سورة طه
ثم ننتقل بعد ذلك إلى سورة طه التي ذكرت أهم ما يجعل الإنسان شقيًا في الدنيا وأهم ما يرفع عنه الشقاء في الدنيا. فأعظم ما يجعلك شقيًا في الدنيا إعراضك عن الله وعن وجيه وعن كتابه وهذا ذُكر في آخر السورة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴿١٢٤﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴿١٢٥﴾ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴿١٢٦﴾ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴿١٢٧﴾) فالشقاء والنكد والضرّ والبلاء في النفس وفي مفهوم هذه الحياة يكون لأولئك الذين أعرضوا عن منهج الله وعن كتابه ووحيه ولذلك افتتحت السورة بقوله (طه ﴿١﴾ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴿٢﴾) القرآن ما نزل عليك يا محمد ليشقيك بل ليسعدك وليرسم لك منهجًا واضحا تعرف به لماذا خُلقت؟ من هو خالقك؟ ما الذي يجب عليك؟ إلى أيّ شيء أنت قادم؟ ما الذي ينتظرك؟ ما هو جزاء المؤمنين؟ ما هو جزاء الكافرين؟ (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴿٣﴾ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴿٤﴾ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿٥﴾) إلى آخر هذه المقدمات.
ثم ذكرت قصة موسى عليه الصلاة والسلام، ذكرت قصتين: الأولى قصة موسى وبينت كيف أن موسى أوحى الله له بهذا الوحي العظيم وبيّن أنه يجب عليه أن يقوم بالدعوة إلى ما هداه الله إليه من النبوة ومن الوحي وأن عليه أن يكون رفيقًا في عرض دعوته حتى على أشد الناس شقاء وأعظمهم إعراضًا قال الله عز وجلّ (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴿٤٢﴾) لا تقصّرا في كثرة الذكر وقال لهما قبل ذلك لما دعا موسى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿٢٦﴾ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴿٢٧﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿٢٨﴾ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴿٢٩﴾ هَارُونَ أَخِي ﴿٣٠﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿٣١﴾ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿٣٢﴾ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿٣٣﴾ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿٣٤﴾) فالتعلّق بالله وذكره والصلة بكتابه هو الذي يحجب الإنسان بإذن الله عز وجلّ عن الشقاء حتى لو نزل عليه البلاء لا يصيبه الشقاء.
|