اتخذت السورة أسلوبًا جديدًا في الإقناع بهذه العقائد، ذكر من أنعم الله عليهم فشكروا ومن أنعم الله عليهم فكفروا وهذا الأسلوب في المقابلة أسلوب تميزت به السورة، يقول الله مبينا عبيدا من عباده أوتوا من الدنيا ومن سعتها شيئا مهولا فشكروا واتخذوه سلمًا إلى الآخرة قال (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) كانت الجبال ترجّع مع داوود إذا قرأ الزبور وحتى الطير ترجّع معه وهذه آية عجيبة لداوود عليه السلام (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) كان داوود عليه السلام يفعل بالحديد ما يشاء بيده من دون نار مما جعله الله له من القوة والشأن وأن هذه المخلوقات لله يضع مفاتيحها والقدرة على التصرف فيها بيد من يشاء من عباده. (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) اعمل دروعًا سابغات واجعل كل حلقة مثل الحلقة الأخرى تدخل فيها بحيث يتكون هذا الدرع الحديدي الذي يلبسه المقاتل وداود أول من صنع الدروع في العالم فصناعة الدروع يعود الفضل فيها إلى هذا النبي الكريم المجاهد في سبيل الله. ما هو المقابل لهذه النعم التي اسبغها الله تعالى عليك يا داوود؟ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١﴾) أي سأحاسبكم على كل نعمة أنعمت بها عليكم بأن تقابلوها بالعمل فا هو العمل؟ اعملوا صالحا وهكذا كل نعمة ينعمها الله عليك لا بد أن تقابلها بعمل فإن لم تقابلها بعمل فقد كفرت شكرها فلا تتأسف إذا سلبها الله منك وإذا شكرتها فترقب المزيد (ولئن شكرتم لأزيدنكم) ويأتي بها بصيغة القسم أي: والله لأزيدنكم. هذا في جانب داوود وأما سليمان قال الله عز وجلّ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) أي أنها تسير في الصباح مسيرة شهر، المسيرة التي تسيرها الإنسان في شهر، الريح تحمل سليمان وجنوده في الصباح فتذهب بهم إلى مكان يسير إليه السائرون مسيرة شهر وفي المساء مسيرة شهر فكانت تنقل سليمان من بلاد الشام إلى اليمن في الصباح وتعود بهم في المساء،
|