ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم وعلومه (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=31)
-   -   مقاصد السور في القرآن الكريم (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=18843)

ام هُمام 12-31-2017 07:19 PM

مقاصد السور في القرآن الكريم
 
:1:
مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

سلسلة محاضرات ألقيت بجامع القاضي بالرياض

رمضان 1436هـ


سورة الفاتحة

خير ما نتحدث به في هذه المجالس هو الحديث عن كتاب الله خصوصا في هذا الشهر الكريم الذي هو شهر القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) لن نتحدث عن تفسير الآيات مفصلا ولكن نتحدث عن كل سورة نبين ما فيها من قضايا عامة والأمور الكلية وما تختص به كل سورة من موضوع تتحدث عنه. وهذه القضية تفيدنا كثيرا في فهم معاني الآيات وتختصر لنا كثيرا من المسافات وتفسر لنا كيف ينتقل القرآن من قضية إلى قضية إذا علمنا ما هي القضية المحورية والهدف الذي تسعى هذه السورة لتحقيقه. ولنبدأ مع سورة الفاتحة هذه السورة الكريمة العظيمة التي هي أعظم سور القرآن.

سورة الفاتحة مكونة من سبع آيات بإجماع المسلمين (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) وهي سورة الفاتحة وبهذا فسّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية.

هذه السورة مكية النزول وهي واجبة القرآءة في الصلاة ونحن نستمع إليها في اليوم والليلة أكثر من 17 مرة إما أن نقرأها وإما أن نستمع إليها. هذه السورة ورد في فضلها أحاديث كثيرة وأيضًا لها أسماء كثيرة جدا تزيد على العشرة منها سورة الفاتحة وأم الكتاب وأم القرآن وسورة الصلاة والشافية والرقية وغيرها مما ذكره أهل العلم من أسمائها.

لكن بم تتميز هذه السورة؟ هذه السورة تتميز بأنها قواعد كلية تلخص الدين كله من أوله إلى آخره وينبغي لكل واحد منا أن يعلم أنه لا يخرج عن هذه السورة شيء مما أراده الله سبحانه وتعالى من عباده، وقد تقول هذه مبالغة في شأن هذه السورة لكنها الحقيقة فكل ما جاء بعد هذه السورة من كتاب الله هو تفسير لها وبيان لمعناها وما تركت هذه السورة من أمر الدين والدنيا شيئا إلا ذكرته لكن لم تذكره تفصيزلا وتدقيقا وإنما ذكرته إجمالا ولأجل ذلك أُمرنا أن نتلوها في اليوم والليلة مرات كثيرة ونستمع إليها باستمرار لنجعلها منهج حياة.و
:2:

ام هُمام 12-31-2017 07:23 PM

هذه السورة فيها أولًا توحيد الله عز وجلّ بأنواعه الثلاثة: توحيد الألوهية (الحمد لله) و (إياك نعبد) وتوحيد الربوبية (رب العالمين) و (إياك نستعين) وتوحيد الأسماء والصفات (الرحمن الرحيم) (مالك يوم الدين).

الإيمان باليوم الآخر: وأكثر ما يقترن مع الإيمان بالله وتوحيده هو الإيمان باليوم الآخر في قوله (مالك يوم الدين) فالدين هو الجزاء والحساب وهو يوم القيامة.

الأمر الثالث: حمد الله وشكره والثناء عليه وهذا هو أعظم ما تقرب به العباد إلى ربهم سبحانه وتعالى فأنت إذا أثنيت على الله وذكرته بأسمائه وصفاته وتلوت أسماءه بلسانك متذكرًا معانيها بقلبك فإنك أدّيت أفضل ما يؤديه الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى والدليل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أؤنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله. فذكر الله خير من الصدقة وخير من الجهاد وخير من سائر الأعمال ولذلك ما أمر الله بشيء فطلب الاستكثار منه غير الذكر جاء في عشرة مواطن في كتاب الله (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) (اذكروا الله كثيرا) ما جاءت (كثيرا) إلا مع الذكر ليتبين أن أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه هو ذكره جعلني الله وإياكم من الذاكرين.

الدين ملخّص في قول الله عز وجلّ (إياك نعبد وإياك نستعين) كل الدين، الصلاة من إياك نعبد والزكاة من إياك نعبد والصوم من إياك نعبد والحج من إياك نعبد والذكر من إياك نعبد. والبيع والشراء والجهاد في سبيل الله والنكاح والقضاء والحدود وغيرها من (إياك نستعين) كلنا بحاجة أن نستعين بالله عز وجلّ في بيعنا وشرائنا وسعينا في الدنيا وزواجنا وتربيتنا لأولادنا في جميع حوائجنا في ليلنا ونهارنا في سرّنا وعلانيتنا فبهذا ما خرج شيء عن هذه الآية حتى قال العلماء: هي أجمع آية في القرآن بل إن الشرائع والكتب السماوية المنزلة على الأنبياء مجموعة في قول الله عز وجلّ (إياك نعبد وإياك نستعين) فأنت تقول لله معترفًا: لا أعبد أحدا سواك ولا أستعين بأحد إلا بك فأنت وحدك المعين وأنا عبدك الضعيف أتقرّ[ إليك بالعبادات وأحتاج إلى عونك يا ربي على قضاء حوائجي كلها وأولها وأعظمها وأجلّها عبادتي لك ولذلك تعترف لله بقولك (إياك نعبد وإياك نستعين)

ام هُمام 01-01-2018 04:35 PM

وإذا نظرت إلى سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف وغيرها وجدت أنها تدور ما بين العبادة والإستعانة، انظروا الآية (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ) كل هذه من العبادات والعقائد (إياك نعبد). (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) هذه من إياك نستعين، وما بعدها كله من هذه الشاكلة. فالدين والدنيا مجموعة في قولك (إياك نعبد وإياك نستعين). إذا قدمت المسجد تريد أن تصلي لا بد أن تدور بين هاتين الجملتين: أنت خارج لتصلي (إياك نعبد) تحتاج أن تُعان حتى تصلي (إياك نستعين، نحن نعيش أيام صيام، هذه (إياك نعبد) نحتاج إلى أن يعيننا الله على الصيام (إياك نستعين) حتى أمور الدنيا المجردة أنت بحاجة فيها إلى إياك نستعين وتقدر أن تجعلها إياك نعبد إذا نويت بها التقرب إلى الله عز وجلّ صارت من (إياك نعبد) وإذا استعنت بالله على قضائها صارت إياك نستعين. هذه خلاصة الدين والدنيا والحياة كلها في هاتين الجملتين العظيمتين التي يعترف كل عبد من خلالهما بأن الله وحده هو المتفرد بالعبادة والمتفرد بالعون.

ولما اعترف العبد لربه بأنه هو المعين وحده كأنه يلمّح إلى أن يسأل الله أهم مسألة يستعين بالله على عونه إياها، فكأنه يقول: يا رب أعني فيقول له ربه وماذا تريد يا عبدي أن أعينك عليه؟ يقول: اهدنا الصراط المستقيم. هذا أهم سؤال يسأله الإنسان ربه أن يهديه الصراط المستقيم. الصراط المستقيم هو الإسلام، القرآن، الإلتزام بمنهج محمد صلى الله عليه وسلم فأنت تسأل الله أن يهديك إليه في صغار الأمور وكبارها في ظاهرها وباطنها فيما استجد وما كان قديما فيما ينجلي للناس وما يخفى عليهم فيما تحب وما تكره في العبادات والمعاملات في كل الأحوال بل في كل نفس من أنفاس عمرك أنت بحاجة إلى الصراط المستقيم وهذا هو سر كوننا نردد هذا الدعاء في اليوم والليلة مرات كثيرة، أنت بحاجة للهداية للصراط المستقيم في التعامل مع زوجتك في المسير في طريقك في بيعك وشرائك في قيادة سيارتك في ذكرك لربك في قرآءتك للقرآن عندما تكبر للصلاة في دقائق الحياة وتفاصيلها التي تعلمها والتي لم تتعلمها بعد.

ام هُمام 01-02-2018 04:35 PM

وإذا سألت الله عز وجلّ الصراط المستقيم يحضر لك أقسام الناس بالنسبة لهذه الصراط فهم ثلاثة: المنعم عليهم وهم الذين التزموا هذا الصراط والمغضوب عليهم وهم الذين عرفوا هذا الصراط لكنهم ما سلكوا طريقه والضالون وهم الذين ضلوا عن هذا الصراط. وما في القرآن من أصناف الناس إلا هذه الثلاثة إما أن يكونوا من المنعم عليهم وإما أن يكونوا من المغضوب عليهم وإما أن يكونوا من الضالين. ولذلك قال سفيان بن عيينة: من ضلّ من علمائنا ففيه شبه باليهود ومن ضلّ من عبّادنا ففيه شبه بالنصارى. وفي أول سورة البقرة أول ما قال (هدى للمتقين) قسّم الناس إلى ثلاثة أقسام:

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾) اهدنا الصراط المستقيم

ثم جاء إلى الصنف الثاني (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٧﴾) هؤلاء من الضالين

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾) هؤلاء من المغضوب عليهم لأنهم يعرفون الحق ويتنكبون الصراط المستقيم.

ثم تأمل السورة مرة أخر لتجد أنها انقسمت إلى قسمين قسم لله وقسم للعبد فأما النصف الأول ثلاث آيات ونصف فهي خالصة لله والنصف الثاني ثلاث آيات ونصف خالصة للعبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ثلاث آيات ونصف هذه لله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أطلب العون منك يا الله، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴿٧﴾) ثلاث آيات ونصف للعبد.

ام هُمام 01-03-2018 06:44 PM

وهذه السورة علمتنا كيف ندعو ربنا لا تقل مباشرة يا رب اغفر لي بل قدّم بين يدي دعائك حمدا وثناء لله عز وجلّ واعترافًا بحالك (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾) ثم اعترف لله عز وجلّ بأنك عبده وأنك لا يمكن أن تترفع على هذه العبودية وأنك تطلب العون منه وأنك مفتقر إليه وإلى ما عنده ثم قل مسألتك ستُجاب ولن يردّ عنها الباب ولن يكون بينها وبين الله حجاب.

السورة سورة التربية تعلمك على الشكر من أول لحظة (الحمد لله) تشكر الله على كل نعمه وتثني عليه بكل ما له من أسماء وصفات ومحامد سبحانه وتعالى.

تربي السورة على الرحمة لما ذكرت صفة الرحمة لله لم تذكر عبر اسم واحد من أسمائه بل ذكرت عبر اسمين وأنت تقرأ الفاتحة تردد صفة الرحمة أربع مرات (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿١﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾) لتعلم أن دينك رحمة وحياتك لن تستقيم إلا بالرحمة وأنك لن تنال رحمة الله حتى تكون أرحم الناس بالناس وأن الله عز وجلّ لولا أن رحمته سبقت غضبه لعذبنا جميعا.

هذه إطلالة على سورة الفاتحة نفعنا الله بها وجعلنا الله من أهل القرآن أهل الله وخاصته.

ام هُمام 01-04-2018 05:39 PM

السورة الثانية من سور القرآن هي سورة البقرة وهي أكثر سور القرآن آيات وما فيها من الأحكام والمقاطع كثيرة جدا حتى ليظن من يقرؤها أنها سورة منوعة وأنه لا يوجد رابط لهذا التنوع الكبير الموجود في هذه السورة الكريمة. ولكني سألخص لكم حقيقة هذه السورة وما ترمي إليه. سورة البقرة هي سورة الاستجابة والطاعة تريد من العباد وتريد من الناس أن يستجيبوا لله وأن يأخذوا أحكام الله بجدّ وقوة، هذه خلاصة هذه السورة.

افتتحت هذه السورة بذكر أقسام الناس في الاستجابة لله عز وجلّ وطاعته. قال الله عز وجلّ (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾) ثم ذكرت من هم هؤلاء المتقون (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾) ثم ذكرت من لم يستجيبوا أساسًا وهم الكفار وأعلنوا ذلك صراحة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٧﴾) ثم ذكرت صنفًا ثالثًا وهم الذين أظهروا الاستجابة وأبطنوا الكفر وهم المنافقون (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿١٠﴾) وأطالت في أوصافهم لأن أمرهم يخفى على كثير من الناس فهم لا يُعرفون بأسمائهم ولا بأشكالهم وألوانهم وإنما يعرفون بسيماهم وأوصافهم.

لما تقرر هذا في هذه المقدمة الجميلة المختصرة ذكر بعد ذلك ثلاثة نماذج في غاية الوضوح لتحقيق هذا الأمر:

ام هُمام 01-06-2018 05:42 PM

النموذج الأول قصة آدم عليه الصلاة والسلام لما خلقه الله وأسجد له ملائكته وكرّمه بهذه الكرامة العظيمة ثم أسكنه جنته وأغرى به إبليس يوسوس له ويزيّن المعصية فعصى فلما عصى أهبطه الله من الجنة. فانتبه! هذه الأوامر المذكورة في هذه السورة لك إن أخذت بها سعدت ونلت أعلى المراتب وإن تخلّفت نالك ما نال أباك.

القصة الثانية ليست قصة لفرد وإنما قصة لأمّة حتى لا يظن أحد أن هذا خاص بالأفراد دون الأمم. قصة بني إسرائيل افتتحت بقول الله عز وجلّ (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿٤٠﴾ وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴿٤١﴾ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٤٢﴾ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴿٤٣﴾ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٤٤﴾ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿٤٥﴾) إلى آخر ما هنالك. فذكر الله في قصة بني إسرائيل أنه آتاهم الكتاب وكلّفهم وأنعم عليهم بالنعم الكثيرة ولكنهم قابلوا ذلك بالعضيان والتمرد الاختلاف على الأنبياء وكثرة التشقيق ومحاولة التخلّف عن طاعة الله عز وجلّ (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٦١﴾)

ام هُمام 01-07-2018 05:23 PM

ثم جاءت قضية بني إسرائيل في قصة أكثر وضوحا وهي قصة البقرة التي سميت بها هذه السورة كرمز لهذا المعنى العظيم الذي لخّصنا به السورة وهي الاستجابة لله ورسوله والطاعة التامة والتسليم المطلق (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) يقولون لنبي لرسول من أولي العزم أتتخذنا هزوا! أتهزأ بنا يا موسى؟! (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٦٧﴾ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴿٦٨﴾ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا) عجلوا لا تتأخرون ولكنهم مستمرون لم يستجيبوا عندهم عادة في التأبي والتملص من الأحكام كحال كثير من المسلمين في هذا الزمان تقول له قال النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: هذا فرض أو واجب؟ تقول له واجب، يقول: هل هو واجب مؤكد يكفر الإنسان إذا تركه؟ يعني كبيرة أو صغيرة؟تقول صغيرة، يقول إذن يمكن إذا صلى الواحد صلاة يكفّر عنه! بهذه الطريقة نحن نتعامل مع النصوص كحال بني إسرائيل (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴿٦٩﴾ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴿٧٠﴾ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴿٧١﴾) يا بني إسرائيل احذروا أنتم الآن على شفا هلكة، أنتم بهذه الطريقة تتملصون من أحكام الله وتتوارون عن طاعة الله لا يليق بكم ذلك. النهاية أن الله عز وجلّ كان قد فضلهم على العالمين فسلبهم التفضيل وجعل منهم أمة قردة وخنازير وضرب عليهم الذة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله.

ام هُمام 01-08-2018 05:32 PM

إذن المثال الأول لشخص وهو أبونا آدم والمثال الثاني لأمة وهم بني إسرائيل والمثال الثالث لإبراهيم عليه السلام. بدأت قصة بني إسرئيل بقول الله تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿٤٠﴾) وختمت بنفس البداية (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿١٢٢﴾) فلما انتهى من قصتهم في ثمانين آية تقريبًا قال (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) ماذا فعل إبراهيم بالكلمات التي ابتلاه بها؟ (فَأَتَمَّهُنَّ) افعلوا مثل أبيكم. (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) طمع إبرهيم عليه الصلاة والسلام قال ما دمت ستجعلني إمامًا فاجعل ذريتي كذلك يا رب (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) قال الله (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) حتى أمة محمد متى تخلفت عن إتمام الكلمات ولم تقم بها ولم تستجب لله ولا لرسوله فإنهم لا ينال عهد الله الظالمين. ونفّذ إبراهيم ما أُمر به بكل قوة وصدق، هذا نموذج لمن أطاع الله عز وجلّ وأخذ أمره بقوة وجدّ.

بعدما انتهى من تقرير هذه النماذج الثلاث وإيضاح النماذج بين أيدينا بدأ بنا نحن وأمرنا بأوامره سبحانه وتعالى فبدأ بالتوحيد في قوله (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٣﴾ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿١٦٤﴾) إلى آخر تلك الآيات يقرر فيها عقيدة التوحيد.

ام هُمام 01-09-2018 05:06 PM

وبعد أن انتهى من التوحيد بدأ بالشرائع في قوله عز وجلّ (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿١٧٧﴾) هنا جملة الشرائع، هذه الآية جامعة لكل ما يريده الله من عباده وذكر فيها من أركان الإسلام الخمسة: الصلاة والزكاة. بقي الصيام والحج جاء بعدها (يا أيها كتب عليكم الصيام تتقون) وبعدها (وأتموا الحج الهدي) فرتبت أركان الإسلام في هذه السورة كترتيبها في حديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس: التوحيد (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٣﴾) ثم (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)

وبعد أن انتهى من قضايا أركان الإسلام انتقل إلى القضايا الاجتماعية وهي أحكام النكاح والطلاق والعدد والحيض وما يتصل بها مما يحتاجه الناس في حياتهم الاجتماعية.

ام هُمام 01-10-2018 05:25 PM

وبعد أن انتهى من الحياة الاجتماعية انتقل إلى القضايا المالية وبدأها بقول الله عز وجلّ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦١﴾) ورغّب الناس في الصدقة في آيات لم يُرى مثلهن في القرآن ولما انتهى من الترغيب في الصدقة ذكر ضديدها الربا (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٧٥﴾) ولما قرر هاتين القضيتين الصدقة وضدها وهو الربا ذكر أحكام البيوع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٢٨٢﴾) إلى آخر آية الدَيْن.

ام هُمام 01-11-2018 08:22 PM

وبهذا أصبحت هذه السورة هي كلية الشريعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: التوحيد، أركان الإيمان، الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد كلها موجودة في السورة (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿١٩١﴾) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٢٤٣﴾ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٤٤﴾)، قضايا الأسرة والحياة الاجتماعية، القضايا الاقتصادية، أحكام القصاص وما يتصل بها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٧٨﴾) الوصايا وما يتصل بها (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴿١٨٠﴾)

ام هُمام 01-12-2018 07:01 PM

بيّن لك في هذه السورة كل شيء وما الواجب عليك فاسمع وأطع وسلّم أمرك لله وإياك أن تتخلف عما أوجب الله عليك أو تحاول أن تتملص من أحكام الله عز وجلّ فإنك إن تملصت صار مصيرك مصير أبيك آدم أو مصيركم بني إسرئيل الذين فضلهم الله على العالمين فتملصوا فسلبهم الله ذلك التفضيل وضرب عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب الله. إن استجبتم وأطعتم صار مصيركم مصير إبراهيم إمام الحنفاء وأبو الأنبياء وخليل الرحمن وأحد أولي العزم من الرسل والذي يؤكد هذا أن آخر السورة قال الله عز وجلّ مبينًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد استجابوا وآمنوا وأطاعوا وامتثلوا أمر الله (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) لكن يا رب أحيانًا تزلّ بنا القدم (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) قال الله من رحمته بنا (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) لا يكلفك الله شيئا لا تطيقه ما لا تطيقه من أوامر الله فإنه الله عز وجلّ يسقطه عنك (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٨٦﴾).

تقرأ سورة البقرة فتظن أنك في كل لحظة تأتي إلى قضية لا تتصل بالقضية الأخرى ولكن عندما تنظر إليها هذه النظرة الكلية العامة ستجد أنها سورة قد رُتبت ترتيبًا بديعًا ونظمت نظمًا عجيبًا وأحكمت آياتها إحكامًا في غاية الإتقان وهذا شيء يسير من فيوضها وأنوارها وإلا فالمجال يطول لو أردنا أن نسبح فيما احتوته هذه السورة من البدائع والعجائب والعبر العظات والدروس والحِكَم.

ام هُمام 01-13-2018 05:39 PM

سورة آل عمران

حديثنا حول سورة آل عمران هذه السورة العظيمة الكريمة التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم مع سورة البقرة بالزهراوين قال :اقرأوا الزهراوين فإنهما يأتيا يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوافّ تحاجان عن صاحبهما والأحاديث الواردة في فضلها صحيحة وكثيرة ومرغّبة للإنسان في أن يستمسك بها ويعتني بها ويحرص على تلاوتها وحفظها. هذه السورة الكريمة فيها قضايا كثيرة جدًا لكن أبرز هذه القضايا هي قضية التوحيد والذي يدلل على ذلك أنها افتتحت بالتوحيد قال الله عز وجلّ (الم ﴿١﴾ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴿٢﴾) فافتتحها الله عز وجلّ بكلمة التوحيد وهي قوله (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وهذه الكلمة لم ترد في سورة مثلما وردت في سورة آل عمران فقد جاءت في خمس مواطن بينما في سورة النساء جاءت في موطن واحد (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴿٨٧﴾). في سورة آل عمران جاءت في خمس مواضع:

(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
وفي نفس السياق في الصفحة الأولى يقول الله عز وجلّ (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٦﴾)
ثم جاءت في آية أخرى مرتين (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١٨﴾)
وجاءت مرة خامسة في قوله جلّ وعلا (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٦٢﴾)

هذه الآيات كلها في التوحيد الخالص، هذا واحد من الشواهد على أن هذه السورة سورة التوحيد.

ام هُمام 01-14-2018 05:07 PM

أما الشاهد الثاني فهو ورود كلمة الاسلام، لم ترد في القرآن في سورة بمثل العدد الذي وردت فيه في هذه السورة الكريمة (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿١٩﴾ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿٢٠﴾) وقال سبحانه وتعالى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٥٢﴾) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٨٥﴾) وغيرها من المواطن التي وردت في هذه السورة ويراد بالاسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك. ومما يدلل على أن هذه السورة سورة التوحيد وأنها اعتنت بهذا الأمر عناية بالغة أنها سميت سورة آل عمران فما دلالة آل عمران على التوحيد؟ نقول هذه السورة في أكثر من مائة آية جاءت في حوار النصارى ومناقشتهم في القضية الكبرى التي أخلّوا فيها بإسلامهم وهي قضية تأليه عيسى أو ادعاء أنه ابن لله عز وجلّ فالله عز وجلّ لما أنزل هذه السورة نص فيها على هذه الأسرة الكريمة وهي أسرة آل عمران ليقول لك إن عيسى ينتمي إلى سلالة بشرية معروفة كما تعرف سائر السلالات البشرية والأُسر الإنسانية المبثوثة في هذه الأرض فهناك أسرة يقال لها آل عمران منهم عيسى هذا الذي أنتم ادعيتم أنه ابن الله فهو من سلالة بشرية معروفة. فهو يرمز باسم السورة فلم يسمّها سورة الحيّ أو أُحد أو أيّ اسم آخر وسماها آل عمران للرد على النصارى بأن عيسى الذي تدعونه إلها أو ابنا لإله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا هو بشر كسائر البشر (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٥٩﴾) فإن كنتم تستغربون من عيسى وترون أنه ظاهرة مختلفة عن سائر البشر فأبونا آدم أشد غرابة لأن آدم لم يكن له أبوان وعيسى كان له أم من دون أب.

ام هُمام 01-15-2018 05:04 PM

ومما يؤكد أن هذه السورة سورة التوحيد معنى بلاغي في غاية الدقة وهو ما يسمى في البلاغة عند علماء البلاغة والبيان رد العجز على الصدر بمعنى أن المتحدث يبدأ بكلام يشير فيه إلى ما يريد أن يتحدث عنه ثم يختم كلامه بالعَوْد على الموضوع الأساس الذي بدأ به حديثه فيسمون هذا رد عجز الكلام على صدره أي أوله والقرآن كله بُني على هذه القاعدة البلاغية. فإذا نظرت إلى السبع الطوال أو السبع سور الأولى التي افتتح بها القرآن والسبع القصار التي ختم بها القرآن تجدها هكذا مثال: سورة الفاتحة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿١﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾) فجاء اسم الله والرب ومالك وآخر سورة في القرآن (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ النَّاسِ ﴿٢﴾
إِلَهِ النَّاسِ ﴿٣﴾) الأسماء الثلاثة الموجودة في سورة الفاتحة أعيدت في سورة الناس. سورة البقرة ذكر فيها قضية السحر والحسد بشكل واضح ولذلك من أعظم ما يُرقى به المسحور والمحسود سورة البقرة يقابلها سورة الفلق (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴿١﴾مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴿٢﴾ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴿٣﴾ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴿٤﴾ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴿٥﴾). إذا نظرت إلى سورة آل عمران (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴿٢﴾) يقابلها في آخر القرآن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿٤﴾)

ام هُمام 01-16-2018 05:14 PM

مواضيع السورة

هذه السورة فيها موضوعان أساسيان: الموضوع الأول هو قضية الحوار مع النصارى وقد نزلت آياتها الأولى في مناظرة النصارى ومجادلتهم ومحاجتهم عندما جاء وفد نصارى نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه السورة ليقيم الحجة عليهم في أعظم أمر أخلّوا فيه وهو قضية تأليه عيسى عليه الصلاة والسلام وادّعاء أنه إله أو ابن إله تعالى الله عما يشركون فجاءت هذه السورة لتفن هذا تمام عيسى من البشر وتحكي قصته من البداية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾) ثم تأتي بالقصة وكيف جاءت مريم وكيف تفرّغت مريم للعبادة ثم إن الله عز وجلّ كفلها زكريا ثم إن الله عز وجلّ جعل لها هذه الآية العجيبة وهي أن يخلق عيسى في جوفها من غير أب. ثم يقوم عيسى بدوره الذي أناطه الله به وهو القيام بالتوحيد وأنه عبد لله عز وجلّ كما في قوله جلّ وعلا لما قال لبني إسرائيل مبينا حقيقته (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿٥٠﴾ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴿٥١﴾) ثم بدأت الآيات تناقشهم وتحاورهم إلى أن وصل الحوار إلى مرحلة المباهلة وهي أن تدعو خصمك الذي لم يقبل بحجتك وتقول أنا متأكد أن حجتي بالغة وأنها قد مامت عليك وأن الذي يمنعك من قبولها هو الكبر وعدم الرضوخ للحق وإلا فبأيّ حق تدّعي لبشر أنه إله تعالَ تدعو عليّ وأدعو عليك، قال الله عز وجلّ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴿٦١﴾) أدعو أنا على نفسي بأني إن كنت كاذبًا في ما ادّعيته في حق عيسى أن يجعل الله عليّ لعنته وأنتم تقولون ذلك ثم نفذ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بنفسه فدعا فاطمة وعليا والحسن والحسين وقال للنصارى الذين جاؤوه من نجران: اخرجوا نبتهل فاجتمعوا وقالوا والله إنا نخشى أن تصيبنا هذه المباهلة بباقعة فلا تبقى منا نفس منفوسة بل ارضوا بمصالحة محمد وادفعوا له الجزية وهذا يدل على أنهم كانوا يعلمون أن الحق كان معه وأن الآيات التي أنزلها الله من سورة آل عمران قد أبلغت في الحجة وقطعت دابر أي شبهة لديهم ولذلك قال الله لهم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾) تجلّت هذه القضية بهذا الوضوح وهو قضية التوحيد في أكثر من مائة آية.

ام هُمام 01-17-2018 05:15 PM

عد هذا كله لما بيّن الله عظمة التوحيد وأهميته وأقام الحجة عليه بدأ يذكر مستلزمات هذا التوحيد ومن أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء والجهاد في سبيل الله، إذا كنت موحدًا لله حقًا فإنك ستقوم لله عز وجلّ بأمره بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتوالي وتعادي في الله وتجاهد في سبيل الله وهذا ما جاء بعد ذكر التوحيد فبعدما ذكر الله هذه القضايا قال للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠٣﴾ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾) ثم قال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿١١٠﴾) ثم بعدما انتهى من هذا ذكر قضية الولاء والبراء في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) لا تتخذوا أعدائي الذين يشركون بي بطانة تجعلونهم وزراء ومستشارين عندكم فإن هذا يتعارض مع أصل التوحيد، الولاء والبراء فرع عن التوحيد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) يودون عنتكم والمشقة التي تنزل عليكم قال الله عز وجلّ (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١١٨﴾ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿١١٩﴾)

ام هُمام 01-18-2018 05:53 PM

هذا الأمر الثاني. والأمر الثالث الجهاد وجاءت صورة الجهاد في غزوة أحد قال الله عز وجلّ (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿١٢١﴾) الجهاد لا يستقيم إلا على عامود التوحيد، هو ذروة سنام الإسلام لكن قبله ذروة السنام يقوم على أشياء أهمها وأعظمها وأجلّها التوحيد لأنه لا جهاد إلا بتوحيد والجهاد كله من أجل التوحيد وإراقة الدماء وقتل النفوس إنما يكون لأجل هذه الكلمة لا إله إلا الله ولا يمكن أن يبذل الإنسان نفسه ويهجم في ميدان المعركة وفي ساحة الوغى إلا وقد امتلأ قلبه بالتوحيد ولذلك جاءت هذه السورة لتعبر عن هذا المعنى وهو قصة غزوة أحد التي قال الله عز وجلّ (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٢٣﴾) ثم ذكرت بما حصل في بدر ثم قال الله عز وجلّ (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١٣٩﴾ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) أي في أُحد (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٠﴾ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿١٤١﴾ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٢﴾ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴿١٤٣﴾ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) لا يجوز لكم أن تعلّقوا دينكم بوجود النبي صلى الله عليه وسلم فالرسول قد بلّإ الرسالة وأدّآ الأمانة، أنتم تتعلقون بالله (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴿١٤٤﴾). ثم يضرب الله عز وجلّ لهم مثلا ممن سبقهم من الأمم التي ثبتت وصبرت على دينها مع شدة ما أصابها من اللأواء قال (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٦﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿١٤٧﴾ فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٤٨﴾).

ام هُمام 01-19-2018 06:45 PM

ثم يعود ليعقد صلة بين ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون في جهادهم فلا يتشبهوا بالكافرين ولا يطيعوهم ولا يسمعوا لهم لأن هؤلاء الكافرين لا يبتغون لنا إلا العنت والمشقة والذل والهزيمة والخيبة والخسران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿١٤٩﴾ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴿١٥٠﴾) تعلّقوا بالله. ثم تستمر الآيات على هذا المنوال إلى أن قال الله عز وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١٥٦﴾) وما تزال الآيات على هذا المنوال تجري وتأتي بأنواع من الدروس والعبر المتصلة بقضية الجهاد وما ينبغي للمسلمين أن يكونوا عليه من الآداب وإذا هزموا أن يعرفوا من أين جاءتهم الهزيمة (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٦٥﴾)

عادت السورة مرة أخرى إلى التوحيد (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿١٨١﴾) ثم قال بعدها (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴿١٨٧﴾) وهو رد على أهل الكتاب في كتمانهم العهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم، ثم ذكر دلائل التوحيد بقوله (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٨٩﴾ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠﴾

ام هُمام 01-20-2018 05:53 PM

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١﴾) ويذكر صفات هؤلاء المؤمنين المتعلقون بالله عز وجلّ الذين يدعون الله ويتوسلون إليه بإيمانهم وتوحيدهم (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴿١٩٣﴾) ثم يذكر الله سبحانه وتعالى ماذا أعطاهم فيقول الله (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴿١٩٥﴾) ثم يقول الله لنا في موضوع جاء في أول السورة وهو أن لا نغتر بالذين كفروا ولا بأموالهم ولا بما آتاهم الله من زينة الحياة الدنيا، جاءت في أول السورة وفي أوسطها وفي آخرها في قوله (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾) أكثر ما يغري الناس بحياة الكفار هو هذه السعة والبسطة في الرزق والمال والرغد في العيش والتنظيم في الحياة هذا يفتن الناس فالله يقول احذروا أن تدعوا هذا التوحيد والاستمساك بالدين والأمر بالمعروف والولاء لله والبراء لله والجهاد في سبيل الله اغترارا بما عند الكفار من نعيم الدنيا (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٩٧﴾) ثم يغريك بالجنة (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴿١٩٨﴾) ثم يقول مبيّنًا حقيقة عظيمة ومُنصِفة أن أهل الكتاب ليسوا على شاكلة واحدة بل منهم من رضي بالإسلام دينًا ووحّد الله عز وجلّ قال (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿١٩٩﴾). ثم ختمت هذه السورة بهذا الأمر العظيم الذي يلزم كل مؤمن حتى يلقى الله عز وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٢٠٠﴾)، وبهذا انتهت هذه السورة الكريمة المكونة من مئتي آية وقد نزلت كلها في المدينة.

ام هُمام 01-21-2018 04:40 PM

سورة النساء

نتحدث عن سورة النساء هذه السورة العظيمة التي هي ثاني أطول سورة في القرآن الكريم. هذه السورة سورة مدنية وموضوعاتها التي عالجتها هي موضوعات القرآن الذي نزل بالمدينة أحكام الأسرة والأحكام الشرعية المختلفة والتعامل مع اليهود والمنافقين وما إلى ذلك مما هو سارٍ في القرآن المدني.

هذه السورة الكريمة ذكر ابن مسعود أن فيها خمس آيات، يقول: ” إِنَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، لَخَمْسَ آيَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ثم ذكرهنّ وهي قول الله عز وجلّ (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴿٣١﴾)، وَقوله (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾) (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿١١٦﴾) وَقول الله عز وجلّ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)) وقول الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)) وقول الله عز وجلّ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١١٠﴾)

ونلاحظ أن ابن مسعود وجد أن هذه الآيات كلها آيات رجاء وفضل من الله سبحانه وتعالى على عباده فالمؤمن يفرح بمثل هذا الرجاء الذي يُنثر في السورة فكلما جاءت أحكام فيها شدة وقوة وتأكيد على حقوق العباد يذكر الله فضله على عباده وأنه يغفر لهم إذا اجتنبوا كبائر الذنوب وإن اجتنبوا الشرك ونحو ذلك.

ام هُمام 01-22-2018 05:57 PM

هذه السورة عند التأمل نجد أنها عنيت أشد العناية بالحقوق، ما هي الحقوق؟ هي جميع ما يلزم وما يُستحق: حقوق الله عز وجلّ سواء في توحيده أو في التزام شرعه أو حقوق العباد. ولما كانت في ذكر الحقوق ذكر الله عز وجلّ فيها وابتدأ بحقوق الضعفاء لأنها هي الحقوق التي يتخطاها الناس ويعتدون عليها فبدأ بهم لتعظيم شأنهم وتقديم أمرهم بل سميت هذه السورة سورة النساء لأن النساء عند العرب لم يكن لهن حق حتى إن المرأة من شدة هوانها عليهم كانوا يرثونها كما يورث سائر المتاع فإذا مات الرجل جاء أكبر أبنائه ووضع كساء على امرأة أبيه ثم صار له الخيار فيها إن شاء نكحها وإن شاء عضلها وإن شاء زوجها من يشاء وأخذ مهرها من شدة هوان النساء على العرب. وكان الرجل إذا مات لم يورثوا امرأة ولا صغيرا فجاءت هذه السورة لتنتصر لهؤلاء الضعفاء ولتؤكد على حقوقهم. يقول الله عز وجلّ في أول هذه السورة (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) هنا تذكير بحق الله وبحق الرحم (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) البداية هذه تدل على وجوب رعاية هذه الحقوق وأن الله رقيب على عباده في أدائهم. الحق الأول (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴿٢﴾) إثما عظيما (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) كثير من الناس يقول ما صلة الأيتام هؤلاء بالنساء والتعدد؟ كان الرجل تكون عنده اليتيمة بنت أخيه أو بنت أخته أو بنت عمه فيربيها فإذا ناهزت الإحتلام تزوجها وأنقص في مهرها بحجة أنه كان ينفق عليها فالله يقول له اتق الله، عامل هذه اليتيمة كما تعامل سائر النساء من بنات الناس، يقول له الله: إن خفت أن لا تقسط في حق هذه اليتيمة ولا تعدل ولا تؤدي إليها حقها الذي أوجبه الله لها فما ضيّق الله عليك، قد وسّع الله عليه فانكح غيرها (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)

ام هُمام 01-23-2018 05:39 PM

وحتى في قضية التعدد يؤكد على الحق وأنه لا بد أن يعدل الإنسان بين هؤلاء الزوجات اللواتي أباح الله له أن يجمع بينهن. ثم يذكر حق النساء في الصداق فيقول (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) عن طيب نفس وليس عن منّة أو خبث (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) لا تعتدوا على هذه المهور التي آتيتموهن فإنه حق لهن لا يحل لكم منه شيئ إلا ما طابت به أنفسهن. ثم ذكر حق الضعفاء (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) من حق السفيه الضعيف الذي لا يحسن التصرف بالمال أن تحفظ له ماله وتمسكه عنه فلا يبدده ويبذره (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿٥﴾) ثم ذكر حق اليتامى في أموالهم (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني لا تعطوا اليتيم ماله حتى تختبروه وتنظروا هل هو رشيد أم لا. ثم انتقل إلى حق النساء وحق الصغار في الإرث الذي كانت العرب تحرمهم منه فقال الله (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ) ما قال لكم نصيب يدخل فيه الرجال والنساء لكنه نصّ على الرجال ثم نصّ على النساء وقال (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) حتى لو ما ورثتم من أبيكم إلا عشرة ريالات اقسموا لهؤلاء الضعفاء من النساء والتامى حقهم (نَصِيبًا مَفْرُوضًا) تأكيد على هذا الحق. ونحن نقسم هذا المال قد يكون جالس بيننا قريب أو مسكين أو يتيم، له حق، حق جلوسه معنا لا بد أن نعتبره (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) لأن النفوس تتعلق بهذه الأشياء فلا يجوز أن نهمل هذه التعلّقات ثم يؤكد على حق اليتامى بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴿١٠﴾) ثم يشرع في قسمة الإرث، لماذا يقسم ربنا الإرث؟ لماذا لم يقل فاقسموه بينكم بالعدل ثم يتولى النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟ لعلمه سبحانه وتعالى أن النفوس أشح ما تكون في أمر الأموال ولذلك ما رضي أن يقسمها أحد سواه فإذا مات الميت يقسم المال بالطريقة التالية: قال الله عز وجلّ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ) بدأ بحق النساء، ويستمر في قسمة هذه الأموال حتى لما جاء إلى ذكر الأزواج قسم للزوج وقسم للزوجة (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) وقال (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ) لما انتهى من هذا كله وقسم وبيّن الحقوق توعد على مخالفة هذا بأنه محادة لله وتعدي لحدود الله فقال الله عز وجلّ (تلك حدود الله العظيم ومن يعص الله مهين)

ام هُمام 01-24-2018 05:06 PM

ثم تستمر الآيات في ذكر أحكام متفرقة إلى أن يعود مرة أخرى إلى حق هؤلاء الضعيفات فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) كما كانت العرب تفعل مع المرأة عندما يموت زوجها يرثونها كما يرثون سائر المتاع (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) أن تمنعوهن من النكاح (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ويؤكد على حقهن في العشرة (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) ثم يبين أيضًا حقهن في المهر (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿٢٠﴾) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أحق الشروط ما استحللتم به الفروج” يعني يجب الوفاء بكل شرط اشترطته المرأة عليك إلا أن تعفو هي عن حقها. وما تزال الآيات تذكر هذه الحقوق وتؤكد عليها وتستمر الآيات في ذكر ذلك كله إلى أن يقول الله سبحانه وتعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) لما ذكر الحقوق كاد الرجال أن يقولوا إذن النساء لا سلطان لنا عليهن قال الله (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فالرجل في جنسه وخلقته وما آتاه الله عز وجلّ أفضل من المرأة ليس فضيلة فرد على فرد وإنما فضيلة جنس على جنس ولذلك جعل الله القوامة بيده لأنه أقدر على القيام بها، قال (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ).

ام هُمام 01-25-2018 06:01 PM

ثم ذكر تلك المرأة التي تخرج عن طاعة الزوج (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) ويختم الآية بقوله (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) إن كان لك علو على المرأة كنت أكبر منها وأقوى وتستطيع أن تسيطر عليها فاعلم أن لك ربًا هو أعلى منك وأكبر، تذكر عظمته وعلوه فاتقِ الله في هذه الضعيفة التي ولاك الله أمرها. ثم قال (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴿٣٥﴾) ثم تأتي آيات الحقوق العشرة (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) الحق الأول أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، الحق الثاني (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، الثالث (وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)، الرابع (وَالْيَتَامَى)، الخامس (وَالْمَسَاكِينِ)،السادس (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) السابع (الجار الجنب) الثامن (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)، الجار ذي القربى الجار الذي هو من رحمك والجار الجنب الجار الذي ليس قريبًا لك والصاحب بالجنب كل من صحبك في عمل من صحبك في زمالة سفر أو ابتعاث أو غيرها فله حق بهذه الصحبة التي كانت بينكما حتى قال بعض العلماء إن الزوجة من الصاحب بالجنب التاسع (وَابْنِ السَّبِيلِ)، العاشر (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ملك اليمين له حق فارعَ حقه واتق الله أن تعتدي عليه أو تنقص من حقه شيئا ويدخل في ملك اليمين العبيد والإماء ويدخل فيه حتى الحيوانات التي ملكك الله شأنها فلا يجوز لك أن تسيء إليها أو تنقص من عيشها ورزقها.

ام هُمام 01-26-2018 05:20 PM

ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى ذكر أداء الأمانة التي هي من أعظم الحقوق فيقول الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٥٨﴾). ثم تذكر حق الله في الطاعة وحق الرسول صلى الله عليه وسلم في الطاعة وحق أولي الأمر أما حق الله فقد قال الله فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وأعاد الفعل لبيان أن طاعة الرسول مستقلة، يطاع الرسول ليس لأن الله عز وجلّ أمر بشيء والرسول جاء ليؤكد عليه، لا، بل لأن الرسول ذاته قد أمر به بغض النظر هل هذا الأمر جاء في القرآن أو جاء في غير القرآن لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى. ولما جاء إلى طاعة ولاة الأمر لم يفردهم بفعل مستقل ما قال وأطيعوا أولي الأمر لأن طاعتهم لا بد أن تكون موافقة لما جاء عن الله وعن رسوله فإذا أمروا بما أمر الله به ورسوله أطعناهم وإذا أمروا بشيء لم يأمر به الله ورسوله لم نطعهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطاعة في المعروف. فذكر هؤلاء الذين يطاعون الثلاثة، من هم أولو الأمر؟ العلماء والأمراء، هذا هو الصحيح في أولي الأمر والدليل على أن العلماء يدخلون في أولي الأمر قوله في نفس السورة (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أولي الأمر في هذه الآية هم العلماء ولما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأكّد عليها تحدث عن أولئك الذين ينحرفون عن طاعة الله وعن عدم تحكيم كتاب الله بقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿٦٠﴾) وقال مؤكدًا حق الرسول في الحكم (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٦٥﴾) ولما ذكر هذه الطاعة رغّب فيها بقوله (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴿٦٩﴾ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿٧٠﴾)

ام هُمام 01-28-2018 06:39 PM

نسأل الله أن نكون مع هذه الكوكبة التي هي خيار عباد الله على الإطلاق من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: الرسل، الصديقون، الشهداء الصالحون وما بعد هؤلاء هلكى. ولما ذكر طاعة الله ورسوله أكد على موضوع الجهاد لأنه من طاعة الله ورسوله وأيضًا من طاعة أولي الأمر والعجيب أنه لما ذكر الجهاد ذكر أن من أسباب وبواعث الجهاد نصرة الضعفاء والقيام بحقهم فقال سبحانه وتعالى (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٧٤﴾ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴿٧٥﴾) معنى الآية: لماذا لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين،؟ فالمستضعفون في بورما وفي أرتيريا ووفي إفريقيا الوسطى وفي غيرها من بلاد المسلمين لهم حق علينا، ليس فقط في المال بل في القتال يجب أن ننصرهم. لما سمع المعتصم بأن امرأة اعتدي عليها في عمورية في بلاد الروم وقالت وامعتصماه التفت من قصره وقال لها قد أجبناك وسيّر جيشا أوله هناك وآخره عنده فحاصر عمروية وأحرقها استجابة لنداء امرأة وحصل ذلك في المدينة عندما أجلى النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع فقد اعتدي على امرأة جاء رجل إلى امرأة من المسلمين فربط اسفل ثوبها بأعلاه فلما قامت انكشفت سوءتها فصاحت فغار لها رجل من المسلمين فقام إلى اليهودي فقتله ذلك المسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل فحاصرهم وأجلاهم من المدينة. ثم تستمر الآيات تذكر الحقوق وتؤكد عليها إلى أن جاءت إلى حق المسلم الذي يأتي إليك ليستشفع قال الله عز وجلّ (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا) اشفعوا ولا تتركوا إخوانكم إذا جاؤوا إليكم يطلبون منكم الشفاعة وتدعونهم، وإذا لقيت مسلمًا من حقه أن تسلم عليه وإذا سلم عليك من حقه أن ترد السلام (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴿٨٦﴾). ثم يذكر حق النفس وأن نفس المؤمن عظيمة عند الله، قال (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً)

ام هُمام 01-29-2018 05:12 PM

إلا على وجه الخطأ فقط ثم يذكر دية هذه النفس وحقها عند الله وأنه يجب على من قتلها شيئين: الدية والكفارة التي هي عتق رقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين حق لله في ذهاب هذه النفس المؤمنة أما قتلها عمدًا قال الله فيها هذه الآية الرهيبة (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿٩٣﴾) هل هناك أكثر من هذا الوعيد في حق من يعتدي على هذه النفوس البريئة المؤمنة حتى ولو التبس عليك أن هذه النفس قد تكون ليست مؤمنة فإياك إياك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) فتبينوا حتى في ميدان المعركة تبينوا لئلا تقع سيوفكم على من يتوقع أن يكون مسلمًا (فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) لو مر بكم إنسان قال السلام عليكم تشكون أنه كافر فلا يجوز لكم أن تعاملوه بهذا الشك الذي وقع في نفوسكم بل يجب عليكم أن تتبينوا منه. وهذه يقال إنها نزلت في حق أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه عندما كان في المعركة كان في المشركين رجل لا يدع للمسلمين شاذة ولا فاذة إلا أتبعها بسيفه وأثخن في المسلمين قال أسامة فلحقته فلما رفعت السيف وأهويت عليه قال أشهد أن لا إله إلا الله فقتلته وشك أسامة في الذي فعل فجاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وما توقع أن ردة الفعل عند النبي كانت قوية جدا قال يا اسامة أقتتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟! قال يا رسول الله إنما كان يتقي بها، قال: أشققت عن قلبه يا أسامة؟ أقتلته بعد أن قال قال لا إله إلا الله؟ يا أسامة كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يرددها حتى تمنيت أني اسلمت يومئذ ولذلك لما وقعت الفتنة في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حصلت إشكالات بين الصحابة وبين أناس آخرين كان أسامة ممن اعتزل الفتنة تماما ولم يدخل في شيء منها من ذلك الدرس النبوي البليغ يخشى أن يهوي سيفه على من قال لا إله إلا الله. سلوا الله أن لا نلقى الله بقطرة من دم مسلم تراها من أعظم الجرائم “ما يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما”.

ام هُمام 01-30-2018 06:02 PM

وما تزال الآيات تتحدث عن هذه الحقوق إلى أن يأتي إلى قول الله عز وجلّ (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) ورجع إلى أول السورة (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴿١٢٧﴾) ثم يذكر أن بعض النساء قد ترى من زوجها انصرافا عنها فيبين أن هناك مجال للصلح وأنه لا ينبغي أن يحصل بسبب ذلك ظلم (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١٢٨﴾). ثم يذكر أن العدل بين النساء واجب لكن فيما يستطيعه الناس لا في غير ما يستطيعونه (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) فالحب ليس بيد الإنسان أن يحب من يشاء ويكره من يشاء فهذا لا يؤاخذك الله إن أحببت واحدة ولم تحب الأخرى لكن يؤاخذك الله في القسط والعدل معها في النفقة والقسم والأمور التي تكون في وسعك وطاقتك.

ام هُمام 01-31-2018 08:20 PM

ولما ذكر هذه الحقوق ذكر حق الشهادة التي هي من أعظم الحقوق يقول الله فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ) ولو كانت هذه الشهادة على نفسك تصادمت أنت وواحد في الطريق وتعرف من نفسك أنك أنت المخطئ فنزلت لكن إذا اعترفت مع أن الظاهر لرجل المرور أنه ممكن تخفف المصيبة أو تقلبها على خصمك، لو اعترفت لزمك ثلاثين ألف ريال ماذا تفعل؟ قال الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) لا تشهد لأحد لفقره أو حتى لغناه بل اشهد لله وقم بحق الشهادة صادقا بغض النظر عن القرابات وبغض النظر عن المصالح وبغض النظر عن أي اعتبارات أخرى إلا أن تقوم بالشهادة لله عز وجلّ.

ام هُمام 02-01-2018 06:47 PM

وتستمر الآيات بهذا المنوال ويذكر الله ما فعل اليهود بالحقوق قال الله عز وجلّ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) (وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) إلى أن تختم السورة بقول الله عز وجلّ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) الكلالة هو الرجل الذي يموت لا والد له ولا ولد وإنما تكلله النسب ليس له إلا إخوة وبنو عمّ فهذا يسمى كلالة ففي هذه الحالة التي لا يكون للإنسان فيها لا والد ولا ولد لا أصل ولا فرع كيف يكون الإرث؟ (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) ويؤكد هنا على حق المرأة في هذا الإرث ولو كان كثيرا (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ) (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) عندما تنظر هذه النظرة الإجمالية للسورة وتعيد قرآءتها تنظر كيف اعتنت هذه السورة بالحقوق حق الله وحق عباده اعتبارا بالضعفاء والنساء وغيرهم فإنك ستقرأ السورة بشكل آخر وتفهم منها معاني قد لا تكون فكرت بها قبل ذلك.

ام هُمام 02-02-2018 06:33 PM

سورة المائدة

حديثنا حول سورة المائدة، هذه السورة الكريمة هي سورة العقود كما سماها بعض العلماء وذلك أنها افتتحت بهذا المعنى العظيم قال الله عز وجلّ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فمدار هذه السورة كلها من أولها إلى آخرها على الوفاء بالعقود سواء من ذلك ما اتصل بتوحيد الله عز وجلّ فالتوحيد أعظم عقد بين العبد وبين ربه جلّ وعلا، وهذه الكلمة التي ينطقها كل واحد منا فيقول (أشهد أن لا إله إلا الله) هي أعظم عقد تعقده في حياتك كلها وأعظم صفقة تكون بين اثنين هي هذه الصفقة أن تعلن بأنك لا تعبد ولا تستسلم ولا تتحاكم ولا تحكّم إلا الله سبحانه وتعالى، لا تؤمن بأحد ربًا ولا مشرّعًا ولا إلهًا إلا الله سبحانه وتعالى وتلتزم بذلك. ولذلك المشركون لما دعاهم النبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يقولوا (لا إله إلا الله) يقولوا هذه الكلمة أبوا، لو كانت كلمة لا معنى تحتها ولا عقد فيها لقالوها ولكن يعلمون أنهم إذا قالوها يجب عليهم أن يلتزموا بكل ما فيها لذلك رفضوا وأبوا (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴿٥﴾ ص) فأعظم العقود هو عقد التوحيد. ثم شرائع الإسلام كلها عقود: الصلاة عقد، أركان الإسلام عقود، البيع والشراء عقد، حفظ النفوس عقد، حفظ الأموال عقد، التحاكم إلى شرع الله عقد يجب الوفاء به والحرص عليه والقيام به وتأديته، كل هذه جاءت في هذه السورة الكريمة مع التأكيد على أن الله قد أخذ علينا العهد والميثاق أن نوفي بهذه العقود ونقوم بها حق القيام ولذلك قال هنا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

ام هُمام 02-03-2018 05:58 PM

ثم بدأ بشيء لا يتوقعه الناس قال (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فالله أحل لنا بهيمة الأنعام فلا يجوز لأحد أن يفتري على الله الكذب ويحرّم شيئا لم يحرمه الله لأن هذا يخالف العقد الذي بينك وبين الله، أنه لا يحق لأحد أن يحلل أو يحرم إلا الله بمقتضى قولك (لا إله إلا الله) فأنت إذا قلت لا إله إلا الله قد رضيت بأن الحكم كله لله (إن الحكم إلا لله) ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن يكون مشرّعا مع الله عز وجلّ. قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) كل ذلك لأنه إخلال بالعقد الذي بينك وبين ربك. ثم بيّ، الله ما هي المحرّمات لأن المشركين قد توسعوا في هذا الباب كما جاء في سورة الأنعام (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا) [الأنعام: 136] وصاروا يفترون على الله الكذب وهنا في سورة المائدة (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) هذه الأشياء التي افتريتموها على الله ما جعلها الله وما أذِن لكم بأن تجعلوها فلا يحل لكم أن تفتروا الله الكذب ولذلك قال هنا (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ) هذه هي المحرّمات فإياكم أن تفتروا على الله الكذب فتحرّموا شيئا لم يحرّمه الله. ولما ذكر هذه المحرمات بيّن ما يحلّ لنا من الأطعمة والأنكحة فقال سبحانه (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) كل الطيبات حلال لنا بدءًا من الماء وانتهاءً بآخر فاكهة نسمع بها في هذه الحياة ما دامت من الطيبات التي لا تضر فإنها حلّ لنا بمقتضى قوله (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ). ثم ذكر المنكوحات فقال (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ). ثم ذكر الطهارة فهي عقد أيضا يجب عليك أن تستلزم بها في الحر والبرد، في العسر واليسر، في المنشط والمكره ومنه غسل الجنابة.

ام هُمام 02-04-2018 07:12 PM

بعدما انتهى من هذه المقدمات اليسيرة التي تمثل نماذج لهذه العقود التي بين العبد وبين ربه اسمعوا ماذا قال الله لتتأكدوا أن هذه السورة سورة العقود والعهود والمواثيق قال الله عز وجلّ لأمّتنا (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿٧﴾) قد اعترفتم بأن بينكم وبين ربكم عهدًا وميثاقًا فإياكم أن تخلّوا بهذا العهد والميثاق وقد قلتم معترفين (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فنحن نطالبكم بمقتضى هذا الاعتراف بالسمع والطاعة وذكر الله عقيدًا عظيمًا جاء في سورة النساء وجاء هنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) هذا من العقود العظيمة التي تهتز عندها النفوس الضعيفة (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) حتى من تبغضون من أعدائكم لا تتخلفوا عن العدل والشهادة بالقسط والحق ولو مثقال ذرة. لو جاءك مسلم ويهودي يشتكيان في أرض، اليهودي له قطعة مقدارها مئة متر والمسلم عنده قطعة مقدارها مليوم متر وقد أخذ المسلم من اليهودي مترًا واحدًا فلا تمالئ هذا المسلم وتقول هذا يهويد يستحق أن أظلمه، لا، العدل قيمة مطلقة واجبة في كل حال لكل أحد.

ام هُمام 02-05-2018 07:04 PM

ثم انتقل ربنا سبحانه وتعالى إلى العهد الذي أُخذ على بني إسرائيل، انتهى من أمة محمد، قال (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) لتأكيد ذلك العهد (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ) إذا قمتم بهذا العهد (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) فماذا فعل اليهود؟ نقضوا العهد، قال الله عز وجلّ (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) نسوا شيئًا من الشرع الذي أوحي إليهم وأُنزل عليهم ولا تزال يا محمد (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ) يخونون وينكثون العهد (إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) وهذا من عدل القرآن، هناك جماعة من اليهود لم يحصل منهم شيء قال الله (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

ام هُمام 02-06-2018 06:02 PM

انتهى من اليهود بدأ بالنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) تركوا شيئا مما شرع عليهم (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) من أسباب العداوة والبغضاء في الأمة أن يدعوا شيئا من العهد الذي ينتهم وبين ربهم سبحانه وتعالى، قال الله عز وجلّ (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) ثم دعاهم جميعا إلى الإيمان بهذا النبي حتى تستقيم أحوالهم يقول لهم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿١٥﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿١٦﴾)

ام هُمام 02-07-2018 07:08 PM

ثم ذكرت هذه السورة العظيمة قصة لموسى عليه الصلاة والسلام تبين كيف أن بني إسرائيل كانوا لا يوفون بالعهود ويخذلون أنبياءهم في أحلك الظروف وأشد المواطن (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴿٢٠﴾ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) موسى يعرض عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يكون لهم ملك ويكون لهم دولة ويكون لهم شأن (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿٢١﴾) فقال بنو إسرائيل (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴿٢٢﴾) نحن نريد بلدًا على طبق من ذهب وليس عندنا استعداد أن نجاهد ونقاتل وتسيل منا الدماء! نحن أطعناك واتبعناك من دون بلاء ومشاكل، نريد دينًا من غير ثمن، نريد جنة من غير تعب كحال كثير من المسلمين تقول له هذا الطريق الذي تسلكه والدين لذي أخذته من ربك فيه مشقة شديدة وفيه بلاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ العنكبوت).

ام هُمام 02-08-2018 05:25 PM

قال الله عز وجلّ مبينًا أنهم ليسوا كلهم كذلك (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿٢٣﴾) (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴿٢٤﴾) افتحها لنا يا موسى وإذا انتهيت أنت وربك من فتحها بلّغنا نأتي! هنا غضب موسى عليهم غضبا شديدا ودعا عليهم (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿٢٥﴾ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) أربعون سنة! (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) هذه عقوبة في غاية الغرابة هم أعرضوا عن الدخول فجعل الله عقوبتهم بأن لا يدخلوا وأن يتيهوا في الأرض فتاهوا في أرض سيناء يخرجون من الصباح يدورون في هذه الصحراء القاحلة ثم يعودون في الليل إلى المكان الذي خرجوا منه أربعون عامًاّ لو قيل لك أنك ستتوه في مدينة أربع ساعات لضاق صدرك ولو قيل إنها أربعة أيام فيمكن أن تتمنى الموت! تخيل أنك تبحث عن صاحبك في مدينة أربعة أيام قد تموت من شدة الغيظ والقهر، أحدنا إذا بحث عن بيت أربعة دقائق ملّ ورجع! هؤلاء بقوا أربعين عامًا عقوبة لهم من الله ومات موسى وهارون في أرض التيه، وأرض التيه وهي الأرض التي أنزل عليهم فيها المن والسلوى كما جاء في سورة البقرة وغيرها.

ام هُمام 02-09-2018 08:17 PM

ثم ذكر الله عقدًا آخر من العقود العظيمة وهو عقد النفس المحرّمة (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿٢٧﴾ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٨﴾ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿٢٩﴾ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ) كانت هذه أول نفس تُزهق من بني آدم ولذلك كل من قتل بعد هذه النفس فعلى القاتل الأول شيء من وزرها لأنه أول من سنّ القتل في بني آدم ولذلك قال الله عز وجلّ (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)


الساعة الآن 05:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009