صحبة سورة النحل
ثانياً حقوق النعمة وهذا من أهم محاور السورة بشكل عام وليس فقط الخاتمة فكما أن النعم في هذه السورة كثيرة وعظيمة بشكل غير مسبوق فتجد أن التكاليف أيضا شريفة وعظيمة فالمسئولية تجاه النعم لا يستهان بها الحق الأول: حق الإسلام والتوحيدفبعد كل شوط تجد تذكيراً بالوحدانية: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) تسلمون لله عز وجل وتطيعونه، (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾)، (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴿٢٢﴾)، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، (وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) الحق الثاني: حق الشكر، حق أن تستدلّ بالنعمة على المنعِم (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) فتعرف أن هذه النعمة من عند الله عز وجل فتشكره وتستسلم له وهذا حق الشكر، وهو من أكثر المعاني والألفاظ التي تكررت في السورة (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٠﴾ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿١٢١﴾) والشكر غير الحمد. الحمد معناه الشكر باللسان لكن الشكر يختلف بأنه شكر عملي (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا (13) سبأ) والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يكثر من الشكر والعمل الصالح قالوا له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. هكذا فَهِمَ الشكر، الشكر عمل، الشكر بذل ولذلك أمثلة السورة خطيرة جداً. في سورة النحل فالتوجيهات عملية تدعو لاستعمال النعم بإيجابية: مثال الرزق: (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) الإنسان السلبي الذي لا يعمل شيئاً (وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ) (الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) مثال نعمة اللسان: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ) الإنسان الضعيف (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) إنسان إيجابي يتكلم ويعمل ويأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ولذلك نجد التوجيه في السورة بالدعوة إلى الله، الإيجابية في الشكر (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) تجادل وتدعو وتفعل ما تقدر عليه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) وله
|