ 569، ح3930)، والأسماء والصفات للبيهقي (2/ 344، 914)، كلاهما عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو في مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 131، ح108)، عن سالم بن أبي الجعد، [رواه العسال بإسناد صحيح].
وفي حديث الشفاعة الطويل؛ أن أهل الموقف يتشاورون "... فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالبَرْقِ "... مسلم (195).
قال ابن حجر: [الْمَعْنَى؛ أَنَّ الأَمَانَة وَالرَّحِمَ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا، وَفَخَامَة مَا يَلْزَمُ الْعِبَادَ مِنْ رِعَايَة حَقّهمَا، يُوقَفَانِ هُنَاكَ لِلأَمِينِ وَالْخَائِن، وَالْمُوَاصِل وَالْقَاطِع، فَيُحَاجَّانِ عَنْ الْمُحِقِّ، وَيَشْهَدَانِ عَلَى الْمُبْطِلِ ]. فتح الباري لابن حجر.
والأدهى والأمرُّ أنَّ من بخلَ على رحمه، أو هضمه حقه؛ ماذا يحدث له يوم القيامة؟ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي رَحِمَهُ، فَيَسْأَلُهُ فَضْلاً أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ؛ إِلاَّ أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ جَهَنَّمَ حَيَّةٌ يُقَالُ لَهَا: شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ، فَيُطَوَّقُ بِهِ». المعجم الكبير للطبراني (2/ 322، ح2343)، الصحيحة 2548).
والرحم لا تنفع صاحبها يوم القيامة، {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ تعالى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الممتحنة: 3)
فلا تنفع الأبوة الصالحة، ولا الأمومة الطيبة، إذا كانت البنوَّة والقرابة سيئة، فالنبي صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يعلمنا درسا، وأنه لا يغني شيئا عن آلِ بيته رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم إذا ماتوا على غير الملة، حاشاهم، فنادى في عشيرته: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ! لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ! لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» البخاري (2753)، مسلم (206).
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛
فمن هم أولو الأرحام الذين أُمرنا بصلتهم؟
عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يوصيكم بالأقرب فالأقرب". الأدب المفرد (ص: 52، ح60)
وعَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: "يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ" النسائي (2532) صحيح الجامع (612) إرواء الغليل (834، 2163)
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» البخاري (2699)، وقَالَ عليه الصلاة والسلام لعمر: «يَا عُمَرُ! أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟» مسلم (983). وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: (الْعَمَّةُ بمَنْزِلَةِ الأَبِ, وَالْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ, وَبِنْتُ الأَخِ بِمَنْزِلَةِ الأَخِ, وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ يَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ رَحِمِهِ, الَّتِي يَرِثُ بِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ ذُو قَرَابَةٍ). مصنف عبد الرزاق الصنعاني (10/ 283، ح19115)
فـ[ذووا الأرحام هم: كلُّ من تربطُه بك رابطةُ نسبٍ؛ كالأبوين والجدِّ والجدةِ وإن عَلَيا، وكالولد وولدِ الولدِ ذكرا كان أو أنثى وإن نزلا، وكالإخوة والأخواتِ وأولادِهم، وكالأعمام والعماتِ وأولادِهم، وقطيعةُ أحدٍ منهم بغير موجبٍ شرعيٍّ كبيرةٌ من كبائر الذنوب؛..] فتاوى اللجنة الدائمة (25/ 291)
وقال الشيخ ابن جبرين: [قال تعالى: {وأولا الأرحام بعضهم أولى ببعض} وهم القرابة من جهة الأب والأم؛ كالأبوين والأجداد والجدات؛ وإن علوا، والأولاد ذكوراً وإناثاً وأولادهم وإن نزلوا، وأولاد الأب ذكوراً وإناثاً؛ وهم الأخوةُ والأخواتُ من الأب وأولادُهم وإن نزلوا ذكوراً وأناثاً، وأولادُ الأم؛ وهم الأخوةُ والأخواتُ من الأمِّ وأولادُهم ذكوراً وإناثاً إن نزلوا، وأولادُ الجدِّ وهم الأعمامُ والعماتُ وأولادُهم وإن نزلوا، وأولادُ جدِّ الأبِ؛ وهم أعمامُ الأب وإن علوا، وأولادُهم وإن نزلوا. وكذا من يدلي بالأمِّ؛ كالأخواتِ والخالاتِ وأولادِهم ذكوراً وإناثاً.
ولا شكَّ أنهم يتفاتون في الأحقية؛ فالكبير له حقُّ القرابة وحقُّ الطَّعْنِ في السنِّ، والصغيرُ له حقُّ التعليمِ والتأديب، وعليه حقٌّ لمن هو أكبرُ منه في الاحترام والتوقير، وتحصلُ الصلةُ بالزيارةِ والاستزارة، وإجابةِ الدعوة، وبالمؤانسةِ والمحادثة، والمكالمةِ والمكاتبة، والهديةِ والتقبلِ وإظهارِ الفرحِ بالزيارة، والاعتذارِ وقبول الأعذارِ عن التأخُّرِ والابتعاد، وتكونُ الصلةُ بحسبِ العادة، وتختلفُ باختلاف البلاد، وكثرةِ الأعمالِ وتباعدِ المساكنِ ونحوها]. فتاوى الشيخ ابن جبرين. وانظر فتاوى نور على الدرب للعثيمين.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «الخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ» ... قال الترمذي: [وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَوَرَّثَ بَعْضُهُمُ الخَالَ وَالخَالَةَ وَالعَمَّةَ، وَإِلَى هَذَا الحَدِيثِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلمِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ، وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَلَمْ يُوَرِّثْهُمْ وَجَعَلَ المِيرَاثَ فِي بَيْتِ المَالِ] سنن الترمذي ت شاكر (2104)
وإذا انقطعت الرحم يوم القيامة بالكفر والشرك؛ فتبقى رحمُ الإسلامِ والدينِ ورد أن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ». وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس: 62) سنن أبي داود (3527) صحيح الترغيب (3026)
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ». سنن ابن ماجه (3251)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (النِّعَمُ تُكْفَرُ، وَالرَّحِمُ تُقْطَعُ، وَلَمْ نَرَ مثل تقارب القلوب). الأدب المفرد (262)
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَرَضِهِ: «أَرْحَامَكُمْ أَرْحَامَكُمْ». صحيح ابن حبان (2/ 179، ح436) الصحيحة (736)
وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: "بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلامِ". وَمَعْنَاهُ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ وَصْلَ الرَّحِمِ لِتَسْكِينِ الْحَرَارَةِ بِالْمَاءِ، قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ. شعب الإيمان (10/ 346، ح7602) الصحيحة (1777).
« اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، قابلين لها وأتممها علينا» اللهم ارحم آباءَنا، اللهم ارحم أمهاتِنا، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتِنا، اللهم اغفر لأزواجِنا وذرياتِنا، وارحم أقاربَنا وسائر المسلمين.
اللهم وفقنا لما يرضيك، اللهم أبعدنا عن معاصيك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت: 45).
جمعه من مظانه:
أبو المنذر فؤاد
الزعفران الوسطى غزة
في 6 جمادى الآخرة 1433 هلالية
وفق: 27 أبريل 2012 شمسية
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@hotmail.com
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com

اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع

أسامة خضر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-28-2012, 02:58 AM   #2
أبو جبريل نوفل

الصورة الرمزية almojahed
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 3

almojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond repute

افتراضي

      

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله اليك يا ابا عبد الله و جزى الشيخ أبو المنذر عنا خير الجزاء
كما أرجو إبلاغه تحياتنا و اشتياقنا للقائه قريبا ان شاء الله
التوقيع:

من مواضيعي في الملتقى

* العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
* حقوق المرأة في الإسلام
* ما معنى ‏{‏وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏‏؟‏
* تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل
* تلاوة القرآن بالمقامات الموسيقية
* من فضائل الأعمال
* النصيحة و الموعظة اليوم لمعشر الشباب

almojahed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-30-2012, 10:18 AM   #3
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية ام هُمام
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 539

ام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond repute

افتراضي

      

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
بارك الله فيكم
التوقيع:
بسم الله الرحمن الرحيم
  1. وَالْعَصْرِ
  2. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
  3. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )

من مواضيعي في الملتقى

* فضل صلاة التراويح
* هل ينكر على من رآه يأكل ناسيا في رمضان
* أعلام من السلف
* إبن القيم رحمه الله
* أبوالدرداء - أيّ حكيم كان
* سلمان الفارسي -الباحث عن الحقيقة
* قوت القلوب

ام هُمام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطبة: الحج المبرور أجر وثواب. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 3 09-23-2012 11:06 AM
خطبة: كفى بالموت واعظا. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 2 04-07-2012 05:36 PM
خطبة: اليمن والشام في آخر الزمان. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 3 02-04-2012 11:30 PM
خطبة: المتشابهات والمراد منها. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 2 01-28-2012 04:34 PM
خطبة الوداع والاستقبال. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله أسامة خضر قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله 2 10-31-2011 01:13 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009