عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2013, 11:28 PM   #8
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية آمال
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 286

آمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond repute

ورد

      

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية كتاب البخاري ، رحمه الله ، كأي كتاب ينقل بالسماع :
له رواة متعددون ، عنهم يقول الفربري ، أشهر رواة الصحيح : سمع كتاب ((الصحيح)) لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل ، وفي رواية سبعون ألف رجل .
وهذا بلا شك عدد كبير ، لم يسمع الصحيح في مجلس واحد ، لاستحالة أن يجتمع هذا العدد الضخم في مجلس واحد ، وإنما سمعوه في عدة مجالس ، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون كل أولئك في درجة واحدة من الضبط بحيث لا يقع في سماعهم أي اختلاف في الألفاظ ، أو التراجم ، أو سقوط بعض الأحاديث ، لا من النسخة الأصلية التي يحدث منها البخاري ، والتي انتهى من تصنيفها قبل ذلك ، وعرضها على ابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم فاستحسنوها وشهدوا لها بالصحة إلا أربعة أحاديث ، عنها يقول العقيلي رحمه الله : والقول فيها قول البخاري ، وهي صحيحة .


وقد روى الكتاب عن البخاري :
محمد بن يوسف الفَرَبْرِي ، وروايته هي التي تواتر الكتاب بها ، وعنه روى : المستملي ، والكشميهني ، والمروزي ، وابن السِّكن المصري البزِّاز ، وابن شَبُّويه ، والجرجاني .
و : إبراهيم بن مَعْقِل بن الحجاج ، النسفي .
و : حماد بن شاكر .
و : أبو طلحة البزدويُّ .
و : المحاملي .
وأشهر روايات المغاربة لـ(( الجامع الصحيح )) هي التي ذكرها الإمام أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي الإشبيلي (ت575هـ) ، في كتابه (( الفهرست )) .

فاختلاف نسخهم ، أشبه ما يكون بزيادة الثقة في قرون الرواية الشفوية ، التي تخضع للقرائن والمرجحات ، فتكون رواية الثقة إذا خالف جمعا من الثقات : شاذة ، وقد يقع النقص في نسخة أحدهم ، كما يقع النقص في رواية راو اشترك مع جمع من الرواة في التحمل عن شيخ واحد ، فزادوا ما لم يزده ، وهذا ما يفسر زيادة بعض الأحاديث في نسخ دون أخرى ، وهو ما أشار إليه شيخ الإسلام ، رحمه الله ، بقوله في مواضع من "مجموع الفتاوى" : "ووقع في بعض نسخ البخاري" ، ومن ثم يشير إلى لفظ أو حديث وقع في بعض النسخ دون بعض ، فالاختلاف ، كما تقدم ، ليس في أصل الكتاب ، لأن الصحيح قد صنف قبل ذلك ، وإنما هو في نسخهم التي سمعوها من شيوخهم ، ومع انقضاء عصور الرواية الشفوية ، حصل نوع تساهل في الرواية ، بل وفي تعديل الرواة ، فاختلف مدلول وصف "الثقة" على سبيل المثال ، بين المتقدمين ، الذين شددوا فيه ، والمتأخرين الذين خففوا فيه ، لأن العبرة في رواية المتأخر ، بالأصل المدون الذي يرويه ، لا بنفس روايته ، ولذا ظهر في العصور المتأخرة شيوخ : ليسوا من أهل العلم ، بل هم من عوام المسلمين الذين لا يتعقلون كثيرا من المعاني الظاهرة ، ومع ذلك تجد الناس أرغب في السماع منهم إذا كانوا شيوخا معمرين لعلو سندهم ، فما الإشكال في السماع منه طالما كان الكتاب ثابتا ، بل متواترا من طرق أخرى ، فالمسألة صارت : علوا شرفيا في السند لا أكثر .

وهذا التساهل انعكس بالتأكيد على النسخ التي دونت بعد ذلك ، فلم تخل من السقط ، والغلط ، في مواضع ، والراوي قد ينشط فيذكر زيادات في مجالس ، وقد يكسل فلا يذكرها في مجالس أخرى ، فتكون روايته أشبه ما تكون بالاختصار ، أو الرواية بالمعنى ، تماما كما كان المتقدمون يتساهلون في مجالس المذاكرة ، فلا يذكرون الأسانيد والمتون كاملة ، ولذا كان أحمد ، رحمه الله ، لا يجيز لأحد أن يتحمل عنه في مثل هذه المجالس ، فإن أراد الراوي أن يتحمل عنه ما ذاكراه سويا ، أمر بكتابه ، ليحدثه منه .


أما أن يقال بأن في الصحيح سقطا ، لمجرد وقوع نقص في بعض نسخه ، فهذا ما لا يتصور لأن فيه قدحا في الأصل ببعض فروعه ، والأولى التعامل مع مواضع الاختلاف في هذه النسخ ، كالتعامل مع روايات متعددة لحديث واحد ، وقع فيها الاختلاف ، فإما أن يجمع بينها ، وإما أن يرجح بعضها على بعض تبعا لثقة الراوي وموافقته أو مخالفته لمن شاركه من الحفاظ في الرواية عن شيخه ، فعلى سبيل المثال ، يقول الحافظ ، رحمه الله ، معلقا على رواية : (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ) التي أوردها البخاري في باب : "فضل العمل في أيام التشريق" :
كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالْإِبْهَامِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ" وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ أَفْضَلِيَّةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، (أي أيام التشريق) .......................... وَالسِّيَاقُ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَيْخِ كَرِيمَةَ بِلَفْظِ " مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذَا الْعَشْرِ " وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ غُنْدُرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ " فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ " وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ " يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ ، وَكَذَا رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ " مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ" .

فكريمة قد خالفت جمعا من الثقات شاركوها في الرواية عن الكشميهني ، فحكم على روايتها بالشذوذ ، الذي يحاكي الشذوذ الاصطلاحي في قرون الرواية الشفوية الذي هو : مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه ، وقد رجح الحافظ ، رحمه الله ، شذوذ روايتها من جهة :
مخالفتها لمن شاركها من الحفاظ في الرواية عن الكشميهني .
ومن جهة : روايات أخرى خارج الصحيح أيدت رواية من خالفها من الحفاظ .
فيقال عندئذ : "وقع في بعض نسخ البخاري" ، وهي هنا نسخة : "كريمة" : لفظ : "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ" بنفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في أيام التشريق ، وهو مخالف لرواية الجماعة عن الكشميهني ، مع كونه موافقا لظاهر الترجمة ، بادي الرأي ، وهو ما تكفل الحافظ ، رحمه الله ، ببيانه ، إذ يقول :
"فظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، (أي زال الشذوذ بقبول رواية الجماعة والحكم على رواية كريمة بالشذوذ) ، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّ الشَّيْءَ يُشْرِفُ بِمُجَاوَرَتِهِ لِلشَّيْءِ الشَّرِيفِ ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ تَقَعُ تِلْوَ أَيَّامِ الْعَشْرِ ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ .

ثَانِيهَا : أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا شُرِّفَ لِوُقُوعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِيهِ ، وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّاتِهِ فَصَارَتْ مُشْتَرِكَةً مَعَهَا فِي أَصْلِ الْفَضْلِ ، وَلِذَلِكَ اِشْتَرَكَتْ مَعَهَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلٍّ مِنْهَا ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا .

ثَالِثُهَا : أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هُوَ بَعْضُ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ ، وَكَمَا أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَهُوَ مُفْتَتَحُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، فَمَهْمَا ثَبَتَ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ الْفَضْلِ شَارَكَتْهَا فِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بَلْ هُوَ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهَا وَشَرِيفُهُ وَعَظِيمُهُ ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" . اهــ

وهذا التوجيه أقل ما فيه أنه يزيل اللبس في مسألة : تعدد النسخ ، واختلاف ألفاظها ، وكيفية الترجيح بينها .


فالأمر لا يعدو كونه اختلافا في بعض نسخ الكتاب ، لا أصله ، الذي وصل إلينا بالتواتر ، ولو كان الخلاف في قرون الرواية الشفوية قبل أن تدون الأحاديث في المصنفات ، لزال الإشكال بهذا الترجيح بعد أن تعذر الجمع ، فكيف والترجيح الآن بين نسخ من أصل واحد وقع فيها بعض الاختلاف ، تماما كالاختلاف الذي يقع من النساخ لكتاب واحد في بعض مواضع منه ، ولذا يلجأ المحقق ، إلى الاعتماد على عدة نسخ خطية ، فيقول : زاد فلان في نسخة كذا : كذا ....... إلخ ، وكلما زاد عددها زادت جودة تحقيقه .


وبقيت مسألة أشار إليها الشيخ الدكتور : محمد بن عبد الكريم بن عبيد ، حفظه الله ، أستاذ السنة النبوية وعلومها المشارك بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، بقوله :

"إن الصلة بين نسخ البخاري ، وبين رواياته صلة وثيقة ، والذي يبدو لنا أن البخاري رحمه الله تعالى كانت له نسخه ترك فيها بعض البياضات ، ولعل مرد ذلك أنه كان يؤلف كتبه أكثر من مرة ، وهذا من عنايته ودقته في التصنيف ، فإنه ما زال ينقح ويراجع ما يكتبه ويرويه حتى يطمئن قلبه إلى الوضع الأخير لكتبه ، (وهذا حال كثير من المصنفين الذين ينقحون كتبهم باستمرار ولعل أشهرهم مالك ، رحمه الله ، الذي كان دائم التنقيح لـــ : "الموطأ" ، ولهذا تعددت رواياته) ... ونظراً للظروف التي ألمت به ، فجعلته ينتقل في البلدان ، حتى أدركته المنية ، وهو بعيدٌ عن مكتبته ومصادره ، لم يتسع له المجال لإتمام هذه البياضات .
لذا فإن الصلة بين نُسخة الإمام البخاري لكتابه (( الجامع الصحيح )) ، وبين رواياته المختلفة بقيت صلة متلازمة لا يمكن الفصل بينهما . اهــ
" روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، 194-256 هــ ، دراسة وتحليل" .


ثم ذكر قول المستملي رحمه الله : "قال المستملي : انتسخت كتاب البخاري من أصله ، كما عند ابن يوسف ، فرأيته لم يتم بعد ، وقد بقيت عليه مواضع مبيّضة كثيرة ، منها : تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها : أحاديث لم يترجم عليها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض"

فكأن البخاري ، رحمه الله ، قد أخلى أبوابا من صحيحه مقتصرا على تراجمها ، رجاء أن يقع له ما هو على شرطه فيرويه فيها ، ولم يترجم لبعض الأبواب ، إما سهوا ، وإما اعتمادا على وضوح مناسبتها في الكتاب الذي رويت فيه ........... إلخ ، فجاء بعض المتأخرين كالمستملي ، فاجتهدوا في ضم بعضها إلى بعض ، لا أنهم أضافوا أحاديث ليست في الأصل ، ولو حصل ذلك في عصرنا ، مع قلة الرواية وندرة المحدثين لتفطن له آحاد طلبة العلم ممن لهم عناية بالصحيح ، فكيف بأولئك الذين عاشوا في عصور ازدهرت فيها الرواية حتى كان عوام المسلمين يحملون إجازات في سماع كتب الأصول بأسانيدها المتصلة ، وهو أمر يتعذر على كثير من علماء زماننا .

وهذا المنهج في معالجة اختلاف روايات الصحيح ، يمكن استعماله في معالجة اختلاف روايات بقية كتب الأصول .

والله أعلى وأعلم .
التوقيع:




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اغفر لأختي الغالية آمال خطاياها وجهلها واسرافها في أمرها
وما أنتَ أعلمُ به منها وارحمها وادخلها جنتك برحمتك يا رحيم

من مواضيعي في الملتقى

* الامام البخاري
* فوائد الكستناء
* الحوار في القرآن..
* وليالٍ عشر!
* مُتَّخِذي أَخْدان!
* الناس في القرآن!
* الخمسة ابتلاءات!

آمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس