28- مـواطـن الـضـعـف
في اليوم الخامس من شهر ديسمبر عام 1942 طبعت الحكومة الألمانية سراً صورة طبق الأصل من صحيفة ((واشنجتون بوست )) الأمريكية واسعة الإنتشار زيفتها بطريقة محكمة و دقيقة لدرجة يصعب معها على أي أمريكي يواظب على قراءة هذه الصحيفة أن يكتشف هذا التزيف و التقليد . ثم هربت الآلاف منها الى معسكرات جنود الحلفاء داخل القواعد الأوربية بطريقة غاية في التمويه عن طريق جواسيسهم .
وفي هذا العدد نشرت الحكومة الألمانية الى جانب المواد العادية مقالاً ذيلته بتوقيع كاتب أمريكي معروف , يتضمن نقداً للشعب الألماني يجعل شعوب الحلفاء يتعاطفون معه لأنه يجعلهم في صورة الشعب المغلوب على أمره .
ثم تناول المقال بعد ذلك مواطن الضعف في قوات الحلفاء و بالغ فيها . وهذا هو جانب الخطورة في المقال , لأنه تحدث عن هذه الجوانب و كأنها خلل لا يمكن تداوله , الأمر الذي كاد أن يشيع اليأس في نفوس الجنود الذين كانوا يحاربون حتى ذلك الوقت بروح معنوية عالية , و الذين لم تكن لديهم فكرة حول مواطن الضعف التي تحدث عنها المقال و التي لم تكن أبداً على هذا المستوى من المبالغة والتهويل التي صورها به .
يُستخدم هذا الأسلوب كثيراً في الحرب النفسية . فالألمان حين يطبعون سراً مجلة أمريكية شهيرة هي ((واشنجتون بوست )) , ويقلدونها تقليداً محكماً إنما يريدون بذلك أن يجعلوا دعايتهم تأتي من أفواه الأمريكيين أنفسهم , و بذلك تكون أقرب للتصديق , و أقل مقاومة . ذلك لأن كلاً منا لا يقاوم الأخبار أو الأفكار التي يقرأها في مجلات بلاده بقدر ما يقاوم الأخبار أو الأفكار التي يقرأها في مجلة عادية .
و قد نجح الألمان في عملية التقليد هذه الى حد بعيد لدرجة جعلت من الصعب على الأمريكيين تمييزها . كما أن النجاح الثاني يتمثل في تهريب هذه المجلة بأعداد ضخمة الى المعسكرات الأمريكية . لأن هذا النجاح يضفي على السلطات الألمانية براعة أخرى الى براعة تقليد المجلة ذاتها .
و بذلك إستطاع الألمان بهذه الخطة المحكمة البارعة إضعاف الروح المعنوية في نفوس الحلفاء بطريقة فنية ماكرة .
|