في أول الأمر قال (قد أفلح) وفي الآخر بيّ، نوع الفلاح الذي سيكون لهم (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿١١﴾).فإن قلت: كيف يرثون الفردوس؟ هل كان لأحد من قبلهم ثم يرثونه هم؟ فيقال: إن الله عز وجلّ خلق الجنة وهي ليست لهم أصلاً وإنما يورثهم إياها بفضله، هذا أولًا، ثانيًا وخلق الله الجنة وجعل لكل أحد منزلا فمن كفر حُرم من منزله فورثه المؤمن فصار هناك إرث فكأنهم يأخذون شيئا قد كان مقدرًا لغيرهم قد حرموا منه لأنهم لم يؤدوا ثمنه أو قيمته التي يستحقون بها ذلك الجزاء.
ثم تحدثت السورة على قدرة الله وفضله على عباده سواء كانت هذه القدرة في النفس أو كانت في المخلوقات (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴿١٨﴾ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿١٩﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً) يذكّرنا الله بقدرته ونعمته علينا (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٢١﴾ وَعَلَيْهَا) على هذه الأنعام (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿٢٢﴾) ولما ذكر الفلك ناسب أن يذكر قصة نوح لأن قصة نوح أقرب قصة إلى موضوع الفلك فأول من صنع الفلك وعلّم البشرية صناعة السفن هو نوح وقصته هي قصة الإيمان التي جاءت في سورة المؤمنون عندما قال الله عز وجلّ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٢٣﴾)
|