ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=105)
-   -   خطبة عندما تكون الدولة للرعاع والسفلة والسفهاء. الشيخ: فؤاد أبوسعيد حفظه الله (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=4691)

أسامة خضر 08-26-2011 02:50 PM

خطبة عندما تكون الدولة للرعاع والسفلة والسفهاء
 
عندما تكون الدولة


للرَّعاع والسفهاء والسَّفِلة

الحمد لله
قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26)، وقال جل جلاله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25).
عباد الله! هل نحن نعيش في آخر الزمان؟ الذي فيه الدولة للرَّعاع والطَّغامِ والسَّفِلة والسفهاء؟ أين الحكماء وأين العقلاء؟ أين أهلُ الخير أين الصالحون؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، =فالجيل الذاهب لا يعود ولا يكون مثله=، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ، أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً»... صحيح البخاري (6434) عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ. [أَيْ لَا يَرْفَع لَهُمْ قَدْرا، وَلا يقِيم لَهُمْ وَزْنًا] النهاية في غريب الحديث والأثر في (بَلا) (1/ 156). إن في الفتنِ والابتلاءِ حصاداً للمنافقين، وتمحيصاً للمؤمنين، فيها تسقط أقنعة، وتتهاوى أنظمة، وتضطَّرب أُمم، وتتزلزل دول، وتتغير حكومات، وتتبدل زعاماتٌ وشخصيات، فيصبح السجَّانُ سجينا، والحاكمُ محكوما، ويَتَّخذُ الناسُ رؤوساً جُهَّالاً، فيكون الضلال والإضلال، وتظهر التحوت، وتختفي الأوعال، [أَيْ يَغْلب الضُّعفاء مِنَ النَّاسِ أقْويَاءَهم] وينطقُ الرويبضة، ويقرَّب السفهاء، ويستبعد الحكماء، ويُستفتى الجهلاء، ويحذَّرُ من العلماء، العاقلُ؛ ليس له كلمة مسموعة، والصعلوك له الرايات والأعلام مرفوعة، والرويبضة؛ وسائل الإعلام بين يديه موضوعة، والتافه؛ حوله الناس مجموعة، والحكم والدولة للرَّعاع والسَّفِلة.
في زمن الفتن والابتلاءات؛ تَغيبُ شعارات، وتُسْتَحْدثُ شعارات، وتتلاشى علامات، وتجدُّ نداءات، وتُبتدعُ عبارات، وتُخدَّرُ الأمةُ بسيل من كلماتٍ رنَّانة، ولقاءاتٍ طنَّانة، وإلى الغيب المجهول حنَّانة، وبأمجادٍ مُدَّعاةٍ منَّانة.
في دولة الرَّعاع؛ احتقارٌ للصالحين، وازدراءٌ للخيِّرين، ووصْمٌ للصحابة بأنهم نُخالة!! دَخَلَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو، -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ؛ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ). م (1830)
قال النووي: [.. إِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ هُمْ صَفْوَةُ النَّاسِ، وِسَادَاتُ الأُمَّةِ، وَأَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ قُدْوَةٌ، لا نُخَالَةَ فِيهِمْ، وَإِنَّمَا جَاءَ التَّخْلِيطُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ كَانَتِ النُّخَالَةُ, قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ". قَالُوا هُوَ الْعَنِيفُ فِي رعيته، لايرفق بِهَا فِي سَوْقِهَا وَمَرْعَاهَا، بَلْ يَحْطِمُهَا فِي ذَلِكَ، وَفِي سَقْيِهَا وَغَيْرِهِ؛ وَيَزْحَمُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يُؤْذِيهَا وَيَحْطِمُهَا..] شرح النووي على مسلم (12/ 216). قال سبحانه: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران من الآية: 140)، وصدق من قال: (لكل زمانٍ دولةٌ ورجال).
في زمن الفتن والابتلاء، وعندما يكون أسعدَ الناسِ بالدنيا لُكَعُ بنُ لكع، ولئيمُ بن لئيم؛ يكون المعروفُ منكرا، والمنكرُ معروفا، والسنةُ بدعة، والبدعةُ سنة، يبيع أحدهم دينَه بعَرَضٍ من الدنيا قليل، بالأمس القريب كانت الاستعانة بالغرب الصليبيِّ عند الرَّعاع والطَّغام والسفهاء؛ خيانةً وكفرا ومروقا من الدين!!
فأصبحت الاستعانةُ بغربهم الصليبيِّ؛ ليدِّمرَ جيوشَنا، ويخرِّبَ أرضَنا، ويمتصَّ خيراتِنا، ويستوليَ على مقدَّراتِنا، ويقتلَ أبناء أمَّتِنا، أصبحَ هذا بين عشيَّةٍ وضحاها عند الرَّعاع؛ عروبةً ووطنيةًً وديناً، ودفاعا عن المدنيين. إن للرَّعاع والسفهاء دولةً ستكون آخر الزمان، تُغيَّبُ فيها العقول، ويَكثر فيها القتل، حتى يَقتلَ فيها القريبُ قريبَه، قال أَبُو مُوسَى: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ». فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَقْتُلُ الآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ، وَذَا قَرَابَتِهِ»، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا! تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لا عُقُولَ لَهُمْ». ثُمَّ قَالَ الأَشْعَرِيُّ: (وَايْمُ اللَّهِ! إِنِّي لأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ! مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ، إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِلاَّ أَنْ نَخْرُجَ كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا). سنن ابن ماجه (3959).
وتمهيدا لهذه الدولة؛ «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، =[قَالَ السُّيُوطِيُّ: أَيْ تَكْثُرُ فِيهَا الأَمْطَارُ وَيَقِلُّ الرَّبِيعُ؛ فَذَلِكَ خَدْعُهَا، أَيْ: لأَنَّهُمْ تُطْمِعُهُمْ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ]، حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 494)=، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، =منه -والله أعلم- غالبُ وسائلِ الإعلام= وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، =وهو من يذكِّر الناس بدينهم= وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلَّمُ في أَمْرِ الْعَامَّةِ». ابن ماجه (4036) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، الصحيحة (1887). فماذا ننتظرُ إذا تسلَّم زمامَ الأمورِ؛ «الرويبضة»، وتسنَّم سُدَّةَ الحكم؛ «التافه» و«الفويسق»، (مسند أحمد ط الرسالة (21/ 24) (13298)، وأُمِّرَ على العامَّة؛ «الوضيع»، (الفتن لنعيم بن حماد (2/ 523) ح(1470)، ونطق باسم الأمّةِ؛ «السفيه»، (مسند أحمد ط الرسالة (13/ 291) ح(7912). وتكلَّم في أمر العامة؛ «مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ»، فاستُمع له؟! (مسند الروياني: 1/ 387) ح(588) شرح مشكل الآثار (1/ 404) ح(464) المعجم الكبير للطبراني (18/ 67) ح(125)
عن طرفة السُّلَمي قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: (إنها لم تكن دولةُ حقٍّ قط؛ إلا أديل آدمُ على إبليس، ولا دولةُ باطلٍ قطُّ؛ إلا أديل إبليسُ على آدم، أُمر إبليس بالسجود فعصى، فأديل عليه آدم، حتى قَتَل الرجلان أحدهما صاحبَه؛ فأديل عليه إبليس، وإنها ستكون فتن؛ فتنة خاصة، وفتنة عامة، وفتنة خاصة، وفتنة عامة). فقيل: يا أمير المؤمنين! ما الفتنة الخاصة والفتنة العامة؟ وفتنة الخاصة وفتنة العامة؟ قال فقال: (يكون الإمامان؛ إمامُ حقٍّ وإمامُ باطل، فيفيء من الحقِّ إلى الباطل، ومن الباطلِ إلى الحقّ، فهذه فتنة الخاصة، ويكون الإمامان؛ إمامُ حقٍّ، وإمامُ باطل، فيفيء من الحقِّ إلى الباطل، ومن الباطلِ إلى الحقِّ، فهذه فتنة العامة). الحاكم في مستدركه (4/ 596) (8657) وقال الحافظ الذهبي في التلخيص: (على شرط البخاري ومسلم). وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (تُوشِكُ الْقُرَى أَنْ تَخْرَبَ وَهِيَ عَامِرَةٌ)، قِيلَ: كَيْفَ تَخْرَبُ وَهِيَ عَامِرَةٌ؟ قَالَ: (إِذَا عَلا فُجَّارُهَا أَبْرَارَهَا، وَسَادَ الْقَبِيلَة مُنَافِقُوهَا). العقوبات لابن أبي الدنيا (ص: 46) ح(44)، (أبو موسى المدينى فى كتاب دولة الأشرار)، وكنـز العمال (31487). وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الأَشْعَثِ: (إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَوْلَةً، حَتَّى إِنَّ لِلْحُمْقِ عَلَى الْحِلْمِ دَوْلَةً!). مصنف ابن أبي شيبة (11/ 98) (31209)، والبدع لابن وضاح (2/ 146) (209).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: (لِكُلِّ شَيْءٍ دَوْلَةٌ تُصِيبُهُ, فَلِلأَشْرَافِ عَلَى الصَّعَالِيكِ دَوْلَةٌ, ثُمَّ لِلصَّعَالِيكِ وَسَفِلَةِ النَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ؛ حَتَّى يُدَالَ لَهُمْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ, فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرُوَيْدَكَ الدَّجَّالُ, ثُمَّ السَّاعَةُ, {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}). (القمر: 46). البدع لابن وضاح (2/ 146) (210)، والفتن لنعيم بن حماد (1/ 243) (689).
وهذا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ؛ أَنْ تُرْفَعَ الأَشْرَارُ وَتُوضَعَ الأَخْيَارُ، وَيُفْتَحَ الْقَوْلُ وَيُخْزَنَ الْعَمَلُ، وَيُقْرَأَ بِالْقَوْمِ الْمُثَنَّاةُ لَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ يُنْكِرُهَا» قِيلَ: وَمَا الْمُثَنَّاةُ؟ قَالَ: «مَا اكْتُتِبَتْ سِوَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». المستدرك للحاكم (4/ 597)، والصحيحة (2821).
سأل سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ, ابْنَ الْمُبَارَكِ: (مَنِ النَّاسُ؟) قَالَ: (الْعُلَمَاءُ), قُلْتُ: (فَمَنِ الْمُلُوكُ؟) قَالَ: (الزُّهَادُ). قُلْتُ: (فَمَنِ الْغَوْغَاءُ؟) قَالَ: (خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ)، =هو خزيمة بن خازم، من أكابر قوّاد المأمون، توفي سنة ثلاث ومائتين=، قُلْتُ: (فَمَنِ السَّفِلَةُ؟) قَالَ: (الَّذِينَ يَعِيشُونَ =أي يأكلون= بِدِينِهِمْ). حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/ 167)، وقَالَ حُذَيْفَةُ: (وَاللَّهِ لا يَأْتِيهِمْ أَمْرٌ يَضِجُّونَ مِنْهُ؛ إِلاَّ أَرْدَفَهُمْ أَمْرٌ يُشْغِلُهُمْ عَنْهُ). مصنف ابن أبي شيبة (7/ 458) ح(37207). في الفتن؛ الغوغاءُ دون قادةٍ لا يفلحون، والسفهاءُ دون سادةٍ يخرِّبون أكثر مما يعمِّرون، فكيف إذا سادَ القبيلةَ أرذلُهم، وقادَ القومَ أسفلُهم؛ لكعُ بن لكع؟!
إنَّ الحركاتِ والثوراتِ –إن صحَّ التعبير- إنْ لم يكن لها أهدافٌ مشروعة، أو غاياتٌ إصلاحيةٌ خيريةٌ معروفة؛ فمصيرها الفشلُ الوخيم، وعاقبتُها الخذلانُ الذميم، ونهايتُها الندمُ المستديم، وسيسرقُ فوائدَها كلُّ خبيثٍ لئيم.
إنَّ التفكيرَ في سيئاتِ الماضي فقط، ونسيانَ الحاضرِ والمستقبلِ؛ يؤدي إلى الفشلِ الذريع، والتخبُّطِ الشنيع، فلقد رأينا التركيزَ من العوام والطَّغام، على سَجنِ المسئولين، ومحاسبةِ الوزراء، ومحاكمة الحكام والرؤساء، ولم يُعطُوا عُشرَ مِعشارِ هذا الاهتمام والتركيز إلى النظر في مستقبل الدولة، وإصلاحِ فاسدها، وإقصاء مفسدها.
لم أجدْ ولم أسمعْ من يأمرُ بتوحيد الله عز وجل، وإقامةِ شرعه الحنيفِ في الأنفس ومن يَلُوْن، ولا أحدَ نادى أو طالب ببناء المساجد، ولا بإغلاق حانات الخمور، وصالاتِ الرقص والعري، ومواخيرِ الدعارة والفجور، وأوكارِ القمار، وأماكنِ الفسادِ والإفساد، التي ينمو فيها التجسس، ويكثر فيها العملاء. فهل الغوغاء والسفهاء يهمهم ذلك؟؟
إن الحروب قديما تُشن باجتياح الجيوش المعادية، فيستولون على العباد، وخيرات البلاد، وتبقى العداوةُ لهذا المعتدي ودولتِه، واليوم؛ فكَّر العدوُّ في حربٍ لا تكلِّفه خسارةً في الأرواح والأموال، ولا تكون عداوة بل تكون صداقة!! وهذه الحرب نوعان؛ الأول: حرب الأخلاق والمبادئ والأفكار، فنشروا الرذيلة عبر وسائل الإعلام بين المسلمين؛ فقبلوها، وحثُّوا على الفاحشة فاستمرؤوها، وبثوا العقائد الفاسدة، والأفكار الإلحادية؛ فتشربها بعض المسلمين، وبعضهم تخلخلت بها عقائدُهم، وبقية المؤمنين عصمهم الله سبحانه فلفظوها. والنوع الآخر من الحروب؛ حربٌ دون خسائرَ بشريَّة، وإن بُذِلت أموالٌ؛ فستستردُّ من قوت المسلمين ودمائهم، ألا وهي تحريكُ الدهماء، والعامةِ والسفهاء؛ فتُزيِّنُ لهم الدولُ المعاديةُ تغييرَ الحكام، وتحسِّنُ لهم إسقاطَ الأنظمة، وتمنِّيهم بالحكمِ والملك والسلطان، وتُسَيِّلُ لعابَهم بالرواتب، والرتبِ والمراتب، والأموالِ والمناصب، فالعدوُّ؛ علَّمه الشيطان هذه الطرقَ وتلك المسالك، قال سبحانه: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (النساء: 120)، فيثورون على أنفسهم أولا؛ بتدمير ممتلكات الشعب الخاصة والعامة، من إحراق السيارات والمحلات، وقطع الطرقات، وما يتبع ذلك من النهب والسلب، كما نرى ونشاهد عند كلِّ ثورة وانقلاب، أو نصر موهوم مزعوم.
ثم ينتفضون ثانيا على عسكرهم وجيشهم، وتسيل الدماء، وتُزهَق الأرواح، ويعمُّ البلاء، وإخوانهم من الغرب والشرق؛ {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} (الأعراف: 202)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الرحيم، فتضعف الأمة بضعفِ جيشها، وانهيارِ اقتصادها، فوقَ ضعفِها بسببِ بُعدها عن ربِّها ودينِها، وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم، فتشتدُّ حاجتُها، وعَيلتُها على غيرها من دولِ الاعتداء والطغيان، ويمدون أيدهم يتسولون؛ فأحيانا يمنحون لُقمة، وأحيانا كثيرةً يعطونهم لَكْمة، وهذه نتائجُ الجهلِ بديننا، وعواقبُ السفهِ على علمائنا وأولياء أمورنا، وخواتيمُ العتهِ ونهاية الغوغاية؛ أن جعلوا عقولهم في آذانهم، قال الشاعر:

انظر الشعبَ [المُعَنّى] ... كيف يُوْحُون إليهِ


يا له من ببغاءٍ ... عقله في أُذُنيْه

من كتاب الدعوة والدعاء شرع من الله لجميع عباده للشيخ سعد الحصين.
هذه النتائج هي الفشل والتنازع، والاختلاف والتفرق، وذهاب الريح، وقد قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46)، ثم الندم ولات حين مندم، وفات وقت الندم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 227). توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، هذه نبذة من تاريخ المغرضين والسفهاء، في إثارة الفتن والقلاقل بين المسلمين ضد أولياء أمورهم؛ إمَّا لأهداف دنيئة خبيثة، وخدمةً لأعداء الإسلام والمسلمين، أو لأغراض ناشئة عن شبهات أو شهوات دنيوية، لولا عصمة الله جل جلاله لهذه الأمة، فمَن قتل –وفي صلاة الصبح- أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، غير أبي لؤلؤة المجوسي خدمة لدولة الفرس؟ ومن قتل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وهو صائم، ويقرأ في المصحف، غير الثوار والسفهاء الجهلة؛ لشبهات عندهم، وأغراضٍ في أنفسهم؟ ومن قتل -وفي صلاة الصبح- عليَّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، غير السفيهِ الخارجيِّ عبد الرحمن بن ملجم، ظانا أنه بذلك ينصر الحكم بما أنزل الله؟ ومن حاول اغتيال معاوية بالشام، وعمرو بن العاص بمصر رضي الله تعالى عنهما، فنجاهما الله سبحانه. من؟ من غير سفهاء الخوارج؛ ظانين أنَّ في ذلك نصرةً للدين؟
واليوم؛ ما هو عمل المسلم الحريص على دينه نحو هذه الأحداث؟ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (كُونُوا فِي النَّاسِ كَالنَّحْلَةِ فِي الطَّيْرِ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطَّيْرِ شَيْءٌ إِلاَّ وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ يَعْلَمُ الطَّيْرُ مَا فِي أَجْوَافِهَا مِنَ الْبَرَكَةِ؛ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِهَا، خَالِطُوا النَّاسَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَجْسَادِكُمْ، وَزَايِلُوهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَقُلُوبِكُمْ، فَإِنَّ لِلْمَرْءِ مَا اكْتَسَبَ، وَهُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) المستدرك للحاكم (3/ 386) ح(5464)، وعزاه في السلسلة الضعيفة (3/ 336) للدارمي (1/92) عن علي موقوفا وقال: [إسناده حسن].
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلا إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، فَيَلِيَكُمْ عُمَّالٌ مِنْ بَعْدِي، =وهم –والله أعلم- أولياء الأمور= يقولون ما يعلمون، وَيَعْمَلُونَ بمَا تَعْرِفُونَ، وَطَاعَةُ أُولَئِكَ طَاعَةٌ، فَتَلْبِثُونَ كَذَلِكَ دهرًا، ثُمَّ يَلِيكُمْ عُمَّالٌ مِنْ بَعْدِهِمْ، يقولون ما لا يعلمون، وَيَعْمَلُونَ مَا لا يَعْرِفُونَ، فَمَنْ ناصحهم ووَازَرَهم وشَدَّ على أَعْضادِهم؛ فَأُولَئِكَ قَدْ هَلَكُوا وَأَهْلَكُوا، وخَالِطُوهُمْ بأجْسَادِكُمْ، وَزَايِلُوهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، =(أي فارِقُوهم في الأفْعَال التي لا تُرْضى اللّه ورسوله) النهاية في غريب الأثر في (زَيَل)= واشْهَدُوا عَلَى الْمُحْسِنِ أَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَعَلَى الْمُسِيءِ أَنَّهُ مُسِيءٌ». عزاه في الصحيحة (457) للطبراني في "الأوسط" (1/ 196/ 2) والبيهقي في "الزهد الكبير" (22/ 1).
وعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً كَفَّ يَدَهُ، وَأَمْسَكَ لِسَانَهُ، وَأَغْنَى نَفْسَهُ، وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ, لَهُ مَا احْتَسَبَ, وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ, أَلا إِنَّ الأَعْمَالَ أَسْرَعُ إِلَيْهِمْ مِنْ سُيُوفِ الْمُؤْمِنِينَ, أَلا إِنَّ لِلْحَقِّ دَوْلَةً يَأْتِي بِهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ). مصنف ابن أبي شيبة (7/ 454) ح(37171)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ، وَأُمُورٌ مُشْبِهَاتٌ, فَعَلَيْكَ بِالتُّؤَدَةِ، فَتَكُونُ تَابِعًا فِي الْخَيْرِ؛ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ رَأْسًا فِي الشَّرِّ). مصنف ابن أبي شيبة (7/ 456) ح(37188)، فـ"لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى حُثَالَةِ النَّاسِ". مسند أحمد ط الرسالة (25/ 472) ح(16071) والمستدرك للحاكم (4/ 541) ح(8517)، وقَالَ: [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ] ووافقه الذهبي.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَصَارُوا كَهَذَا؟» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «اعْمَلْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَوَامَّهُمْ». المعجم الكبير للطبراني (6/ 196) ح(5984)، الصحيحة (206).
عندما تكون الدولةُ للسفهاء؛ «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ». سنن أبي داود (4343)، الصحيحة (205).
واعلموا أنه «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَيُخَوَّنَ الأَمِينُ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَكَيْفَ الْمُؤْمِنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «كَالنَّحْلَةِ؛ وَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِرْ، وَأَكلَتْ فَلَمْ تُفْسِدْ، وَوَضَعَتْ طِيبًا، وَكَقِطْعَةِ الذَّهَبِ؛ أُدْخِلَتِ النَّارَ فَأُخْرِجَتْ فَلَمْ تَزْدَدْ إِلاَّ جَوْدَةً». مسند البزار (6/ 407) ح(2432)، الصحيحة (5/ 323).
جمعها من مظانها وألف بين جملها
أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد
الزعفران- الوسطى- غزة- فلسطين
26 رمضان 1432 هلاليه. وفق 26/ 8/ 2011 شمسية.
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكترونيzafran57@hotmail.com
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com

almojahed 08-29-2011 12:39 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله اليكم و إلى شيخنا الفاضل ابو المنذر اطال الله في عمره و جمعنا و إياه مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم في الفردوس الأعلى
و ارجو إبلاغه تحياتنا أخي ابو عبد الله من أبراج العودة رأسا إلى المغازي مسجد الزعفران
و كل عام و انتم بخير

ابونواف 11-21-2011 07:53 PM

جزاك الله خير الجزاء اخي في الله موضوع في قمه الروعه
تقبل تحياتي

ابو عبد الرحمن 11-22-2011 08:34 PM

جزاك الله عنا خير الجزاء وبارك الله فيك شيخنا الكريم وزادك علما وحفك من كل سوء

جندالاسلام 12-15-2011 08:25 AM


ام هُمام 04-02-2012 09:53 AM

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم


الساعة الآن 10:52 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009