مواضيع السورة
هذه السورة فيها موضوعان أساسيان: الموضوع الأول هو قضية الحوار مع النصارى وقد نزلت آياتها الأولى في مناظرة النصارى ومجادلتهم ومحاجتهم عندما جاء وفد نصارى نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه السورة ليقيم الحجة عليهم في أعظم أمر أخلّوا فيه وهو قضية تأليه عيسى عليه الصلاة والسلام وادّعاء أنه إله أو ابن إله تعالى الله عما يشركون فجاءت هذه السورة لتفن هذا تمام عيسى من البشر وتحكي قصته من البداية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾) ثم تأتي بالقصة وكيف جاءت مريم وكيف تفرّغت مريم للعبادة ثم إن الله عز وجلّ كفلها زكريا ثم إن الله عز وجلّ جعل لها هذه الآية العجيبة وهي أن يخلق عيسى في جوفها من غير أب. ثم يقوم عيسى بدوره الذي أناطه الله به وهو القيام بالتوحيد وأنه عبد لله عز وجلّ كما في قوله جلّ وعلا لما قال لبني إسرائيل مبينا حقيقته (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿٥٠﴾ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴿٥١﴾) ثم بدأت الآيات تناقشهم وتحاورهم إلى أن وصل الحوار إلى مرحلة المباهلة وهي أن تدعو خصمك الذي لم يقبل بحجتك وتقول أنا متأكد أن حجتي بالغة وأنها قد مامت عليك وأن الذي يمنعك من قبولها هو الكبر وعدم الرضوخ للحق وإلا فبأيّ حق تدّعي لبشر أنه إله تعالَ تدعو عليّ وأدعو عليك، قال الله عز وجلّ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴿٦١﴾) أدعو أنا على نفسي بأني إن كنت كاذبًا في ما ادّعيته في حق عيسى أن يجعل الله عليّ لعنته وأنتم تقولون ذلك ثم نفذ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بنفسه فدعا فاطمة وعليا والحسن والحسين وقال للنصارى الذين جاؤوه من نجران: اخرجوا نبتهل فاجتمعوا وقالوا والله إنا نخشى أن تصيبنا هذه المباهلة بباقعة فلا تبقى منا نفس منفوسة بل ارضوا بمصالحة محمد وادفعوا له الجزية وهذا يدل على أنهم كانوا يعلمون أن الحق كان معه وأن الآيات التي أنزلها الله من سورة آل عمران قد أبلغت في الحجة وقطعت دابر أي شبهة لديهم ولذلك قال الله لهم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾) تجلّت هذه القضية بهذا الوضوح وهو قضية التوحيد في أكثر من مائة آية.
|