ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   قسم تفسير القرآن الكريم (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=78)
-   -   نداءات الرحمن لأهل الإيمان (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=17246)

ام هُمام 10-29-2016 04:32 PM

نداءات الرحمن لأهل الإيمان
 
:1:
النداء الأول: في الأدب مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
الآية (104) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
الشرح:
هذا نداء الله تعالى لعباده المؤمنين، ناداهم بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي بإيمانه، يسمع ويعقل ويقدر على الفعل والترك بخلاف الكافر، فإنه لا يسمع ولا يعقل ولا يفعل إن أمر، ولا يترك إن نهي، واعلم أيها القارئ لهذا النداء أن الله تعالى إذا نادى عباده المؤمنين إنما يناديهم ليأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم، أو لينهاهم عما فيه شقاؤهم ونقصانهم أو ليبشرهم، أو ينذرهم، أو ليعلمهم ما ينفعهم، ولنستمع إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد قال له رجل: اعهد إلى يا عبد الله، فقال له: إذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأعرها سمعك فإنه خير يؤمر به أو شر ينهى عنه. وقد نادى الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية لينهاهم عن كلمة راعنا، ويرشدهم إلى كلمة انظرنا؛ وذلك لأن المنافقين من اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم راعنا وهى في لغتهم العبرية بمعنى الاستهزاء والسخرية، فكانوا بذلك يستهزؤون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه، والاستهزاء بالرسول والسخرية منة كفر، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا إليه يتعلمون الكتاب والحكمة راعنا وليقولوا بدلها وهى في العربية بمعناها أنظرنا بمعنى أمهلنا، ولا تعجل علينا حتى نحفظ أو نفهم ما تقول لنا. وأمرهم بالإصغاء والسماع عند تلقي العلم والمعرفة والتأدب في ذلك. وأعلمهم أن للكافرين وهم المستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وسلم والساخرون منه من اليهود وغيرهم عذابا أليما أي شديدا موجعا، وقد ينالهم في الدنيا فبل الآخرة، وفى هذه الآية الكريمة بيان وجوب الأدب مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وحرمة الإساءة إليه بقول أو عمل هذا مع الجهل وعدم العلم، أما مع العلم بأن اللفظة أو الحركة فيها إساءة أدب مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإن ذلك هو الكفر بعينه، والعياذ بالله تعالى، وكما أن إساءة الأدب مع رسول الله محرمة وقد تكون كفرا مع التعمد والقصد، فإن إساءة الأدب مع المربي والمعلم والمرشد والأمير محرمة أيضا، كما أن عيب المؤمن أو احتقاره أو الهزء به أو السخرية منه محرمة وفاعلها فاسق إن لم يتب من ذلك، ولنقرأ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ألا فلنحذر إساءة الأدب مع الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) فإذا ذكر الله تعالى أو تلي كتابه يجب أن نصغي ونخشع، ولا نرفع أصواتنا، أو نضحك، وإذا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو حديثه يجب أن نصغي ويظهر علينا إجلاله واحترامه وحبه وتقديره، وهذه ثمرة هذا النداء الإلهي الذي أكرمنا الله تعالى بحفظه وفهم معناه. فلنجتنيها ولننتفع بها، ولنحمد الله تعالى عليها ونشكره، وهو أهل الحمد والشكر والثناء.
وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
:2:

ام هُمام 10-29-2016 04:36 PM

النداء الثاني: في الاستعانة بالصبر والصلاة
الآية (153) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا سمعت الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأعرها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. أو بشري يزفها، أو خطر يحذر منه، فإذا أمرك فافعل وإذا نهاك فانته، وإذا بشرك فابشر واحمده، وإذا حذرك فاحذر وانج بفضله، واذكر أيها القارئ والمستمع أن نداء الله تعالى لك بإيمانك شرف لك وأي شرف!! وإلا فمن أنت حتى يناديك رب العالمين!! واذكر أن شرفك كان بالإيمان به تعالى وبلقائه وملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره، إن الإيمان بمثابة الروح للإنسان، فالمؤمن بحق حي، والكافر ميت، فاحمد الله تعالى علي نعمة الإيمان واطلب التقوى وحققها تظفر بأعظم مطلوب ألا وهو ولاية الله تعالى لك، فإن من والاه الله أكرمه وما أهانه وأسعده وما أشقاه. واسمع قوله تعالى في أوليائه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أرأيت كيف بين الله تعالى من هم أولياؤه بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ، فاعمل أيها المؤمن القارئ والمستمع على تحقيق التقوى. واعلم أن التقوى هي طاعة الله ورسوله بما أوجبا من الأوامر وما حرما من المناهي، وذلك بعد معرفة العبد المؤمن أوامر الله ورسوله ونواهيهما، وهذه المعرفة تتطلب جهدا كبيرا. كما أن النهوض بفعل الأوامر وهى كثيرة وشاقة على النفس يتطلب جهدا أكثر من جهد المعرفة، وأما ترك المنهيات فإنه وإن كان لا جهد فيه ولا مشقة ولا معاناة، إلا أن النفس الأمارة بالسوء واللوامة معا تضغطان على العبد حتى ترغماه علي فعل المنهي إلا أن يجد العبد من الله عونا فإنه يسلم من التلوث بأوضار فعل المنهي عنه، ويحتفظ بطهارة روحه التي هي مفتاح دار سعادته.
وهنا أيها القارئ والمستمع يجد المؤمن نفسه في حاجة ماسة إلي عون إلهي كبير حتى يحقق التقوى المتوقفة علي العلم وكيفية العمل وأدائه علي الوجه المطلوب المحقق لزكاة النفس وطهارتها. وها هو ذا الرب تبارك وتعالى يرشدنا إلي طريق الحصول علي عونه لعباده المؤمنين فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فعلى كل مؤمن أن يستعين بالصبر وهو حبس النفس على طلب العلم حتى يعلم ما يحب ربه وما يكره، وكيف يؤدي المحبوب على الوجه الذي يرضي الله تعالى، وحبسها علي فعل الطاعات حتى تؤديها علي الوجه الذي يثمر زكاة النفس وطهارتها وحبسها بعيدة عن المحرمات والمنهيات، وحبسها على مجاري الأقدار فلا تسخط ولا تجزع ولكن ترضى وتصبر بهذا الصبر يستعين المؤمن والله معه ناصره ومؤيده، وكما يستعين المؤمن بالصبر يستعين بالصلاة كما أمره الله تعالى والاستعانة بالصلاة تكون بأدائها في أوقاتها مستوفاة الأركان والشروط وبأهم أركانها وهو الخشوع فيها. فقد كان النبي (صلي الله عليه وسلم) إذا حزبه1 أمر فزع إلي الصلاة. إذ الصلاة تولد نورا للقلب ولا تولده عبادة غيرها، وصاحب نور القلب لا يقع في غضب الله تعالى بترك واجب ولا بفعل مكروه، وهذا هو العون المطلوب بالصبر والصلاة. والله مع الصابرين بتأييدهم ونصرتهم بعد وقايتهم وحمايتهم من كل مكروه. فاللهم اجعلنا منهم وارض عنا كما رضيت عنهم.
وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
1 رواه أحمد وأبو داود بلفظ (إذا حزبه أمر صلى)

ام هُمام 10-29-2016 04:43 PM

النداء الثالث: في أكل الحلال وشكر الله على ذلك
الآية (172) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
الشرح:
لا تنس أيها القارئ الكريم سر نداء الله تعالى لعباده المؤمنين بوصف الإيمان وهو أنهم بإيمانهم الحق أحياء يسمعون ويعقلون ويقدرون علي الفعل والترك، وأذكر أن الله تعالى ما ناداهم إلإ ليأمرهم بما هو خير لهم، أو ينهاهم عما هو شر لهم، إذ بفعل المأمور وترك المنهي تتحقق تقوى الله عز وجل، وبالإيمان والتقوى تكون ولاية الله للعبد.
واسمع ما قال الله تعالى في دلك: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} لذا يجب علي المؤمنين إذا سمعوا نداء الله أن يصغوا ليسمعوا لأنه ناداهم ليأمرهم أو ينهاهم فإذا فعلوا المأمور وتركوا المنهي إيمانا واحتسابا تحققت لهم ولاية الله ففازوا بذهاب الخوف والحزن عنهم في الدنيا والآخرة وهم في الغرفات آمنون.
هل تدري أيها القارئ أن الله تعالى نادى المؤمنين في هذا النداء الثالث من سورة البقرة ناداهم ليأمرهم بالأكل من الطيبات مما رزقهم من أنواع المطاعم والمشارب للحفاظ علي حياتهم. إذ البنية البشرية استمرار حياتها وصلاحيتها متوقف علي الغذاء والماء والهواء. فالأمر هنا على هذا دال على الوجوب، إلا أن قوله {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} يشير إلى أنه لما حرم المشركون على أنفسهم أنواعا من اللحوم كلحم السائبة1 والوصيلة2 والحام3 والبحيرة4 وأنكر الله تعالى ذلك عليهم، أمر المؤمنين بالأكل من الطيبات وهي كل ما أحله الله تعالى من اللحوم وغيرها. وأمرهم عز وجل بشكره علي نعمه التي أنعم بها عليهم من أنواع الطيبات من الرزق الحلال. فالشكر يكون بالاعتراف بالنعمة وحمد المنعم عليها وصرفها فيما أذن أن تصرف فيه، وذلك كنعمة العلم والمال والبدن، فشكر نعمة العلم العمل به، وتعليمه للناس، وشكر نعمة المال أن يصرف في طاعة الله لا في معصيته. وشكر نعمة البدن أن يسخر في عبادة الله، وفعل الصالحات والمسابقة في الخيرات، وأخيرا أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد إن الأمر بالأكل من الطيبات دال علي أن الأكل من المحرمات لا يجوز، والمحرمات قد بينها الله تعالى بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وبقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} وكالأكل الشرب، فالخمر محرمة بقول الله تعالي: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أي من شرب الخمر، ومال الميسر والأنصاب والأزلام، ومن ذلك مال الربا قل أو كثر ولنستمع إلى قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول محذرا أو معلما ومنبها: " يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" وأن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} . وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟؟ "
أرأيت أيها القارئ والمستمع كيف يحرم آكل الحرام استجابة الدعاء، ومن لم يستجب الله دعاءه هلك ورب الكعبة. فالحذر الحذر أيها المؤمن من أكل الحرام وشربه ولباسه والاستمتاع به. واكتف بما احل الله تعالى لك عما حرم عليك فإنك عبده وتعبده فكيف يصح إذا أن تأكل ما حرم عليك وأنت عبده وعابده وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} . أما من لا يعبد الله تعالى فأكله الحرام وتركه سواء إذ ما بعد الكفر ذنب كما قيل، وهو كذلك.
وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
1 السائبة: الناقة تسيب للآلهة فلا تركب ولا تؤكل.
2 الوصيلة: الناقة يكون أول إنتاجها أنثي.
3 الحام: الجمل يحمي ظهره للآلهة فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يؤكل لحمه.
4 البحيرة: الناقة تبحر أذنها أي تشق وتترك للآلهة.

almojahed 10-30-2016 05:15 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكي الله خيرا و بارك الله في حسناتك

ام هُمام 10-30-2016 05:04 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله في علمكم وعملكم شيخنا الفاضل واحسن اليكم

ام هُمام 10-30-2016 10:49 PM

النداء الرابع: في القصاص والدية والعفو
الآية (178) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم}
الشرح:
هل تدري أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد لماذا نادى الله تعالى عباده المؤمنين؟ إنه ناداهم ليعلمهم حكما شرعيا عليه مدار تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع الإسلامي المبارك، وهذا الحكم هو فرضه تعالى علي المؤمنين القصاص في القتلى. فقد كان حيان من العرب يرى أحدهما أنه أشرف من الثاني فيقتل الحر بالعبد، والرجل بالمرأة، فأبطل الله تعالى هذا الحكم الجاهلي، وأعلمهم أن العدل هو أن يقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى. فكفوا عن ذلك الحكم الجاهلي، وأصبح الحر يقتل بالحر لا بالعبد، والعبد يقتل بالعبد لا بالحر، والأنثى تقتل بالأنثى لا بالرجل. وبقى الأمر هكذا حتى نزلت آية المائدة وهو قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فأصبح الحكم العادل النافذ هو أن يقتل القاتل سواء قتل رجلا أو امرأة. حرا أو عبدا، إلا أن يعفو أهل القتيل عن القاتل فلا يطالبوا بقتله، إما لرضاهم بالدية، وإما لاختيارهم أجر الآخرة عن أجر الدنيا، فتركوا القصاص والدية معا. ثم أخبر تعالى المؤمنين بأن من عفي له من أخيه شئ بأن تنازل الولي عن القتل قصاصا ورضى بالدية فعلى المطالب بالدية أن يطلبها بالمعروف وهو الرفق واللين وعدم الشدة والعنف، وعلى مؤديها أن يؤديها بإحسان لا بالمماطلة والتأخير أو الانتقاص وعدم الوفاء. ثم أخبر تعالى عباده المؤمنين بأنه رحمة بهم خفف عنهم فخير ولى الدم بين العفو، أو أخذ الدية، أو القصاص، في حين أن أهل الكتاب قد شدد عليهم فاليهود لا دية عندهم ولا عفو بل القصاص فقط، والنصارى لا قصاص ولا دية ولكن العفو فقط. وهذا بناء على ما علم الله تعالى من حالهم. فشرع لهم ما يناسبهم تأديبا وتربية لهم.
وقوله تعالى في آخر الآية {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} أي بعد أن رضى بالدية وقبلها وقتل القاتل {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وهو عذاب الآخرة بحيث لا تقبل منه دية، وإنما يتعين قتله، إلا أن يرى الإمام عدم قتله ودفعه دية من قتل.
وأخيرا: اعلم أيها القارئ الكريم أن هناك خلافا بين فقهاء الإسلام من أهل السنة والجماعة وهي في المسائل الآتية:
1-في قتل الحر بالعبد حيث ذهب الجمهور أن الحر إذا قتل عبدا لا يقتل به، ولكن يدفع قيمته لمالكه، بحجة أن العبد يباع ويقوم بقيمة؛ فلذا من العدل أن لا يقتل حر به ولكن يعطى مالكه قيمة مثله. وذهب أبو حنيفة رحمة الله تعالى إلى أنه يقتل به الحر أخذا بظاهر الآية: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، والذي يظهر أن الأمر يرجع إلى الإمام فإن خاف فتنة واضطرابا أخذ بالآية وهي القصاص، وإن لم يخف ذلك أخذ بمذهب الجمهور وهو دفع قيمته لمالكه لا غير.
2-ذهب البعض كالحسن البصري وعطاء وهما تابعيان إلي أن الرجل لا يقتل بالمرأة ولكن تدفع الدية، ورد هذا الجمهور وقالوا بالقصاص لآية المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون تتكافأ دماؤهم ".
3-ذهب الجمهور إلى أن الجماعة إذا اشتركوا في قتل واحد يقتلون به لقول عمر رضى الله عنه في غلام قتله سبعة فقتلهم وقال: " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم "، وقال غير الجمهور لا يقتل الجماعة بالواحد، وهذا أيضا قد يرد إلي الإمام حيث ينظر في عواقب الأمور ويحكم بما فيه خير الأمة وصلاحها.
تنبيه:
القصاص كما يكون في النفس يكون في الأعضاء؛ لآية المائدة: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْن وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ....ِ} والعفو يكون في النفس والأعضاء والدية كذلك. ودية الرجل الحر مائة بعير، أو ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة، ودية المرأة على النصف من دية الرجل، ولمزيد البيان اقرأ أيها القارئ الكريم الفصل العاشر من الجنايات وأحكامها من كتاب منهاج المسلم للمؤلف.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

ام هُمام 11-01-2016 06:53 PM

النداء الخامس: في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم
الآية (183) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

الشرح:
اعلم أيها القارئ أو السامع أنك بإيمانك منادى بهذا النداء الإلهي، وإنه لشرف لك وأي شرف فأصغ بأذنك تسمع، وأحضر جميع أحاسيسك وافهم، ووطن النفس على أن تعمل بما تعلم فإن في ذلك لحاقك بعظماء العباد، فقد روى مالك في الموطأ (أن من علم وعمل بما علم وعلمه غيره دعي في السماء عظيما) هذا النداء الموجه للمؤمنين والمؤمنات يحمل فرضية صيام رمضان، ولما كان في الصوم مشقة؛ لأن ترك المعتاد من الأكل والشرب شاق على النفس، لذا هونه الله تعالى على عباده المؤمنين بقوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي المؤمنين الأولين أتباع الرسل عليهم السلام. وهذا على حد قول العامة: " المصيبة إذا عمت خفت ".
والصيام معناه: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصيام، وقد بين تعالى شهر الصيام بقوله {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " بنى الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت1، وصوم رمضان " ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أن للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا ما افطراه يوم الشفاء، والعودة إلى البلد كما أن الحائض والنفساء تفطران وتقضيان بعد الطهارة من الحيض ودم النفاس؛ إذ قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وأما المريض الذي لا يرجى برؤه، والشيخ الكبير الهرم فإنهما لا يصومان ويطعمان من كل يوم مدا من طعام للفقراء والمساكين.
واعلم أيها القارئ أن الصيام من أفضل العبادات، وأعظمها أجرا؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم " أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" والخلوف رائحة الفم المتغيرة بطول الصيام، وقال صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ورغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام ستة أيام من شوال، وصيام التاسع والعاشر من شهر المحرم، ويوم التاسع من شهر ذي الحجة وهو يوم عرفة، فقال صلى الله عليه وسلم " صيام عاشوراء يكفر ذنوب سنة، وصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين الماضية والآتية " ورغب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهى الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وقال صلى الله عليه وسلم: " إنها كصيام الدهر". كما كان صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس.
واعلم أيها القارئ الكريم أن من أكل أو شرب أو جامع وهو صائم فسد صومه وأن من اغتاب أو نم أو سب مؤمنا بطل أجره، فاحذر مفسدات الصوم، ومبطلات أجره.
واعلم أن للصوم فوائد روحية واجتماعية وصحية، ومن الفوائد الروحية أن الصيام يعود على الصبر ويقوى عليه، ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه ويوجد في النفس ملكة التقوى.
ومن الفوائد الاجتماعية أنه (يربى) الأمة على النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة ويكون في الصائم عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
ومن الفوائد الصحية أنه يطهر الأمعاء، ويصلح المعدة، وينظف البدن من الفضلات والرواسب، ويخفف من وطأة السمن، وثقل البطن بالشحم. وفى الحديث الحسن "صوموا تصحوا ".
وأخيرا أيها القارئ لا تنس النية؛ فإنها شرط في صحة الصوم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا صيام1 لمن لم يبيت الصيام بالليل" وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال2 بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" واعلم أن صيام رمضان تكفى فيه النية من أول ليلة منه إلا أن يفطر لعلة مرض أو سفر، فإنه يعيد النية ليلة بدئه الصيام.
واعلم أن من أكل أو شرب ناسيا أنه لا كفارة عليه، وأما من أكل أو شرب أوجامع متعمدا فإن عليه الفضاء والكفارة وهى صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، أو عتق رقبة إن وجدت وقدر على ذلك3.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
1 رواه الترمذى.
2 رواه البخاري.

3 من فقهاء الأمة من لا يرى الكفارة على من أكل أو شرب، ولكن على من جامع فقط.1 متفق عليه

ام هُمام 11-01-2016 06:57 PM

النداء السادس: في وجوب قبول شرائع الإسلام كلها، وحرمة اتباع الشيطان
الآية (208) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
الشرح:
إن الإسلام دين كامل ومتكامل؛ لذا هو لا يقبل الزيادة فيه، ولا يسمح بالنقص منه، إذ الزيادة فيه تبطله، والنقص منه يفسده وأقرب مثال يوضح هذه الحقيقة صلاة المغرب ثلاث ركعات فلو زيد فيها ركعة أو سجدة بطلت، كما أنه لو نقصت منها ركعة أو سجدة بطلت كذلك؛ بإجماع علماء الإسلام.
لذا فلو أن فردا من الناس قال: أنا أقبل الإسلام وأدخل فيه إلا أن ما حرمه من المطاعم والمشارب لا أحرمه، أو قال آخر: أنا أدخل في الإسلام إلا أن الصيام لا اعترف به لأنه يضعف من قوتي البدنية، أو قال أخر: أقبله إلا أنى لا أعترف بما قرره الإسلام من أن المرأة لها نصف ما للذكر في الميراث، أو قال آخر: أنا أقر بالإسلام وأدخل فيه إلا أنى لا اعترف بحكم قطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن. فهل يقبل الإسلام من هؤلاء؟ والجواب: لا يقبل بدا؛ وهم كافرون مخلدون في النار إن ما ماتوا على هذا الكفر.
ومثال آخر: لو أن مسلما أبا أو جدا قال: أنا لا أعترف بأن المسلم إذا دعا الأولياء أو استغاث بهم، أو تقرب إليهم بذبح أو نذر هو مشرك وأصر على ذلك فإنه كافر، وإن هو استغاث بغير الله ودعا غير الله وتقرب إلى غيره بذبح أو نذر فهو مشرك لا يقبل منه إيمان ولا إسلام، ولو صلى وصام وحج واعتمر وجاهد ورابط.
وهذا النداء الإلهي الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} هذا النداء هو الذي قرر حرمة النقص في الدين أو الزيادة فيه؛ إذ هذه الآية الكريمة نزلت في عبد الله بن سلام رضى الله عنه وكان حبرا من أحبار اليهود في المدينة، ودخل في الإسلام عن علم وقناعة، وبشر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة لرؤيا رآها. هذا العالم رأى في بداية إسلامه أن يبقى على تعظيم السبت. وأن يقرأ بشيء من التوراة في صلاته بحجة أن السبت فرضه الله تعالى تعظيما على اليهود، وأن التوراة كلام الله تعالى، وقبل أن يفعل إستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فنزلت هذه الآية تأمر المؤمن أن يدخل في الإسلام بكله، لا يبقى شيئا خارجا عنه حتى ولو كان تعظيم يوم السبت الذي كان تعظيمه شرعا وعبادة قبل الإسلام، أو تحريم لحوم الإبل وألبانها إذ كانت محرمة على اليهود، فرأى بعضهم ممن أسلموا أن يبقوا على ما كانوا عليه من تحريمها. فكانت هذه الآية الكريمة مانعة من كل ذلك ولا يسع المؤمن الحق إلا الدخول في الاستسلام الكامل لله تعالى؛ وذلك بقبول ما شرع وعدم التخير فيه بقبول بعض ورفض بعض. وبعد أن أمر الله عباده المؤمنين بالانقياد الكامل والطاعة التامة لله ورسوله في كل ما حواه الإسلام من الشرائع والأحكام العامة والخاصة، نهى المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان وهى ما يزينه ويحسنه للمرء بنوع من التحسين والتزيين حتى يقع فيه فينقطع عن الله تعالى فيهلك كما هلك الشيطان بكبره وعجبه بنفسه، فقال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ، وعلل لتحريم عدم اتباع خطواته بقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} أي بين العداوة ظاهرها لا تخفى على أحد من ذوى العقول الراجحة والفهوم السليمة. وكيف وهو يزين اللواط، والزنا، والربا، وقتل النفس، والحسد، والكبر، والعجب، وعقوق الوالدين، وأذية المسلمين، إلى غير هذا من كبائر الذنوب والفواحش.
اعلم أيها القارئ أن هذا النداء اشتمل على بيان طريق النجاة وطريق الهلاك؛ فطريق النجاة هو الإسلام الكامل لله تعالى، باعتقاد ما أمر باعتقاده، وقول ما أمر بقوله، وفعل ما أمر بفعله، واجتناب ما أمر باجتنابه من ذلك كله اعتقادا أو قولا أو عملا، وطريق الهلاك هو اتباع خطوات الشيطان بتحسين القبيح، وتقبيح الحسن، فإذا أصبح العبد يحب ما يحب الشيطان، ويكره ما يكره فقد التحق به وأصبح من أوليائه، وخسر نفسه وأهله. كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} . واذكر ما يحمله قول الله تعالى {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} من الوعيد الشديد؛ لكل من زلت قدمه فزاد في الإسلام أو نقص منه، أو بدل فيه. وما أصاب المسلمين من خراب ودمار، وذل وصغار لما تركوا واجبات أوجبها الله، وارتكبوا محرمات حرمها الله. كاف في الدلالة على ما تحمله الآية من وعيد شديد.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-02-2016 05:04 PM

النداء السابع: في الإنفاق في سبيل الله قبل الفوات بالموت
الآية (254) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
الشرح:
إن معنى هذا النداء أيها القارئ الكريم هو أن الله تبارك وتعالى، نادى عباده المؤمنين به وبلقائه، وكتبه ورسله وقضائه وقدره، ناداهم بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي يسمع النداء ويجيب الداعي لما دعاه من أجله، وهنا ناداهم ليأمرهم بالإنفاق أي إنفاق المال حيث تعين الإنفاق، وذلك كالجهاد في سبيل الله، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وكإعداد العدة للجهاد؛ لحماية الملة والعباد، وكالإنفاق لتحرير الرقيق، ومداوة المريض، وما إلى ذلك من مواطن الإنفاق في سبيل الله لا في سبيل الشيطان، وذكرهم رأفة بهم أن الإنفاق الذي أمرهم به هو من ماله تعالى الذي رزقهم إياه، وأنه بعضه لا كله؛ إذ قال لهم {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} أي من بعض المال الذي رزقناكموه فضلا منا وإحسانا إليكم. وإن قلت أيها القارئ الكريم: وهل للشيطان سبيل ينفق فيه المال؟ أجبتك قائلا: آي ورب الكعبة إنها كل ما ينفق في معصية الله تعالى هو إنفاق في سبيل الشيطان، وذلك كالإنفاق في القمار، واللهو، والباطل، وكالإنفاق في أكل وشرب ولبس الحرام، وكالإسراف في الأكل والشرب وغيرهما، كل هذا الإنفاق هو في سبيل مرضاة الشيطان، ولذا فهو يأمر به ويزينه لفاعله.
وهل تدرى أيها القارئ ما يدل عليه قوله تعالى في هذا النداء وهو قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} إنه دل على أن الله تعالى رحمة بعباده المؤمنين وشفقة عليهم

ام هُمام 11-02-2016 05:07 PM

النداء الثامن: في بيان مبطلات ثواب الصدقة كالمن والأذى والرياء
الآية (264) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} .
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم ما سبق أن عرفته في سر نداء الله تعالى عباده المؤمنين بعنوان الأيمان ألا وهو أن المؤمن حي يسمع ويبصر، ويقدر على الفعل والترك، لأن الإيمان الصحيح وهو تصديق الله ورسوله في كل ما أخبر به من شأن الغيب والشهادة هي بمثابة الروح للجسم، فالجسم يتحرك ويقبل ما يراد به ما دامت الروح فيه، فإذا فارقته مات. اذكر هذا أيها القارئ أو السامع لتعي عن الله تعالى ما خاطبك به. وهو نهيه لك عن إبطال صدقاتك، وهو تعطيلها عن تزكية نفسك وتطهيرها؛ لأن الصدقة عبادة تزكى النفس إذا خلت من الموانع المبطلة لها. ومن الموانع للصدقة من تزكية نفس المؤمن المتصدق ما ذكر الله تعالى وهى:
1-المن وهو من كبائر الذنوب؛ لأن المنان أحد ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم؛ لحديث مسلم: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل1 إزاره والمنان الذي لا يعطى شيئا إلا منه، والمنفق2 بالحلف الكاذب " وحقيقة المن أنه ذكر الصدقة وتعدادها على من تصدق بها عليه من المؤمنين على وجه التفضل عليه. والمنان
من الناس هو الذي لا يعطى شيئا إلا منه على من أعطاه إياه. فاحذر المن أيها المؤمن؛ فإنه مبطل لأجر الصدقة، وموجب لغضب الله تعالى.
2-الأذى لغة هو كل ما يؤذى الإنسان في دينه أو عرضه أو بدنه أو ماله، وهو هنا أي الأذى المبطل للصدقات هو التطاول على المتصدق وإذلاله بالكلمة النابية، أو التي تمس كرامته وتحط من شرفه وقدره وهو المؤمن ولى الله تعالى. والله يقول في الحديث الذي رواه البخاري " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " والمعاداة هي مولدة الأذى وأشده وأقبحه.
3-الرياء وهو أن يرى العبد عمله للناس رجاء أن يحمدوه عليه، أو يدفع به مذمتهم إذا خاف ذلك منهم، وهو في هذه الحال مراء، والرياء مبطلة للعمل مفسدة له فلا تزكوا به النفس البشرية، كالمن والأذى سواء بسواء في إبطال الصدقات لقوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} فالرياء في الصدقات مبطل لها كالمن والأذى؛ إلا أن الرياء عامة تكون في الصدقات وغيرها في سائر العبادات كالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والحج، والعمرة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ لذا فهو أخطر من المن والأذى، وغالبا ما تكون الرياء ممن ضعف إيمانه بالله واليوم الآخر لقوله تعالى في الآية: {وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إذ المؤمن بالله واليوم الآخر لا يتعمد بطلان عمله بالمراءاة ولا بغيرها. وقوله تعالى في الآية: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍْ} والصفوان هو الحجر الأملس {عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} من المطر، وهو المطر الشديد {فَتَرَكَهُ صَلْدا} أي ليس عليه شئ؛ لأن المطر أزال التراب وبقى الصفوان أملس كما كان. وقوله تعالى: {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} أي ينتفعون به وذلك لعجزهم عن الانتفاع بصدقاتهم بعد أن أبطلها المن والأذى والرياء. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} أي إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة؛ وفى هذا إشارة إلى أن المنان والمؤذي للمؤمنين والمرائي هم قريبون من الكفر إن لم يكونوا كفارا لنعم الله، وذلك بترك شكرها وصرفها فيما يحب المنعم عز وجل.
ألا فلنحذر أيها المؤمنون كل ما يبطل صدقاتنا بأن تصبح لا تزكى أنفسنا ولا تطهرها، ونحن نعلم حكم الله تعالى في الناس أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم، وهو فوز أصحاب النفوس الزكية، وخيبة وخسران أصحاب النفوس المدساة الخبيثة التي لم تطهر بالإيمان وصالح الأعمال، إذ قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ أي ينتفعون خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} .
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
1 هو الذي يحسر ثيابه كبرا وخيلاء.
2 يقال نفق سلعته وأنفقها بمعنى روجها.

ام هُمام 11-03-2016 05:52 PM

النداء التاسع: في وجوب إخراج الصدقة من طيب المال، وحرمة إخراجها من خبيثة
الآية (267) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}

الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي الرحيم يحتوى على ما يلي من التعاليم الإلهية المسعدة للإنسان المؤمن، المزكية له وهى:
1-وجوب إخراج الصدقة من طيب المال.
2-حرمة إخراجها من خبيثة.
3-بيان وجوب الزكاة مما كسبه المؤمن من الأنعام، وهى الإبل والبقر والغنم، إن بلغت النصاب وحال عليها الحول. ومما كسبه من الدنانير والدراهم أو ما يقوم مقامها من العمل المتداولة اليوم بين الناس إن بلغت النصاب وحال عليها الحول.
4-بيان وجوب الزكاة من الخارج من الأرض وهو الحبوب كالبر والشعير والذرة والزيتون والزبيب والتمر، إن بلغ نصابا، وكان مقتاتا مدخرا، أما ما لم يكن مقتاتا كالفلفل والبصل والثوم فلا زكاة فيه، وكذلك ما لا يدخر وإن كان مقتاتا كالبطيخ والقثاء والرمان والتين والتفاح والبرتقال، إلا أنه يستحب التصدق من كل خارج من الأرض مما لا تجب فيه الزكاة لعدم توفر شرطي الزكاة فيه وهو الاقتيات والادخار.الخارج منه؟
فعلمه أن من ملك خمسة من الإبل زكاها بشاة من الغنم، ومن ملك عشرا زكاها بشاتين، ومن ملك خمسة عشر زكاها بثلاث، ومن ملك عشرين زكاها بأربع شياه، ومن ملك خمسا وعشرين زكاها ببنت مخاض أوفت سنة ودخلت في الثانية، وإن من ملك ثلاثين بقرة وجب عليها فيه عجل يتبع أمه أوفى سنة. ومن ملك أربعين من الغنم وجب فيها شاة، وما زاد على ما ذكر يطلب من كتب الفقه المطولة وهذا جدول مختصر لها.
العدد ... الإبل ... العدد ... البقر ... العدد ... الغنم
25 ... فيها بنت مخاض ... 30 ... فيها عجل ... 40 ... فيها شاة
36 ... بنت لبون ... 40 ... فيها مسنة ... 121 ... فيها شاتان
46
... حقة أوفت 3 سنوات ... فوق
40 ... فى كل 40 مسنة
وفى كل 30 عجل ... إذا بلغت
201 ... ففيها 3 شياه
61 ... جذعة أوفت 4 سنوات ... ... ... وفوق
ذلك ... في كل مائة شاة واحدة
76 ... بنتا لبون ... ... ... ...
91 ... حقتان ... ... ... ...
120 ... ففى كل 40 بنت لبون
وفى كل 50حقة ... ... ... ...
واعلم أيها القارئ أن ما بين الفريضتين يسمى وقصا1، وأنه لا زكاة فيه مثاله في الخمس من الإبل شاة حتى تبلغ عشرا، ما بين الخمسة والعشر لا زكاة فيه، وهكذا فالغنم في الأربعين شاة وفى المائة وواحدة وعشرين شاتان، فالعدد ما بين الأربعين إلى مائة وعشرين وقص لا زكاة فيه أي معفو عنه فاذكرها ولا تنساها فإنه لابد منها.
هذا وهل فهمت من النداء قول الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} إن معناه حرمة إخراج الزكاة أو الصدقة من رديء المال وفاسدة ذاك الذي لو أعطيته أنت ما قبلته ورددته على صاحبه، اللهم إلا أن تغمض عينيك وتقبله حتى لا تغضب عليك من أعطاكه، وهو معنى قوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} . وأخيرا أذكر ما ذكرنا الله تعالى به في هذا النداء الكريم إذ قال تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} حتى لا تسول لك نفسك أن الله في حاجة إلى صدقة متصدق، فتمن ذلك عليه، أو أن الله فرض الصدقة لأجل أن يحمد من المتصدق عليهم، لا، لا، فإنه تعالى غنى حميد بإفضاله وإنعامه على خلقه حميد بصفات الجلال والكمال فيه، إذ له الحمد في السموات والأرض وله الحمد في الآخرة. وهو العزيز الحكيم.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
1 مثاله في الإبل شاة، والسادسة من الإبل، والسابعة، والثامنة، والتاسعة وقص لا زكاة فيها، فإذا بلغت عشرا زكيت بشاتين، وهكذا ما بين الفريضتين لا زكاة فيها، وهو القوقص المعروف عند الفقهاء رحمهم الله تعالى.

ام هُمام 11-03-2016 06:19 PM

النداء العاشر: في الأمر بالتقوى وترك ما بقى من الربا
الآيات (278_ 279_ 280) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) }

الشرح:
اعلم أيها القارئ أو المستمع لهذا النداء العزيز أن هذا النداء وجه للمؤمنين ليأمرهم بأمرين عظيمين: الأول: تقوى الله عز وجل، وذلك بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الله تعالى لا يتقى غضبه وعقابه إلا بالاستسلام والانقياد له وذلك بحب ما يحب، وكره ما يكره، وفعل ما يأمر به، وترك ما ينهى عنه، والثاني: ترك ما بقى من الربا بعد تحريمه بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} فمن بقى له شيئ من فوائد الربا فليتركها لمن هي في ذمته.
ولخطورة هذا الموقف وصعوبته على النفس البشرية: ذكرهم بإيمانهم؛ إذ الإيمان الصحيح هو بمثابة الطاقة الدافعة فقال لهم: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فإن إيمانكم قدرة قوية تحملكم على تقوى الله وترك ما بقى من الربا عند المدينين لكم. وفى الآيتين بعد هذه حذرهم مهددا لهم بسوء عاقبة الاستمرار في هذه المعصية الكبيرة فقال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي ما أمرتكم به من التقوى وترك ما بقى لكم من الربا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وهل من حارب الله ورسوله يفوز وينتصر لا، والله بل يخسر وينكسر، ثم أرشدهم لحل مشكلة تحدث لهم بعد توبتهم وهى أن رؤوس أموالهم مع أرباحهم تبقى عند المدينين لهم فكيف يصنعون بها. فأرشدهم إلى أخذ رؤوس أموالهم التي هي تحت يد المدينين وترك الأرباح التي كانت لهم بحكم التعامل
ابحث في الكتاب: الربوي المحرم. وإن من كان معسرا من المدينين لهم فلينتظروه حتى ييسر الله عليه ويدفع لهم رأس مالهم، وإن هم تكرموا بترك ذلك المال صدقة منهم على المعسر فذاك خير إن كانوا يعلمون ثمرة الإحسان بعد الإساءة والتوبة بعد الذنب، فقال {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
هل عرفت أيها المؤمن القارئ أو المستمع عظم ذنب المرابي وآكل الربا، وأزيدك معرفة بقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ} - أي من قبورهم - {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} أي يضربه الشيطان ضربا غير منتظم، والمس اللمس ومن لمسه الشيطان يصرع فورا. فالمرابي يقوم يوم القيامة من قبره كالمجنون الذي كلما قام صرعه الجان.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسله: " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " ويقول " اجتنبوا السبع الموبقات " ويذكر منها أكل الربا. فإذا عرفت أيها القارئ عظم ذنب آكل الربا. فاعرف ما هو الربا حتى تجتنبه وتدعو المؤمنين إلى اجتنابه إنه نوعان:
الأول: ربا الفضل: وهو بيع ربوى بآخر مع فضل زيادة. والربويات هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، ويقاس على البر الذرة وكل مقتات مدخر فإذا باع أحدا ذهبا بذهب، أو فضة بفضة وجب أن يكون المقدار متساويا وأن يكون في مجلس واحد أي يد بيد، وكذا إن باع قمحا بقمح وإن اختلف الجنس كأن يباع ذهب بفضة، أو قمح بشعير مثلا فيجوز التفاضل ولكن بشرط أن يكون يدا بيد.
الثاني: ربا النسيئة: أي التأخير وهو أن يعطى المرء لآخر مالا يسدده بعد عام مثلا على أن يزيد فيه، فإذا أعطاه ألفا يردها بعد العام ألف ومائة مثلا وكلما تأخر السداد زاد في رأس المال؛ حتى يصبح أضعافا مضاعفة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
وأخيرا اعلم أيها القارئ أن سر علة تحريم الربا هي أنه يقطع التراحم بين المؤمنين، وكل ما يؤدى إلى القطيعة بين المؤمنين فهو حرام؛ لأن المؤمنين يجب أن يعيشوا إخوانا متعاونين متحابين، يقرض بعضهم بعض القروض طويلة الأجل، ولا يرجو من ذلك سوى الأجر والمثوبة من الله تعالى؛ لأن القرض في الأجر كالصدقة بل أعظم منها، كما أن المضاربة وهى أن يعطى المؤمن أخاه مالا يتجر فيه والربح بينهما فيها فائدتان: الأولى: نماء المال. والثانية: عون الفقير على الكسب والربح. ومثل المضاربة المشاركة شفى الزراعة والصناعة في تنمية المال، وإفاضته بين المؤمنين لذا حرم الله الربا وأحل البيع.
فلله الحمد وله المنة، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وسلم تسليما كثيرا.

ام هُمام 11-06-2016 06:17 PM

النداء الحادي عشر: في مشروعية كتابة الديون والإشهاد عليها
الآية (282) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن المال قوام الأعمال. واسمع قول الله تعالى فيه: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} ، إذ حرم إعطاء المال لغير الراشدين كالنساء والأطفال وقاصرى العقول وعادمي البصيرة في التصرف المالي، فإذا عرفت هذا فهيا بنا نشرح آية الدين ونبين ما احتوت عليه من أحكام تتعلق بالديون، الأخذ بها بعد معرفتها يحفظ على المسلم ماله ويصون كرامته.
وأول أحكام الديون هو: كتابة الدين إذا كان مؤجلا لثلاثة أيام فأكثر ودل على هذا الحكم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} .
وثاني أحكامها: مشروعية بيع السلم إذ قوله إلى أجل مسمى دال عليه وبيع السلم هو أن يبيع العبد أخاه تمرا أو قمحا إلى أجل فيأخذ البائع الثمن. ويدفع السلعة عند حلول الأجل على شرط أن يكون السلم معلوم الكيل أو الوزن، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ".
وثالث الأحكام: أن يكتب الدين وإن على الكاتب أن يعدل فيما يكتب فلا يزيد ولا ينقص ولا يبدل ويغير لقوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} .
ورابع الأحكام: أن من يحسن الكتابة إذا أحتيج إليه ليكتب بين متداينين وجب عليه أن يكتب لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ} أي شكرا لله تعالى على تعليمه الكتابة.
وخامس أحكام هذه الآية. أن الذي يملى على الكاتب هو الذي عليه الحق ليكون إملاؤه اعترافا بالحق وتقريرا له. لقوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} ، كما نهاه أن ينقص من الدين شيئا إذ قال تعالى: {وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} .
وسادس أحكامها: إن كان الذي عليه الحق قاصرا لسفه أو خوف فليملل وليه بالعدل، أي بالقسط بلا زيادة في الدين ولا نقص منه.
وسابع الأحكام: الإشهاد على صك الكتابة ويشهد رجلان فإن تعذر وجود رجلين فرجل وامرأتان إذ قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} .
وثامن الأحكام: حرمة رفض الشهود الشهادة إذا دعوا إليها، وتوقف حق المرء على شهادتهما إذ قال تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} أي لآداء الشهادة.
وتاسع الأحكام: الحث على كتابة الدين قليلا كان أو كثير إذ قال الله تعالى: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ}
وعاشر الأحكام: العفو عن عدم الكتابة في التجارة الحاضرة كأن يشترى المرء قنطارا تمرا أو سكرا على أن يسدد الثمن بعد يوم أو أيام مثلا فإنه لا تتعين كتابة هذا الدين.
وحادي عشر الأحكام: وجوب الإشهاد على البيع فمن باع دارا أو بستانا أو سيارة فليكتب ويشهد على الكتابة إذ قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}
وثاني عشر الأحكام: أن لا يضار كاتب ولا شهيد كأن يدعى الكاتب أو الشاهد إلى مكان بعيد أو إلى وقت يعطل فيه عمله، أو يضيع فيه حقوقه إذ قال تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} ، ومن الإضرار بالكاتب والشهيد أن يطلب إليهم أن يكتبوا باطلا أو يشهدوا زورا.
وثالث عشر الأحكام: الأمر بتقوى الله ووعد الله تعالى للمتقين بأن يعلمهم ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم بما يؤتيهم من نور في قلوبهم يفرقون به بين الحق والباطل والرابح والخاسر إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}
بعد هذه الأحكام التي اشتملت عليها آية الدين العظيمة فإليك بعض البيانات الهامة:
1-شهود المال لا يقلون عن إثنين، وأما شهود الزنا فهم أربعة لا يقلون عنها.
2-لا يشهد الصغير ولا العبد المملوك.
3-إن وجد شاهد فقط تتمم الشهادة باليمين.
4-خير الشهود الذي يأتى بشهادته قبل أن يسألها للحديث في ذلك.
5-أول من جحد أدم فجحد بنوه لذا شرع الله الكتابة في البيوع والديون لحديث أبى داود.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.



ام هُمام 11-06-2016 06:21 PM

النداء الثاني عشر: التحذير من طاعة بعض أهل الكتاب حتى لا يفسدوا على المؤمن دينه
الآيتان (100 _ 101) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ٍ} .
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ما ينادى المؤمنين إلا ليأمرهم بما فيه سعادتهم في دنياهم وأخراهم، أو لينهاهم عما فيه خسارتهم وشقاؤهم في دنياهم وأخراهم، أو ليبشرهم بما يزيد حبهم في الله وطاعة له وحبا فيه، أو ليحذرهم وينذرهم بما فيه خطر أو شر، وذلك لأنهم إن اتقوه كانوا أولياءه، وأولياؤه تعالى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة، وهذا هو الفوز العظيم.
وها هو ذا تبارك وتعالى ناداهم ليخبرهم محذرا لهم في طاعة بعض أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ فإنهم إن أطاعوهم كفروهم بردتهم عن الإيمان، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وهم الحاقدون على الإسلام والمسلمين، المغتاظون لظهور الإسلام وانتشار نوره في المشرق والمغرب، إن تطيعوهم فيما يزينون لكم ويحسنون من الباطل والكفر الخفى، وفيما يقبحون لكم من أحكام الإسلام، وعباداته، وآدابه، وأخلاقه، بدعوى أنها منافية للديمقراطية والحرية الشخصية، أو أنها تعوق عن التقدم الحضارى، أو أنها كانت فيما مضى صالحة، أما اليوم فنحن في
عصر الذرة وغزو الفضاء، فإنها تخلف أصحابها وتقعد بهم دون الحضارة والتقدم هؤلاء وهم طائفة اليهود والنصارى ممن يدعون العلم والمعرفة، وهم يحملون العداء للإسلام وأهله، هؤلاء إن تطيعوهم فتعتقدوا صحة ما يزينون لكم، وتأخذون بما يقدمون لكم من توجيهات وإرشادات ظاهرها أنها في صالحكم وباطنها فيها خزيكم، وذلكم هؤلاء إن تطيعوهم يردوكم بعد إيمانكم كافرين إذا فالحذر الحذر أيها المؤمنون وخذوا بهذه النصائح القرآنية الغالية، فإنكم تنجون من كيد أعدائكم الماكرين بكم، الطالبين بعدكم عن مصدر عزتكم وقوتكم وسيادتكم وقيادتكم.
واعلموا أن في الآية الكريمة بعد هذه مباشرة أكبر حصن لكم، وأعظم سور لمناعتكم من أعدائكم الكائدين لكم من هذا الفريق الذي تقدمت صفاته وهم أهل الحقد والتغيظ على الإسلام وأهله؛ لشعورهم أن الإسلام هو سبيل النجاة، وأن ما هم عليه من اليهودية أو النصرانية هو طريق الخسران في الدنيا والآخرة. وإنما منعهم من الإسلام حب الرئاسة، والمصالح المادية التي يعيشون عليها بين أتباعهم والشهوات المسيطرة على نفوسهم؛ لأن الإسلام يحرم منها ويبعد عن ساحتها؛ لذا هم مصرون على الكفر وتكفير المؤمنين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. ومثل هؤلاء بعض رجالات الرافضة في كونهم يبغضون أهل السنة والجماعة، ويبذلون الغالي والرخيص في صرف أهل السنة والجماعة عن سبيل النجاة إلى سبيل الهلاك بالتشيع القائم على تكفير خيرة الأصحاب أبى بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وتحريف معان آيات الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تصحيحا لمذهبهم الباطل، لحمل الأجيال على اعتناقه ليهلكوا معهم ويحرموا الجنة دار السلام مثلهم، لأن الذى يكفر مؤمنا فهو كافر فما بالك بالذي يكفر من رضى الله عنهم وأنزل ذلك في كتابه في قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وهم ألف وأربعمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم العشرة المبشرون بالجنة، فكيف يرضى عنهم اليوم ويخبر برضاه عنهم ويكفرون بعد موت نبيهم، إن هذا اتهام لله عز وجل بأنه لا يعلم الغيب وأنه كالإنسان يرضى اليوم ويغضب غدا. وهذا هو الكفر بعينيه كما يقال. فتنبه أيها المؤمن القارئ المستمع لهذا النداء …
أما الحصن المانع من الوقوع في الكفر الذي يدعوا إليه الحاقدون عن الإسلام من يهود ونصارى، ورافضة، فهو في قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى
عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} . ومعنى هذه الآية أنه من العجيب أن يكفر مؤمن تتلى عليه آيات الله، وبين يديه رسوله يوجهه ويرشده ويحميه من مظلات الفتن. ومعنى هذا أن المناعة كل المناعة للمؤمن من الزيغ والكفر في العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فعلى المؤمنين أن يحيوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يتعاهدوا في مدنهم وقراهم على الاجتماع كل ليلة في بيوت ربهم من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء يتعلمون الكتاب والحكمة ويعملون بما يعلمون بجد وصراحة وصدق، وأما المسافر فإنه يأتى مسجد أهل البلد الذي سافر إليه ويشهد معهم الصلاتين، ويسمع معهم الكتاب والحكمة، ويعمل بهما ويعلمهما، وبذلك يعظم ويفوز.
وأخيرا يخبر تعالى عباده المؤمنين مبشرا لهم بأن من يعتصم بالله أي بكتابه وسنة رسوله فقد هدى إلى صراط مستقيم، فلا يضل ولا يشقى.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.



ام هُمام 11-07-2016 05:22 PM

النداء الثالث عشر: في الأمر بتقوى الله والموت على الإسلام
الآية (102) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونٍَ} .

الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي يحمل أمرين عظيمين من التكليف، ولولا الله ما قدر مؤمن على النهوض بهما، إلا أن العبد إذا صدق ربه وأخلص النية والعمل له، ولجأ في صدق إليه سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل لا يخيبه بل يسدده ويعينه حتى يأتى بهذين المطلبين العظيمين اللذان هما تقوى الله حق تقاته، والموت على الإسلام، إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونٍَ} .
واعلم أيها المؤمن أن الأمر بالتقوى أمر به تعالى عباده المؤمنين في عشرات الآيات، وإنما قوله هنا حق تقاته. هذا الذي حير عقول العلماء إذ ليس في قدرة العبد ذلك، إذ لو ذاب العبد وتحلل وتبخر من خشية الله تعالى ما كان ذلك وافيا بتقوى الجبار الذي يقول للشيء كن فيكون، والذي الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه. والذي يحبى ويميت ويعز ويذل، وهو على كل شئ قدير.
وقد ذكر أهل العلم من السلف الصالح أن تقوى الله حق تقاته هي أن يذكر تعالى فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، والذي يخفف على المؤمن همه في تقوى الله حق تقاته هو قول الله تعالى في سورة التغابن: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} فهذه الآية كالمخصصة لعموم قوله تعالى في هذه الآية {حَقَّ تُقَاتِهِ} والحمد لله.
ولنعلم أيها المؤمن أن العبد إذا حمل هم تقوى الله حق تقاته فأصبح يذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر، ويطيع ولا يعصى، وذلك في أغلب أوقاته، وأكثر أحواله، فإنه بحمد الله تعالى يحقق المطلوب منه وهو أن يتقى الله حق تقاته في حدود طاقته البشرية وخوفه الإنساني.
واذكر أيها المؤمن أن تقوى الله عز وجل هي طاعته، وطاعة رسوله، بفعل الأوامر واجتناب النواهي في حدود الطاقة البشرية، إلا أن هذه الطاعة متوقفة على معرفة الأوامر وكيف تفعل، ومعرفة النواهي وبما تترك. وهنا يتعين طلب العلم وهو معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته معرفة تثمر حبه تعالى في القلب، وخشيته في النفس، ومعرفة أوامره ونواهيه، ومعرفة محابه ومكارهه، ليحب العبد ما يحب ربه ويكره ما يكره، وبهذه التقوى تتحقق للعبد ولاية الرب عز وجل ومتى ظفر العبد بهذا المطلب السامي؛ وهو ولاية الله تعالى فقد فاز بالسعادة في الدارين وتلك أمنية العاملين، وهدف الساعين، من المؤمنين.
كان هذا بيان تقوى الله حق تقاته، وأما بيان قوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} فإن الله تعالى لما أمرنا بتقواه حق التقوى، نهانا أن نموت على غير الإسلام، كاليهودية، أو النصرانية، أو غيرهما من الأديان الباطلة، وهل يملك المرء أن يموت على الإسلام أو غير الإسلام؟ والجواب: أن على العبد أن يسلم قلبه ووجهه لله تعالى، فلا يتقلب قلبه إلا في طاعة الله وطلب مرضاته، ولا يوجه وجهه راغبا وراهبا، إلا إلى الله عز وجل، ويستمر على ذلك، فإنه لا يموت إلا على تلك الحال وهى الإسلام، ومعنى هذا أن الاستمرار على طاعة الله ورسوله مع العزم على الموت على الإسلام سيؤدى قطعا بالعبد إلى أن يموت مسلما وكيف وهو يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار، وذلك لما يوجده الإيمان الصحيح الذي يرضى صاحبه أن يقتل ويصلب ويحرق ويمزق ولا يرضى أن يكفر بعد إيمانه وطاعته لربه وحصوله على رضاه.
فاذكر هذا أيها المؤمن وواصل طريق تقواك لله، فإنك ضامن أن لا تموت إلا على الإسلام بمشيئة الرحمن جل جلاله، وعظم سلطانه.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-07-2016 05:25 PM

النداء الرابع عشر: في حرمة اتخاذ البطانة من غير المؤمنين، وبيان أثرها السيئ
الآية (118) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} .

الشرح:
اذكر أيها القارئ والمستمع الكريمان ما سبق من أسرار نداءات الرحمن في كتابه للمؤمنين به وبلقائه، إن منها إنذارهم وتحذيرهم من كل ما يرديهم أو يشقيهم. وها هو تعالى هنا يناديهم ليمنعهم ويحرم عليهم اتخاذ بطانة من غير المؤمنين كاليهود، والنصارى، والمشركين، يطلعونهم على بواطن أمورهم، وأسرار دولتهم وبخاصة الأسرار الحربية والمالية، فإن في هذا خطرا عظيما على الدولة المسلمة، وقد يؤدى بها إلى التلاشي بعد الفرقة والهزيمة، والعياذ بالله من كل شر وسوء يصيب الإسلام وأهله ودولتهم. فلنتأمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} فالبطانة من يطلع على بواطن الأمور وخفاياها، ومن دوننا هم قطعا الكفار، وسواء كانوا أهل كتاب أو مشركين، ولنتأمل قوله {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} أي لا يقصرون في إفساد أموركم عنكم بشتى الوسائل تحت شعار العلم والمعرفة، أو النصح والتوجيه، ولنتأمل قوله تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي أحبوا حبا عظيما كل ما يوقعكم في العنت والمشقة، حتى تحرموا سعادة الدنيا وهناءها وتصبحوا عالة عليهم، ومحتاجين إليه لتذلكم الحاجة، وتهينكم بين أيديهم. ولنتأمل قوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} أي قد ظهرت البغضاء وهى شدة بغضهم لكم لأنكم مسلمون وهم كافرون. وقال بأفواههم ولم يقل بألسنتهم إشارة إلى أنهم إذا تكلموا لكم ناصحين ومعلمين يتشدقون بالكلام، فتمتلئ أفواههم به إظهارا للرغبة في نفعكم وخيركم، والمتأمل الواعي البصير يعرف هذا من كلامهم، وما تخفى صدورهم من التغيظ عليكم والبغض لكم أكبر مما يظهر من كلامهم ولنتأمل قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} فلننظر، فتتجلى لنا نعمة الرحمن الرحيم بعباده المؤمنين، إنها منته تعالى علينا، حيث منعنا من اتخاذ البطانة من غيرنا صرف للشر والأذى عنا، وإبقاء على نورنا وهدايتنا وكرامتنا. إنه يعقب على نعمة البيان والهداية بقوله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ} الكاشفة لنا عن مخبئات أعدائنا لنا من الحسد والكره والغيظ والبغض. إن كنا نعقل عنه سبحانه وتعالى ما ينزله علينا ويخاطبنا به إكراما منه لنا فلله الحمد والمنة. ألا فليعلم هذا كل مسئول في دولة الإسلام وليعمل به ولا يعرض عنه ولا يتنكر له. فإن المناعة التامة للحفاظ على دولة الإسلام وقوتها وامتداد ظلها في العالمين.
ولنورد أخيرا ما يثبت به ما بيناه من هداية هذه الآية الكريمة الحاملة للنصيحة والتوجيه الرباني لأمة الإسلام، فهذا البخاري يروى في صحيحه تعليقا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كان له بطانتان: بطانه تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانه تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله "، من هنا وجب على كل من ولى أمر المسلمين أن يعرف هذا ويحذر من بطانة السوء فلا يقبل اقتراحاتها ولا توجيهاتها، ويقبل مل تقدمه البطانة الصالحة ويشكرها عليه ويقربها منه ويدنيها إليه. وهذا عمر رضى الله عنه قال له أحد رجاله: إن هاهنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب ولا أخط بالقلم منه أفلا يكتب عنك؟ فقال: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين. وجاء أيضا أبو موسى الأشعرى بحساب نصراني لعمر رضى الله عنه فانتهزه وقال: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله ولا تأمنهم وقد خونهم الله.
قل لي أيها المؤمن أبعد هذا يجوز اتخاذ بطائن من أهل غير الإسلام، يطلعون على بواطن أمور الدولة والأمة؟ والجواب لا، لا وليس معنى هذا أن لا نستخدم غير المؤمنين إذا دعت الحاجة إلى إستخدامهم، وإنما لا نطلعهم على بواطن أمورنا ولا نضعهم في مقاعد التكريم والإكبار والإجلال ونترك أهل العلم والإيمان.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-08-2016 06:52 PM

النداء الخامس عشر: في النهى عن أكل الربا والأمر بتقوى الله عز وجل
الآية (130) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

الشرح:
اعلم أيها المؤمن زادك الله علما ووفقني وإياك للعمل بما نعلم فإن العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر ورضى الله عن على بن أبى طالب، إذ قال: " العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ". وإن قلت لي ماذا أعلم؟ قلت لك اعلم عظم ذنب آكل الربا واحذره، فإن الله تعالى ما توعد أهل الإيمان بعذاب النار كما توعد آكل الربا؛ إذ قال تعالى: {اوَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وها هو ذا تعالى في هذا النداء الخامس عشر من نداءات الله تعالى لعباده المؤمنين ينهاهم عن أكل الربا ويأمرهم بالتقوى ويطمعهم في الفلاح الذي هو النجاة من النار ودخول الجنة، فيقول لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} إذ كان الرجل يستقرض من أخر مالا إلى أجل معين فإذا حل الأجل ولم يجد سدادا يقول لمن أقرضه أخر وزد فيؤخر ويزيد فيه، فإذا حل الأجل ولم يجد سدادا فيقول له أخر وزد أيضا وهكذا حتى يصبح القرض الذي كان مائة درهم _ مئات الدراهم. وهذا هو ربا النسيئة الذي يتضاعف. أما ربا الفضل فإنه تحصل فيه الزيادة فور البيع بأن يبيعه قنطارا بر بقنطار ونصف برا. ويبيعه ألف درهم بألف وعشرة مثلا وهكذا في كل الربويات، وهى الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح وما يلحق بها من كل مقتات مدخر، إذ هذه الربويات لا تباع إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن بلا زيادة إلا أن تختلف أجناسها كبيع فضة بذهب أو بر بشعير أو تمر بملح مثلا فلا بأس بالزيادة على شرط أن يتم البيع في مجلس واحد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ها وها..".
واعلم أيها المؤمن أن ربا البنوك اليوم أكثر ظلما وأعظم ذنبا من ربا الجاهلية الذي حرمه الله تعالى في هذه الآية وفى غيرها من آيات البقرة؛ لأن ربا البنوك من وضع اليهود، واليهود لا رحمة عندهم، ولا شفقة في نفوسهم على غير بنى جلدتهم، فإن البنك إذا أقرض امرؤا ألفا إلى أجل يكتبها عليه ألفا ومائة، وإذا تأخر سدادها رفع قيمتها حتى تكون أضعافا مضاعفة، أما ربا الجاهلية من العرب فإنه لا يزيد عليه شيئا إذا سلم الدين في وقته الذي حل عليه، وإنما يزيد عليه إذا حل الأجل ولم يسدد فقط.
لعلك أيها القارئ الكريم ترى أن الربا إذا كان غير مضاعف لا بأس به، لما قد يفهم من هذه الآية: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} إياك أن يعلق بذهنك هذا المعنى؛ فإنه غير وارد أبدا. وإنما الآية ذكرت حال المرابين في عصر الجاهلية فعاتبتهم على ذلك. أما بعد أن حرم الله الربا فإنه حرمه تحريما مطلقا لا فرق بين كثيره وقليله واسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرر هذه الحقيقة فيقول: " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية" 1. ويقول صلى الله عليه وسلم: " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم" 2. ألا فليجتنب المؤمن الربا وليبتعد عنه. وليذكر ما يساعده على ذلك من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) " اجتنبوا السبع الموبقات" فيسأل عنها فيقول " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" 3. وهل تدرى ما علة تحريم الربا؟
إنها ما يلي:-
1-المحافظة على مال المسلم حتى لا يؤكل بالباطل.
2-توجيه المسلم إلى استثمار ماله في أوجه المكاسب الشريفة الخالية من الاحتيال والخديعة، والغش، كالفلاحة، والصناعة، والتجارة.
3-سد الطرق المفضية بالمسلم إلى عداوة أخيه المسلم وبغضه وكرهه.
-فتح أبواب البر في وجه المسلم ليتزود لآخرته فيقرض أخاه المسلم بلا فائدة وينتظر ميسرته بلا فائدة وييسر عليه أمره ويرحمه ابتغاء مرضاة الله؛ وفى هذا ما يشيع المودة بين المسلمين ويقوى روح الإخاء والحب والتصافى بينهم.
فاذكر هذا أيها المؤمن وعلمه غيرك من إخوانك المؤمنين.
وأخيرا: هل عرفت لما جاء الأمر بتقوى الله تعالى بعد النهى عن أكل الربا في هذا النداء؟ إذ قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ؟ إنه من اجل إرهاب النفوس وإخافتها على الإصرار على أكل الربا؛ لأن الله تعالى لرحمته بعباده لم يأذن لأحد منهم أن يأكل مال أخيه بغير حق، وتقوى الله تكون بامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن امتثل أمر الله فاتقاه وأطاعه فلم يأكل الربا، فقد تهيأ للفلاح وهو كما عرفت الفوز بدخول الجنة بعد النجاة من النار.
ألا فلنطع الله فلا نأكل الربا، ونتقى الله فلا نعصيه في أمر، أو في نهى، لنظفر بأعظم ربح، ونغنم أفضل غنم ألا وهو الفلاح. جعلنا الله من أهله الفائزين به الناجين من النار الساكنين الجنة دار الأبرار.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

1 رواه أحمد بسند صحيح.
2 متفق عليه.
3 متفق عليه.

ام هُمام 11-09-2016 06:27 PM

النداء السادس عشر: في حرمة طاعة الكفار وما يترتب عليها من هلاك وخسران
الآية (149، 150) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} .

الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي لعباده المؤمنين يحمل تحذيرا لهم وإنذارا من الوقوع في فتنة الكفر بعد الإيمان، والضلال بعد الهداية، بل والموت بعد الحياة، إذ الكافر ضال بكفره ميت، والعياذ بالله من الكفر بعد الإيمان، والموت بعد الحياة. إنه لم تمت تلك الهزيمة للمؤمنين في معركة أحد الخالدة، بسبب معصية بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما من حقهم أن يعصوه، وما عصوه كفرا به ولا استخفافا بطاعته، ولكن زين لهم الشيطان وحسنت لهم نفوسهم ترك المراكز الدفاعية التي أنزلهم الرسول بها وحذرهم من تركها ومغادرتها مهما كانت الظروف والأحوال، إلا أنهم لما شاهدوا العدو فارا منهزما وإخوانهم في صفوف القتال يجمعون الغنائم هبطوا من جبل الرماة وجروا وراء العدو يجمعون الغنائم كإخوانهم، وما إن أخلوا مراكزهم الدفاعية حتى مال إليها العدو واحتلها وسلط عليم وابل السهام والنبال فهزمهم، وفروا هاربين تاركين رسولهم، تسيل دماؤه، وهو يدعوهم: إلى عباد الله، إلى عباد الله. كما قال الله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ} الأول: غم فوات النصر والغنيمة. والثاني: القتل وجراحات نبيهم صلى الله عليه وسلم إذ جرح في وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وهنا في هذه الحالة المحزنة المخيفة قال من قال من المنافقين، ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم فلو كان محمد نبيا ما قتل عمه وكثير من أصحابه، وجرح هو وكسرت رباعيته… ومنهم من قال: استكينوا لأبى سفيان وأصحابه واستأمنوهم، أي اطلبوا أمنكم منه؛ لأنهم الغالبون إلى غير هذا مما هو رغبة في العودة إلى الكفر بعد الإيمان، والعياذ بالله الرحمن.
وفى هذا نزلت الآية الكريمة وما بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} . فدلت أولا على أن الذين نادوا بالعودة إلى دين الآباء، والاستكانة إلى قائد المشركين، وطلب الأمن منه، هم كفار في الباطن مؤمنون في الظاهر، وهم المنافقون ورؤساءهم كابن أبى وإخوانه.
وثانيا: أن طاعة الكافر والأخذ برأيه أو توجيهه وإرشاده تؤدى بمن أطاعه إلى الكفر حتما، ومن كفر بعد إيمانه فقد خسر خسرانا مبينا، وليس هذا خاصا بزمان دون زمان أو مكان دون مكان، بل طاعة الكافر تؤدى المطيع حتما إلى الكفر، _ إذ الكافر لا يأمر ولا يدعو ولا يهدى إلا إلى ما هو فيه وعليه. من الضلال والكفر، والخبث، والشر، والفساد.
وثالثا: أن الطاعة الواجبة وهى المنجية من الخسران في الدنيا والآخرة هي طاعة الله، ورسوله، وأولى الأمر من المؤمنين، لا طاعة الكافرين والمنافقين؛ لأن من طلب النصر على العدو فليطلبه من الله مولاه القوى القدير العزيز، الحكيم، العليم، الخبير، لا من عدوه وعدو مولاه، وهو الكافر الضال الحائر الهالك المتهالك، فهل مثل هذا يطلب منه النصر؟ ولنعد تلاوة الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} . أي أطيعوه وأطلبوا النصر منه، فإنه ينصركم وهو خير الناصرين ألا فليعلم هذا عباد الله اليوم وليؤمنوا بالله وليتقوه فيصبحوا حقا عبيده، وهو مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه، ويومئذ إن أصابهم خوف، أو حلت بهم هزيمة لمخالفتهم هدى ربهم ونبيه صلى الله عليه وسلم فليطلبوا النصر منه سبحانه وتعالى فإنه ينصرهم ولا يذلهم ولا يخزيه وهو مولاهم، وهم لا مولى لهم سواه.
ألا فليعلم هذا كل مؤمن ومؤمنة، وليطيعوا ربهم، ونبيهم وولى أمرهم منهم.. ولا يقبلوا طاعة غيرهم من أهل الكفر، والنفاق، والشرك، والجهل، من العرب أو العجم على حد سواء وليطلبوا نصر الله على من عاداهم أو حاربهم أو سالمهم فإن الله لا يخلف وعده في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ألا فلنقبل على الله في صدق ولنثق في وعده فإن الله لا يخلف وعده.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-11-2016 07:42 AM

النداء السابع عشر: في حرمة التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدهم وسلوكهم
الآية (156) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
الشرح:
من مظاهر رحمة الله بالمؤمنين وإكرامه لهم؛ لأنهم أولياؤه بإيمانهم به وبلقائه وتقواهم له بفعل أوامره، واجتناب نواهيه من مظاهر إكرامه لهم انه لم يرض لهم أن يتشبهوا بأعدائه وأعدائهم وهم الكفرة المشركون والمنافقون، إذ ناداهم بعنوان الإيمان قائلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} . ونهاهم عن التشبه بالكافرين والمنافقين بقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} والكفر اقبح ذنب وأسوأه أي لا تكونوا مثلهم في الكفر والنفاق، وفيما يتولد عنه من الظلم والخبث والشر والفساد وسوء الأخلاق، ومن ذلك قولهم لإخوانهم في الكفر والنفاق إذا ضربوا في الأرض أي خرجوا مسافرين شفى تجارة وغيرها وأصابهم حادث من خوف أو جوع أو مرض فماتوا أو خرجوا غزاة مقاتلين فقتلوا في المعارك الجهادية وهم من المؤمنين الصادقين بوصفهم مؤمنين في الظاهر وهم كافرون في الباطن؛ إذ النفاق هو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر في النفس، فقالوا لإخوانهم المنافقين في مجالسهم الخاصة لو كان فلان وفلان وفلان عندنا ما خرجوا مسافرين غزاة مقاتلين، وما ماتوا وما قتلوا، فينتج لهم هذا القول حسب سنة الله تعالى الحسرة والندم والحزن والألم في نفوسهم، كما قال تعالى: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ} أي حسب سنته {حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} فنهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التشبه بحال الكافرين والمنافقين الظاهرة والباطنة حتى في السلوك النفسي الخفي، كهذا الذي هو قولهم لإخوانهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، لما ينتج ذلك من الحسرة التي هي ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب، أو فقد محبوب، والله تعالى لا يحب لأوليائه وصالحي عباده المؤمنين به وبلقائه والمطيعين له، ولرسوله، لا يحب لهم ما يؤذيهم من حزن أو حسرة أو ندم، فلذا تهاهم عن التشبه بالكافرين بقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} ثم ذكرهم بقوله: {وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} ليعلمهم أن الله تعالى هو الذي بيده الحياة والموت فقد يحيى المسافر والغازي، ويميت 1 المقيم في داره وبين أهله، والقاعد عن القتال دون غيره. إذ الأمر له وهو على كل شئ قدير، فلا معنى إذا لما يردده أولئك الكافرون من قولهم: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، إلا أن يجعل الله تعالى ذلك حسرة في قلوبهم.
ألا فليحذر المؤمنون مثل هذا القول فإنه قول باطل، ويجلب الألم والحسرة والعياذ بالله تعالى، كما يحذرون كل تشبه بالكافرين في الزي والسلوك وحتى التفكير والهم بالأمور للفوارق بين المؤمنين والكافرين في الاعتقاد، والقول والعمل والصفات الظاهرة والباطنة. وختم تعالى توجيهه لعباده المؤمنين بقوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تأكيدا لنهيه لعباده المؤمنين عن التشبه بالكافرين في الظاهر والباطن لما فيه من الضرر والفساد وسوء الحال والمآل فأعلمهم أنه بصير بأعمالهم الظاهرة والباطنة ألا فليعلموا ذلك وليحذروا التشبه بأعدائهم وإلا فستحل العقوبة بهم كما حلت بغيرهم، لأن لله تعالى سننا لا تتبدل ولا تتجول…
هذا ولنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " فمن تشبه بالصالحين فهو صالح، ومن تشبه بالفاسدين فهو فاسد، لأن سنة الله تعالى في أن من رغب في شئ وطلبه بجد ورغبة حصل عليه، وفاز به، وما تشبه أحد بآخر إلا لرغبة في نفسه أن يكون مثله فهو كائن إذا لا محالة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " من تشبه بقوم فهو منهم ".
وأخيرا أيها القارئ أو المستمع لهذا النداء وما حواه من النهى عن التشبه بالكافرين في الاعتقاد والقول والعمل والفهم وحتى الذوق، فاحذر أن يراك الله تعالى تتعمد التشبه بالكافرين، فإن عذاب الله شديد، واذكر قوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ولا تغفل عنه ولا تنسه.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 يروى أن خالد بن الوليد رضى الله عنه قال عند موته: ما في موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح وها أنذا أموت كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء!!؟!.

ام هُمام 11-12-2016 02:40 PM

النداء الثامن عشر: في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح
الآية (200) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ينادى المؤمنين؛ لأنهم أحياء بإيمانهم بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، والحى إذا نودي سمع، وإذا أمر طاع، وإذا نهى أنتهي، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا أوذي في الله صبر، والكافر لا نصيب له من هذه المظاهر الحيوية، وذلك لكفره بالله، ورسوله ودينه.
واذكر ما ناداهم لأجله في هذا النداء وهو الصبر والمصابرة، والرباط والتقوى وإليك بيانها:
1-الصبر: وهو حبس النفس على ما تكره وله ثلاث مواطن، الأول: الصبر على طاعة الله، ورسوله، وأولى الأمر من المؤمنين، والثاني: الصبر عن ترك ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال والصفات. والثالث: الصبر على البلاء الذي يبتلى به الله تعالى عباده المؤمنين تكفيرا لذنوبهم، أو رفعا لدرجاتهم، والصبر على البلاء معناه الرضا به والتسليم لله تعالى فيا ابتلاه به، وآية ذلك عدم الجزع والسخط، والإكثار من حمد الله تعالى على قضائه، وابتلائه.
2-المصابرة: وهى الصبر في وجه العدو الصابر، لذا كانت المصابرة أشد من الصبر، لأنها صبر في وجه عدو صابر. فأيهما لم يثبت على صبره سقط وهلك. ولذا كان النجاح والغلبة لأيهما أطول صبرا. يؤكد هذا قول وفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام إذ قال شعرا:
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
3-المرابطة: وهى لغة مصدر رابط يرابط رباطا مرابطة، وهى في الشرع ربط النفس والخيل والعتاد الحربي في الثغور الإسلامية، وهى الأماكن التي يخشى أن يتسرب منها العدو إلى بلاد المسلمين، وهى غالبا تكون على السواحل البحرية، والأماكن الخالية من المدن كما تكون في حدود بلاد العدو المتصلة بالبلاد الإسلامية والرباط فرض كفائي إذا قام به من يؤمن حدود بلاد المسلمين ويرهب عدوهم سقط الواجب عن الباقين إذ هو كالجهاد، ويتعين على من عينه الإمام عليه وفيه يقول الله تعالى في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
وللرباط فضل عظيم، فقد روى البخاري عن انس رضى الله عنه قوله: " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها " وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه " وإن من مات مرابطا جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان أي في قبره.
واعلم أن الجيوش الإسلامية اليوم إن هم أقاموا الصلاة في ثكناتهم، واتقوا الله فلم يعصوه بترك واجب أو فعل مكروه، ثم نووا الرباط في سبيل الله لحماية بلاد المسلمين فإنهم مرابطون، ويجرى لهم كما ورد في فضل الرباط والمرابطين.
4-التقوى: وهى تقوى الله عز وجل بالخوف منه والخشية من عقابه، وأليم عذابه الحاملة للعبد على طاعة الله وطاعة رسوله بفعل الأوامر واجتناب النواهي، في السراء والضراء والمنشط والمكره، والعسر واليسر هذه التقوى هي التي بها وبالإيمان يتحقق للعبد ولاية الرحمن وما بعد ولاية الرحمن من مطلب أسمى ومقام أعلى. إذ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لا في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في يوم القيامة. ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة.
وبعد اذكر أيها القارئ الكريم هذه الأوامر الأربعة التي تضمنها هذا النداء الكريم، اذكر وعد الله تعالى لأهلها وهو الفلاح. وما هو الفلاح، إنه الفوز العظيم المتمثل في دخول الجنة بعد النجاة من النار. واذكر هذه الأوامر الأربعة سرها أن تزكى النفس وتطهرها من أوضار الذنوب والآثام، وإذا زكت النفس وطهرت استحقت الفلاح، واقرأ لذلك قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} واذكر للفوز قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
ألا فلنذكر هذا أيها القارئ والمستمع، ولا ننسه. والله ولى من تولاه.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-13-2016 05:18 PM

النداء التاسع عشر: في تحريم إرث النساء ومنعهن حتى يسلمن ما أخذن من المهور
الآية (19) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} .

الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن لهذه الآية سبب اقتضى نزولها وهو ما رواه البخاري عمن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: " كانوا إذا مات الرجل – عن زوجته – كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاء زوجها، وإن لم يشاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها " فنزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ....}
فنادى الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لينهاهم عما كانوا متعارفين عليه في الجاهلية، وهو أن الرجل إذا مات وترك زوجة ورثها أكبر أولاده وهى كارهة لذلك قطعا، ثم هو إن شاء تزوجها، أو زوجها غيره وأخذ المهر له، وإن شاء أبقاها حتى تعطيه ما أخذت من مهر من والده. فحرم تعالى هذا الإرث الجاهلي الجائر، فقال: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} فأصبحت المرأة إذا مات زوجها ترث منه ما أعطاها الله وهو الثمن، إن كان له ولد، وإلا فترث الربع، ثم تبقى في بيته حتى تكمل عدتها أربعة أشهر وعشرا، ثم تذهب حيث شاءت. وكما حرم تعالى إرث الزوجة حرم عضلها أي منعها أيضا، وهو أن يكده الرجل امرأته لدمامتها، أو سوء خلقها فيضايقها ويؤذيها حتى تفتدى منه بمال، ثم يطلقها فقال تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} أي من مال، وهو المهر. هذا إن لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنا، أو تترفع عن الزوج وتتكبر عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف، أما إن ارتكبت فاحشة واضحة بينة لا شك فيها ونشزت نشوزا، أو أعرضت عن الزوج إعراضا فإن للزوج أن يضايقها حتى تفادى نفسها منه بمثل المهر.
ثم وجه تعالى عباده المؤمنين إلى ما فيه خير الزوجين فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على كل مؤمن أن يعاشر زوجته بالمعروف، وهو الإحسان إليها وعدم الإساءة إليها بقول أو فعل، إن كره المؤمن زوجته فليصبر عليها، ولا يطلقها فلعل الله تعالى يجعل في بقائها خيرا، كأن تنجب له ولدا ينفعه الله تعالى به، أو تذهب تلك الكراهة عن نفسه، ويصبح تحبها وتحبه يودها وتوده، وهذا المراد من قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} ، وصدق الله العظيم، وله الحمد والمنة على إرشاده وتوجيهه لعباده المؤمنين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، ويزيد هذا الإرشاد الرباني وضوحا قول الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر "، ومعنى يفرك: يبغض. إي لا يجوز للمؤمن أن يبغض امرأته، فإنه إن كره منها خلقا من أخلاقها فسيرضى منها خلقا آخر.
هذا وأذكر أيها القارئ الكريم أو المستمع المستفيد ما حملته هذه الآية من هدايات إلهية وهى:
1-إبطال قانون الجاهلية الذي كان يسمح لولد الزوج إذا مات والده أن يرث امرأة أبيه فيتزوجها، أو يزوجها، ويأخذ مهرها أو يسترد منها ما مهرها أبوه ويطلقها. وما أقبح هذه العادة الجاهلية، والحمد لله على نعمة الإسلام الذي دفع هذا الظلم وأبطل قانون الجاهلية الجائر الفاسد، وأبدله بقانون الرحمة الإلهية لعباد الله المؤمنين.
2-حرمة عضل الزوجة والتضييق عليها حتى تفدى نفسها بما أخذته من المهر أو أكثر إذ هذا الصنيع مظهر من مظاهر الظلم والاعتداء وفساد القلوب والأخلاق.
3-الإذن للمؤمن بان يأخذ فدية من امرأته إذا كرهته وأساءت إليه ولم تعاشره بالمعروف فمتى أتت بفاحشة أو أساءت العشرة مع زوجها، وأظهرت كراهيتها له، للزوج الحق في أن يطلقها بفداء، وهو ما يسمى بالخلع، فيطلقها مقابل مبلغ مالي، قد يزيد على المهر الذي تسلمته منه يوم عقد نكاحها.
4-لفظ (عسى) في اللغة معناه الترجي، وقد يقع المرجو، وقد لا يقع، إلا إذا كان القائل (عسى) الله سبحانه وتعالى فإن عسى تفيد وقوع المرجو، وعدم تأخره وذلك لعلم الله تعالى وقدرته وحكمته ورحمته.
لذا قوله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً} يجعل المؤمن يأخذ بما يوجبه عليه ربه تعالى، ويصبر على المرأة التي كرهها ولا يلبث أن يزول ذلك الكره، ويحل محله الرضا، والحب، والخير الكثير.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-14-2016 05:26 PM

النداء العشرون: في حرمة أكل أموال المؤمنين بالباطل وحرمة قتل النفس بغير حق
الآية (29) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} .

الشرح:
هل تذكر أيها القارئ أن المراد بالمؤمنين الذين ناداهم الله عز وجل هم الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأنهم بإيمانهم أهل لأن يكلفوا وينهضوا بالتكاليف، فيفعلون منها ما يفعل، ويتركون منها ما يترك، وذلك لكمال حياتهم فها هو ذا تعالى قد ناداهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لينهاهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل، أي بدون حق كالإرث، أو التجارة، أو العمل، أو الصدقة على مستحقيها، لفقره أو مسكنته، أو لوجوبها كالنفقة على الزوجة، والولد، والوالدين، وهو معنى قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي بدون حق يقتضي الأكل، وعبر بالأكل، لأن الغالب في الأموال يؤكل بها، وإلا فكل مال أخذ بغير حق حرام سواء أكل به وشرب، أو بنى به وسكن، أو ركب به ولبس أو فرش، واستثنى تعالى مال التجارة فقال: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فإن التاجر قد يشترى الشاة من صاحبه بعشرة برضاه، ويبيعها بعشرين، أو يشترى الدار بمائة ألف، وقد يبيعها بمائة وخمسين منه فلا يقولن قائل قد أكل فلان مال أخيه؛ لأنه باعه الشاة بعشرة، فكيف يبيعها بعشرين وقد أخذ عشرة بغير حق، والجواب أن الله قد أباح ربح التجارة بقوله: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . نعم لو أشترى منه ما اشتراه بدون رضاه، فلا يحل له ذلك الربح ولو قل والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " بأن يرد أحدهما البضاعة لمن ابتاعها منه أو يتفرقا من المجلس فيذهب كل إلى سبيله فحينئذ قد تم البيع وأصبح للمشترى أن يبيع بما شاء وما ضر البائع إن اشتراها بعشرة، وباعها بعشرين، لهذه الآية الكريمة: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .
ولنعلم أن إباحة ربح التجارة مشروط بشرط التراضي بين البائع والمشترى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما البيع عن تراض " فإن لم يحصل تراض بينهما، فالبيع باطل، ومن أخذ تجارة بغير رضا صاحبه فربحه باطل، حرام، وعليه أن يرده إلى صاحب البضاعة التي أخذها بدون رضا بائعها.
فلنذكر هذا أيها المؤمنين. ولنعلم أن أكل أموال المؤمنين بالباطل له صور منه:
1-السرقة: إذ حرم الله السرقة وحكم بقطع يد السارق.
2-الربا فمن أعطى أخاه قرضا فلا يحل له أن يأخذ منه زائدا عن قرضه ولو كان درهما واحدا.
3-الغش كأن يبيعه سلعة فاسدة وهو لا يدرى فسادها لأنه مستور أو خفي وقد حدث مرة أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق المدينة فوجد صرة (كيسا) فيها طعام فأدخل يده في وسطها فوجد بها بللا، فعاب على البائع، وقال له: " لم لا تجعل المبتل منه ظاهرا حتى يعلمه المشترى يا فلان إن من غشنا فليس منا، المكر والخداع في النار ".
4-القمار فكل مال القمار حرام لأنه بغير حق.
5-أكل العربون وهو أن المشترى لصاحب السلعة بعضا ويقول له إن أتمت الثمن أخذت البضاعة وإن لم آتك فالبضاعة لك وما دفعته أيضا هو لك فأكل هذا العربون حرام، لأنه بغير حق.
وقوله تعالى في هذا النداء: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} فإنه نص قطعي في تحريم قتل المؤمن أخاه صغيرا أو كبيرا، سليما أو مريضا، وكذا قتل المؤمن نفسه بأي (وسيلة) ولو بأن يمتنع من الماء أو الطعام حتى يموت، فضلا عن أن يشرب سما أو يلقى بنفسه في بئر، أو من رأس جبل، أو بناء عالي، كذلك قتل النفس التي حرم الله قتلها في هذه الآية وفى غيرها من الآيات القرآنية بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّم اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم تحريم أكل أموال المؤمنين وقتلهم في أعظم مشهد إنه يوم عرفة إذ جاء في خطبته الطويلة الشاملة قوله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ". ثم قال: " اللهم اشهد فقد بلغت ... " ولنعلم أيها المؤمنون أن جريمة قتل النفس لا تفوقها جريمة سوى الكفر، والشرك، ودونهما جريمة الزنا، والعياذ بالله تعالى.
وأخيرا إن جريمة الانتحار الشائعة في ديار الكفار قد ظهرت أيضا في ديار المسلمين فلنذكر وعيدا لأصحابها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح إذ قال: فداه أبى وأمي ونفسي والعالم أجمع قال: " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة " وقال صلى الله عليه وسلم: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلد فيها أبدا ". وقال صلى الله عليه وسلم: " ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا "
ألا فلنستعذ بالله من أكل أموال المؤمنين ومن قتل أنفسهم. فإن الله كان بنا رحيما لذا حرم ما حرم علينا.
ولله الحمد والمنة، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-15-2016 05:55 PM

النداء الحادي والعشرون: في حرمة الصلاة حال السكر وحرمة الصلاة والمكث في المسجد حال الجنابة ومشروعية التيمم للعذر
الآية (43) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} .

الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء يحوى أحكاما عدة ومعرفتها واجبة وهاأنذا أفصلها لك تفصيلا، فاحفظ النداء أولا ثم أقبل على معرفة ما فيه من أحكام فقهية ضرورية، واعمل بها وعلمها غيرك، تظفر بشرف العظمة في السماء لما رواه مالك (أن من علم وعمل بما علم وعلمه غيره دعي في السماء عظيما) وإليك بيان الأحكام:
1-حرمة الصلاة حال السكر. وهذا الحكم نسخ بآية تحريم شرب الخمر من سورة المائدة فلم يجز شرب الخمر بحال من الأحوال. وعلى فرض أن من شربها فاسق فلا يدخل في الصلاة وهو سكران إذ وضوءه باطل فلا تصح صلاته.
2-حرمة الصلاة على الجنب والحائض والنفساء إلا بعد الغسل أو التيمم. وكذلك دخول المسجد. ولا بأس بالمرور فيه بدون جلوس. وهذان الحكمان دل عليهما قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} أي غسل الجنابة.
3-المريض، والمسافر، والذي انتقض وضوءه ببول أو غائط، أو ضراط، أو فساء، والجنب بجماع أو احتلام هؤلاء إذا لم يجدوا ماء للوضوء أو الغسل عليهم أن يتيمموا ويصلوا أو يدخلوا المسجد دل على هذين الحكمين قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّب} .
4-بيان كيفية التيمم وهو أن يضع المتيمم كفيه قائلا بسم الله على التراب الطاهر فإن لم يكن فعلى حجر فطرى ليس مصنوعا ويمسح وجهه ثم يضع يديه أيضا على التراب أو الحجر ويمسح كفيه. وكان ابن عمر يمسح مع كفيه ذراعيه وهو جائز. ودل على كيفية التيمم هذه قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُ}
وقوله تعال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} فيه إظهار لرحمة الله بالمؤمنين وعفوه عن مسيئهم؛ إذ الآية نزلت فيمن صلوا وهم سكارى قبل تحريم الخمر. رحمة بهم فلم ينزل بهم عقوبة وغفر لهم ذلك الذنب الذي ارتكبوه بغير قصد.
وإن سألت عن كيفية الاغتسال فاعلم أن الجنب يصب الماء على كفيه قائلا بسم الله، ناويا رفع الحدث الأكبر أي الغسل من الجنابة، ثم يغسل فرجيه القبل والدبر وما حولهما، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وهو أن يغسل كفيه ثلاثا، ثم يتمضمض ثلاثا ثم يستنشق ويسنثر ثلاثا ثم يغسل وجهه ثلاثا ثم يغسل يده اليمنى إلى المفرق ثلاثا ثم اليسرى ثلاثا ثم يمسح رأسه، وأذنيه مرة واحدة، ثم يغسل رجله اليمنى، ثم اليسرى إلى الكعبين، وهذا هو الوضوء فاعرفه. ثم يخلل شعر رأسه بكفيه، ثم يغسل رأسه كله ثلاث مرات ويغسل أذنيه ظاهرا وباطنا ثم يغسل شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه، ثم الأيسر كذلك، بحيث يعمم الماء على كل جسده فلا يترك لمعة أبدا، بهذا عرفت كيفية الغسل والوضوء معا.
وأخيرا أيها القارئ الكريم هل تعرف معنى الجنب؟ إنه الرجل أو المرأة إذا جامع، أو احتلم فخرج المنى أصبح جنبا أي به جنابة. وهل عرفت معنى الغائط؟ إنه مكان التغوط أي التبول والخرء، وهل عرفت معنى أو لامستم النساء؟ إنه الجماع. وهل عرفت موجبات الوضوء أو نواقضه؟ إن الوضوء يجب من الخارج من السبيلين القبل والدبر وهو البول والخرء، والريح والضراط، ومن مس المرأة بشهوة، وكذا مس الذكر، والنوم الثقيل. فهذه موجبات الوضوء وهى نواقضه أيضا فاعرف هذا. واعلم أن من تيمم لعدم وجود الماء أو لمرض يمنعه من مس الماء، أو الحصول عليه، فإنه يتيمم لكل صلاة، وإن تيمم للفرض صلى به النوافل القبلية والبعدية معا، فاعرف هذا زادك الله علما.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
.

ام هُمام 11-15-2016 05:58 PM

النداء الثاني العشرون: في وجوب طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر من المؤمنين، ورد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسله
الآية (59) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} .

الشرح:
اذكر أيها القارئ أنك أهل لنداء الله تعالى لك، ولسائر المؤمنين، والمؤمنات، وأن سبب هذا التأهيل هو الإيمان بالله ربا وإلها، وبمحمد نبيا ورسولا، وبالإسلام شرعا ودينا مع ضرورة الإيمان بباقي الأركان وهى الإيمان بالملائكة، والكتب والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وهل تدرى لم نادى الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين في هذا النداء؟ إنه ناداهم ليأمرهم بأمرين عظيمين أنيطت بهما سعادة الدنيا والآخرة معا.
فالأول: طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولى الأمر من المؤمنين وهم الأمراء والعلماء.
والثاني: رد المختلف فيه والمتنازع عليه إلى كتاب الله وهو القرآن الكريم وإلى سنة رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم تسليما، وإليك بيان وجه السعادة فيما أمر الله بطاعته، والرد إليه :
1-طاعة الله عز وجل، وطاعته تعالى تتحقق بفعل الأمر وترك النهى، ولا فرق بين ما كان من الأمر، للوجوب، وما كان للندب والإرشاد، وكذلك النهى لا فرق بين ما كان منه للتحريم وما كان للكراهة، وذلك أن الله تعالى لا يأمر ولا ينهى إلا من أجل إكمال عباده وإسعادهم وإبعاد الشقاوة عنهم والخسران في الحياتين، لأنه ربهم ووليهم وليس في حاجة إليهم، ومن هنا فإنه لا يأمرهم إلا بما يحقق سعادتهم وكمالهم، ولا ينهاهم إلا عما يسبب شقاؤهم وخسرانهم في الدارين.
ومن هنا أيها القارئ الكريم وجب أن تعلم أن معرفة أوامر الله تعالى، ومعرفة نواهيه من أوجب الواجبات وألزمها، وأن من لم يعرف ذلك لا يمكنه أن يطيع الله بحال من الأحوال، فهو إذا خاسر لا محالة في الدنيا والآخرة فلنذكر هذا ولنعلم المؤمنين به.
2-طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى كطاعة الله تعالى لا تتحقق إلا بمعرفة أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم، ولا فرق بين ما كان للوجوب والندب، وما كان للتحريم والكراهة، وإن كانت أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم مستوحاة من الكتاب الكريم إلا أن الله أمر بطاعته طاعة استقلالية، إذ قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فكرر الأمر بالطاعة لعلمه تعالى أن الأمة قد تعجز عن إدراك الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية ما لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا لها آمرا بها ناهيا. وكيف وقد قال عز من قائل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وهو صلى الله عليه وسلم قد قال: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله " ومن هنا وجبت طاعته صلى الله عليه وسلم على كل مؤمن ومؤمنة في الأمر والنهى، على حد سواء ولاسيما ما كان منها للوجوب والتحريم، ووجب معرفة أوامره ونواهيه لأمته وإلا فطاعته متعذرة على المؤمن الجاهل بها.
3-طاعة أولى الأمر من المؤمنين إذ أمر الله تعالى بها في هذا النداء بقوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وقيد {مِنْكُمْ} يخرج به طاعة الكافر إذ لا طاعة لحاكم كافر إلا في حالة الإكراه الشديد المقتضى للقتل أو أشد العذاب، لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} وأولوا الأمر يتناول الأمراء والعلماء والوالدين والمربين الصالحين، إلا أن طاعتهم ليست مطلقة بل هي مقيدة بالمعروف. فمن أمر منهم بالمعروف وهو ما عرفه الشارع صالحا نافعا أو ضارا فاسدا، فهذا الذي إذا أمر به الأمير أو العالم أو الوالد أو المربى تجب فيه الطاعة فعلا أو تركا. إذ قال تعالى وهو يخاطب رسوله:} وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ {أي على المؤمنات طاعتك في المعروف، وأما غير المعروف لو أمرتهن به فلا طاعة لك فيه، وهذا من باب الهداية القرآنية، وإلا حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر بغير المعروف.
ومن هنا فطاعة أولى الأمر لا تجب إلا فيما كان معروفا في الشرع مأمورا به أو منهيا عنه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرر هذا الحكم فيقول: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصى الأمير فقد عصاني " وفى الوالدين يقول تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ... } كان ذلك الأمر الأول وهو طاعة الله وطاعة رسوله وأولى الأمر.
وأما الأمر الثاني: فهو رد المختلف فيه إلى الكتاب والسنة وهو رد واجب من رفضه على علم فقد فسق وظلم وتعرض للكفر والعياذ بالله إذ قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} أيها المؤمنون حكاما أو محكومين علماء أو جاهلين) أي في حليته أو حرمته، في وجوبه أو عدم وجوبه، في جوازه وإباحته أو عدم ذلك فردوه إلى القرآن والسنة النبوية الصحيحة. والذي يقوم بالتحقيق والمعرفة هم العلماء علماء الشرع الفقهاء والعارفون بالكتاب والسنة، لا الجهال، والذين لا علم لهم حتى ولو كانوا الحاكمين. وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فيه إشارة أفصح من عبارة وهى أن الذين يرفضون الرد إلى الكتاب والسنة فيما اختلف في حكمه ما هم بالمؤمنين بالله واليوم الآخر، ومن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فهو كافر. وأخيرا وإتماما للنصح والتوجيه يقول تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} أي أحسن عاقبة فهو خير حالا ومآلا.
والحمد لله والشكر له على هدايته وتعليمه وإنعامه.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


ام هُمام 11-16-2016 10:45 PM

النداء الثالث والعشرون: في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال
الآية (71) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً}
الشرح:
تعلم أيها المؤمن أنه ما نادى الله تعالى عباده المؤمنين إلا ليبين لهم طريق سعادتهم وكمالهم، وعزهم وسيادتهم وقيادتهم؟ لأنهم أولياؤه وهو وليهم، وأن ما يأتى بعد النداء لا يكون إلا أمرا منجيا ومسعدا، أو نهيا مبعدا عن الشقاوة والخسران في الدارين، أو نذارة تخيف وترهب فتحمل المؤمنين على مواصلة فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، ولا غرابة ولا عجب في هذا؛ لأن الولي لا يريد لأوليائه إلا نجاتهم وسعادتهم والمؤمنون المتقون أولياء الله، والله وليهم، إذ قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يخرجهم من ظلمات الشرك والكفر والنفاق، وكبائر الذنوب وفواحش القول والعمل لتبقى أنفسهم زكية طاهرة يرضاها تعالى، ويعطيها مناها وقد أخبر بذلك في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} وبينهم بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} وبين تحقيق مناهم لهم فقال: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} أي الحاملة للبشارات ذلك هو الفوز العظيم.
والآن هل تدرى لم نادى الله تعالى عباده المؤمنين في هذا النداء الثالث والعشرين من نداءاته لهم في كتابه الحكيم؟ إذ ناداهم ليأمرهم بأخذ الحذر من عدوهم، وعدو المؤمنين وهو كل كافر من الإنس والجن، وعدوهم هو من يريد هلاكهم وخسرانهم وذلهم وضعفهم وحقارتهم، ولا يكون هذا العدو إلا كافرا ظالما، والحذر يكون بتوقى المكروه بالأسباب المشروعة الممكنة، فمن الأسباب المشروعة الممكنة لتوقى مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} هذا أولا، وثانيا: عدم الاستجابة لما يزينه للعبد، وتركه والإعراض عنه. وثالثا:لزوم الطهارة ما أمكن ذلك، ورابعا: قراءة القرآن في المنزل وصلاة النافلة فيه، وخامسا: تطهير المنزل من الصور، خاصة ما يعرض في الآلات كالفيديو والتلفاز من صور العواهر والكفار، وأصوات المزامير المختلفة بهذا يتقى الشيطان وإخوانه، ومن الأسباب الممكنة لتوقى شر العدو من الإنس:
1- عدم حسن الظن به أي بالعدو الكافر دائما وأبدا.
2- إعداد العدة الحربية بحسب القدرة على ذلك لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} .
3- إسناد أمر القيادات الحربية إلى ذوى الكفاءات من القدرة البدنية والعلمية الحربية والإيمانية الروحية.
4- وجود خبرة عسكرية كاملة وقيادة رشيدة مؤمنة حكيمة عليمة.
5- وجوب أخذ الأهبة، والاستعداد التام في أيام السلم، وأيام الحرب على حد سواء؛ لآية الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} وهذا يعرف بالسلم المسلح.
6- وحدة الكلمة ووحدة الصف؛ إذ الفرقة محرمة بقول الله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} .
7- طاعة الله وطاعة رسوله بصورة عامة، وذلك بفعل الأوامر واجتناب المناهى في الحرب والسلم معا، إن الذنوب موجبة للعقوبة من الله تعالى، وقد تكون هزيمة بالعدو، والعياذ بالله.
8- في حال الهجوم يجب القيام بما يلي:
أ- الثبات وعدم التقهقر. ب- ذكر الله تعالى بالقلب واللسان.
وهذا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
ولنراجع معاني هذه الآية الكريمة في النداء (45) من سورة الأنفال فإن بيانها هناك واف مفيد.
وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه وسلم وعلى المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مصطفى الهواري 11-17-2016 03:17 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكي اختنا الكريمة
وجعله في ميزان حسناتك

متابع عن قرب لانهل من فيض نهرك اختاه

ام هُمام 11-17-2016 10:29 PM

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم واحسن اليكم اخي الفاضل

ام هُمام 11-17-2016 10:32 PM

النداء الرابع والعشرون: في وجوب التثبت والتبين في الأمور التي يترتب على الخطأ فيها ضرر بالغ عظيم
الآية (94) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم ما قد سبق أن علمته، وهو أن الله تعالى لا ينادى عباده المؤمنين إلا ليأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم، وذلك لولايتهم له حيث آمنوا به وبلقائه، وبكل ما أمرهم أن يؤمنوا به واتقوه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، إذ بذلك تطهر أرواحهم وتزكو نفوسهم، والله يحب التوابين إليه والمتطهرين من أجله.
ولك أن تعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن ما شرعه الله تعالى من عباداته؛ إنما شرعه لتزكية نفوس عباده وتطهيرها ليقبلها ويرضى عنها وأن ما حرمه على عباده ونهاهم عنه سواء كان اعتقادا أو قولا أو عملا إنما حرمه عليهم ونهاهم عنه من أجل أن لا تخبث أرواحهم وتتدسى نفوسهم فيكرهها ويبغضها، ولا يأذن له بدخول الجنة حتى لا تنعم برضاه والنظر إلى وجهه الكريم فيها. واقرأ لهذه الحقيقة قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} . وقوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} فالأبرار وهم المطيعون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم في نعيم الجنة، وذلك لبرورهم، إذ البرور هو الطاعة. والفجار في جحيم النار لفجورهم وهو معصية الله ورسوله المنتجة لخبث النفس، وتدسيتها وعفنها، الأمر الذي يسخط الله تعالى عليها ومن سخط الله عليه حرم عليه دخول الجنة دار الأبرار وأدخل النار دار العذاب والبوار، أعاذنا الله تعالى منها.
إذا عرفت هذا سهل عليك أن تفهم قوله تعالى في هذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي غزاة ماشين لطلب العدو الكافر المحارب {فَتَبَيَّنُوا} أي تثبتوا ولا تتعجلوا {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ} أي سلم عليكم أو أسلم بأن نطق بالشهادتين {لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وتقتلوه رغبة في المال الذي عنده من غنم يسوقها أو غيرها من أنواع المال، فلا تفعلوا مرة أخرى مثل هذا، وإن كانت لكم رغبة في الغنيمة {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} لا غنيمة واحدة فاطلبوها برضاه لا بسخطه واذكروا حالكم قبل إسلامكم فإنكم كنتم مثل هذا الذي قتلتموه، لا تملكون إلا النطق بالشهادتين {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي بنعمة الهداية إلى الإسلام ومعرفة قواعده وشرائعه. إذا {فَتَبَيَّنُوا} إن حصل لكم مثل هذا الموقف وراقبوا الله تعالى في أقوالكم وأعمالكم فلا تخرجوا عن طاعته عز وجل بحال من الأحوال {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}
هذا واذكر أيها القارئ أن هذه الآية نزلت في حادثة معينة، وإليك قصتها كما هي فانظرها واعتبر بها كما أعتبر بها الأولون، فتثبت في كل خبر تسمعه، وفى كل عمل تشاهده فلا تسارع في الحكم على الأشياء بدون ترو ولا بصيره، فإنك تسلم من الأخطاء الضارة والمهلكة. روى البخاري مختصرا، وروى البزار مطولا عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: " بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقى رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. وأهوى إليه المقداد فقتل، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد. فقال: ادعوا لي المقداد. فدعوه فجاء فقال له: يا مقداد أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله فكيف لك بلا إله إلا الله غدا فقال: فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} إلى أخر الآية، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم للمقداد: كان رجلا مؤمنا يخفى إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفى إيمانك بمكة قبل".
وأخيرا إن هداية هذه الآية عظيمة؛ حيث أوجبت على كل مؤمن التثبت والتبين في كل قول يقوله أو يسمعه، وفى كل عمل يقوم به، أو يراه ويشاهده حتى لا يقول غير الحق، ولا يخبر بغير الحق ولا يعمل غير ما هو صالح ولا يشهد بغير ما هو متأكد بصحة ما رآه وعلمه مخافة أن يرتكب خطأ يهوى به في النار، أو يقع به عن مواكب الصالحين، ولاسيما فيما فيه هدر دم وإزهاق روح، أو إشاعة فاحشة فالتثبت التثبيت أيها المؤمن، والله يحفظ من يحفظه، وينصر من ينصره.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-18-2016 02:51 PM

النداء الخامس والعشرون: في وجوب العدل في الشهادة وحرمة اتباع الهوى المانع من العدل فيها
الآية (135) من سور ة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}
الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي له شأن عظيم، إذ هو يوجب العدل في القضاء، والشهادة، والقول، والعمل، والاعتقاد، فعلى من قضى بين اثنين أن يعدل في حكمه، وأن من شهد أن يعدل في شهادته، وأن من قال مخبرا أو آمرا، أن يعدل في قوله أو أمره، إذ على العدل قامت السموات والأرض وها هو ذا الرب تبارك وتعالى ينادى المؤمنين ويأمرهم قائلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل هذا في الحكم بين الناس. {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} أي أدوا الشهادة لله؛ لأن الشهادة على عبده كالشهادة له عز وجل. إذا أدوها عادلة لا حيف فيها ولا جور، ولو كانت الشهادة على أنفسكم لأنكم عبيد الله فلا تظلموا أنفسكم؛ لأن ذلك لا يرضاه سيدكم لكم، وظلم النفس يكون باقتراف الذنب بالحيف في الشهادة وعدم العدل فيها إذا فاعدلوا ولو كانت الشهادة على أنفسكم؛ أو الوالدين والأقربين، فليشهد أحدكم على نفسه بأنه فعل أو ترك، وعلى أبيه وأمه وأقربائه، أنهم فعلوا أو قالوا أو أخذوا أو تركوا، فلا تحمله طاعة والديه، وواجب الإحسان إلى أقربائه، أن يكتم الشهادة عليهم أو يبدلها خائفا فيها جائرا ولا تراعوا في آداء الشهادة فقرا ولا غنى كما لم تراعوا قربا أو بعدا، فالله أولى بالفقراء بالإحسان إليه، وأولى بالغنى أن يأخذ منه غناه. فلا يميلن أحدكم مع الفقير رحمة به، ولا مع الغنى طمعا فيه، وليوكل ذلك لله تعالى، فهو أولى به.
بعد هذا الإرشاد والتوجيه إلى إقامة العدل في القضاء والشهادة. نهى تعالى المؤمنين عن إتباع الهوى فقال: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} والهوى هو ميل النفس إلى ما تحبه وما يزينه الشيطان لها، فترغب فيه وتطلبه كحب السمعة والمال والجاه واللذات. فنهى تعالى عباده المؤمنين عن إتباع الهوى حتى لا يجوروا في قضائهم وشهاداتهم، ثم حذرهم في لي اللسان بالشهادة حتى لا تأتى عادلة، ومن الإعراض عنها بأن يكتموها فلا يؤدوها، أو يعرضوا عن بعضها فلا تكون كافية في إحقاق الحق وإبطال الباطل. فقال تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} أي لا يخفى عليه أمركم، عدلتم أو جرتم، أتممتم أو نقصتم، فاحذروا رقابته تعالى لكم وجزاءه إن عدلتم بالخير، أو جرتم بالعذاب، فما أحسن هذا التذييل في الآية الكريمة {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . فاذكروا هذا ولا تنسوه فإنه يعينكم على تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه فتكملوا وتسعدوا.
واعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى أمر بالعدل في القضاء والحكم في غير هذه الآية، أيضا فاسمع قوله تعالى: {ِانَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} كما نهى تعالى عن كتمان الشهادة في قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ومما يؤكد أمر حرمة الظلم والجور في الحكم والشهادة قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب أصحابه: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ومازال يكررها حتى قال الحاضرون من أصحابه: ليته سكت " أي تمنوا سكوته خشية أن ينزل أمر عظيم لا يطاق ويقول صلى الله عليه وسلم مخبرا أمته معلمها لتكمل وتسعد: " خير الشهود الذي يأتى بشهادته قبل أن يسألها " وبناء على هذا فشر الشهود من يكتم شهادته فيضيع حق أخيه المؤمن، والعياذ بالله تعالى.
وأخيرا إليك أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد هذه الصورة الجليلة في بيان العدل والشهادة بالقسط، يقول عبد الله بن رواحه شهيد مؤته رضى الله عنه وأرضاه وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم. فقال لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلى ولأنتم أبغض إلى من أعدائكم من القردة والخنازير. وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم فقالوا بهذا قامت السموات والأرض. لنتأمل جميعا هذا الموقف الذي وقفه عبد الله بن رواحه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو موقف يجب أن يقفه كل مؤمن، فلا تغرنه الحياة الدنيا فيحيف أو يجور أو يأخذ رشوة مالية مهما كانت الظروف والأحوال اللهم أحينا على ما أحييته وأمتنا على ما أمته عليه. إنك رب العالمين وولى المتقين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
.

ام هُمام 11-19-2016 06:55 PM

النداء السادس والعشرون: في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته والتحذير من ضده وهو الكفر
الآية (136) من سور ة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} .
الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي يشمل المؤمنين حق الإيمان وهم ممن آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، فناداهم ربهم تعالى بعنوان الإيمان الذي هو صفتهم، ناداهم ليأمرهم بالثبات على إيمانهم وبتقويته وزيادته، حتى يبلغوا أعلى مستوى فيه، وهو اليقين، ويشمل المنافقون وهم مؤمنون في الظاهر كافرون في الباطن؛ وما أكثرهم في المدينة أيام نزول هذه السورة القرآنية الكريمة سورة النساء أمرهم بأن يؤمنوا الإيمان الحق، وهو الإيمان بالله وبرسوله ولقائه، وبالملائكة والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر. إذ الإيمان الظاهر دون الباطل كفر ونفاق، فمن رحمة الله بالعباد ناداهم بعنوان الإيمان، وأمرهم بالإيمان الحق لينجوا ويسعدوا.
كما يشمل هذا النداء مؤمني اليهود الذين يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض. فقد روى عن أن عبد الله بن سلام، وأسدا وأسيدا ابني كعب وثعلبة بن قيس، وسلام بن أخت عبد الله بن سلام، وسلمة ابن أخيه، ويامين بن يامين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن، وبكل كتاب كان قبله "، فقالوا: لا نفعل فنزلت هذه الآية فآمنوا كلهم، فهنيئا لهم ولمن قبل دعوة الحق مثلهم.
والآن قد عرفت أيها القارئ أن هذا النداء الإلهي قد شمل ثلاث طوائف:
الأولى: المؤمنون بحق وهم أهل الإيمان والإسلام والإحسان من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.
والثانية: المؤمنون في الظاهر, الكافرون فى الباطن، وهم المنافقون، وقد انقرضوا فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمدينة منافق، إذ جلهم آمنوا ودخلوا في رحمة الله، ومات منهم عدد على نفاقه فهو في نار جهنم والثالثة: هم من اليهود الذين كانوا بالمدينة وقد آمن منهم من نزلت الآية فيهم وقد تقدم ذكرهم وأسماؤهم فانظر إلى إعجاز القرآن وبلاغته إذ لفظ آمنوا تناول ثلاث طوائف، لذا قيل القرآن حمال الوجوه. أما قوله تعالى: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} فالمراد به القرآن والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم وسر تضعيف الزاي هو أن القرآن ما نزل جملة واحدة ولكنه نزل منجما نجما1 بعد نجم في ظرف ثلاث وعشرين سنة تقريبا بحسب ما تدعو إليه حالة الدعوة وأهلها. وسر عدم تضعيف الزاى في قوله تعالى: {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} أن المراد بالكتاب الكتب التي نزلت قبل القرآن وهى التوراة والزبور والإنجيل إذ (أل) في الكتاب للجنس، أي دالة على متعدد كلفظ الإنسان فإنه دال على عدد لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى. فسر عدم تضعيف الزاى والعدول عن نزل إلى أنزل هو أن الكتب السابقة نزلت جملة واحدة بخلاف القرآن العظيم فإنه نزل منجما في خلال نيف وعشرين سنة.
أما قوله تعالى في هذا النداء: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فقد اشتمل على أركان الإيمان الستة الوارد بعضها في آية البقرة إلا ركن القضاء والقدر المذكور في سورة القمر فلم يذكر في هذه الآية الكريمة ولنعلم أن الكفر يلزم ولو بعدم الإيمان بركن واحد بل ولو بجزء من ركن، كمن آمن بالرسل، ولم يؤمن بواحد منهم أو آمن بالكتب ولم يؤمن بواحد منهم بل لو لم يؤمن بآية واحدة يكفر بها. وقوله تعال: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} أي عن طريق الهدى الموصل بسالكه إلى سعادة الدنيا والآخرة.
وفى هذه الجملة من هذا النداء وعيد شديد وتهديد عظيم، إذ من ضل ضلالا بعيدا لا يعود إلى الهدى بخلاف الضلال القريب، فإن صاحبه يرجى له أن يعود إلى الحق فينجو ويسعد، ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار، والضلال البعيد سببه الكفر بعد الإيمان وأما الكفر المتوارث الذي لم يسبقه إيمان فضلال صاحبه قريب، ولذا متى بلغته الدعوة ووجهت إليه آمن وأسلم ونجا من عذاب الله فلنذكر ولنتأمل والله ولى التوفيق.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
.
1 أي وقتا بعد وقت؛ إذا النجم الوقت المضروب.

ام هُمام 11-20-2016 06:52 PM

النداء السابع والعشرون: في حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، والتحذير من ذلك
الآية (144) من سور ة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} .

الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن نداء الله تعالى الموجه إلى عباده المؤمنين سببه ولايته تعالى للمؤمنين، لأنهم آمنوا به وبلقائه وبكل ما أمرهم بالإيمان به من ملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره، واتقوه فيما أمرهم به ففعلوه، وفيما نهاهم عنه فتركوه فهو يناديهم بعنوان الإيمان المنبئ بحياتهم وكمالهم، ليأمرهم، أو ينهاهم، أو يرشدهم، أو يحذرهم، أو يبشرهم، بما يزيد في طاقة إيمانهم وصالح أعمالهم، ويحذرهم مما يقعد بهم عما خلقوا له من تزكية أنفسهم بذكر الله تعالى وشكره. ليتأهلوا للنزول في منازل الأبرار بدار السلام بعد نهاية عملهم بموتهم ومفارقة أرواحهم أبدانهم.
ناداهم تعالى في هذا النداء الكريم لينهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء لهم دون إخوانهم المؤمنين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ومعنى اتخاذهم أولياء: أن يحبوهم ويقربوهم، ويأخذوا بنصحهم وإرشادهم وتوجيهيهم مع نصرتهم ومد يد العون لهم. دون إخوانهم المؤمنين ومثل هذا التحريم لموالاة الكافرين دون المؤمنين ما جاء في قوله تعالى من سورة آل عمران وهو قوله عز وجل: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} إلا أن هذا التحريم معه استثناء، وهو أن يكون المؤمن في دار الكفار قائما بينهم أذن له أن يداريهم بلسانه بالكلمة الملينة للجانب، المبعدة للبغضاء بشرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: التقاة هي أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل، ولا يأتى مأثما ولنعلم أن هذا الاستثناء لا يبيح أبدا موالاة الكافرين، إذ هو مؤقت بحال الضعف والخوف ولم يتجاوز مداراتهم بالكلمة اللينة المبعدة لغيظهم وبغضهم، أما حبهم ونصرتهم فلا استثناء فيهما أبدا إلا أن يؤمنوا بالله ويدخلوا في الإسلام.
ولنذكر الوعيد والتهديد في الآيتين. إذ في الأولى قال تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} أي حجة واضحة على تعذيبكم بما شاء من أنواع العذاب_ وأنتم أولياؤه، فكيف لو كان النداء للمؤمنين في الظاهر وهم المنافقون، فإن الله تعالى إن لم يكفوا عن موالاة الكافرين، فإنه سينزل فيهم قرآنا ويسلط رسوله والمؤمنين عليهم فيعذبونهم ويخزنوهم ويقتلونهم أما إذا كان النداء موجها لأولياء الله المؤمنين ظاهرا وباطنا. فإنه يحذرهم من موالاة الكافرين دائما وأبدا، وفى كل الأزمنة والظروف فإن هم لم يحذروا تحذيره، ولم يرهبوا وعيده، عذبهم بما شاء، ولقد عذب المؤمنين في ديار الأندلس بتعذيبهم بأبشع أنواع العذاب إذ قتلوا وشردوا وأبعدوا عن ديارهم، وذلك بسبب موالاتهم للكافرين وطلب نصرتهم على إخوانهم ولقد عذب المؤمنين في شتى ديارهم لعدم طاعته تعالى في معاداة الكافرين، إذ تشبهوا بهم وأحبوهم وناصروهم وأخذوا بإرشادهم ونصائحهم؛ حتى أذلوهم وأهانوهم، وإلى اليوم والمسلمون، أذلاء مهانون للكافرين لعلة فسقهم عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله، إذ أخذوا بقوانين الكافرين وحكموا بها المؤمنين حبا في الكافرين وموالاة لهم.
أما الوعيد والتحذير في الآية الثانية (آية آل عمران) فقد قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} ومعنى يحذركم نفسه أي يخوفكم عقابه وعذابه إن أنتم لم تمتثلوا أمره، ولم تجتنبوا نهيه، وذلك بموالاتكم الكافرين بعدم بغضهم، وبمناصرتكم لهم على إخوانكم المؤمنين في أي مجال من مجالات الحياة؛ إذ الذي يوالى أعداء الله قد عادى الله، وقطع حبل ولايته به، فكيف يكون حال هذا العبد الذي كان الله وليه فأصبح الله عدوه والعياذ بالله إن حاله لا تكون إلا الذل والهوان والضعف والصغار إذ مصيره كمصير غيره إلى الله عز وجل ومن صار أمره إلى الله وقد عصاه، وفسق عن أمره، وخرج عن طاعته، فأحب ما كره وكره ما أحب ووالى من عادى، وعادى من والى. فكيف يكون مصيره إنه خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ألا فلنتق الله المؤمنون بامتثال أمره واجتناب نهيه. وقد نهانا عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وحذرنا بقوله: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} ؟ فهل بقى لنا من عذر؟ والجواب: لا، والأكبر من ذلك فقد أرانا نقمته وعذابه الذي حذرنا منه في شتى بلاد العالم الإسلامي شرقا وغربا، أما سلط علينا الكفار فاستعمرونا واستغلونا وأذاقونا مر العذاب..
ألا فلنتق الله قبل أن يعود الخزى والعذاب مرة أخرى بأشد من الأول ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-21-2016 08:12 PM

النداء الثامن عشر: في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح
الآية (200) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ينادى المؤمنين؛ لأنهم أحياء بإيمانهم بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، والحى إذا نودي سمع، وإذا أمر طاع، وإذا نهى أنتهي، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا أوذي في الله صبر، والكافر لا نصيب له من هذه المظاهر الحيوية، وذلك لكفره بالله، ورسوله ودينه.
واذكر ما ناداهم لأجله في هذا النداء وهو الصبر والمصابرة، والرباط والتقوى وإليك بيانها:
1-الصبر: وهو حبس النفس على ما تكره وله ثلاث مواطن، الأول: الصبر على طاعة الله، ورسوله، وأولى الأمر من المؤمنين، والثاني: الصبر عن ترك ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال والصفات. والثالث: الصبر على البلاء الذي يبتلى به الله تعالى عباده المؤمنين تكفيرا لذنوبهم، أو رفعا لدرجاتهم، والصبر على البلاء معناه الرضا به والتسليم لله تعالى فيا ابتلاه به، وآية ذلك عدم الجزع والسخط، والإكثار من حمد الله تعالى على قضائه، وابتلائه.
2-المصابرة: وهى الصبر في وجه العدو الصابر، لذا كانت المصابرة أشد من الصبر، لأنها صبر في وجه عدو صابر. فأيهما لم يثبت على صبره سقط وهلك. ولذا كان النجاح والغلبة لأيهما أطول صبرا. يؤكد هذا قول وفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام إذ قال شعرا:
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
3-المرابطة: وهى لغة مصدر رابط يرابط رباطا مرابطة، وهى في الشرع ربط النفس والخيل والعتاد الحربي في الثغور الإسلامية، وهى الأماكن التي يخشى أن يتسرب منها العدو إلى بلاد المسلمين، وهى غالبا تكون على السواحل البحرية، والأماكن الخالية من المدن كما تكون في حدود بلاد العدو المتصلة بالبلاد الإسلامية والرباط فرض كفائي إذا قام به من يؤمن حدود بلاد المسلمين ويرهب عدوهم سقط الواجب عن الباقين إذ هو كالجهاد، ويتعين على من عينه الإمام عليه وفيه يقول الله تعالى في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
وللرباط فضل عظيم، فقد روى البخاري عن انس رضى الله عنه قوله: " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها " وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه " وإن من مات مرابطا جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان أي في قبره.
واعلم أن الجيوش الإسلامية اليوم إن هم أقاموا الصلاة في ثكناتهم، واتقوا الله فلم يعصوه بترك واجب أو فعل مكروه، ثم نووا الرباط في سبيل الله لحماية بلاد المسلمين فإنهم مرابطون، ويجرى لهم كما ورد في فضل الرباط والمرابطين.
4-التقوى: وهى تقوى الله عز وجل بالخوف منه والخشية من عقابه، وأليم عذابه الحاملة للعبد على طاعة الله وطاعة رسوله بفعل الأوامر واجتناب النواهي، في السراء والضراء والمنشط والمكره، والعسر واليسر هذه التقوى هي التي بها وبالإيمان يتحقق للعبد ولاية الرحمن وما بعد ولاية الرحمن من مطلب أسمى ومقام أعلى. إذ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لا في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في يوم القيامة. ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة.
وبعد اذكر أيها القارئ الكريم هذه الأوامر الأربعة التي تضمنها هذا النداء الكريم، اذكر وعد الله تعالى لأهلها وهو الفلاح. وما هو الفلاح، إنه الفوز العظيم المتمثل في دخول الجنة بعد النجاة من النار. واذكر هذه الأوامر الأربعة سرها أن تزكى النفس وتطهرها من أوضار الذنوب والآثام، وإذا زكت النفس وطهرت استحقت الفلاح، واقرأ لذلك قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} واذكر للفوز قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
ألا فلنذكر هذا أيها القارئ والمستمع، ولا ننسه. والله ولى من تولاه.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-22-2016 07:43 PM

النداء التاسع والعشرون: في تحريم استحلال شعائر الله إلا ما نسخ منها، وفى إباحة الصيد بعد التحلل، ووجوب التعاون على البر والتقوى، وحرمة التعاون على الإثم والعدوان.
الآية (2) من سور ة المائدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي قد تضمن أمورا ذات خطر وشأن عظيم، وإليك بيانها بالتفصيل:
1-تحريم استحلال شعائر الله تعالى وهى أعلام دينه من سائر ما فرض وأوجب ونهى وحرم، فلا يستحل ترك صلاة، ولا صيام، ولا حج ولا اعتمار، ولا زكاة، ولا جهاد، ولا بر الوالدين، ولا صلة أرحام، ولا يستحل ما حرم الله من ربا وزنا، وكذب وغش وسرقة، وخيانة، وسب، وهتك عرض، إلى غير هذا مما هو واجب في الإسلام أو حرام، إذ كل ذلك من أعلام الدين وشرائعه.
2-إن ما نسخ من شعائر الدين هو الشهر الحرام وهو رجب كان محظورا القتال فيه، ثم نسخة الله تعالى بقوله: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} ، وكذا سائر الأشهر الحرم، قد نسخ القتال فيها إذا قاتلنا العدو فيها. ومن المنسوخ هدي المشركين وقلائدهم، والمشركون أنفسهم حرم عليهم دخول المسجد الحرام، فكيف يبقى لهم قلائدهم التي كانوا يقلدون بها الإبل ليهدوها إلى الحرم والهدى ما يهدونه إلى الحرم والقلائد جمع قلادة ما يعلقونه على البعير أو الشاة إيذانا بأنه مهدى إلى الحرم فلا يتعرض له، وقد يعلق أحدهم لحاء من شجر الحرم فيحترم لذلك ولا يتعرض له. كان هذا قبل الإسلام، ثم نسخ في الإسلام.
3-حرمة التعرض لقاصد البيت الحرام للعبادة والتقرب، للحصول على رضوانه إلا أن يكون هذا القاصد كافرا أو مشركا فإنه لا يؤذن له بدخول الحرم.
4-إباحة الصيد لمن تحلل من إحرامه من المؤمنين؛ لأن المحرم لا يحل له الصيد حال إحرامه، كما لا يحل له أن يأكل ما صيد له، وهو محرم وهذا الحكم باق لم يطرأ عليه نسخ.
5-حرمة الاعتداء على العدو. فمن كان له عدو لا يجوز له أن تحمله عداوته على ظلمه والاعتداء عليه. إلا أن يظلم العدو فحينئذ يرد ظلمه واعتداؤه ولا حرج، وهذا معنى قوله تعالى في النداء: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} وهذا تم في الحديبية إذ صد المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن العمرة، وتم صلح بينهم، المعروف بصلح الحديبية، فحذر الله تعالى المؤمنين من أن يحملهم بغضهم وعداؤهم للمشركين الذين منعوهم من المسجد الحرام أن يعتدوا عليهم بعد أن تم الصلح بينهم.
6- وجوب التعاون بين المؤمنين على البر والتقوى. أي على فعل الخيرات كالصدقات والمعونات المختلفة كالقرض والسلفة، والإحسان والمعروف، إذ كل هذا من البر، وأما التعاون على التقوى وهى طاعة الله ورسوله في الأمر والنهى فهو تعاون على إقامة الدين بكامله بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن ترك واجب أو حق من الحقوق وجب على المؤمنين أن يتعاونوا على إقامة الواجب الذي ترك، وعلى إحقاق الحق الذي هدر بينهم، لأنهم أمة واحدة.
7- حرمة التعاون على الإثم والعدوان، أما الإثم فهو كل كبيرة من كبائر الذنوب كالزنا، والربا والسرقة والغيبة والنميمة، وترك الواجبات، وارتكاب المحرمات في المناكح والمطاعم والمشارب والملابس وغيرها، تلك هي الإثم الذي يحرم التعاون على إيجاده أو بقائه بين المؤمنين، أما العدوان فهم الظلم وهو الاعتداء على أرواح الناس، أو أعراضهم، أو أموالهم، فلا يحل إعانة ظالم بحال من الأحوال، بل ولا الركون غليه، لقوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} والركون يكون بالميل إليه، والرضا بظلمه، وعدم نهيه عنه.
8-الأمر بتقوى الله عز وجل؛ إذ قال تعالى في أخر النداء: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} والأمر بالتقوى معناه الأمر بطاعة الله ورسوله، وأولى الأمر من المؤمنين، وتتحقق التقوى بفعل ما يأمر الله به ويأمر به رسوله من الواجبات والمندوبات، وبترك ما نهى الله عنه، ونهى عنه رسوله من الاعتقادات الباطلة، والأقوال السيئة، والأفعال الضارة الفاسدة، وختم الله تعالى مضمون هذا النداء العظيم بقوله: {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ؛ ليحذر المؤمنين من عدم النهوض بما تضمنه هذا النداء من الأوامر والنواهي فإنهم إن أهملوا ما كلفوا به ستنزل بهم عقوبة الله فيندمون ولا ينفعهم ندم. ألا فلنحذر عذاب الله يا عباد الله، والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب!!!
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-23-2016 08:21 PM

النداء الثلاثون: في وجوب الوضوء وبيان كيفيته ووجوب الغسل من الجنابة وبيان نواقض الوضوء وكيفية التيمم
الآية (6) من سور ة المائدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} .
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن هذا النداء الإلهي العظيم قد اشتمل على علوم ومعارف ضرورية للمؤمن، فاحفظه وافهمه واعمل بما فيه، فإنه ما وجهه الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين إلا ليطهرهم به، فإذا طهروا رضى عنهم وأرضاهم، وجعل الجنة مأواهم، وإليك بيان ما تضمنه هذا النداء من علوم معرفتها ضرورية لكل مؤمن ومؤمنة:
1-وجوب الوضوء، على من أراد مناجاة الرب تبارك وتعالى بالوقوف بين يديه وذكره وتلاوة كتابة، والركوع والسجود له سبحانه وتعالى.
2-بيان كيفية الوضوء وهى: غسل الكفين ثلاثا، ثم المضمضة ثلاثا، ثم الاستنشاق والإستنثار ثلاثا، ثم غسل الوجه ثلاثا وحده طولا من منبت الشعر المعتاد في الجبهة إلى منتهى الذقن، وعرضا من وتد الأذن اليمنى إلى وتد الأذن اليسرى، ثم غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثا، يبدأ باليمنى ثم يمسح الرأس مع الأذنين مرة واحدة، ثم يغسل الرجلين إلى الكعبين يبدأ باليمنى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شئ إلا في الدخول إلى المرحاض فإنه يقدم رجله اليسرى.
هذا مضمون قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} أما غسل الكفين ثلاثا، والمضمضة والاستنشاق والاستنثار فقد بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-الأمر بالغسل من الجنابة لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} أي اغتسلوا، والجنب هو من جامع امرأته فأدخل ذكره في فرجها ولو لم ينزل منه ماء. ومثله من احتلم في منامه فخرج منه المنى فهذا هو الجنب رجلا كان أو امرأة، والاغتسال هو أن يغسل كفيه ثلاثا ناويا الغسل الواجب عليه، ثم يغسل قبله ودبره وما حولهما، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كما تقدم بيانه آنفا، ثم يخلل أصول شعر رأسه بالماء حتى لا يضره الماء البارد فيزكم، ثم يغسل رأسه مع أذنيه ثلاثا، ثم يغسل شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه، ثم الأيسر كذلك، وعليه أن يتتبع الأماكن التي ينبو عنها الماء كتحت الإبطين وتحت الركبتين، وكذا الصرة. كما يخلل أصابع يديه ورجليه حال الوضوء.
4-نواقض الوضوء أو موجباته الدال عليها قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، إذ المجيء من الغائط معناه أنه تبول وتغوط، فمن بال أو أخرج فضلة الطعام وهو الخرء، أو فساء أو ضراط أو مس امرأته بشهوة، فإن كان متوضأ فقد انتقض وضوءه، وإن كان غير متوضأ وجب عليه الوضوء للصلاة أو الطواف أو مس المصحف، ومن نواقض الوضوء النوم الثقيل الذي لا يشعر صاحبه بخروج فساء منه، أو ضراط، وأكل لحم الجزور1، ومس الذكر بباطن الكف.
5-وجوب التيمم لمن لم يجد الماء للغسل أو الوضوء، أو وجده ولكن حاجته إليه ماسة كالشرب أو الطبخ لاسيما في حال السفر، أو وجده ولكن يمنع من استعماله خوف المرض أو زيادته أو عدم البرء منه.
6-كيفية التيمم: وهى أن يضرب كفيه قائلا بسم الله على التراب، فإن لم يجد فعلى الأرض أو الحجارة، ثم يمسح وجهه مرة واحدة، ثم يضرب كفيه أيضا مرة أخرى ويمسح يديه إلى المرفقين وإن اكتفى بكفيه أجزأه ذلك لحديث عمار بن ياسر إذا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " إنما يكفيك أن تفغل هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه ".
7-من لطفه تعالى ورحمته ولإحسانه إلى عباده المؤمنين أنه لما أمرهم بالوضوء والغسل والتيمم عند انعدام الماء أو عدم القدرة على استعماله؛ لاطفهم بقوله سبحانه وتعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} أي عنت ومشقة، وإنما يريد طهارتهم ظاهرا وباطنا، وليتم نعمته عليكم بهدايتكم إلى الإسلام وبيان شرائعه ودعوتكم إلى القيام بها، إذ هي مصدر سعادتكم وكمالكم في الدارين وليعدكم بذلك إلى شكره، إذ سر الحياة بكاملها هو ذكر الله تعالى وشكره، وذكره يكون باللقب واللسان، وشكره يكون بالجوارح والأبدان، فالوضوء وغسل والتيمم من مظاهر الشكر لله تعالى على نعمة الإيجاد والإمداد فاللهم اجعلنا لك من الذاكرين الشاكرين، وأعنا عليهما، وعلى حسن عبادتك يا رب العالمين.
وأخيرا أيها القارئ إليك هذه الجائزة العظيمة وهى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من توضأ أفأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة الثمانية " 2 فاذكر هذا واعلمه ولا تتركه فإنه كنز ثمين وخير كثير والسلام عليك ما واظبت وواصلت.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
2 في رواية زيادة كلمة: (يدخل من أيها يشاء) .1 بعض الفقهاء لا يرى الوضوء من أكل لحم الجزور (الإبل) بحجة أن الحديث الوارد فيه منسوخ، والوضوء منه أحوط للدين.

ام هُمام 11-24-2016 06:56 PM

النداء الحادي والثلاثون: في وجوب العدل في الحكم والشهادة وحرمة ترك العدل من أجل البغض والعداء والأمر بتقوى الله عز وجل
الآية (8) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم ما تقدم من أمر الله تعالى لعباده المؤمنين به، وبلقائه بالعدل، وهذا أمر آخر، وذلك لعظم شأن العدل وأهميته وضرورته في كل شئ، حتى أن أمر السماء والأرض قام على العدل، فاذكر هذا واصغ تسمع ما في هذا النداء من الأمر بالقيام لله تعالى بكل ما أوجب على عباده القيام به من العبادات والآداب والأخلاق والأحكام، وأن يكونوا قوامين لا قائمين فحسب؛ إذ القوام كثير القيام بالحقوق والواجبات، بخلاف القائم فإنه أقل قيام من القوام. وقوله: {لِلَّهِ} نفى للشرك في كل ما يقوم به عبد الله المؤمن من عبادات وحقوق وواجبات أمر الله بها وأوجبها على عباده المؤمنين. وكما أوجب تعالى العدل في الأحكام وفى كل ما يقوم به المؤمنون من طاعات لله تعالى، أوجب العدل في أداء الشهادة، لأنه بالشهادة تؤدى الحقوق لأصحابها المشهود لهم، فإن جار الشاهد ولم يقم شهادته على العدل ضاع حق المشهود له مؤمنا كان أو كافرا، غنيا كان أو فقيرا وبما أن الكل عباد الله فلا يأذن الله تعالى بظلم عبد من عباده بإضاعة حقه، وهذا هو سر وجوب الشهادة بالقسط، أي العدل في قوله عز وجل: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} واذكر هذا أيها القارئ والمستمع، وتأمل قوله تعالى في هذا النداء {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} أي ولا يحملنكم بغض الكافرين وعداوتهم، أو بغض كل من تبغضونه، وعداوة كل من تعادونه لأمر اقتضى بغضه أو عداوته من المؤمنين والكافرين أو الموحدين والمشركين، لا يحملنكم ذلك البغض على أن تجوروا في الحكم إذا حكمتم، أو في الشهادة إذا شهدتم.
ولأهمية العدل في الأحكام والشهادات لها إذ القاضي يصدر حكمه باعتراف الجانى، أو شهادة اثنين من المؤمنين، أمر تعالى بالعدل مكررا، الأمر الأول: مؤكدا له بأمر أخر؛ إذ قال عز من قائل: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي العدل في الحكم والشهادة، وفى كل ما يقوم به العبد لله من طاعات هو أقرب لتقوى الله عز وجل التي هي شطر ولاية الله للعبد، لما علمنا من أن أولياء الله هم المؤمنون المتقون، وأعداؤه هم الكافرون الفاجرون، وبناء على هذا فكل ما يقرب من تقوى الله عز وجل أو يحققها فالقيام به واجب أكيد، لا يصح التفريط فيه بحال من الأحوال. ويؤكد صحة هذا ويقرره أن ختم الله تعالى هذا النداء العظيم بالأمر بتقواه؛ إذ قال {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي خافوه خوفا يحملكم على القيام التام بما أوجب عليكم القيام به من سائر التكاليف التي أنزل الكتاب بها وبعث الرسول من أجلها، وبخاصة القيام بالعدل في الأحكام والشهادات، ولنعلم أن الخوف من الله الحامل للعبد على النهوض بالواجبات وأداء الحقوق والأمانات هذا الخوف يكتسب ويطلب وطريق طلبه واكتسابه للحصول عليه هو:
1-ذكر قدرة الله التي لا يعجزها شئ.
2-ذكر ضعف الإنسان وحاجته إلى ربه حنى في أنفاسه التي يرددها.
3-ذكر ما توعد الله تعالى به الفاسقين عن أمره، الكافرين بطاعته.
4-ذكر ما أحل الله بأعدائه من خراب ودمار وهلاك وخسران.
5-ذكر ما فاز به أولياء الله تعالى من كمال وعز وسيادة في الدنيا، وما هو مأمول لهم في الآخرة من نعيم مقيم في دار السلام.
بهذا الذكر بالقلب واللسان يوجد الخوف من الله تعالى في القلب، وإذا وجد الخوف كانت التقوى التي هي طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم باعتقاد وقول، وفعل ما أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله من اعتقاد باطل وقول سيئ وعمل فاسد؛ وهو كل ما حرمه الله، ورسوله من الاعتقادات الباطلة، والأقوال الفاسدة الضارة والأعمال كذلك، وحسب العبد أن لا يغفل عن قوله تعالى في ختام هذا النداء وهو: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فإنه يوجد ملكة مراقبة الله تعالى، ومن أصبح يراقب الله تعالى في كل ما يأتى، وما يذر فقد حقق التقوى والولاية الإلهية وأصبح من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والآخرة، اللهم اجعلنا منهم وتولنا كما توليتهم آمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-25-2016 05:31 PM

النداء الثاني والثلاثون: في الأمر بذكر النعم لشكرها وتقوى الله عز وجل، والتوكل عليه سبحانه وتعالى
الآية (11) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} .
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى لا ينادى عباده المؤمنين به وبلقائه إلا ليأمرهم بفعل ما يكملهم أدابا وأخلاقا، ودولة وسلطانا، ويسعدهم في دنياهم وأخراهم، لأنه ربهم ووليهم، والرب لا يريد لعبده ومملوكه إلا كماله وسعادته، والولي لا يريد لوليه إلا ما فيه خيره، وكماله وسعادته، وها هو ذا الله تبارك وتعالى ينادى عباده المؤمنين بهذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ليأمرهم بذكر نعمة عظيمة أنعم بها عليهم، هى أنه ما من مؤمن ولا مؤمنة من يوم تلك النعمة إلى يوم القيامة إلا وهو مأمور بشكر الله تعالى على تلك النعمة، والشكر متوقف على ذكر النعمة بعد معرفتها فلذا قال لهم: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . وبين موقعها، وجلى لهم حقيقتها، فقال عز من قائل: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} وقد تكررت محاولة قتل نبيهم صلى الله عليه وسلم عدة مرات وفى كل مرة يكف الرب تبارك وتعالى أيدي الخادعين الماكرين، فلم يصلوا بالأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالضرب أو القتل ومن تلك المرات محاولة غورث بن الحارث الواردة في الصحيح، وهى أن غورث الأعرابى رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل منزلا وتفرق أصحابه عنه يستظلون بالأشجار للاستراحة من عناء الغزو والتعب والسير في سبيل الله وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم سيفه بشجرة واستراح كما استراح أصحابه وإذا غورث الأعرابي يأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ سيفه من الشجرة وسله من غمده وأقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك منى؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم الله عز وجل، قال الأعرابي: مقالاته ثلاث مرات والرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليه بقوله: الله عز وجل فسقط السيف من يد غورث وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ساكتا لا يتكلم والرسول صلى الله عليه وسلم معرض عنه ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه ولعل الأعرابي كان مبعوثا من قوم مشركين ليقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه نعمة وهى نعمة نجاة نبيهم من القتل على أيدي أعدائه وأعدائهم، وهى أكبر نعمة شملت المؤمنين عامة من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.
ومرة أخرى وهى أن يهود بنى النضير تآمروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقوا عليه رحى من سطح المنزل الجالس تحته إذ ذهب إليهم مع بعض أصحابه لمهمة تطلبت الذهاب إليهم بمقتضى المعاهدة السلمية التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم، لكن الله تعالى خيبهم حيث أوحى إليه صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة فقام سريعا مع أصحابه، وندم اليهود لما فضحوا وأمر الله رسوله بإجلائهم بحكم المعاهدة التي نقضوها، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم برجاله وأجلاهم عن المدينة فالتحقوا بالشام.
وثالثة: تآمر يهود عليه لعائن الله تعالى على قتله صلى الله عليه وسلم بإطعامه سما فنجاه الله تعالى فهذه النعمة نعمة نجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل حتى يتم الله شرعه ويكمل دينه ولما نزلت آية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} توفاه الله في حجرته المشرفة التي دفن فيها، ودفن معه صاحباه الشيخان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وأرضاهما، لهذا نادى الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي بإنجاء نبيكم من القتل المدبر له (صلى الله عليه وسلم) من قبل أعداء التوحيد وأعداء الإسلام، اليهود، وبين ذلك بقوله: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} أي بقتل نبيكم فكف أيديهم عنكم.
تأمل هذا أيها القارئ كيف نسب الله تعالى القتل إلى المؤمنين والمتآمر على قتله هو نبيهم صلى الله عليه وسلم، فتفهم أن على كل مؤمن ومؤمنة أن يفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وولده ووالديه والناس أجمعين، وهو كذلك. وتأمل قول الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} . يتبين لك سر أمر الله تعالى عباده المؤمنين بذكر نعمة الله عليهم بنجاة نبيهم من مكر أعدائه به ليقتلوه، فكف أيديهم وصرفهم خائبين خاسرين.
وأخيرا أمره تعالى للمؤمنين بتقواه بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} ، وذلك لما في تقواه عز وجل من رضاه وولايته الموجبة للسعادة والكمال في الحياتين.
ألا فلنتق الله تعالى، وأمرنا بالتوكل عليه لا على غيره؛ إذ التوكل عليه يحقق المطلوب بدفع الأذى وتحقيق الخير الكثير، وأما التوكل على غيره فإنه يجلب الخيبة والمذلة والضياع.
ألا أيها المؤمن القارئ والمستمع اذكر هذا ولا تغفل عنه فإنه سلم سعادتكم ومفتاح كل نعيم يحصل لكم. وفقنا الله تعالى لذلك وزادنا رضاه آمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-26-2016 04:52 PM

النداء الثالث والثلاثون: في الأمر بتقوى الله عز وجل وطلب الوسيلة إلى الله تعالى. والجهاد في سبيله عز وجل
...
الآية (35) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
الشرح:
هل تذكر أيها القارئ الكريم سر نداء الله للمؤمنين بعنوان الإيمان وهو أن المؤمن حي بإيمانه يسمع ويعقل ويقدر على الفعل والترك بخلاف الكافر فإنه في حكم الميت إذ هو لا يسمع نداء الله عز وجل، ولا يجيب ولا يعقل ولا يفهم.
وهل تذكر أن الله تعالى لا ينادى المؤمنين إلا ليأمرهم أو ينهاهم أو يبشرهم، أو ينذرهم، إذ في الأمر فعل ما يزكى نفوسهم، وفى النهى ما يبعدهم عما يدسيها ويخبثها. وفى البشارة ما يرغبهم في الصالحات. وفى النذارة ما يبعدهم عن مقارفة الذنوب المدسية للنفس، وها هو ذا تعالى في هذا النداء يأمرهم بتقواه إذ قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} أي خافوه خوفا يحملكم على طاعته إذ بطاعته تكون الوقاية من غضبه تعالى وعقابه في الدنيا والآخرة، وكما أمرهم بتقواه لينجوا من عذابه، أمرهم بما يرفع درجاتهم، ويعلى منازلهم ومقاماتهم في الدنيا والآخرة، ألا وهو التقرب إليه بنوافل العبادات كنوافل الصلاة والصيام والصدقات والحج والعمرة، والذكر والدعاء وما إلى ذلك من نوافل العبادات، فقال تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي اطلبوا العمل الصالح متوسلين به إليه تعالى، وهو سائر القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه ليظفر بحبه، ورضاه والقرب منه، واذكر أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد انه شاع بين المسلمين أنواع من الشرك سموها وسيلة، ذلك لغلبة الجهل في الأمة الإسلامية؛ إذ العدو الكافر أبعدهم عن مصدر العلم والمعرفة وهو الكتاب والسنة، فأصبح القرآن يقرأ على الموتى فقط، والسنة تقرأ للبركة لا غير لاستنباط الأحكام الشرعية والآداب والأخلاق الإسلامية، ومن الأمور الشركية التي أطلقوا عليها اسم الوسيلة ووقع فيها الجهال وغيرهم:
1-دعاء الأموات والاستغاثة بهم كأن يقول: يا سيدي فلان أنا بك وبالله ادع الله لي سل الله لي قضاء حاجتي… الخ.
2-الذبح للأولياء كأن يذبح الشاة على الضريح (القبر) هذه على روح سيدي فلان.
3-النذر للأولياء كأن يقول يا سيدي فلان إذا قضى الله حاجتي ذبحت لك شاة أو أنرت ضريحك بشمع ونحوه، أو وضعت ستائر حريرية على تابوتك.
4-الحلف بالأولياء نحو وحق سيدي فلان، أو رأس سيدي فلان.
5-نقل المرضى إلى أضرحتهم للتبرك بهم والتمرغ على تربتهم ودعائهم وطلب الشفاء منهم. كل هذا الشرك يسمونه توسلا إلى الله بعباده الصالحين، فاذكر هذا واحذره، واعلم أن التوسل إلى الله عز وجل يكون بفعل الخيرات، والإكثار من الطاعات من أجل رفع الدرجات، والظفر بالرغائب المحبوبات.
هذا واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن له درجة في الجنة تسمى الوسيلة وهى أقرب منزل إلى عرش الرحمن، وأن من سألها من الله تعالى له نالته شفاعته، إذ قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أذن المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، ثم قولوا اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته فإن من قال ذلك وجبت له شفاعتي".
وقوله تعالى في أخر النداء: {وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} هذا الأمر الثالث في هذا النداء، وهو الأمر بجهاد الكفار لإدخالهم في الإسلام رحمة بهم حتى ينجو من الخلود في عذاب النار، وهناك جهاد أخر يدخل تحت هذا الأمر ألا وهو جهاد الفساق بأمرهم ونهيهم، وجهاد الشيطان بلعنه وعدم الاستجابة له فيما يزين من القبائح، ويحسن من المنكرات وجهاده بعدم الاستجابة له، والتعوذ بالله منه وجهاد النفس وهو أشدها وحقيقته: أن يحمل العبد نفسه على أن تتعلم محاب الله، وتعمل بها وتتعلم مكاره الله وتتجنبها، وتعلم غيرها ذلك من المؤمنين والمؤمنات، والجزاء على هذا الجهاد هو ما واعد الرحمن به يقول: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والفلاح هو النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار جعلنا الله تعالى من أهلها آمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-28-2016 05:19 PM

النداء الرابع والثلاثون: في حرمة اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وعلة ذلك والتحذير من موالاتهم
الآية (51) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن ولاية الله تعالى تتم للعبد بالإيمان الصادق والتقوى الكاملة، وأن من والى الله عز وجل يحرم عليه موالاة أعدائه وأن من أعداء الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى، فاليهود قتلوا أنبياءه وفسقوا عن أمره والنصارى ألهوا غيره وعبدوا سواه؛ فلذا نادى الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين به وبرسوله وبلقائه قائلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} آي يا من آمنتم بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء لكم تحبونهم وتنصرونهم، فإنهم أعداء ربكم وأعداؤكم فكيف توالونهم أتوالون من يعاديكم وتحبون من يبغضكم، وتنصرون من يود هزيمتكم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن اليهودي ولى أخيه اليهودي، والنصراني ولى أخيه النصراني فكيف تصبح ولاية نصراني على نصراني، وولاية يهودي على يهودي إن هذا غير ممكن ولا سائغ بحال من الأحوال، ألا فاحذروا أيها المؤمنون، ولا تتخذوا أعدائكم وأعداء ربكم ودينكم ونبيكم أولياء لكم تحبونهم وتنصرونهم فإن ذلك يقضى بكم إلى الكفر _ والعياذ بالله _ ويقرر هذه الحقيقة قوله تعالى في هذا النداء: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، ومن كان منهم فهو مثلهم في كفر ومعاداة الله ورسوله وبذلك يحرم هداية الله، إذ الله تعالى لا يهدى القوم الظالمين. وكيف وقد ختم نداءه هذا للمؤمنين ليرشدهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ختمه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ومن والى أعداء الله عز وجل فقد عاداه،. ومن عادى الله فقد ظلم نفسه إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه ومن ظلم وكفر فكيف تصح موالاته أيها المؤمنون؟
ألا فلنتق الله عز وجل أيها المؤمنون ولنوال من والى الله، ولنعاد من عادى الله. فإن هذا الأمر هو الذي نادانا الله من أجله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
فكيف لا نحذر أن نكون يهودا أو نصارى إذا نحن واليناهم _ والعياذ بالله _ من الكفر بعد الإيمان، ومن الضلال بعد الهداية والولاية ولتعلم أيها القارئ والمستمع أن الموالاة التي حرمها الله تعالى علينا هي أن نحب اليهودي بقلوبنا ونعرب له عن ذلك بألسنتنا وأن نقف إلى جنبه ننصره على أعدائه وهم إخواننا، هذا الحب والولاء هما للمؤمنين لا للكافرين فالمؤمن يحب المؤمن ويعرب له عن حبه بلسانه وعمله، ويقف إلى جنبه ينصره ويموت معه أو قبله لأنه أخوه في الإيمان والإسلام والإحسان، وولاية الرحمن، أما الكافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بوذي أو مشرك فإنهم كفروا بربنا ونبينا وديننا، وحاربونا، وحملوا الحقد والبغض والعداء لنا ولربنا عز وجل، فكيف تسوغ موالاتهم مع هذه الفواصل المختلفة والصوارف المتعددة اللهم لا، لا.
وأخيرا لنجتنب أي مظهر من مظاهر اليهود والنصارى وأهل الكفر قاطبة حتى في الزي واللباس، والشعار ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. والله ولى من والاه وعدو من عاداه، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ام هُمام 11-29-2016 05:48 PM

النداء الخامس والثلاثون: في التحذير من الردة عن الإسلام وبيان صفات المؤمنين الصادقين
الآية (54) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن نداءات الرحمن لعباده وأولياءه المؤمنين تدور حول زيادة هدايتهم. وطلب كمالهم وسعادتهم في الدارين، وها هو ذا تعالى يحذرهم من الردة عن الإسلام، والعودة إلى الشرك، وهذا نادر، وإنما المتوقع هو التهود والتنصر _ والعياذ بالله _، ويدل لذلك تحذيره في النداء الرابع والثلاثين قبل هذا إذ حرم موالاة اليهود والنصارى فقال: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} ، إذ هذا سبيل التهود والتنصر ثم أعلم أن من تولاهم أصبح منهم وبذلك يكون قد ارتد عن الإسلام ودخل في اليهودية أو النصرانية _ والعياذ بالله تعالى _ من السلب بعد العطاء ومن الضلال بعد الهدى. وها هو ذا سبحانه وتعالى يناديهم فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ} أي يرجع {مِنْكُمْ} أيها المسلمون {عَنْ دِينِهِ} الذي هو الإسلام، وقل لي: بم تكون الردة؟ إنها تكون باعتقاد اليهودية أو النصرانية وحبهم وموالاتهم وشهود معابدهم وعباداتهم، والتزى بزيهم، والسير في ركابهم، يفعل ما يفعلون وترك ما يتركون تعبدا وتدينا، فلنذكر هذا ولا ننسه، ونحذر كل مسلم ومسلمة من الوقوع فيه فإنه الردة الموجبة لغضب الله وعقابه كان هذا في التحذير من الردة. أما
صفات المؤمنين الصادقين فقد بينها الله تعالى بقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} .
فأولى هذه الصفات حب الرحمن لهم ولنعم هذه الصفة.
وثانيها حبهم لله تعالى وأعظم بها نعمة.
وثالثها كونهم أذلة على المؤمنين أي هينين لينين.
ورابعها أعزة على الكافرين أي أقوياء أشداء.
وهاتان الصفتان: الرابعة والثالثة جاءت من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1.
وخامسة الصفات: يجاهدون في سبيل الله؛ آي كلما دعا داعي الجهاد حملوا سلاحهم وخرجوا لا هدف لهم ولا غاية سوى رضى الله ونصره دينه وأوليائه.
وسادسة الصفات: أنهم لا يخافون في اعتقاد الحق وقوله والعمل به وإظهاره والدعوة إليه لومة لائم، بل ولا عداء معاد ولا حرب محارب. وذلك لكمال علمهم وصحة إيمانهم وعظيم يقينهم. وقل لي أيها القارئ الكريم بم ختم الله توجيهه لأوليائه شفى هذا النداء العظيم؟ إنه ختمه بقوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
إن هذه الصفات الست التي لا يقدر على إعطائها إلا الله، ولا يستحقها إلا أولياء الله هي من فضل الله تعالى، وفضل الله لا يعطى إلا لمن طلبه ورغب فيه وصدق في طلبه وسلك السبيل المحقق له والموصل إليه، وقل لي بما يطلب هذا الفضل العظيم؟ فإني أعلمك بأنه يطلب بالإيمان بالله، والكفر بالطاغوت إذ قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 2 وإن قلت ما كيفية الإيمان بالله، والكفر بالطاغوت؟ قلت إنها تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله: هو أن يؤمن بالله ربا لا رب سواه، وإلها لا إله غيره، ويعلن ذلك بقوله أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويعبد الله بما شرعه من عبادة بين كيفيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعبد مع الله غيره بأية عبادة ويسخط ولا يرضى بعبادة غير الله أبدا.
وأخيرا أيها القارئ وأحسبك قد فهمت نداء الله وما تضمنه من هداية وهدى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبى ذر فافهمها واعمل بها تكمل وتسعد. أخرج بن كثير في تفسيره رواية أحمد في مسنده رحمه الله إذ قال عن أبى ذر قال أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: " أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن انظر إلى من هم دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقى هذا في أمور الدنيا لا أمور الدين وأمرني أن أصل رحمي وإن أدبرت (قطعت) ، وأمرني أن لا أسأل أحد شيئا، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش ".
فاعلم أيها القارئ الكريم أنك إذا حققت الصفات الست التي تضمنتها آية هذا النداء وأضفت إليها هذه الصفات السبع فقد بلغت ذروة الكمال، وحزت أفضل الخصال، ونلت ما لا ينال إلا بتوفيق وإفضال وإنعام ذي الجلال والإكرام وسلام عليك في الفائزين.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


2 سورة البقرة: 256.

1 سورة الفتح: 29

ام هُمام 11-30-2016 06:14 PM

النداء السادس والثلاثون: في حرمة ولاية من يتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب وغيرهم
الآية (57 _ 58) من سورة المائدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} .
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي العظيم يحرم على المؤمنين ولاية الكافرين، سواء كانوا أهل كتاب كاليهود والنصارى، أو كانوا لا كتاب لهم كالمجوس، أو كانوا مشركين أميين، وعلة هذا التحريم هي اتخاذهم دين الإسلام الحق الذي لا دين يقبله الله تعالى سواه. كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1 ولا شك أن نزول هذه الآية كان لسبب سخرية واستهزاء بعض الكافرين من يهود ونصارى ومشركين بالدين الإسلامي، إذ ورد أن المنافقين واليهود كانوا إذا سمعوا الأذان يضحكون ويلعبون بصوت المؤذن فمنهم من يقول هذا نهيق حمار، ومنهم من يرفع صوته بالأذان ساخرا لاعبا مستهزئا، فأنزل الله تعالى هذا النداء ينهى المؤمنين عن موالاة هؤلاء المستهزئين بشعائر الدين الإسلامى، الضاحكين اللاعبين، كلما أتيحت لهم الفرصة حيث لم يكن معهم من يخافونه من المسلمين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من أمنتم بالله ربا وإلها، وبالإسلام دينا وشرعا، وبمحمد نبيا ورسولا {لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} أي الإسلام وشرائعه وأحكامه {هُزُواً ْ} يستهزئون به {وَلَعِباً} يلعبون به، وبين تعالى المستهزئين اللاعبين فقال: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وهم اليهود والنصارى {وَالْكُفَّارَ} يعنى المشركين {أَوْلِيَاءَ} أي توالونهم بالحب والنصرة. ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بتقواه وهى طاعته فيما أمر ونهى فيفعلون المأمور بحزم وجد، وينتهون عن المنهى، كذلك ومن جملة ما نهاهم عنه موالاة أهل الكتاب والمشركين وبخاصة الذين يستهزئون بالإسلام ويسخرون منه، ويضحكون ويلعبون، إذ موالاة هؤلاء الساخرين المستهزئين لا يسيغها عقل ولا دين. فكيف تصح إذا موالاتهم من أهل الإيمان، لذا قال الله تعالى في ختام الآية {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . وفعلا هم مؤمنون؛ لذا فلا يصح منهم أبدا موالاة أعداء الإسلام المحاربين له الساخرين منه. وفى هذه الجملة المذيل بها الكلام {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ما يجعل حرمة موالاة هؤلاء الكافرين أعظم حرمة وأشدها، إذ موالاة الكافرين محرمة بآية قبل هذه كآية آل عمران: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وآية المائدة قبل ذي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وفى الآية بعد ذي وهى قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} ففي هذه الآية بيان استهزائهم ولعبهم بالدين، إذ الأذان دين وشرع بل هو أظهر الشرائع، وأعلى مقامات الدين، إذ به ترتفع كلمة التوحيد، والنبوة، ويدعى إلى أشرف عبادها وأزكاها وأكثرها تعبدا لله تعالى وهى الصلاة وإقامتها وفى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} تقرير أن المستهزئ بالأذان، الضاحك منه، اللاعب به، يعتبر لا عقل له كالبهائم أو أشر وأضل.
إذ النداء إلى الصلاة بتلك الكلمات السامية الرفيعة الداعية إلى الفلاح بإقامة الصلاة لا يجهل معناها ولا يكرهها إلا من لا عقل له وصدق الله العظيم إذ قال ذلك؛ أي كان ذلك الاستهزاء والسخرية واللعب بالأذان بسبب أنهم قوم لا يعقلون وحقا إنهم لا يعقلون وصدق الله العظيم.
وأخيرا أيها القارئ الكريم إليك بيان حكم الأذان في الإسلام.
إن الأذان فرض كفاية في المدن والقرى، وسنة لجماعة تطلب غيرها، ومستحب لمن يطلب غيره في السفر أو الحضر، إلا أنه في السفر أعظم أجرا لحديث الموطأ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة "، أما الإقامة فإنها سنة مؤكدة لكل صلاة ومن أذن أقام ولو أقام غيره لا بأس وإليك صيغة الأذان والإقامة:
الأذان:
الله أكبر، الله اكبر _ الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح2، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
الإقامة:
الله أكبر الله أكبر _ أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة حي على الفلاح. قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله.
هذا واذكر أن معنى قوله تعالى في الآية: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إنه الأذان للصلوات الخمس. فتح الله عليك في العلم والعمل، وعلى كل مؤمن ومؤمنة فقل آمين آمين.
وسلام على المرسلين، والحمدش لله رب العالمين.
2 في آذان الصبح يزاد جملة: الصلاة خير من النوم مرتين، وذلك بعد قوله: حي على الفلاح.1 سورة آل عمران: 85.


الساعة الآن 09:17 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009