فقد أودع الله في هذا الإنسان من الطاقات وأبدع فيه من القدرات والإمكانات ما يفوق الإحصاء والحصر، فيكفي أنّ الله شرّفه بالوظيفة السامية: الخلافة في الأرض التي جعلها الله مهاده، وقال عنه: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، وذكر القرآن سجود الملائكة له في عدة مرات في عدة سور، وجعل منه الأنبياء وهم أكرم المخلوقات، وسجّل كرامته في كتابه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}، وهذا في سورة الإسراء التي تفرّدت بمرات ورود الإنسان فيها.
وجعله بالعلم أسمى المخلوقات وميّزه على الملائكة: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} [البقرة:31].
وأودع فيه “الروح” التي لا يعلم كُنهها إلا الله، ونسبها الله إليه تشريفاً لها؛ إذ قال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:29].
ثم شرّفه بهذا العقل وجعل قدراته فوق ما يتصور الناس، وجعله جامعاً للعالَمين: الغَيب بنفخة الروح التي من عالَم الغَيب، والشهادة بقبضة الطين التي هي من هذه الأرض؛ فالتقى العالَمان في هذا المخلوق الضئيل الجسم، الجسيم الخطر والشأن!
ومهما قيل في هذا الإنسان فإن الكلام لا يكفيه حقّه الذي جعله الله له من الكرامة والقدر والشرف ورفعة الشأن.
حديث القرآن عن الإنسان:
تراوح حديث القرآن عن الإنسان بين بيان سُنن الله فيه وطبيعته وفطرته ونفسيته وتزكيته، وخلقه، وبين ندائه بـ{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ}، وبين استعداداته، ومنها: استعداده للإيمان والكفر، والهدى والضلال، وبين بيان فضله وتميّزه، وفي المقابل كفره وعناده ولجاجه وحجاجه من مثل قوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54]، وبين بيان عداوة الشيطان للإنسان.. والآن لننظر سريعاً في هذه العناوين التي ذكرت:
– السنن الإلهية في الإنسان من حيث طبيعته الفردية والمتفردة، والآيات في هذا كثيرة لعلها تستأثر بأكبر حصة وأوفى وأوفر نصيب، وهذه بعض الآيات: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا} [يونس:12]، وفي [الزمر:49] قريب منه، وفي [هود:9-10] قريب من هذا، و[الإسراء:83] قريب منها، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]، {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11]، {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً} [الإسراء: 67]، وراجع [الشورى:48]، {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الإنبياء:37]، وراجع فصلت [49-51]، وراجع المعارج والعاديات والفجر.