ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   قسم السيرة النبوية (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   موسوعة في سيرة اعظم جيل عرفه التاريخ (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=502)

ابن الواحة 11-17-2010 01:32 AM

عمير بن سعد

( نسيج وحده )



أتذكرون سعيد بن عامر..؟؟

ذلك الزاهد العابد إلاوّاب الذي حمله أمير المؤمنين عمر على قبول إمارة الشام وولايتها..

لقد تحدثنا عنه في كتابنا هذا, ورأينا من زهده وترفعه, ومن ورعه العجب كله..

وها نحن أولاء, نلتقي على هذه الصفات بأخ له, بل توأم, في الورع وفي الزهد, وفي الترفع.. وفي عظمة النفس التي تجل عن النظير..!!

إنه عمير بن سعد..

كان المسلمون يلقبونه نشيج وحده!!

وناهيك برجل يجمع على تلقيبه بهذا اللقب أصحاب رسول الله, وبما معهم من فضل وفهم ونور..!!



أبوه سعد القارئ رضي الله عنه.. شهد بدرا مع رسول الله والمشاهد بعدها.. وظلّ أمينا على العهد حتى لقي الله شهيدا في موقعة القادسية.

ولقد اصطحب ابنه إلى الرسول, فبايع النبي وأسلم..

ومنذ أسلم عمير وهو عابد مقيم في محراب الله.

يهرب من الأضواء, ويفيء إلى سكينة الظلال.

هيهات أن تعثر عليه في الصفوف الأولى, إلا أن تكون صلاة, فهو يرابط في صفها الأول ليأخذ ثواب السابقين.. وإلا أن يكون جهاد, فهو يهرول إلى الصفوف الأولى, راجيا أن يكون من المستشهدين..!

وفيما عدا هذا, فهو هناك عاكف على نفسه ينمي برّها, وخيرها وصلاحها وتقاها..!!

متبتل, ينشد أوبه..!!

أوّاب, يبكي ذنبه..!!

مسافر إلى الله في كل ظعن, وفي كل مقام...



ولقد جعل الله له في قلوب الأصحاب ودّا, فكان قرّة أعينهم ومهوى أفئدتهم..

ذلك أن قوة إيمانه, وصفاء نفسه, وهدوء سمته, وعبير خصاله, وإشراق طلعته, كان يجعله فرحة وبهجة لكل من يجالسه, أو يراه.

ولم يكن يؤثر على دينه أحدا, ولا شيئا.

سمع يوما جلاس بن سويد بن الصامت, وكان قريبا له.. سمعه يوما وهو في دارهم يقول:" لئن كان الرجل صادقا, لنحن شرّ من الحمر"..!!

وكان يعني بالرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان جلاس من الذين دخلوا الإسلام رهبا.

سمع عمير بن سعد هذه العبارات ففجرت في نفسه الوديعة الهادئة الغيظ والحيرة..

الغيظ, لأن واحدا يزعم أنه من المسلمين يتناول الرسول بهذه اللهجة الرديئة..

والحيرة, لأن خواطره دارت سريعا على مسؤوليته تجاه هذا الذي سمع وأنكر..

ينقل ما سمع إلى رسول الله؟؟

كيف, والمجالس بالأمانة..؟؟

أيسكت ويطوي صدره ما سمع؟

كيف؟؟

وأين ولاؤه ووفاؤه للرسول الذي هداهم الله به من ضلالة, وأخرجهم من ظلمة..؟

لكن حيرته لم تطل, فصدق النفس يجد دائما لصاحبه مخرجا..

وعلى الفور تصرّف عمير كرجل قوي, وكمؤمن تقي..

فوجه حديثه إلى جلاس بن سويد..

" والله يا جلاس, إنك لمن أحب الناس إلي, وأحسنهم عندي يدا, وأعزهم عليّ أن يصيبه شيء يكرهه..

ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك.. وإن صمتّ عليها, ليهلكن ديني, وإن حق الدين لأولى بالوفاء, وإني مبلغ رسول الله ما قلت"..!

وأرضى عمير ضميره الورع تماما..

فهو أولا أدّى أمانة المجلس حقها, وارتفع بنفسه الكبيرة عن أن يقوم بدور المتسمّع الواشي..

وهو ثانيا أدى لدينه حقه, فكشف عن نفاق مريب..

وهو ثالثا أعطى جلاس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار الله منه حين صارحه بأنه سيبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم, ولو أنه فعل آنئذ, لاستراح ضمير عمير ولم تعد به حاجة لإبلاغ الرسول عليه السلام..

بيد أن جلاسا أخذته العزة بالإثم, ولم تتحرك شفتاه بكلمة أسف أو اعتذار, وغادرهم عمير وهو يقول:

" لأبلغنّ رسول الله قبل أن ينزل وحي يشركني في إثمك"...

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب جلاس فأنكر أنه قال, بل حلف بالله كاذبا..!!

لكن آية القرآن جاءت تفصل بين الحق والباطل:

( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ )..التوبة {74}



واضطر جلاس أن يعترف بمقاله, وأن يعتذر عن خطيئته, لا سيما حين رأى الآية الكريمة التي تقرر إدانته, تعده في نفس اللحظة برحمة اله إن تاب هو وأقلع:

"فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ"..

وكان تصرّف عمير هذا خيرا وبركة على جلاس فقد تاب وحسن إسلامه..

وأخذ النبي بأذن عمير وقال له وهو يغمره بسناه:

" يا غلام..

وفت أذنك..

وصدّقك ربك"..!!



لقد سعدت بلقاء عمير لأول مرة, وأنا أكتب كتابي بين يدي عمر.

وبهرني, كما لم يبهرني شيء, نبأه مع أمير المؤمنين.. هذا النبأ الذي سأرويه الآن لكم, لتشهدوا من خلاله العظمة في أبهى مشارقها..



تعلمون أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان يختار ولاته وكأنه يختار قدره..!!

كان يختارهم من الزاهدين الورعين, والأمناء الصادقين.. الذين يهربون من الإمارة والولاية, ولا يقبلونها إلا حين يكرههم عليها أمير المؤمنين..

وكان برغم بصيرته النافذة وخبرته المحيطة يتأني طويلا, ويدقق كثيرا في اختيار ولاته ومعاونيه..

وكان لا يفتأ يردد عبارته المأثورة:

" أريد رجلا إذا كان في القوم, وليس أميرا عليهم بدا وكأنه أميرهم.. وإذا كان فيهم وهو عليهم أمير, بدا وكأنه واحد منهم..!!

أريد واليا, لا يميز نفسه على الناس في ملبس, ولا في مطعم, ولا في مسكن..

يقيم فيهم الصلاة.. ويقسم بينهم بالحق.. ويحكم فيهم بالعدل.. ولا يغلق بابه دون حوائجهم"..

وفي ضوء هذه المعايير الصارمة, اختار ذات يوم عمير بن سعد واليا على حمص..

وحاول عمير أن يخلص منها وينجو, ولكن أمير المؤمنين ألزمه بها إلزاما, وفرضها عليه فرضا..

واستخار الله ,ومضى إلى واجبه وعمله..

وفي حمص مضى عليه عام كامل, لم يصل إلى المدينة منه خراج..

بل ولم يبلغ أمير المؤمنين رضي الله عنه منه كتاب..

ونادى أمير المؤمنين كاتبه وقال له:

" اكتب إلى عمير ليأتي إلينا"..

وهنا أستأذنكم في أن أنقل صورة اللقاء بين عمر وعمير, كما هي في كتابي بين يدي عمر.

" ذات يوم شهدت شوارع المدينة رجلا أشعث أغبر, تغشاه وعثاء السفر, يكاد يقتلع خطاه من الأرض اقتلاعا, من طول ما لاقى من عناء, وما بذل من جهد..

على كتفه اليمنى جراب وقصعة..

وعلى كتفه اليسرى قربة صغيرة فيها ماء..!

وإنه ليتوكأ على عصا, لا يؤدها حمله الضامر الوهنان..!!

ودلف إلى مجلس عمر فى خطى وئيدة..

السلام عليك يا أمير المؤمنين..

ويرد عمر السلام, ثم يسأله, وقد آلمه ما رآه عليه من جهد وإعياء:

ما شأنك يا عمير..؟؟

شأني ما ترى.. ألست تراني صحيح البدن, طاهر الدم, معي الدنيا أجرّها بقرنيها..؟؟!!

قال عمر: وما معك..؟

قال عمير: معي جرابي أحمل فيه زادي..

وقصعتي آكل فيها.. وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي.. وعصاي أتوكأ عليها, وأجاهد بها عدوّا إن عرض.. فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي..!!

قال عمر: أجئت ماشيا..

عمير: نعم..

عمر: أولم تجد من يعطيك دابة تركبها..؟

عمير: إنهم لم يفعلوا.. وإني لم أسألهم..

عمر: فماذا عملت فيما عهدنا إليك به...؟

عمير: أتيت البلد الذي بعثتني إليه, فجمعت صلحاء أهله, ووليتهم جباية فيئهم وأموالهم, حتى إذا جمعوها وضعوها في مواضعها.. ولو بقي لك منها شيء لأتيتك به..!!

عمر: فما جئتنا بشيء..؟

عمير: لا..

فصاح عمر وهو منبهر سعيد:

جدّدوا لعمير عهدا..

وأجابه عمير في استغناء عظيم:

تلك أيام قد خلت.. لا عملت لك, ولا لأحد بعدك"..!!

هذه لصورة ليست سيناريو نرسمه, وليست حوارا نبتدعه.. إنما هي واقعة تاريخية, شهدتها ذات يوم أرض المدينة عاصمة الإسلام في أيام خلده وعظمته.

فأي طراز من الرجال كان أولئك الأفذاذ الشاهقون..؟!!



وكان عمر رضي الله عنه يتمنى ويقول:

" وددت لو أن لي رجالا مثل عمير أستعين بهم على أعمال المسلمين"..

ذلك أن عميرا الذي وصفه أصحابه بحق بأنه نسيج وحده كان قد تفوّق على كل ضعف إنساني يسببه وجودنا المادي, وحياتنا الشائكة..

ويوم كتب على هذا القدّيس العظيم أن يجتاز تجربة الولاية والحكم, لم يزدد ورعه بها إلا مضاء ونماء وتألقا..

ولقد رسم وهو أمير على حمص واجبات الحاكم المسلم في كلمات طالما كان يصدح بها في حشود المسلمين من فوق المنبر.

وها هي ذي:

" إلا أن الإسلام حائط منيع, وباب وثيق

فحائط الإسلام العدل.. وبابه الحق..

فإذا نقض الحائط, وحطّم الباب, استفتح الإسلام .

ولا يزال الإسلام منيعا ما اشتدّ السلطان

وليست شدّة السلطان قتلا بالسيف, ولا ضربا بالسوط..

ولكن قضاء بالحق, وأخذا بالعدل"..!!



والآن نحن نودّع عميرا.. ونجييه في إجلال وخشوع, تعالوا نحني رؤوسنا وجباهنا:

لخير المعلمين: محمد..

لإمام المتقين: محمد..

لرحمة الله المهداة إلى الناس في قيظ الحياة

عليه من الله صلاته. وسلامه..

وتحياته وبركاته..

وسلام على آله الأطهار..

وسلام على أصحابه الأبرار

ابو عبد الله 11-17-2010 04:30 AM

زادك الله علماً ونوراً اخي الفاضل بن الواحة
ولاكن
لي رجاء عندكم مشرفينا الافاضل (ابن الواحة)(الزرنخي)
بعد قرأة هذا الموضوع فكرت بعمل قسم فرعي خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم
لنتناول به سيرة الرسول وازواجه وغزواته واصحابة
الرجاء هو // نقل الموضوع الي هذا القسم مع تفصيل كل صحابي في مشاركة لوحدة لانهم يستاهلون منا
الكثير لربما هناك ردود تخدم الموضوع
بارك الله فيكم مشرفينا الكرام واتمنى ان تلبو هذا الطلب مع وافر التحية

الزرنخي 11-17-2010 07:29 AM

:1:



لقد تم النقل الي القسم الجديد المخصص
واترك تفصيل المواضيع لاخي الحبيب
ابن الواحة وقد يري ان يغير او يبدل و
يقدم ويخر فله ماشاء مشكور اخي
الكريم ابو عبدالله علي فتح هذا القسم
الجديد
كما نطمع في كرمك الحاتمي وارجو
ان تفتح لنا فرع اخر يسمي بالمكتبة
الاسلامية الاكترونية لكي نرفع فيها امهات
الكتب
الاسلامية وغيرها بارك الله فيك اخي
وبارك الله في مساعيك ودي وتقديري
لك ولاخي الفاضل ابن الواحة


:2:

ابو عبد الله 11-17-2010 07:36 AM

مشكور اخي الفاضل ابو محمد
كل التحية لاهلنا في السودان
مشكور لاستجابتكم لطلبنا
وبالنسبة قسم المكتبة الإسلامية فالحمد لله تم بالفعل مع إنشاء قسم محمد رسول الله
فهو في متاول يد الجميع
بارك الله فيك وجزاك الله الفردوس الاعلى

الزرنخي 11-17-2010 07:40 PM




:1:


مشكور اخي الفاضل ابو عبدالله بارك الله فيك
وان شاء الله نثري المكتبة الاسلامية بجميع
الكتب الاسلامية المختلفة لك مني كل الود
والحب ولكل اهلنا في غزة الحبيبة ولكل
رواد هذا المنتدي الشامخ بأذن الله

:2:


ابن الواحة 11-18-2010 01:02 AM

:1:

بارك الله فيك اخي الكريم ابو عبد الله وفي مجهودك العظيم والمتواصل الذي لا يصدر الا عن رجل ذو همة عالية ونفس كريمة
وكما اشكرك على حسن اخلاقك وارجو ان لا تحرمنا من نصائحكم واقتراحاتكم البناءة
وشكرا على اضافتك للفرع الخاص بالرسول عليه الصلاة والسلام وقسم المكتبة الاسلامية
وان شاء الله سوف يتم التعامل حسب توجيهاتكم وافكاركم النييرة وسنضع سيرة كل صحابي في موضوع خاص به
وكما لا انسى ان اشكر اخي العزيز وصديقي الزرنخي على كل ما يبذله من جهد للنهوض بهذا المنتدى الموقر
فجزاكما الله خير الجزاء وجعلكما ذخرا للاسلام والمسلمين
دمتم في حفظ الرحمن ورعايته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوكم ابن الواحة



الساعة الآن 06:29 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009