الـتـــعلــيم:
أعتقد يا أبت أن التربية أبعد مدىً من مجرد الأمر بالصلاة، والنهي عن المنكرات، والتي حتى لانسمعها إلا بلغة أعلنت المقاطعة التامة مع الرفق والحكمة. أليس من حقي يا أبت عليك أن تأخذ بيدي في وصية بالغة، أو موعظة، أو تذكير، أو تعليم مسألة من المسائل.
لقد قرأت يا أبت في كتاب الله عن لقمان الذي آتاه الله الحكمة وصيته الجامعة الفذة لابنه؛ وكم كنت أتمنى أن أتلقى منك مثل هذا التوجيه والتعليم.
يا أبت أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت.... "
قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : كان سعد يعلمنا خمساً يذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر " رواه البخاري.
قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص : كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول يابَني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها.
يا أبت : قال ابن سحنون في كتابه آداب المعلمين عن القاضي الورع عيسى بن مسكين أنه كان يقرئ بناته وحفيداته. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه، وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله أسد بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
لقد كان السلف يا أبت يعنون بتعليم أبنائهم وتوجيههم ومن ثم حفظ لنا التاريخ الوصايا الكثيرة التي تلقوها من آبائهم. روى الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع أن إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي : ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث.
وحين سافرت يأبت مع أستاذي في رحلة مدرسية عشت فيها جواً أستذكر طيفه وخياله كل يوم، فكنت أسمع التوجيه، والموعظة، والتأديب، والفائدة من أستاذي بلغة التعليم، والتربية. مما كنت لا أسمعه من أبي وللأسف. ومما حفظته في المدرسة يا أبت :_
عود بنيك على الآداب في الصغر ***كيــما تقر بهم عيناك في الكـــبر
فإنما مثل الآداب تجمعهـــــا*** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجـر
|